والعقد اتفاق التحكيم ( يعتمد فى نفاذه على المتعاقدين ويستمد قوته من إرادتهما وقد كان الهدف الذى تسعى إليه معظم التشريعات في هذا الصدد هو العمل على تنظيم أحكام تلك القوة الملزمة للعقد والتي أراد المتعاقدين الخضوع لها وتحديد مداها .
وحتى تستكمل القوة الملزمة للعقد ، فإنه يجب أن يصدر الإيجاب والقبول من المتعاقدين ، وفى حالة توافق الإرادتان ، فإنه يصبح العقد صحيحا ويجب على المتعاقدين أن يقوموا بتنفيذ ما تم التزامهم به في هذا العقد.
ويلاحظ أن الآثار التى تترتب على العقد من حقوق والتزامات تقتصر على المتعاقدين وحدهم ولا تنصرف إلى غيرهما إلا في أحوال معينة وتلك هي القومة الملزمة للعقد .
بالإضافة إلى ماسبق فإن العقد هو ما ابتكرته الإنسانية في تقدمها كأداة لإمكان تبادل النفع فى الحال ووسيلة يتوفر بها الضمان لما قد يحدث من تغيير فى المستقبل في معاملات الأطراف ، ولذلك يجب أن يكون له من القوة والاستقرار ما يكفل له هذا الغرض ، وبالتالى فإنه على قدر ما للعقد من قوة وثبات ، يكون هناك قوة واطمئنان في المعاملات بين الأطراف . ومن أجل هذا أحاطت التشريعات المختلفة العقد بسياج مــن الحماية وذلك من خلال نصوص القوانين الخاصة بكل منها وهذا هو نصت عليه قوانين دول الخليج العربي - الدول محل البحث .
كل ذلك حتى يكون هناك دليل على ما يكون للعقد من أثر في الإلتزام بما جاء فيه ، وأن الأصل هو أنه لايجوز لأحد الأطراف في العقد أن يستقل بنقضه أو تعديله ، أيضا لا يجوز ذلك للقاضي حيث يقتصر دوره على تفسير العقد فقط دون إضافة إليه .
وقد أجمع الفقه على أن القاعدة العامة هي أن العقد (اتفاق التحكيم ) بما ينشئه من حقوق والتزامات لايسرى إلا في العلاقة بين المتعاقدين ويطلق على هذه القاعدة مبدأ نسبية العقد اتفاق التحكيم ) أو (مبدأ نسبية الأثر الملزم ) حيث لا يتلقى الغير حقا ولا يتحمل التزاما بمقتضى هذا العقد اتفاق التحكيم ) الذي لم يكن طرفا فيه .
والعقد (اتفاق التحكيم ) في هذا الصدد يعتبر تصرفا قانونيا بالنسبة للمتعاقدين ولكنه في نفس الوقت يعتبر واقعة قانونية لايجوز للغيــر أن ينكرها ولا المتعاقدين ، وذلك لأن المركز القانوني للغير يتأثر بناء على ما أنشأه العقد (اتفاق التحكيم ) من حقوق والتزامات.
وبناء عليه فإنه يكون للغير الإحتجاج بالعقد (باتفاق التحكيم ) في مواجهة الأطراف ، وأيضا يكون للغير الإحتجاج بالعقد (باتفاق التحكيم ) في مواجهة الغير وهذا هو ما يطلق عليه مبدأ نفاذ العقد .
وقد ذهب الفقه الموضوعي إلى التفرقة بين القوة الملزمة للعقد أو الاتفاق وذلك بوصفه تصرفاً قانونياً ويقصرها على أطرافه والاحتجاج بالعقد بوصفه واقعة قانونية تجاه الغير . ونفاذ العقد بصفته واقعة قانونية يضفى على طوائف الغير واجب عام هو احترام عقود الأخرين بمعنى أنه يشكل في مضمونه التزاماً بالامتناع عن عمل عام مؤداه عدم أنتهاك عقود الأخرين بتصرفات تؤثر فى الاشتراطات العقدية التي تتضمنها هذه العقود بما قد يؤدى إلى إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته تجاه المتعاقد الآخر .
وبناء على ما تقدم فإن الأصل في العقد أو الاتفاق هـو تراضــــــي الطرفين على إبرامه ، أى أنه لا ينشئ علاقة التزام ، إلا بين الطرفين اللذين تراضيا على إنشاء هذه العلاقة فلا ينشئ في ذمة الغير التزاماً ولا يكسبه حقاً وهذا هو ما يعرف بمبدأ نسبية الأثر الملزم للعقد إلا أن العقد بما ينشأه من حقوق والتزامات بين طرفيه هو عبارة عن واقعه إجتماعية لا يمكن تجاهلها .
أيضاً وللغير أن يحتج بالعقد أى أنه يجوز للغير أن يحتج بالعقد بما أنشأه من التزامات في ذمة العاقد وبالتإلى يقرر له الحق في الرجوع على المتعاقد مطالباً إياه بالتعويض عن الضرر الذى أصابه بسبب إخلالــه بالتزامه العقدى .
ولذلك فإن مبدأ نسبية أثر العقد يجب الا يتواجد بمفرده في مجال العلاقات القانونية وإنما يجب أن يقوم جانبه مبدأ أخر وهو مبدأ نفاذ العقد أو سريانه أو الاحتجاج به تجاه الغير أى أنه لا يمكن تصور المركز القانوني الناشئ عن العقد ذا أثر نسبى على أساس أن العقد كواقعة أجتماعية قانونية لابد أن يفرض وجوده واحترامه على الكافة.
وبمعنى آخر أنه يوجد هناك أثر مباشراً للعقد على طرفيه وذلك في إطار الأثر الملزم للعقد ، بالاضافة إلى ذلك يوجد هناك أيضاً أثار غيـر مباشرة تتعلق بنفاذ العقد أو محاجاة الكافة به وفرض أحترامهم عليه .
مما سبق يتضح لنا أنه طبقاً لمبدأ نسبية أثر العقد فإن التصرفات لا تولد أثارها إلا فى محيط الأطراف وحدهم فمن لم ترتض إرادته إنصراف هذا الأثر إليه فهو يظل بمنأى عن هذا الأثر فلا يفيد ولا يضار من هذا العقد ، وذلك في إطار الآثار المباشرة لهذا العقد .
أما إذا خرجنا من دائرة التصرفات القانونية والأثار المباشرة ودخلنا في نطاق الواقعة القانونية سوف نجد أن العقد باعتباره واقعه قانونيــة ( وليس تصرفاً قانونياً ) يمكن أن ينشأ عنه أثار غير مباشرة تتعلق بمحاجاة العقد أو نفاذه من عدمه بالنسبه للغير.
والواقع أنه على الرغم من أن مبدأ القوة الملزمة للعقد قد يتعارض مع مبدأ الاحتجاج به ، إلا أنه لا يمكن تصور إحداهما بدون الأخر وذلك لأن كلا منهما يكمل الأخر.
وبالتالي فإنه يمكن القول بأن هناك فرقاً بين أثار العقد الداخلية وهي التي تنشأ لوجود العقد كتصرف قانوني وتؤثر على أطراف العقد ، وبين آثار العقد الخارجية أو غير المباشرة والتي تنشأ عن العقد كواقعة قانونية ويحتج به الغير أو يحاج به عليه .
كما أن مبدأ نسبية العقود يهدف إلى حماية المصلحة الخاصة للغير بما يولده من قيود على حرية المتعاقدين وذلك مراعاة لحرية الغير واستقلاله .
فإن مبدأ نفاذ العقد يهدف إلى حماية المصلحة الخاصة للأطراف والغير على حد سواء بمعنى أن الأطراف نتيجة لنفاذ عقدهم فهم ملتزمون باحترام ما قررته إرادتهم بنفس القدر الذى يلتزم به الغير باحترام هـذه الارادة وما نجم عنها من علاقة عقدية .
أى أن نفاذ العقد مؤداه هو الامتناع عن كل ما من شأنه الإخلال بما يحتويه هذا العقد من حقوق والتزامات سواء يتعلق بها حق الأطراف أو حق الغير ، وإذا كان النفاذ يحقق مصلحة للأطراف والغير على حد سواء فإنه أيضاً يحقق مصلحة للمجتمع ذاته وذلك بالنظر إلى ما يكفلــه هـذا الاحترام المتبادل من استقرار في التعاملات بين الأفراد .
واتفاق التحكيم باعتباره عقد فإنه ينطبق عليه كل ما ينطبق على العقود بالنسبة لنسبية أثر العقد ونفاذه .. وبناء على ذلك فإنه من الممكن أن يحتج باتفاق التحكيم في مواجهة الغير باعتباره واقعة قانونية وأيضا يحتج الغير به فى مواجهة الأطراف بناء على نفس الصفة .