لا شك في أن الكتابة Écrit تبوأ المركز الأول في ترتيب أدلة الإثبات واء في الشريعة الإسلامية ، أو في القانون الوضعي ؛ فالشريعة تبرز هذا المركز المتقدم للكتابة وذلك في قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه ". وهذا إرشادا من الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين إذا تعاملوا بمعاملات مؤجلة أن يكتبوها ليكون ذلك أحفظ للقدرها وميقاتها ، فالكتابة هنا للتوثقة " .
ويقصد بالإثبات وفقا لقضاء محكمة النقض اقامة الدليل أمام القضاء بالطرق التي حددها القانون ، فهو قوام الحق الذى يتجرد من كل قيمة ها لم يقم الدليل عليه .
وهكذا تعد الكتابة شرعا وقانونا من أهم طرق الإثبات فهي دليل يعد عند إبرام التصرف وقبل حصول النزاع بشأنه .
وقد أخذ الشرع بالكتابة كأصل لإثبات التصرفات القانونية في السائل المدنية ، وفي ذلك تنص المادة ٦٠ من قانون الإثبات على أنه " في غير المواد التجارية إذا كان التصرف القانوني تزيد قيمته على خمسمائة جنيسه أو كان غير محدد القيمة ، فلا تجوز شهادة الشهود في إثبات وجوده أو القضائه ما لم يوجد اتفاق يقضى بغير ذلك"
وإذا كان مبدأ ثبوت التصرف بالكتابة لم يثر خلفاً يذكر في السواد المدنية ، إلا أن الرأي قد اختلف " ولا يزال حول شرط الكتابة في اتفاق التحكيم ؛ فبينما ترى بعض التشريعات مؤيــدة مــن بعــض الفــه وأحكام القضاء أن اشتراط الكتابة في اتفاق التحكيم للإثبات Ad Probationem . في المقابل ذهبت بعض التشريعات الأخرى يناصرها بعض الفقه وأحكام القضاء إلى اعتبار اشتراط الكتابة في الفساق التحكيم للانتقاد Ad Solemnitatem ، ولعل عدم اتفاق الرأي حــول شرط الكتابة في اتفاق التحكيم يرجع إلى اختلاف الآثار التي قد تترتب على تبني هذا الاتجاه أو ذاك .
الاتجاه الأول : الكتابة وسيلة إثبات :
ذهبت تشريعات بعض الدول إلى اعتبار الكتابة ، مجرد وسيلة لإثبات اتفاق التحكيم ، أيا كان هذا الاتفاق شرطا أو مشارطة ؛ وفي ذلك تص المدة ٢٠٣ / ٢ من قانون الإجراءات المدنية الإماراتي على أنه " ولا يثبت لاتفاق على التحكيم إلا بالكتابة"
وينتهج هذا الطريق كل من القانون الهولندي ( المادة ١٠٢١ مــن انون المراعات ، والقانون الكويت ( المادة ١ مرافعات ) ، والقانون الفرنسي الجديد ، بخصوص مشارطة التحكيم ( السادة ١٤٤٩ مرافعات )، والقانون المورتاني ( المادة 6 من قانون التحكيم )، والقانون القطري ( المادة ١٩٠ / ٢ مرافعات ) ، والقانون الغري ( المادة ٣٠٧) من قانون المسطرة .
وقد كانت المادة ٥٠١ من قانون المرافعات المصري قبل إلغائها تنص على أن التحكيم لا يثبت إلا بالكتابة وفى ضوء النصوص السابقة وغيرها من تأخذ بهذا الاتجاه يمكن القول أن الكتابة وسيلة من وسائل إثبات اتفاق التحكيم ، وليست ركنا وتنص على أنه يتعين إبرام عقد التحكيم كتابة، ويمكن أن يوسع ل محضر نظم أمام الكم أو الحكمين المختارين أو يوم بوثيقة أمام موثق وعدلين أو حتى بسند عربي حسب إرادة الأطراف "
. وقد نصت المادة 3 من قانون التحكيم المصري على أن " تلغي المواد من 1 ٥٠١ إلى ٥١٣ من القانون ١٣ لسنة ١٩٦٨ بإصدار قانون المرافعات المدنية التجارية، كما بلغي أي حكم مخالف لأحكام هذا القانون " . وقد كانت المادة ٢١ من قانون المرافعات رقم ٤٧ لسنة ١٩٤٩ تنص على أنه " لا تثبت مشارطة التحكيم إلا بالكتابة " . أيضا كان شرط الكتابة كوسيلة إثبات منصوصا عليه ، وفقا لعهد روما لتوحيد القانون الخاص Unidroit ، ذلك العهد الذي كان له نشاط كبير في مجال التحكيم التجاري الدولي بحيث يمكن القول أن ما من التفاقية دولية أبرمت بشأن التحكيم أو مشروع لقانون موحد . شيئا عما قام به هذا المعهد من بحوث ودراسات وما أعده من دراسات في هذا المجال.
أو شرط من شروط صحته، فالكتابة لازمة بالنسبة إلى كل عنصر من العناصر المكونة لاتفاق التحكيم ، ذلك أن الهدف منها هو تفادى التراع مستقبلا بن الأطراف حول محتويات اتفاق التحكيم .
وتطبيقا لذلك قضت محكمة النقض المصرية " أن الكتابة شرط لإثبلت قبول الحكم مهمة التحكيم وليست شرطا لانعقاد مشارطة التحكيم ، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد خالف هذا النظر وأقام قضاءه على أن توقيع المحكمين على العقد يعتبر ركنا لانتقاده ، إذا استلزم أن يكون توقيع المحكم على ذات العقد وإلا اعتبر باطلا ، واستبعد علي هذا الأساس الإقرار الصادر من الحكم والذي ضمنه سبق موافقته علي مهمة التحكيم وهو محور له قوة الكتابة في الانبا - ورتب الحكم علي ذلك بطلان الشارطة لعدم انعقادها فإنه يكون قد خالف أحكام القانون. وقضت محكمة الجيزة الابتدائية " أن اتفاق التحكيم يعد من العقود الرضائية التي ترتب آثارها بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول ، دون اقتضاء إفراغها في شكل خاص، سواء تعلق الأمر بشرط تحكيم أو مشارطة .
ولزيادة الأمر إيضاحا ، نرى ضرورة التعرف على الدور الذي تقوم به الكتابة ، سواء في القواعد العامة للإثبات ، أو في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، لعلنا نصل إلى رأى حول هذا الموضوع .
أولا : الكتابة في القواعد العامة :
وفقا للقواعد العامة، فإنه يجب التميز بين الكتابة باعتبارها وسيلة الإثبات التصرف القانوني ، وبين الكتابة لانعقاد هذا التصرف ، في الحمالة الأخيرة تعتبر الكتابة ركنا في التصرف القانوني لا يقوم بدونها ، فالعقد غي المكتوب يكون باطلا وغير موجود حتى مع إمكانية إثباته بالإقرار أو المين الحاسمة ، ومن أمثلة ذلك عقد الهبة ، وعقد الرهن الرسمي .
أما إذا كانت الكتابة لإثبات التصرف ، فإن تخلف الكتابة يؤدى إلى وجود التصرف ، ويجوز إثباته بوسائل أخرى مثل الإقرار أو اليمين .
وبتطبيق ذلك على اتفاق التحكيم أيا كان شرطا أو مشارطة ، يمكن القول أن اعتبار الكتابة ركن من أركان الاتفاق يترتب عليه عدم إمكانية تدارك هذا الركن مستقبلا ، ذلك أن الركن لا يقوم إلا عند إيسام الاتفاق ، فإذا انعدم الركن كان التحكيم باطلا وفقا لما يقرره نص المادة من قانون التحكم الري والقوانين لأخري التي تقر جزاء البطلان تختلفشرط الكتابة في النفاق التحكيم كالقانون الجزائري وغيره .
أما إذا كانت الكتابة لإثبات ، فإنه يمكن تدارك تخلفها فيما بعد بأيسة وسيلة أخرى تقوم مقامها بعد ذلك ، إما وفقا لما تقرره القواعد العامة في قانون الإثبات الإقرار والمين ، أو إذا كان منصوص عليها في أى لو امين أخرى .
وبطبيعة الحال فإنه لا تثور أدين مشكلة حول الكتابة إذا كان اتفـاق التحكيم قد ورد كأحد بنود العقد ، أو في ورقة منفصلة عن العقد سواء قبل أن يثور التراع أو بعده ، حيث يمكن اللجوء إلى اتفاق التحكيم الذى ارتضاه الطرفان كوسيلة بديلة عن القضاء لحل التراع ، ما لم يطعن أيهما بأن بنود هذا الاتفاق تخالف قاعدة من قواعد النظام العام مثلا"