واتفاق التحكيم هو نقطة البداية في التحكيم والأساس الذي تقوم عليه العملية التحكيمية ككل ، بل هو دستور التحكيم الذي يقوم عليه وأساس مشروعيته ومنه يستمد المحكمون سلطاتهم للفصل في النزاع وهو الذى ينتزع الخصومة من اختصاص القضاء صاحب الولاية العمة للفصل في المنازعات .
والصورة الأكثر شيوعا لاتفاق التحكيم هي شرط التحكيم الذى يضعه الأطراف في العقد المبرم بينهم ويتفقون بمقتضاه على إخضاع المنازعات التي قد تنشأ بينهم عن هذا العقد على التحكيم .
ومن المستقر عليه أيضا أن اتفاق التحكيم يتمتع بالإستقلال عن العقد الذي يحتويه ، ومؤدى هذا الاستقلال أن مصير اتفاق التحكيم متى كان صحيحا في ذاته ، فإنه لا يرتبط بمصير العقد الذى يتضمنه ، فلا يترتب على بطلان هذا الأخير أو فسخه أو إنهائه أي أثر على اتفاق التحكيم الوارد به .
واتفاق التحكيم باعتباره عقدا فإن القوة الملزمة له تكون قاصرة على أطرافه ، ولا يمتد أثره كقاعدة عامة إلى غيرهم ممن لم يبرموا هـذا الإتفاق ، وهذا هو ما يطلق عليه مبدأ نسبية آثار العقد .
وهذا هو ما نص عليه المشرع في المادة ١٤٧ من القانون المدني المصرى ( العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه أو تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقررها القانون ) ، وأيضا نص المشرع الإمارتي في القانون المدني في المادة ۱۲۸ على أن (العقد شريعة المتعاقدين فلايجوز لأحدهما أن يستقل بنقضه أو تعديل أحكامه إلا في حدود ما يسمح به الإتفاق أو يقضى به القانون ) ونص المشرع الكويتي في القانون المدني الكويتي في المادة ۱۹٦ على أن ( العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز لأحدهما أن يستقل بنقضه أو تعديل أحكامه إلا في حدود مـا يـسـمـح بـه الاتفاق ، أو يقضى به القانون ) ، ونص المشرع الإماراتي في القانون المدني الإماراتي في المادة ٢٦٧ على أنه ( إذا كان العقد صحيحا لازما فلا يجوز لأحد المتعاقدين الرجوع فيه ولا تعديله ولا فسخه إلا بالتراضي أو التقاضي أو بمقتضى نص القانون ) .
وعلى الرغم من أن القوة الملزمة للعقد تقتصر على عاقديه دون أن يمتد إلى غيرهما ، ما لم ينص القانون على غير ذلك ، فإنه يوجد بجانـــــب مبدأ نسبية أثر العقد مبدأ أخر هو مبدأ نفاذ العقد ، وقد يطلق عليه مبدأ سريان العقد ، أو مبدأ الإحتجاج بالعقد .
ونفاذ العقد بصفته واقعة قانونية يضفي على طوائف الغير واجب سلبی عام باحترام عقود الآخرين بمعنى أنه يشكل في مضمونه التزام بامتناع عن عمل مؤداه عدم انتهاك عقود الآخرين بتصرفات لاحقة تؤثر في الشروط العقدية التي تتضمنها هذه العقود بما قد يؤدى إلى إخلال أحد المتعاقدين بالتزاماته تجاه المتعاقد الأخر .
وبناء عليه يتضح لنا مما سبق أن اتفاق التحكيم وفقا لمبدأ نفاذ العقد وباعتباره واقعة قانونية فهو يمتد إلى الغير ، ويصبح من الممكن الإحتجاج به في مواجهة الغير ، وفى نفس الوقت يكون للغير الحق في الإحتجاج به ، وذلك لأنه من منطلق نفاذه وبصفته واقعة قانونية يتولد عن أثر خارجي هام مؤداه التزام الغير باحترام عقود الآخرين إذا ما توافرت شروط النفاذ وبصفة خاصة شرط العلم مع تقرير مسئوليته في حالة الإخلال بهذا الإلتزام.