إلا أن القانون لا يمكن أن يتدخل مباشرة لترتيب التزام من الإلتزامات أو حق من الحقوق ، ما لم توجد واقعة معينة أو يقع حادث معين يُرتب عليه القانون ذلك الإلتزام أو هذا الحق
مما سبق يتضح لنا أن دور القانون يقتصر على ترتيب الحقوق والإلتزامات وهو لا يتدخل مباشرة لعمل هذا الترتيب وإنما لابد من وجود واقعة معينة تكون سببا لذلك ويكون هو المصدر المرتب أو غير المباشر لترتيب هذه الحقوق والإلتزامات ، بينما تكون الوقائع المختلفة هي المصدر المباشر والمسبب لها .
وبعبارة أخرى فإن القانون هو المصدر المرتب أو غير المباشر للإلتزام بينما تعد الوقائع القانونية هي المصدر المسبب أو المباشر للالتزام .
حيث أن كل واقعة لابد وأن يرتب عليها القانون أثرا معينا ولذلك تسمى واقعة قانونية وهذا الأثر الذي يُرتبه القانون على حدوث الواقعة ، قد يكون تقرير حق جديد أو تقرير التزام جديد ) أو انقضاء حق قائم ( أو انقضاء التزام قائم ) أو انتقال هذا الحق أو الإلتزام.
ولذلك تكون الواقعة إما واقعة منشئة للحق أو الإلتزام ، أو قد تكون في حالات أخرى سبب لإنتقال الحق أو الإلتزام أو انقضائه . ومن ثم فإن مصدر الحقوق أو الإلتزامات يقصد به السبب القانوني المنشئ لهما وأن الإلتزام هو واجب قانوني خاص لا يتحمل به الشخص إلا بسبب خاص يتوافر بالنسبة له دون غيره من الإشخاص .
الواقعة القانونية قد تحدث تلقائيا بفعل الطبيعة دون تدخل لإرادة الإنسان فيها ، وقد تحدث نتيجة لتدخل إرادة الإنسان في إحداثها ( الوقائع التي هي من فعل الإنسان ) وبناء عليه فإن الوقائع القانونية تنقسم إلـــى الوقائع الطبيعية ، والوقائع الإختيارية التي هي من فعل الإنسان ، وهـى الأساس الذي يعتمد عليه في إثبات مفهوم اتفاق التحكيم كواقعة قانونية ، وسوف نبدأ أولا بشرح الوقائع الإختيارية حتى نصل إلى مفهوم اتفاق التحكيم كواقعة قانونية .
(۱)الوقائع الطبيعية البحتة التي من فعل الطبيعة :
إن هذا النوع من الوقائع يحدث كما قلنا من الطبيعة دون تدخل لإرادة الإنسان فيه ، وهو قد يكون مصدر للحقوق والإلتزامات التي ينتج عن وجودها أثر قانوني .
- الوقائع الإختيارية :
هي الوقائع التي تحدث بفعل الإنسان ، أى تتدخل إرادته في حدوثها ، تنقسم إلى نوعين النوع الأول : الأعمال المادية ، النوع الثاني : : الأعمال القانونية . وسوف نعرض لكل منها على التفصيل الآتى :
النوع الأول : الأعمال المادية :
وهي تلك الأعمال التي يقوم بها الإنسان دون أن يقصد من ورائها ترتيب آثار قانونية ، وأحيانا قد يقصد من القيام بهذه الأعمال المادية أن يُرتب عليها آثار قانونية معينة .وسواء أكانت الآثار القانونية ، قـد إتجهت إليها الإرادة أم لم تتجه ، فإن الواقعة القانونية تعتبر عملا ماديا مادام لابد فيها من فعل مادى، لترتيب الأثر القانوني عليها .
أولا : التقسيم الموضوعي للأعمال القانونية :
يقوم هذا التقسيم على أساس العلاقة بين الأعمال القانونية والمراكز القانونية ، إذ أن من شأن تلك الأعمال أن تؤثر على المراكز القانونية وذلك بإنشائها أو تعديلها أو بإنهائها وتقسم الأعمال القانونية من هذه الناحية إلى ثلاث أنواع : أولا : أعمال مشروعة ، ثانيا : أعمال ذاتية أو شخصية ، ثالثا : أعمال شرطية .
ثانيا : التقسيم الشكلي للأعمال القانونية :
يقوم هذا التقسيم على أساس الشكل الذى يُتخذ للإفصاح عن الإرادة بغرض إيجاد الأعمال القانونية وهي تنقسم إلى : الأعمال الصادرة من جانب واحد ، والأعمال المتعددة الأطراف .
أولا : الأعمال الصادرة من جانب واحد :
وهي تلك الأعمال التي تكون نتيجة للإفصاح عن إرادة صادرة من جانب واحد ، ومثالها في القانون الخاص ( الوصية ) ومثالها في القانون العام ( اللائحة) .
ثانيا : الأعمال المتعددة الأطراف :
وتنشأ هذه الأعمال نتيجة الإفصاح عن إرادتين أو أكثر ، وتنقسم هذه الأعمال إلى نوعين النوع الأول الأعمال الإتفاقية ، النوع الثاني الأعمال الجماعية
الأعمال الجماعية :
وهي تلك الأعمال التى تنشأ من الإفصاح عن إرادات متعددة ، وهي تشتمل على قرار مشترك ، وليست متعارضة ولا تسعى نحو تقريب وجهات نظر مختلفة أو مصالح متقابلة ، بل إنها تتعاون من أجل تحقيق نفس الغرض وتحقيق نفس الأثر المرجو منها وتعتبر القرارات التي تصدر من الهيئات والمجالس ) مثل القرارات التي يصدرها البرلمان عند التصويت على القوانين ، وقرارات الجمعية العمومية للمساهمين في الشركات المساهمة ( من قبيل الأعمال الجماعية .
وبناء عليه فإن اتفاق التحكيم كواقعة قانونية هو يعتبر وفقا لهذه التقسيمات من الأعمال الاتفاقية والأعمال الجماعية والأعمال المتعددة الأطراف وذلك لأنه ينشأ بناء على اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لفض ما ينشأ بينهم من منازعات .
وأيضا من الأعمال الجماعية لأنه من الحكمة أن تكون العقود الجماعية تحتوي على اتفاق تحكيم وهذا الاتفاق يشتمل على مجموعة من الأفراد التي تتفق عليه .
ولذلك فإنه يكون من الوقائع الإختيارية التي تكون بفعل الانسان والتي يترتب عليها أثر.
وبالتالي فهو من الممكن أن يتم الاحتجاج به في مواجهة الكافـــة بوصفه واقعة قانونية وأنه يستطيع هؤلاء الاحتجاج به عليه .
أو بمعنى آخر فإنه يترتب على اتفاق التحكيم مجموعة من الآثار القانونية شأنه في ذلك شأن أي واقعة قانونية تنصرف فيها إرادة الأطراف إلى أحداث أثر قانوني معين ، إلا أنه له خصوصية في الآثار القانونية التي تترتب عليه وهي أنه يترتب عليه ثبوت الإختصاص إلى القضاء بخصوص المنازعات التي تم الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم بشأنها .
الخلاصة :
أنه من خلال استعرضنا لأثر العقد كتصرف قانوني ، وأثره كواقعة قانونية يتضح لنا :
۱ - أن التصرف القانوني يمثل مبدأ الأثر النسبي للعقد ، وذلك لأن الأساس الجوهرى الذى يقوم عليه هو إرادة الأطراف ، وأن القانون ليس له دخـــــل في تحديد الآثار المترتبة على هذا العقد ، وإنما إرادة الأطراف وحدهم هي التي تحدد الآثار القانونية التي تترتب عليه ، وذلك من خلال الإتفاق على جميع البنود الخاصة به ، والشروط والإلتزامات التي يراها الأطراف مناسبة لهم ووفقا لظروفهم . وهذا هو ما يُعرف بمبدأ العقد شريعة المتعاقدين فلايجوز إلغاؤه أو تعديله أو نقله إلا بناءً على تلك الإرادة (م ١٤٧ من القانون المدنى ) ، وهذا هو ما أخذت به النظرية القليدية ، ويرى أصحاب هذه النظرية أن العقد لا يمتد أثره إلى الغير ، وأنه لا يُلزم سوى المتعاقدين فقط وخلفهم العام والخاص ( المادة ١٤٥ من القانون المدنى ) ، ويروا أيضا أن أساس القوة الملزمة للعقد هو ما للإرادة من سلطان ذاتي ، وأن العقد لا يستمد قوته الملزمة من القانون ، وإنما من إرادة أطرافه، ويقتصر دور القانون على الإعتراف بهذا الأثر الملزم للعقد كما أراده أطرافه وأيضا ضمان تنفيذ البنود المتفق عليها في هذا العقد وذلك عن طريق فرض الجزاء على الإخلال به ، وكانت القاعدة عندهم هي ( أن كل ماهو عقدى فهو بالضرورة عادل وأن كل التزام أساسه الرضا والإختيار فهو لابد وأن يحقق العدالة ) .
٢- إلا أنه مع تطور الحياة الإقتصادية والاجتماعية والسياسية ، وظهور العديد من الإتجاهات الإجتماعية والإشتراكية، وزيادة التوسع في الصناعات ، والعمل على زيادة الإنتاج والتوزيع، وظهور أنواع متعددة من الشركات المتعددة الجنسيات، ومجموعات الشركات ، وظهور العديد من الإتفاقيات وعقود العمل الجماعية ، وضرورة الإستقرار في
المعاملات .
وهذا هو ما يُعرف بمبدأ نفاذ العقد أو ( مبدأ الإحتجاج بالعقد ) بالنسبة للكافة ، ويُعبر عن ذلك بالقاعدة الآتية وهى ( أن العقد بما أنشأه من حقوق والتزامات بين طرفيه يتم الإحتجاج به بالنسبة للكافة ) ويكون للغير الحق في أن يحتج به وفى نفس الوقت يتم الإحتجاج به عليه .