والتوجه الحديث في القوانين التي تنظم التحكيم، هو التوسعة بمفهوم الكتابة، بحيث يشمل ذلك وسائل الاتصال الحديثة، مثل الفاكس والتلكس والبريد الإلكتروني . ونرى أيضاً الأخذ به في القوانين العربية، خاصة مع انتشار التجارة الإلكترونية الدولية والمحلية على حد سواء، والتي أصبحت تعتمد أساساً على وسائل الاتصال الحديثة.
ومن هذا المنطلق، يمكن القول أن مصطلح الكتابة يشمل الكتابة بمفهومها التقليدي، حيث يتفق الطرفان، مثلاً، في محرر أو مستند واحد، على أن أي نزاع بينهما بشأن عقد معين يحال إلى التحكيم، ويوقعان على هذا المحرر أو المستند، الذي قد يرد في صيغة شرط تحكيم في العقد الأصلي ذاته، أو في صيغة اتفاق مستقل عن ذلك العقد. ويكفي في الحالة الأولى، أن يرد التوقيع على العقد الأصلي بما
فيه شرط التحكيم، ولا يشترط التوقيع بجانب هذا الشرط بصورة منفصلة عن التوقيع على العقد .
كما يشمل تبادل الطرفين لرسائل أو برقيات أو عن طريق الفاكس أو التلكس، بحيث يرد في مراسلاتهما عرض من أحد الطرفين بإحالة النزاع إلى التحكيم، وقبول من الآخر على ذلك. ومن نافلة القول أنه لا يشترط أن يكون قبول عرض التحكيم بوسيلة الاتصال ذاتها التي استخدمها الموجب في إيجابه، وهو ما تقضي به القواعد العامة. ومثال ذلك، أن يرسل (أ) إلى (ب) عرضه بإحالة النزاع إلى التحكيم برسالة عادية، فيجيبه (ب) بالقبول عن طريق الفاكس أو التلكس، أو غير ذلك من وسائل الاتصال الكتابية الأخرى.
ويشكل كذلك تبادل الطرفين لأي وسيلة اتصال مكتوبة أخرى، بما يعد سجلاً للاتفاق، ويشمل ذلك وسائل الاتصال الحديثة الموجودة حالياً والتي ستوجد مستقبلاً. ومن أهمها في الوقت الحاضر (غير التلكس والفاكس ، الاتصال عن طريق البريد الإلكتروني أو ما يسمى بالحاسوب أو الكمبيوتر. بل يشمل ذلك، كما نرى، الاتصال بالرسائل عن طريق الهاتف الجوال. المهم في هذه الأحوال ومثيلاتها ، أن يكون كل من الإيجاب والقبول قد أرسل خطياً، وفي الوقت ذاته، يمكن لكل من الطرفين استخلاصه خطياً، سواء من الجهاز الذي يحتوي عليه أو من أي جهاز آخر. ويستوي بعد ذلك أن يكون المرسل طبع رسالته على الجهاز طباعة أو كتبها بخط اليد ، أو لقنها للجهاز بصوته الذي يقوم بتحويل الأصوات إلى كتابة. كما يستوي في الشخص الذي يستقبل الرسالة الخطية، أن يكون استخلصها فعليا من جهازه أو قرأها وأبقاها فيه. فالعبرة في الاستقبال، لإمكانية استخلاص الرسالة (كتابة) كما دوّنت من المرسل، وليس في الاستخلاص الفعلي لتلك الرسالة.
ومن صور الاتفاق المكتوب أيضاً، أن يتم الاتفاق على التحكيم أثناء نظر النزاع من قبل المحكمة، فتقرر المحكمة إحالته إلى التحكيم كما سنبين فيما بعد .
وهناك حالة أخرى يمكن القول بشأنها بوجود اتفاق تحكيم مكتوب بالرغم من عدم وجوده حرفياً. مثال ذلك أن يعلن (أ) بأنه محكم لتسوية النزاع بين (ب) وبين (ج) ، ويطلب من كل منهما أن يتقدم بلوائحه وبيناته. ويتم تبادل ذلك بين الطرفين أمامه، ويستمر (أ) بإجراءات التحكيم، ويصدر حكمه النهائي دون اعتراض من أي منهما طيلة الإجراءات. في هذه الحالة، نرى أن تبادل اللوائح دون اعتراض من أي منهما هو بمثابة اتفاق تحكيم مكتوب . ويضاف لهذه الحالة، حالة مشابهة كثيراً ما تحدث في الحياة العملية. فقد يقع نزاع بين (أ) و(ب) لا يوجد بشأنه اتفاق تحكيم. ومع ذلك، يتقدم (أ) بطلب لإحدى مؤسسات التحكيم، مثلاً مركز دبي للتحكيم الدولي لتسوية النزاع تحكيماً عن طريقه. فيعرض المركز الطلب على (ب) الذي يجيب عليه دون اعتراض. وبعد ذلك، يتم تعيين هيئة التحكيم التي تبدأ بنظر النزاع وتصدر حكمها دون اعتراض من أحد في هذا الفرض أيضاً، يمكن القول بوجود اتفاق تحكيم مكتوب، ممثل في طلب التحكيم من (أ) والإجابة عليه من (ب) دون اعتراض .
ويمكن القول كذلك بوجود اتفاق تحكيم مكتوب، إذا قدم أحد الطرفين عرضاً للآخر يتضمن شروط تحكيم. ويقوم الطرفان بتنفيذ التزاماتهما استناداً لهذا العرض الذي لم يتم قبوله صراحة من الطرف الآخر، ولا يعترض أحدهما على التنفيذ طيلة سريان العقد .