في الفقه الإسلامي لا يحتاج الاتفاق على التحكيم لشهود تشهد على الخصمين بأنهما قدحكما المحكم إلا أنه ينبغي أن يشهد عليهما بالرضا به قبل حكمه لئلا يجحد المحكوم عليه منهما، إذ لو أن الخصمين حكما المحكم فحكم بينهما فأنكر المحكوم عليه منهما أن حكمه فلا يقبل قول المحكم أن الجاحد حكمه إلا ببينه وذلك لأنه يدعي لنفسه عليهما ولاية الحكم بالقول وهو غير مصدق فيما يدعى عليهما إذا كانا يجحدانه .
قانون التحكيم السوداني نص على وجوب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا أي أنه لا يوجد اتفاق تحكيم ، ويكون في حكم الكتابة الرسائلة المتبادلة بين الطرفين عبر وسائل الاتصال المختلفة .
بذلك يكون المشرع السوداني قد أخذ بما تنص عليه اتفاقية نيويورك لسنة (1958م) التي نصت على أن الاتفاق المكتوب بأنه يقصد به شرط التحكيم في عقد أو اتفاق التحكيم الموقع عليه من الأطراف أو الاتفاق الذي تتضمنه الخطابات المتبادلة أو البرقيات، وكذلك القانون النموذجي للتحكيم الدولي نص على أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا ويعتبر هذا الاتفاق مكتوبا إذا ورد في وثيقة موقعة من الطرفين أو في تبادل رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال السلكي أو اللاسلكية تكون بمثابة سجل للاتفاق أو من تبادل من خلال بيانات الادعاء والدفاع فيذكر أحد الطرفين بوجود اتفاق ولا ينكره الطرف الآخر، وتعتبر الإشارة في عقد ما إلى مستند يشتمل على شرط التحكيم بمثابة اتفاق تحكيم شريطة أن يكون العقد مكتوبا وأن تكون الإشارة قد وردت بحيث تجعل ذلك الشرط جزءا من العقد ، ويستلزم كذلك المشرع الفرنسي كتابة شرط التحكيم وإلا كان هذا الشرط باطلا وتستوي أن ترد هذه الكتابة في العقد الأصلي أو في وثيقة يحيل عليها هذا العقد كما أن المشرع الفرنسي كان يستلزم بالنسبة للتحكيم الداخلي تحديد المحكمين أو بيان أسلوب وطريقة تعيينهم وإلا بطل شرط التحكيم .
في قانون التحكيم الأردني يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا وإلا كان باطلا ويكون الاتفاق مكتوبا إذا تضمنه مستند وقع عليه الطرفان أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات عن طريق الفاكس أو التلكس أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة التي تعد بمثابة سجل للاتفاق .
ذات الاتجاه أخذ به المشرع العماني ، اللبناني ، المصري ،اليمني ، القطري،الإماراتي، السعودي والسويسري وبعض التشريعات اعتبرت الكتابة شرط إثبات فنصت على أن لا يثبت الاتفاق على التحكيم إلا كتابة مثل المشرع الإماراتي في القانون الملغي والعراقي والقطري في القانون الملغي والتونسي والبحريني في القانون الملغي والهولندي.
غالبية التشريعات تشترط أن يكون اتفاق التحكيم كتابة ورتبت البطلان على عدم الكتابة وبذلك فإن الاتفاق على التحكيم قد أضحى شكليا، ولعل الفلسفة من وراء اشتراط كتابة الاتفاق التحكيمي دافعها الحرص وسد الباب أمام منازعات فرعية حول وجود أو مضمون هذا الاتفاق.
الشيء الملاحظ أن المشرع السوداني لم يشترط شكلا معينا للكتابة فتكفي الكتابة في سند عادي موقع من الأطراف وغالبية التشريعات المقارنة التي اشرنا إليها آنفا لا تشترط شكلا معينا للكتابة فتكتفي بان يجيء الشرط أو المشارطة في اتفاق مكتوب ويكفي التوقيع من الطرفين على العقد ولو كان الشرط التحكيمي واردا ضمن بنود العقد العامة ولا يتطلب الأمر التوقيع أمام الشرط التحكيمي الوارد في العقد.
كذلك يكفي لصحة الاتفاق التحكيمي التوقيع على العقد الأصلي ولو كان هذا الشرط واردا في ملاحق العقد ما دامت هذه الملاحق مرفقة بالعقد الأصلي عند التوقيع وكان العقد في نصوصه يشير إلى وجود هذه الملاحق .
يعتبر شرط التحكيم متحققا إذا تم النص في العقد الأصلي على الإحالة على وثيقة تتضمن شرط تحكيم كالإحالة على عقد نموذجي في مجال النقل البحري أو بيع البضائع أو عقد تشييد إلا أنه يلزم أن تتضمن الإحالة ما يفيد اعتبار شرط التحكيم الذي تضمنته الوثيقة جزء من العقد الأصلي وفي ذلك قضت المحكمة العليا الجزائرية بأن وثيقة الشحن ذكرت في شروط النقل الرجوع إلى جميع البنود والشروط المتواجدة في عقد إيجار السفينة وحيث أن وثيقة النقل أشارت لعقد إيجار السفينة فإن ذلك يجعل المرسل إليه طرفا في هذا العقد وله الحق في استعمال بند التحكيم المتواجد به، فالإحالة العامة قد يتضح فيها عدم علم أحد الأطراف بوجود شرط التحكيم وبالتالي ينتفي فيها إمكانية القول بوجود تراضي واتفاق مكتوب على شرط التحكيم ويلزم في الإحالة العامة التحقق من علم الطرف الآخر بشرط التحكيم إلا إذا تعلق الأمر بالإحالة على وثيقة ذات شهرة واسعة في مجال التعامل بين محترفين في النشاط الذي تنظمه هذه الوثيقة مثال وثائق الفيديك أو نماذج عقود التأمين التي تصدر عن اللويدز.
يكفى أيضا تبادل الرسائل أو غيرها من وسائل الاتصال لتكوين اتفاق التحكيم مادامت معبرة عن اتفاق التحكيم بمعنى أن يتحقق إيجاب وقبول بينهم بشأن التحكيم فإذا أرسل طرف رسالة أو تلكس يتضمن عرض اللجوء إلى التحكيم في تسوية المنازعات التي قد تنشب بمناسبة العقد الذي يجرى التفاوض لإبرامه فيلزم لصحة الاتفاق على التحكيم صدور قبول الطرف الآخر واتصال هذا القبول بعلم الآخر أما السكوت فقد يعد قبولا في الحالة التي يكون فيها بين الأطراف معاملات جارية وكان التحكيم شرطا فيها أو إذا تعلق الأمر بتجديد عقد يتضمن شرط التحكيم أو في حالة إبرام عقد جديد يحيل إلى شروط العقد السابق التي تتضمن شرط التحكيم.
من التطبيقات القضائية في ذلك ما قضت به محكمة استئناف باريس التي قضت بأنه وبموجب المادة (1/1443) من قانون المرافعات المدنية، يجب أن تنص الاتفاقية الأساسية أو مستند تحيل إليه هذه الأخيرة على شرط التحكيم كتابة وإلا كان باطلا، فهذه المادة تقتضي أن يرد شرط التحكيم في مستند مكتوب إلا أنها لم تنظم شكل الأحكام ولا وجودها التي بالإشارة إلى هذا المستند تشكل اتفاقية تحكيم وبناء على ذلك فإن مجرد ورود شرط التحكيم في إقرار لاحق للاتفاق الشفوي ليس من شأنه أن يؤدي إلى بطلان اتفاقية التحكيم مادام أنه يلبي مقتضيات المادة (1/1443) من قانون المرافعات المدنية.
إذا كان الاتفاق على التحكيم يتم بواسطة وكيل فيلزم أن تكون الوكالة مكتوبة إعمالا لنص المادة (3/417) من قانون المعاملات المدنية السوداني لسنة (1984م) التي تستلزم أن تتوافر في الوكالة الشكل الواجب توافره في العمل القانوني الذي يكون محل الوكالة.
كما أن اتفاق الوكيل على التحكيم يستلزم وكالة خاصة، فالوكالة العامة لا تخول الوكيل سلطة إبرام اتفاق تحكيم أو وضع شرط تحكيم في العقد الذي تمت الوكالة لإبرامه وفي ذلك قضت محكمة التمييز بدبي أن الاتفاق على التحكيم الذي يبرمه الوكيل متجاوزا فيه الأمور المعينة في عقد الوكالة يكون باطلا بطلانا نسبيا لمصلحة الموكل الأصيل ، دون خصمه فيكون للموكل وحده حق التمسك ببطلان الاتفاق على التحكيم.
الخلاصة:
يتضح ومن خلال العرض السابق لموقف المشرع السوداني والتشريعات المقارنة من شرط الكتابة في اتفاق التحكيم أن موقف المشرع السوداني جاء متفقا مع العديد من التشريعات الوطنية والاتفاقيات الدولية التي جعلت من الكتابة في اتفاق التحكيم شرط انعقاد ورتبت بطلان الاتفاق في حالة مخالفة ذلك إلا أن هناك اتجاها في بعض التشريعات الوطنية يجعل شرط الكتابة في اتفاق التحكيم شرط إثبات وليس شرط انعقاد ولا ترتب البطلان في حالة انعدام الكتابة.
في رأيي أن الاتجاه الذي أخذ بالكتابة كشرط انعقاد في الاتفاق التحكيمي هو الاتجاه الذي يتماشى وفلسفة التحكيم ويحافظ على إيقاعه لسد الباب أمام نزاعات فرعية لا حصر لها قد يترتب على إثارتها ذوبان كافة محاسن التحكيم.