يقتصر أثر اتفاق التحكيم على العقد أو العقود المشار إليها في الاتفاق دون غيرها . فإذا كان بين الطرفين أكثر من عقد ، ونص أحدها على شرط تحكيم بالنسبة للمنازعات الناشئة عن ذلك العقد، فلا ينصرف الاتفاق على العقود الأخرى، إلا إذا تمت الإحالة فيها على شرط التحكيم. ويقتصر أثر الاتفاق كذلك على النزاع المشترط إحالته للتحكيم دون النزاعات الأخرى، حتى لو نشأت عن العقد ذاته الوارد فيه شرط التحكيم. وضمن هذا النطاق، يكون الاتفاق ملزماً لطرفيه ولهيئة التحكيم "
وأحياناً، يتغير موضوع العقد الأصلي زيادة أو نقصاً، ويكثر ذلك بشكل خاص في عقود المقاولات الإنشائية، حيث يصدر المهندس الاستشاري (المشرف) أوامر تغييرية للمقاول بإضافة أعمال جديدة للأعمال المطلوبة من المقاول، أو حذف بعض الأعمال. ويعتبر التغيير في موضوع العقد على هذا النحو، جزءاً من العقد الأصلي، فتسري عليه أحكامه بما في ذلك شرط التحكيم. فإذا حصل خلاف بين الفريقين بشأن ذلك، يكون الاختصاص بتسويته للتحكيم وليس للقضاء.
وكما تقدم، فإن الاتفاق في صيغة شرط تحكيم، يعني تسوية المنازعات المستقبلية المحتمل وقوعها بعد إبرام العقد. وعلى ذلك، إذا كان أساس النزاع يرجع أصلاً لوقائع سابقة على العقد، فلا يكون النزاع خاضعاً للتحكيم. ومثال ذلك، أن تكون هناك نية مسبقة لإعطاء وكالة (أ) التجارية لـ (ب). ولكن لسبب أو لآخر، يتم إعطاؤها لـ (ج) مؤقتاً بموجب عقد وكالة، يتضمن شرط تحكيم دون علم (ج) بالعلاقة المسبقة بين (أ) و (ب) ، وفيما بعد يفسخ (أ) الوكالة ويعطيها لـ (ب). في هذا المثال، لو تقدم (ج) بدعوى قضائية ضد (أ) على أساس الغش أو الاحتيال السابق على عقد الوكالة بينهما ، تكون دعواه مسموعة ، ويكون النزاع خارج نطاق اتفاق التحكيم.
تقضي بعض القوانين بأن اتفاق التحكيم ملزم حسب ما ورد فيه، وأنه من حيث المبدأ ، لا يجوز رفع دعوى قضائية للفصل في نزاع اتفق الأطراف على إحالته للتحكيم. ومع أنه لا يوجد نص صريح حول هذه المسألة في قوانين أخرى، فإن القواعد العامة تقضي بإلزامية اتفاق التحكيم، ووجوب تنفيذه أسوة بغيره من العقود . كما أن مختلف القواعد الخاصة بالتحكيم، مثل جواز الاتفاق على التحكيم والطعن بحكم التحكيم وتصديقه وتنفيذه، تقتضي بالضرورة إلزامية هذا الاتفاق في حدود ما هو وارد فيه.
ويلاحظ على بعض القوانين أنها نصت على أنه يترتب على شرط التحكيم نزول الخصوم عن حقوقهم في الالتجاء للقضاء . والمقصود بذلك اتفاق التحكيم بوجه عام، سواء ورد في صيغة شرط تحكيم، أو اتفاق منفصل، أو مشارطة تحكيم على النحو المبين سابقاً ، ولا يقصد به قصر الحكم على شرط التحكيم، الذي يرد في العقد الأصلي دون غيره من اتفاقات التحكيم الأخرى.
ومهما يكن من أمر، فإنه متى أبرم اتفاق التحكيم صحيحاً وكان نافذاً، فإنه يرتب آثاره وفق ما هو مبين في القواعد العامة، مع مراعاة القواعد الخاصة به. وحسب القواعد العامة، فإنه يجب تنفيذ العقد طبقاً لما اشتمل عليه، وبطريقة تتفق مع حسن النية، ولا يقتصر الاتفاق على إلزام طرفي التحكيم بما ورد فيه فحسب، ولكن يتناول أيضاً ما هو من مستلزماته وفقاً للقانون والعرف وطبيعة التصرف .
وبتطبيق ذلك على اتفاق التحكيم الصحيح، نقول بأنه يترتب على هذا الاتفاق حرمان أطرافه من حيث المبدأ من الإلتجاء للقضاء بصدد نزاع اتفقوا على إحالته للتحكيم بدلاً من القضاء، ولا يحق لأي منهم العدول عن الاتفاق بإرادته المنفردة (التصرف الانفرادي). وإذا اتفق الطرفان على محكم لتسوية النزاع، فيجب عرض النزاع على ذلك المحكم دون غيره، وليس لأحدهما الالتجاء للمحكمة لتعيين محكم بديل عنه، إلا إذا امتنع المحكم عن القيام بمهمته أو اعتزل من تلقاء نفسه، أو تم عزله أو حكم برده، أو قام مانع حال دون مباشرته لمهمته. ويقع عبء إثبات توفر إحدى هذه الحالات على المدعي الذي يطالب بتعيين محكم بدلاً من المحكم المتفق عليه ، وهي مسألة سنشير إليها بشيء من التفصيل فيما بعد .
وعلى ذلك، يصبح اللجوء للتحكيم حقاً للأطراف من جهة، وواجباً عليهم من جهة أخرى. ومثال ذلك، وجود عقد بين (أ) و(ب) ينص على إحالة خلافاتهما المتعلقة بالعقد إلى التحكيم. فإذا وقع الخلاف فعلاً، وأراد أن يأخذ (أ) صفة المدعي، فيحق له اللجوء إلى التحكيم لتسويته. وفي هذه الحالة، يجب على (ب) أن يمتثل لذلك. والعكس صحيح أيضاً، إذ يجب في هذا المثال على (أ) أن يلجأ للتحكيم وليس للقضاء، وهذا من حق (ب). فإذا لجأ للقضاء بدلاً من التحكيم، كان لـ (ب) إثارة الدفع أمام القضاء بوجود اتفاق تحكيم. فإذا توفرت شروط الدفع، يجب على المحكمة أن ترفض الدعوى. وإذا رد المدعي أمام المحكمة على هذا الدفع بأي ردود أخرى مثل عدم وجود الاتفاق أو بطلانه، أو أن النزاع يقع خارج نطاق التحكيم، فإن إحالة المحكمة القضية للتحكيم، لا يسقط حق المدعي بإثارة هذه الدفوع ثانية، سواء أمام هيئة التحكيم، أو أمام المحكمة فيما بعد، عند النظر بطلب تصديق حكم التحكيم أو الطعن به بالبطلان أو غير ذلك .
ولكن قد يقصر اتفاق التحكيم حق اللجوء للتحكيم لأحد الطرفين دون الطرف الآخر. كأن ينص الاتفاق على أنه في حالة نشوب نزاع بين طرفي العقد (أ) و (ب) ، يحق للطرف الأول (أ) اللجوء للتحكيم. في هذا الفرض، يكون اللجوء للتحكيم رهن بإرادة (أ). ويفهم من صيغة كهذه، أن التحكيم ليس واجباً على (أ) ، وإنما حق له، إن شاء ذهب إلى التحكيم، وإن شاء ذهب للقضاء وفق ما يراه مناسباً. فإذا لجأ لجهة التحكيم أو القضاء، وكلاهما صحيح ، ليس من حق (ب) إثارة الدفع بعدم اختصاص تلك الجهة بنظر النزاع. وعلى العكس، إذا كان الذي بادر باللجوء إلى التحكيم أو القضاء هو (ب) ، فإن من حق (أ) أن يقبل ذلك ويدخل في الإجراءات التحكيمية أو القضائية، أو يرفضه، بإثارة الدفع بعدم الاختصاص .