الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للإتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / القانون الواجب التطبيق على اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم

  • الاسم

    هشام محمد ابراهيم السيد الرفاعي
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    332
  • رقم الصفحة

    35

التفاصيل طباعة نسخ

أولا: هل يعد اتفاق التحكيم عقدا؟

من المتفق عليه أن اتفاق التحكيم هو عقد يتم باتفاق الطرفين، ويعتبر مظهراً لسلطان إرادتهم، على أن بعض الفقهاء في إيطاليا تسليمهم باعتباره عقداً- يرون أنه عقد ليس له الطبيعة الخاصة للعقود، وإنما له طبيعة إجرائية عامة.. ويستند هذا الرأي إلى أن عقد التحكيم يؤثر في الخصومة، إذ يمنع من عرض النزاع على القاضي.

ويبدو للباحث أن هذا الاتجاه قدم شكلية المصطلحات على مدلولها الموضوعي، فمنع تكييف اتفاق التحكيم على أنه عقد لمجرد انشغال الاصطلاح "عقد التحكيم" بمدلول آخر.

وقد رفض الفقه الراجح ما ذهب إليه هذا الاتجاه م ستندا إلى ما يلي :

أولا : أن اتفاق التحكيم هو عقد حقيقي له كافة أركان وشروط العقد عموماً، ومحاولة حسر التكييف العقدي عنه تعد خطأ علمياً غير مقبول.

ثانيا: أنه إذا كان الاصطلاح الفقهي والتشريعي قد جرى على استخدام "اتفاق التحكيم" على الاتفاق الذي يعبر فيه أطرافه عن رغبتهم في تسوية منازعاتهم بطريق التحكيم، فليس معنى هذا عدم دقة أو عدم ملاءمة فكرة العقد لتوصيف ذلك الاتفاق.

ثالثا: ليس معنی صرف استخدام عبارة "عقد التحكيم" على الاتفاق الذي يتم بين من يرغب في التحكيم وهيئة التحكيم، والذي تعلن فيه هيئة التحكيم قبولها النهوض بمهمة التحكيم، حسر هذه العبارة عن أي اتفاق آخر له أركان وشروط العقد، أي تلاقي إرادتين بقصد إحداث أثر قانوني معين.

رابعا: أن الاستناد في نفي صفة العقد عن اتفاق التحكيم إلى أن "عقد التحكيم" عمل إجرائي و اتفاق التحكيم" ليس عملاً إجرائياً – لأنه يتم في مرحلة سابقة على مرحلة إجراءات التحكيم- مردود بأن اتفاق التحكيم وإن كان عقدا فهو عقد ذو طبيعة خاصة من ناحية موضوعه، وهو سلب الاختصاص بالفصل في النزاع من قضاء الدولة وعهده لقضاء التحكيم. وهذه مسألة إجرائية قولاً واحداً.

خامسا: أن الفقه الراجح يطلق اصطلاح "عقد التحكيم" على "اتفاق التحكيم" الذي يتم بين الأطراف بعد نشوب النزاع بينهم "مشارطة التحكيم" ، ومن ثم فإن محاولة قصر ذلك الاصطلاح على الاتفاق المبرم بين الأطراف والمحكم والذي يقبل فيه المحكم مهمة التحكيم، تبدو مقيدة ومخصصة لاصطلاح عام دون مقتضی مقبول.

ثانيا : هل لاتفاق التحكيم طبيعة إجرائية؟

إلا أن الفقه يختلف من بعد ذلك في إثبات الطبيعة الإجرائية لاتفاق التحكيم أو نفيها عنه.

ويستند هذا الرأي إلى المبررات الآتية:

إن القانون الذي يحكم صحة اتفاق التحكيم سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية ليس هو القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم، فإذا كان هذا القانون قد تم تطبيقه على الاتفاق فقد كان ذلك عند بداية ظهوره في وقت لم يكن قد لحقه بعد

التطور والاستقلال الذي هو عليه الآن.

2- إن المحكم المنوط به سلطة الفصل في النزاع لا يشارك في صنع هذا الاتفاق، ولا يؤثر قبوله أو رفضه لهذه المهمة (الفصل في النزاع) على صحة أو بطلان اتفاق التحكيم.

3- عدم سريان مواعيد الأعمال الإجرائية على تقادم هذا الاتفاق أو سقوطه.

4- عدم خضوع اتفاق التحكيم الدولي لشكلية العمل الإجرائي، كقيام موظف عام بالتوقيع أو التصديق عليه أو كتابته باللغة الرسمية للدولة أو أداء رسم معين عنه.. وما إلى ذلك.

ومتى انتفى عن اتفاق التحكيم الدولي وصف العمل الإجرائي فإنه يصبح من عداد التصرفات القانونية وأن هذه التصرفات هي التي ينتفي عنها وصف العمل الإجرائي.

كما أنه لا محل للقول بأن القانون الذي يحكم صحة اتفاق التحكيم سواء من الناحية الموضوعية أم من الناحية الشكلية ليس هو القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم، فالواقع أن مبدأ قانون الإرادة يجد مجاله الأرحب في التحكيم، وإذا كان اتفاق التحكيم يخضع بحسب الأصل للقانون الذي يختاره الأطراف، فإن إجراءات التحكيم هي الأخرى تخضع وبحسب الأصل كذلك للقانون الذي يختاره هؤلاء الأطراف، وليس هناك ما يمنع قانوناً من أن يكون محل العقد مسألة إجرائية.

رأى الباحث

والراجح في الفقه أن "اتفاق التحكيم" هو اتفاق ذو طبيعة ذاتية أو خاصة ليس كسائر الاتفاقات أو التصرفات القانونية الإرادية، التي تنصب عادة على الحقوق والمراكز القانونية للأشخاص. فهو لا يتصل بتلك الحقوق والمراكز القانونية إلا بطريق غير مباشر.. حيث إن موضوعه المباشر هو نزع الاختصاص بالفصل في النزاع من قضاء الدولة وإعطاؤه للمحكمين، وتلك مسألة إجرائية بالدرجة الأولى، وهذا يقود إلى القول بأن الطبيعة الإجرائية لا تغيب عن هذا الاتفاق.. بل تعمل جنبا إلى جنب مع الطبيعة العقدية له.

والباحث إذ يؤيد هذا الرأي، فإنه كذلك يرى أن الرأي الأول لا يمكن حمله على أنه ينفي الصفة الإجرائية التي تتعلق بمحل اتفاق التحكيم. لأنه كان منصباً على نفي وصف "العمل الإجرائي" عن اتفاق التحكيم؛ بحسبان أن العمل الإجرائي لا يتمتع في ذاته بأي استقلال، وإنما يتأثر بالأعمال الأخرى المكونة للخصومة، والرأي الراجح في الفقه لا يقول أيضاً بأن اتفاق التحكيم عمل إجرائي.

ومن ثم فإن إجماع الفقه منعقد على أن اتفاق التحكيم ليس عملاً إجرائياً.

ونخلص من ذلك إلى أن طبيعة "اتفاق التحكيم" أنه "تصرف قانوني إرادي" فهو عقد رضائي في الأصل، ويكون شكلياً إذا كان الشكل ركناً من أركانه، ملزم لجانبين، إلا أن له طبيعة إجرائية خاصة تتعلق بمحله وتتمثل في كونه ينظم وسيلة تسوية النزاع عن طريق التحكيم.

ويترتب على كون اتفاق التحكيم عقداً وليس عملاً إجرائيا، أنه لا يخضع للشروط التي ينظمها القانون للأعمال الإجرائية، وبصفة خاصة لا يخضع لقواعد بطلان الأعمال الإجرائية، وإنما يخضع لأحكام العقود المقررة في القانون المدني.

كما أن من أهم النتائج التي تترتب على ذلك أيضاً أن القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم هو الذي تخضع له التصرفات القانونية والعقود على وجه خاص، وليس القانون الذي تخضع له الإجراءات.

وعلى ذلك قضت محكمة استئناف القاهرة بأنه:

"التحكيم باعتباره مساراً اتفاقياً لحسم المنازعات، يعني اتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية على أن يتم الفصل في المنازعات التي ثارت بينهم بالفعل أو التي يحتمل أن تثار مستقبلاً عن طريق شخص أو أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين وفيه يتولى الأطراف بإرادتهم نظام التحكيم

الذي يلجأون إليه وزمانه، ومكانه، والنزاع الذي يبغون حسمه بطريق التحكيم، ويحددون كذلك القانون الذي يحكم إجراءات التحكيم والقانون واجب التطبيق على موضوع النزاع أو تفويض المحكمين أي إجراء تسوية النزاع وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف، والتحكيم وإن كان له طابع إجرائي مستقل عن العلاقة الأصلية بين الأطراف، فهو دائماً يبدأ باتفاق الأطراف على الالتجاء إليه، سواء تم الاتفاق على التحكيم قبل وقوع النزاع أو بعد وقوعه، هذا الاتفاق ككل اتفاق يخضع أساساً لأحكام الاتفاق في النظرية العامة للقانون المدني، والتي تقضي بأن الأصل في العقود أن تكون لازمة، بمعنى عدم انفراد أحد المتعاقدين بتعديل العقد دون رضاء المتعاقد الآخر، فإنه لا يوجد ما يمنع من الاتفاق بينهما على تعديل العقد، وكما قد يتم التعديل بإيجاب وقبول صريحين، يصح أن يكون ضمنيا".