اتفاق التحكيم شأنه شأن أي اتفاق ، يلزم لصحته ما يلزم من شروط لصحة أي اتفاق ، وهي الرضا والمحل والسبب ، إضافة إلى ما قد يفرضه المشترع من شروط أخرى كالكتابة مثلاً . والتحكيم عقد يتم بالإيجاب والقبول ، ويتعين أن تتوفر فيه الشروط التي يتطلبها القانون في سائر العقود ، ومنها صفة المتعاقدين .
فبالنسبة للرضا ، يجب أن تتلاقى وتتطابق إرادة طرفي اتفاق التحكيم على محل الاتفاق ، وهو ـ بصفة أساسية ـ اللجوء إلى التحكيم في النزاع محل الاتفاق . ومن جهة أخرى يجب فيمن يبرم اتفاق التحكيم أن تكون له أهلية التصرف في حقوقه بالنسبة للشخص الطبيعي .
ونظراً لأن التحكيم طريق استثنائي لفض المنازعات ، فيجب أن يثبت قبول الطرفين إياه طريقاً لفض ما نشب بينهما من نزاع أن يكون هذا القبول صريحاً، فلا يعتبر السكوت قبولًا ينعقد به اتفاق التحكيم ، فلو أن أحد طرفي النزاع وجه إيجاباً يعرض فيه فض المنازعات الناشئة عن العقد المبرم بينهما عن طريق التحكيم ، وحدد موعداً للرد على إيجابه ، وانتهى
هذا الموعد من دون رد، فلا يعتبر ذلك ـ على وفق ما ارتآه جانب من الفقه - قبولاً للتحكيم .
وهذا أمر طبيعي، فالأصل ألا ينسب لساكت قول ، ولا يعتبر السكوت قبولاً إلا في حالتي السكوت الملابس والسكوت الموصوف.
وبالنسبة للمحل ، يجب أن تكون المسائل التي ينصب الاتفاق على اللجوء بشأنها إلى التحكيم من المسائل التي يجوز فيها التحكيم ، بألا تكون من المسائل التي لا يجوز فيها الصلح .
«ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ، ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في الحق محل النزاع» .
وقد قضت ـ في هذا الصدد محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي بأنه : « ولما كانت أحكام هذا القانون تتعلق بالنظام العام، فإن المنازعة الماثلة تخضع لأحكامه تغليباً لاعتبارات النظام العام التي دعت إلى إصداره ، فإذا ما كان هذا القانون قد قضى بعدم جواز القيام بأعمال الصلح والتحكيم إلا بإذن من المحكمة فيما يتعلق بمسائل الولاية على المال ، وهو ما يدخل في نطاق المنازعة المطروحة ، فإن ما يترتب على ذلك اعتبار شرط التحكيم الوارد بالعقد شرطاً باطلاً لعدم وجود الإذن ، ولكون لجوء المطعون ضدها إلى القضاء مباشرة يتفق وأحكام القانون ، وإذ توصل الحكم الطعين إلى ذلك مؤيداً لقضاء محكمة الدرجة الأولى ، فإنه أصاب صحيح القانون ، ويضحى ما ورد بهذا السبب واجب الرفض .
ومن الملاحظ أن المادة ( ٤/٢٠٣ ) من قانون الإجراءات المدنية الاتحادي رقم (۱۱) لسنة ١٩٩٣ ، المعدل بالقانون رقم (٣٠) لسنة ٢٠٠٥ تنص على ما يلي :
أولاً : لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح ، ولا يصح الاتفاق على التحكيم إلا ممن له أهلية التصرف في الحق محل النزاع . كما أن المادة ( ١١/٢٢٥) من قانون الأحوال الشخصية رقم : (۲۸) لسنة ٢٠٠٥ لا تجيز للوصي القيام بأعمال الصلح والتحكيم إلا بإذن من المحكمة .
وقد أوضحت محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي أنه : «من الأصول الدستورية أن النص التشريعي لا يسرى إلا على الوقائع التي تلى نفاذه ما لم يقض القانون برجعية أثره ، ولا يجاوز ذلك بأن يسرى هذا القانون على ما يستجد من أحكام ناتجة عن علاقات تعاقدية أبرمت قبل نفاذه ما دامت آثارها سارية في ظله إذ تخضع هذه الآثار لأحكام القانون الجديد تغليباً لاعتبارات النظام العام التي دعت إلى إصداره ، كما هو حال قانون الأحوال الشخصية سالف الإشارة إليه .
وبناء عليه ، خلصت إلى أنه : « ولما كان الثابت من عقد الاستثمار موضوع الدعوى أنه تضمن في البند العاشر من بنوده بين أطرافه اللجوء إلى التحكيم عند حصول منازعات متعلقة بتنفيذ هذا العقد المبرم بتاريخ ۲/۱/ ۱۹۹۷ قبل صدور قانون الأحوال الشخصية آنف الذكر . وكانت المنازعة ـ وإن كانت ناتجة عن علاقة عقدية أبرمت قبل صدوره ونفاذه ، إلا أنها ناتجة عن تلك العلاقة التعاقدية ومن آثارها التي لا زالت سارية في ظل نفاذه .
ولما كانت أحكام هذا القانون تتعلق بالنظام العامة، فإن المنازعة الماثلة تخضع لأحكامه تغليباً لاعتبارات النظام العام التي دعت إلى إصداره ، فإذا ما كان هذا القانون قد قضى بعدم جواز القيام بأعمال الصلح والتحكيم إلا بإذن من المحكمة فيما يتعلق بمسائل الولاية على المال وهو ما يدخل في نطاقه المنازعة المطروحة ، فإن ما يترتب على ذلك اعتبار شرط التحكيم الوارد والعقد شرطاً باطلاً لعدم وجود الإذن ، ويكون لجوء المطعون ضدها إلى القضاء مباشرة يتفق وأحكام القانون ، وإذ توصل الحكم الطعين إلى ذلك مؤيداً لقضاء محكمة التربية الأولى ، فإنه أصاب صحيح القانون ، ويضحى ما ورد بهذا السبب واجب الرفض .
وبناء على ما تقدم ، قضت محكمة استئناف القاهرة ببطلان حكم تحكيم بشأن صحة ونفاذ عقد بيع عقار ، تأسيساً على عدم مشروعية سببه ، لما يؤدى إليه من استبعاد
الدعوى المذكورة من ولاية المحكمة المختصة ، والإفلات من القواعد والإجراءات والرسوم الواجبة التطبيق على هذه الدعوى .
كما اعتبرت محكمة استئناف القاهرة اللجوء إلى التحكيم بقصد الإفلات من ضمانات إعلان الخصوم التي توفرها إجراءات التقاضي أمام المحاكم ، أو بقصد اغتيال حقوق الآخرين من بين حالات عدم مشروعية سبب اللجوء إلى التحكيم .
وقد اشترط قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المصري المشار إليه في اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً ، وجعل الكتابة ركناً لا يصح الاتفاق بدونها ، حيث نص صراحة على أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً .
وبذلك يكون المشرع المصري قطع دابر الخلاف الذي نشب بين الفقه حول ما إذا كانت الكتابة المشترطة هي للانعقاد أم للإثبات ، ويهيب البعض بالمشرع الأردني العدول عن النص على البطلان في هذه الحالة .
وأما المشرع الإماراتي ، فقد اشترط الكتابة للإثبات ، حيث نص على أنه: «ولا يثبت الاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة» .
ولم يشترط المشرع المصري شكلاً معيناً للكتابة ، فليس هناك ما يمنع من أن تكون الكتابة إلكترونية ، بل إن المشرع اعتبر اتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنته ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة .