اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للإتفاق التحكيم / الكتب / طرق وأسباب الطعن في حكم التحكيم دراسة قانونية مقارنة / الطبيعة القانونية للاتفاق على التحكيم
وقد لا يكون من النظام العام كما هو الحال في الاختصاص المكاني، ففي هذه الحالة يجوز لأطراف العقد الاتفاق على منح الاختصاص لمحكمة معينة غير المحكمة المختصة أصلا بنظر المنازعات الناشئة عنه، وكثيرا ما تحدث مثل هذه الاتفاقيات في العلاقات ذات الطابع الدولي.
لا تعد الاتفاقات الإجرائية من وجهة نظر الفقه أعلاه عقودا لأن كل اتفاق يراد به إحداث أثر قانوني يعتبر عقدا ولا بد لتكون كذلك أن يقع هذا الاتفاق في نطاق القانون الخاص وفي دائرة المعاملات المدنية والاتفاقات الإجرائية بصفة عامة واتفاق التحكيم بصفة خاصة لا يقعان في نطاق القانون الخاص ولا يقعان في دائرة المعاملات المالية.
ما قالت به الفكرة من أن اتفاق التحكيم هو عقد ملزم للجانبين قد يرسخ إلى أنه من عقود المعاوضة على اعتبار أن كلا الطرفين يلتزم بالامتناع عن اللجوء إلى القضاء والاستعاضة عنه بالالتجاء إلى التحكيم إلا أن التسليم بذلك يعني أن التفرقة بين المعاوضة والتبرع مجرد مرادف للتفرقة بين العقود الملزمة للجانبين والملزمة لجانب واحد خلافا لحقيقة المعاوضة التي يمكن أن تكون ملزمة لجانب واحد كما هو الحال في اتفاق المسئول عن العمل غير المشروع مع المضرور على التعويض المستحق للأخير فضلا على أن التبرع قد يكون ملزما للجانبين كما هو الحال في الهبة، كما أن التحكيم بالقانون يخرج في مضمونه عن عقود المعاوضة أو التبرع فهو لا يرد على حق موضوعي يمكن التفاوض عليه أو التبرع به وإنما يرد على عمل إجرائي يتمثل في كيفية ممارسة حق التقاضي، أما التحكيم مع الصلح فإنه يتضمن المعاوضة والعمل الإجرائي.
كما أن اتفاق التحكيم لا يمكن أن يوصف بأنه احتمالي لأن العقود الاحتمالية وإن كانت الالتزامات الناشئة عنها غير محددة القيمة بمعنى أن كلا المتعاقدين لا يعرف ما يعطيه أو يأخذه إلا أن الالتزامات في اتفاق التحكيم موضوعها مجرد ممارسة حق إجرائي هو حق التقاضي.
كما أن إرادة الأطراف ليست متقابلتين وإنما تتساند كلاهما لتكوين إرادة واحدة تتجه إلى المحكم وتحتجب عن القاضي إلا أن الملاحظ أيضا أن المحكم يعتبر ملزما بموافقة الأطراف على اتفاقهم طالما توافرت فيه شروطه الشكلية والموضوعية فهنا يفترق الاتفاق التحكيمي عن الاتفاق الإجرائي في الخصومة القضائية إذ أن القاضي في هذه الأخيرة غير ملزم بموافقة الخصوم على اتفاقهم وذلك إلا إذا نص القانون خلاف ذلك، وأيضا فإن الاتفاق الإجرائي غير ملزم للخصم فلكل منهما حق العدول فإذا كان الاتفاق على التحكيم ليس من طبيعة العقود ولا من طبيعة الاتفاقيات الإجرائية فماذا يمكن أن يكون؟
اتفاق التحكيم عبارة عن سلطة مشتركة أو مكنة تعترف بها قوانين التحكيم للأطراف بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أم غير عقدية متى ما توافرت شروط معينة تخولهم اختيار تسوية النزاع الناشئ عن تلك العلاقة عن طريق التحكيم للحصول على حكم تحكيمي بتأكيد الحق المدعى به أو نفيه، وهذا الرأي يربط ما بين اتفاق التحكيم واختصاص المحكم وهي مسألة سابقة على نظر الخصومة التحكيمية والفصل فيها، فقوانين التحكيم تضع شروطا لصحة الاتفاق التحكيمى ووسيلة التمسك بتخلف شرط من هذه الشروط هي الدفع بعدم اختصاص المحكم بنظر الدعوى التحكيمية مما يؤدي للحكم بعدم اختصاص المحكم بنظر الدعوى، بل أن المحكم يحكم بعدم اختصاصه بنظر الدعوى التحكيمية دون حاجة إلى تمسك المحكتم ضده بالدفع بعدم الاختصاص إذا كان الشرط الذي تخلف متعلقا بالنظام العام، كما أن الحكم بإختصاص المحكم بنظر النزاع يعني تقرير حق المدعى في تسوية نزاعه عن طريق التحكيم دون القضاء وبالتالي حقة في أن يفصل في موضوعها تحكيميا سواء لصالحه أو لغير صالحه مما يعني أن القانون يعترف للأطراف بحق طرح المنازعات للفصل فيها عن طريق التحكيم دون القضاء، فاتفاق التحكيم صورة من صور حق التقاضي والأخير عبارة عن سلطة أو مكنة يعترف بها القانون متى ما توافرت شروط معينة تخول الحصول على حكم في الموضوع من القضاء فبدون الاتفاق التحكيمي والدعوى القضائية لن يتمكن الأطراف من عرض منازعاتهم للفصل في موضوعها بحكم ملزم لإزالة عوارض النظام القانوني في كل حالة من حالات عدم نفاذه.
هذا التكييف لا يهمل الطابع الاتفاقي للأطراف وأثره ولا ينكر في ذات الوقت الطبيعة الإجرائية لهذا الاتفاق بل يجمع بينهما .