من المعروف أن اتفاق التحكيم يترتب عليه أثر خطير وهو سلب قضاء الدولة ولاية الفصل في النزاع لصالح قضاء خاص يرتضيه الأطراف ، وانطلاقا من هذه الخطورة فقد اتجه الرأي في ظل بروتوكول اتفاقية جنيف لعامي ۱۹۲۳ ، ١٩٢٧ إلى ترك الحرية لكل دولة لتحديد الضمانات التي تراها للتأكد من وجود اتفاق التحكيم.
وهكذا انتهت هاتان الوثيقتان إلي عدم تنظيم المسألة دوليا اكتفاء بالإحالة إلى التشريعات الوطنية في ضوء السياسة العامة التي ينتهجها المشرع في كل دولة علي حده.
غير أن الواقع العملي قد كشف عن تباين مواقف الدول تباينا أدى إلى كثير من الاضطراب في نتائج التحكيم في العلاقات الدولية.
فعلى سبيل المثال أرادت الكثير من الدول ذات التقاليد اللاتينية إحاطة اتفاق التحكيم بضمانات معينة أكثرها شيوعا إخراجه من دائرة التصرفات الرضائية وجعله تصرفا شكليا يدور وجودا وعدما مع عصر آخر غير توافق إرادة الأطراف وهو الكتابة وهذا يعني أن الكتابة مطلوبة لوجوده وليس لإثباته فقط. وعلى النقيض من ذلك فإن التشريعات الأنجلوسكسونية لم تر مانعا لإخراج هذه التصرفات من نطاق الشكلية واعتبرت الكتابة شرطا للإثبات فقط وعلي ذلك فيجوز الاتفاق على التحكيم شفويا وضمنيا.
وقد عالج المشرع الفرنسي مسألة الشكل في التحكيم الداخلي فنص في المادة (١٤٤٣) من المرسوم الفرنسي للتحكيم الداخي عام ١٩٨٠ على أنه يجب أن يكون شرط التحكيم مكتوبا في العقد أو في أي مستند يحيل إليه وغلا كان التحكيم باطلا ونصت المادة (١٤۹۹) من المرسوم الفرنسي للتحكيم الداخلي الصادر عام ۱۹۸۰ على أنه يجب أن تكون مشارطة التحكيم ثابتة بالكتابة.
ومن هنا يثور التساؤل عما إذا كانت القاعدة المنصوص عليها في المواد المذكورة تنطبق على اتفاق التحكيم في مجال التحكيم الدولي أم لا؟
أجابت عن هذا التساؤل المادة (١٤٩٥) والتي تنص على أنه عندما يكون التحكيم الدولي خاضعا للقانون الفرنسي لا تنطبق نصوص الباب الأول والثاني والثالث من هذا الكتاب إلا إذا اتفق الأطراف علي خلاف ذلك.
وعلي ذلك فإن شرط الكتابة المنصوص عليه في هذه المادة لصحة اتفاق التحكيم الداخلي لا يسري علي القانون الدولي إلا إذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك.