اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للإتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / طبيعة التحكيم في المنازعات الإدارية غير العقدية
من خلال التعريف السابق للتحكيم في المنازعات الإدارية غير العقدية، يمكن أن نخرج منه بوجود بعض المعالم وطبيعة خاصة يتميز بها، ونتناولها كما يلي:
أولاً: أن التحكيم - يجوز فقط بالنسبة لبعض المنازعات التي تنتمي إلى قضاء الحقوق، حيث إنها هي التي تقوم على حماية حق مالي يقبل الصلح والتصرف، فمن المعروف أن المنازعة الإدارية تتخذ صورا عديدة، وقد تناول الفقه في مصر وفرنسا تقسيمها إلى نوعين: النوع الأول هي المنازعات التي تنتمي إلى قضاء المشروعية أو القضاء الموضوعي، بينما النوع الثاني تلك المنازعات التي تنتمي إلى قضاء الحقوق أو القضاء الشخصي.
النوع الأول: المنازعات التي تنتمي إلى قضاء المشروعية أو القضاء الموضوعي.
ويكون ذلك من خلال رفع دعوى خاصة بذلك. حيث تنصب فيها الدعوى على مهاجمة قرار إداري فردي، أو لائحي عام كدعاوى إلغاء القرارات الإدارية غير المشروعة، وفحص مشروعيتها، والدعوى التي يرفعها الأشخاص المطالبة الإدارة بصدور قرارات إدارية تتصل بتنظيم الجنسية والمنازعات المتصلة بالأحوال الشخصية البحتة، والمنازعات الضريبية التي تتعلق بمشروعية قرارات ربط الضريبة وفقا للقانون.
وهذا النوع الأول من المنازعات لا يجوز التحكيم فيه، حيث إنه لا يتعلق بحقوق مالية، بل يتعلق بحماية مبدأ المشروعية، باعتبار أنها تقوم على مراكز قانونية موضوعية أو عامة، تهدف إلى منع الاعتداء عليها، غير أن الطبيعة القانونية لهذا النوع يتنافى مع أحكام اللجوء إلى التحكيم الذي يقوم على التراضي بين أطراف المنازعة والطبيعة الرضائية للتحكيم على نحو ما سنتناوله لاحقا.
النوع الثاني: المنازعات الإدارية التي تنتمي إلى قضاء الحقوق أو القضاء الشخصي.
ويقصد بها تلك المنازعات التي تهدف إلى حماية المراكز القانونية الشخصية أو الذاتية، لما لصاحب هذا الحق من سلطة عليا فيما يسمى بسلطة التصرف في الحق والتنازل عنه، وهي سلطة تعد من أقوى السلطات التي يعطيها الحق العيني على الشيء لصاحبه بالإضافة إلى سلطة الاستعمال والاستغلال ، كما يتمتع القاضي الإداري بسلطات مماثلة في هذه المنازعة، لا تنحصر فقط في إلغاء عمل الإدارة المخالف للقانون بل تمتد لتشمل كل ما يطالب به المدعي من مستحقات وتعويضات ومرتبات، ومن تحديد مركزه القانوني مثل: الدعاوى الخاصة بالطلبات المالية المرتبطة بشئون الموظفين العمومين، والخاصة بالمرتبات، والمعاشات، والمكافآت، ودعاوى التسوية " والمنازعات الناشئة عن العقود الإدارية، والمنازعات الخاصة بطلب التعويض عن الأضرار التي تصيب الأفراد جراء أنشطة الإدارة؛ فهي منازعات تقبل اللجوء بشأنها إلى التحكيم، وكلها حقوق قابلة للتصرف فيها .
ثانيا: يجوز اللجوء إلى التحكيم لفض المنازعات الإدارية غير العقدية التي تتعلق بحقوق مالية تقبل الصلح والتصرف.
ثالثا : في المنازعة الإدارية غير العقدية تكون المنازعة قد نشأت نتيجة إخلال أحد أطراف اتفاق التحكيم بالتزامه الذي يكون مصدره الفعل الضار أو الفعل النافع، أو الإرادة المنفردة، أو القانون وذلك عكس المنازعة الإدارية العقدية، حيث يكون التحكيم فيها قد نشأ نتيجة منازعة في علاقة قانونية عقدية، كالمنازعات الناشئة عن العقود الإدارية.
رابعا : يتصور التحكيم في المنازعة الإدارية غير العقدية - على النحو السابق - بعد نشوب النزاع فلا يمكن اتفاق الأطراف مسبقاً على إحالة النزاع إلى التحكيم، وهنا يبرز دور مشارطة التحكيم، أما في المنازعة الإدارية العقدية فيمكن الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم قبل حدوث النزاع، أو بعده.