يقصد باستقلال اتفاق التحكيم: استقلال اتفاق التحكيم المبرم في صورة شرط التحكيم المدرج ضمن نصوص العقد الأصلي عن هذا العقد.
العلاقة بين شرط التحكيم والعقد الأصلي الذي يحتويه: هل يعتبر شرط التحكيم نصا بسيطا ضمن شروط العقد الأخرى ويرتبط مصيره بمصيرها؟ أو على العكس يجب اعتباره شرطا مستقلا عن بقية شروط العقد الأخرى، أو يجب اعتباره عقدا داخل العقد الأصلي؟
مسألة استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي فقط، حيث إنها مسألة مستقلة عن مسألة اختصاص المحكم بالفصل في اختصاصه أو ما يعبر عنها بمسألة "الاختصاص بالاختصاص" فكلتا المشكلتين مختلفتين: حيث تتعلق مشكلة استقلال شرط التحكم عن العقد الأصلي بمسألة موضوعية هي ما إذا كان المحكم يملك الاختصاص بالفصل حول صحة أو بطلان العقد الأصلي إذا ادعي ببطلانه مما يستلزم تفسيرا للعقد الأصلي المبرم بين الأطراف.
وسنبحث هنا في موقف القوانين الوطنية، والمعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم، ولوائح وأحكام التحكيم من مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي كل في مطلب مستقل.
استقلال اتفاق التحكيم في فرنسا:
مبدأ صحة اتفاق التحكيم كنتيجة الاستقلاله، وكونه بمنأى عن كل بطلان في العقد الأصلي نتيجة تطبيق أي قانون وطني يحكمه. وهكذا محيت فكرة الإسناد كلية من هذا المجال بواسطة فكرة استقلال اتفاق التحكيم للوصول إلى مبدأ صحة اتفاق التحكيم.
استقلال اتفاق التحكيم في إنجلترا:
لم تنص قوانين التحكيم الإنجليزي المتعاقبة أيضا- على مبدأ | استقلال شرط التحكيم ولكنه معترف به قضائيا منذ عام ۱۹۶۲ في حكم مجلس اللوردات في الدعوى الشهيرة: "Heyman V. Darwins.
ولكننا نرى أن الموقف الإنجليزي لم يتطور بل بقي على ما هو عليه منذ قضاء مجلس اللوردات في دعوى "Heyman" عام ۱۹۶۲.
استقلال اتفاق التحكيم في الولايات المتحدة الأمريكية:
استقر مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي في القضاء الأمريكي بحكم المحكمة العليا الأمريكية في دعوى: "Prima Paint عام 1967، والذى بمقتضاه أصبح لشرط التحكيم وجودا قانونيا مستقلا عن العقد الأصلي، أو كما تقول الحكمة: "إن شروط التحكيم الخاضعة لقانون التحكيم الفيدرالى مستقلة عن العقد الذي يحتويها والتي هي جزء منه طالما أن شرط التحكيم نفسه لم ينازع فيه، وبالتالي فإن شرط التحكيم الواسع سيخضع للتحكيم المسائل المتعلقة ببطلان العقد الأصلى.
استقلال اتفاق التحكيم في مصر:
نص قانون التحكيم المصری ۱۹۹4 صراحة على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي في مادته الثالثة والعشرين والتي تنص على أن: "يعتبر شرط التحكيم اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الذي يتضمنه إذا كان هذا الشرط صحيحا في ذاته".
استقلال اتفاق التحكيم في المعاهدات الدولية :
نصت الاتفاقية الأوربية للتحكيم التجارى الدولى ۱۹۹۱ بوضوح على مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي في مادتها الخامسة في فقرتها الثالثة عندما عهدت للمحكم بسلطة الفصل حول وجود أو صحة اتفاق التحكيم أو العقد الذي يعتبر اتفاق التحكيم جزءا منه.| وبالتالي فالاتفاقية قد قررت مبدأ الاستقلالية وكذلك مدت سلطة المحكم للفصل حول وجود العقد الأصلي وصحته على السواء.
كذلك نص القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي ۱۹۸۰ على مبدأ استقلال شرط التحكيم عندما نص في مادته السادسة عشرة في فقرتها الأولى على أنه:
يجوز لهيئة التحكيم البت في اختصاصها بما في ذلك البت في أي اعتراضات تتعلق بوجود اتفاق التحكيم أو بصحته. ولهذا الغرض ينظر إلى شرط التحكيم الذي يشكل جزءا من عقد كما لو كان اتفاقا مستقلا عن شروط العقد الأخرى. وأي قرار يصدر من هيئة التحكيم ببطلان العقد لا يترتب عليه بحكم القانون بطلان شرط التحكيم". وهكذا فإن القانون النموذجي قد قرر بوضوح مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي أو انفصاله القانوني عنه.
استقلال اتفاق التحكيم في لوائح وأحكام التحكيم:
نصت على هذا الاستقلال معظم لوائح التحكيم ومنها لائحة تحكيم الجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية "اليونسترال ۱۹۷۹" عندما قررت المادة الواحدة والعشرين في فقرتها الثانية أن يكون لمحكمة التحكيم سلطة الفصل في وجود أو صحة العقد الذي يشكل شرط التحكيم جزءا منه.
والخلاصة أن مبدأ استقلال اتفاق التحكيم عن العقد الأصلي قد حظى بتأييد القوانين الوطنية والمعاهدات الدولية، ولوائح وأحكام التحكيم بحيث لا يتبقى سوى أن يجاري القانون الإنجليزي هذا التطور، وينص على مبدأ استقلال شرط التحكيم عن العقد الأصلي استقلالا كاملا.