الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للإتفاق التحكيم / الكتب / سلطة القضاء إزاء خصومة التحكيم / الحدود القانونية لإتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. فهيمة أحمد علي القماري
  • تاريخ النشر

    2017-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الكتب والدرسات العربية
  • عدد الصفحات

    287
  • رقم الصفحة

    32

التفاصيل طباعة نسخ

الحدود القانونية لإتفاق التحكيم

   إذا كان من حق الأطراف الإلتجاء إلى التحكيم لفض المنازعات التي تنشأ فيما بينهم وذلك إعمالا لمبدأ سلطان الإرادة إلا أن هذا الحق ليس مطلق وإنما يوجد هناك حدودا لممارسة هذا الحق وذلك من خلال ما تسنه كل دولة من تشريعات تحدد فيها قصر الفصل فى بعض المنازعات على قضاة محاكمها .

  وقد تضمنة اتفاقية نيويورك لعام 1958 والتي تتعلق بالإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها فى مادتها الثانية والخامسة، كما يتضمن القانون النموذجي الذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985 في المادتين (34) و (36) منه الإشارة إلى تطبيق أحكامهما بشأن المنازعات التي يمكن حسمها بواسطة التحكيم .

   ويلاحظ أنه يتم تحديد المنازعات التي يجوز حسمها بواسطة التحكيم في كـــل دولة، وذلك وفقا لمجموعة من الإعتبارات السياسية والإقتصادية والاجتماعية لكل منها، ويقع على المشرعين والقضاة فى مختلف الدول مسئولية تحديد التوازن بــين المصالح القومية المحلية والتي تقتضى إبقاء منازعات معينة فى نطاق اختصاص محاكم الدولة وحدها وبين المصالح التي تتطلب العمل على رواج التجارة المحلية والدولية بتيسير حسم منازعاتها بسرعة وبطرق ميسرة عن طريق التحكيم .

   ولاشك أنه فى مجال التجارة الدولية فقد كانت المزايا الإقتصادية الكبيرة التي تتحقق نتيجة لتيسير حسم منازعاتها عن طريق التحكيم هي الدافع الأساسي الذي دفع المحاكم القضائية إلى التوسع فى نطاق حسم المنازعات التي يجوز حسمها طريق التحكيم .

    ولتحديد مدى قابلية منازعة بعينها للتحكيم فإننا سوف نعرض ذلك من خلال القوانين التي تحكم أطراف المنازعة ، وما إذا كان الإتفاق تم إبرامه مع الدولة أو أحد الأشخاص التابعة لها وأيضا من خلال نطاق النظام العام فيها بالإضافة إلى القانون الذي يسرى على اتفاق التحكيم وقانون مكان التحكيم، وأيضا بالنسبة إلى القانون الذي يسرى على تنفيذ حكم التحكيم .

 

أولاً : القوانين التي تحكم أطراف المنازعة وما إذا كان الإتفاق مبرما مع الدولة أو أحد الأشخاص التابعة لها : 

   يتسم تحديد نطاق المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم فى كثير من الأنظمة القانونية في العالم بالغموض وعدم تحديد حدود ما يجوز التحكيم فيه وما لا يجوز بدقة .

   وقد تضمنت بعض التشريعات تحديدا لقابيلة المنازعات للتحكيم علـــى أسـاس الصياغة التي يصب فيها اتفاق التحكيم فعلى حين تكون المشارطة التي تبرم بعد وقوع التراع صحيحة سواء أكان التزاع مدنيا أو تجاريا، فإن شرط التحكيم الذي يحيل المنازعات التي تطرأ فى المستقبل إلى التحكيم لا يصح ولا ينتج أثره إلا بالنسبة للمنازعات التجارية وحدها وهذا هو النهج الذي نص عليه المشرع الفرنسي في المادة (2060) من القانون المدني والمادة (631) من القانون التجاري . 

    وهذا هو الإتجاه الذي اتبعته العديد من الدول التي تأثرت بالقانون الفرنسي وخاصة من البلاد العربية وبلاد أمريكا اللاتينية .

   وعلى الرغم من المعارضة الشديدة التي يبديها الفقه فى فرنسا فإن القانون الفرنسي يفرق بين مشارطة التحكيم وبين شرط التحكيم، والتي ترتب عليها أن يقع شرط التحكيم باطلا ولا ينتج عنه أي أثر ما لم ينص القانون على غير ذلك وهذا هو ما نصت عليه المادة 2061) من القانون المدني (، وقد أجاز المشرع الفرنسي منذ سنة 1925 شرط التحكيم فى العقود التجارية أما إذا كان العقد غير تجارى كأن كانت المعاملة مدنية أو مختلطة بين تاجر وغير تاجر فإن شرط التحكيم يقع باطلا معدوم الأثر.

  إلا أن المشرع الفرنسي اضطر تحت ضغط الحاجة إلى التوسع في إجازة التحكيم في المنازعات الداخلية إلى إصدار القانون رقم 420 لسنة 2001 الصادر في 15 مايو سنة 2001 بتعديل المادة (2061) من القانون المدني لتتضمن إجازة التحكيم في عقود المهنيين بمقتضى وضع شروط فى العقود الخاصة بهم ومن ثم يمتد أثر هذا التعديل بحيث يشمل الحرفيين وأعضاء المهن الحرة وكذلك القائمين بالنشاط الزراعي .

   وقد انحصر جانب هام من المنازعات التي لا يجوز التحكيم فيها في تشريعات بعض الدول فى أنواع من المنازعات المحلية التي لا يعتبر التحكيم في شأنها دوليا، بينما تجيز تشريعات هذه الدول التحكيم فى هذه الأنواع من المنازعات إذا نشأت عن عقود دولية.

   وهذا هو ما يجرى عليه التطبيق فى فرنسا ففي الحالات التي لا يجيز فيها القانون الإتفاق على إحالة المنازعات التي تحدث في المستقبل إلى التحكيم بمقتضى شرط تحكيم يقتصر حظر التحكيم فيه على المنازعات المحلية فقط أما إذا كانــت شـــروط التحكيم واردة في عقود ،دولية، فقد أجازة المحاكم التحكيم في منازعاتها وأخرجهـا القضاء من دائرة الحظر وعلى ذلك فإن تكييف التحكيم بأنه تحكيم دولي أو محلى يترتب عليه تحديد نطاق ما يجوز فيه التحكيم من منازعات وما يقتصر حسم منازعاته على اختصاص محاكم الدولة وحدها .

  وإلى جانب حظر التحكيم فى بعض المنازعات بالنسبة إلى موضوعها وطبيعتها فقد تميز النظام الفرنسي والدول التي أخذت عنه بحظر التحكيم في بعض المنازعات بالنظر إلى أطراف المنازعة . ففي فرنسا لا يجوز للدولة أو الهيئات العامة إبرام اتفاق تحكيم إلا بناء على مرسوم أو قانون يجيز ذلك( المادة 2060 مدني فرنسي ) وقد صدر مرسوم بذلك عام 1982 لصالح الشركة الفرنسية الوطنية للسكك الحديدية S.N.C.F

   أما التشريعات المملوكة للدولة فإنها على خلاف المؤسسات العامة، لا تخضع لحكم المادة (2060) مدني فرنسي .

   وقد أجازت المادة التاسعة من قانون 19 أغسطس 1986 ( والصادر بمناسبة تنفيذ مشروع يورو ديزنى ) للدولة وهيئاتها العامة الدخول كأطراف في شرط تحكيم بمناسبة التعاقد مع شركات أجنبية ابتغاء تنفيذ مشروع يحقق مصلحة وطنية وذلك إذا توافرت شروط معينة. وتتوقف أهلية الشخص الطبيعي أو المعنوي في إبرام اتفاقات التحكيم على حكم القانون الذي يسرى عليه . 

  ويتجه القضاء الأمريكي أيضا إلى تحديد نطاق المنازعات التي يجوز التحكيم فيها في بعض الحالات على أساس دولية أو محلية التحكيم، فإذا نشأت المنازعة التي يحظر التحكيم فيها في العقود المحلية عن عقد دولي فإن القضاء الأمريكي قد حكم بالنسبة لبعض هذه المنازعات بجواز التحكيم فيها وقد كان لحظر دخول الدولة أو أحـــد فروعها فى اتفاقيات التحكيم أثره على النظم القانونية لبعض الدول العربية التي تأثرت بالقانون الفرنسي إذ يسود فيها الإتجاه إلى حظر التحكيم في منازعات العقود الإدارية .

   ومع ذلك وتحت ضغط التطورات الإقتصادية فقد أجاز القانون المصري الصادر بالقانون رقم (9) لسنة 1997 دخول الدولة أو أحد فروعها أو مؤسساتها في اتفاق التحكيم بشرط موافقة الوزير المختص . 

  ومن أمثلة ذلك أيضا : صدور القانون رقم (440) لسنة 2002 في لبنان بإجازة دخول الدولة أو أحد الأشخاص العامة فى اتفاق التحكيم بشرط موافقة مجلــس الوزراء .

  ولا شك أن شرط موافقة الوزير المختص فى مصر وشرط موافقة مجلس الوزراء في لبنان لإبرام الدولة أو أحد الأشخاص العامة اتفاق التحكيم لا يؤثر وليس له أي فعالية بالنسبة للتحكيم الدولي إذا كان الإتفاق قد أبرم دون موافقتهما إذ تسـود قاعدة القانون الدولي التي لا تجيز للدولة الاحتجاج بقانونها للتخلص من التزاماتها .

  ولذلك فإن الصياغة التي اتبعها المشرع التونسي فى المادة (7) خامساً من مجلــة التحكيم التونسية الصادرة بالقانون رقم 42 لسنة 1993 بإجازة اتفاق التحكيم في هذه الحالة إذا كانت المنازعات ناتجة عن علاقات دولية اقتصادية يمثل حلا يتفق وأحكام القانون الدولي العام . وكذلك أحسن المشرع المغربي صنعا في المادة (2 فقرة 3 ) من مشروع المدونة الجديدة إذ نص على أن يستثنى من حظر الإتفاق علــى التحكيم المنازعات التي تنتج عن العلاقات الدولية ذات الطابع الإقتصادي أو التجاري أو المالي التي تخضع للباب الثالث من المدونة والذي يتعلق بالتحكيم الدولي. 

   وأيضًا تضمن القانون الموريتاني رقم 6 لعام 2000 الصادر بمدونة التحكيم في المادة (5/8) منه كما تضمنت المادة (3/422) من الأمر الصادر بالجزائر بـــرقم 54 لسنة 66 في 1966/6/8 والمعدل بالمرسوم التشريعي رقم 9 لسنة 1993 نصوصا مماثلة.