اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للإتفاق التحكيم / الكتب / دور القضاء التحكيم التجاري الدولي في خلق قواعد قانونية للتجارة الدولية / الاصل التاريخي للتحكيم
بيد أن الاقتناع بتلك المعطيات وضرورة هذا الاتجاه واهميته في مجال التجارة الدولية، يتطلب منا من ناحية أولى بيان أزمة المصادر التقليدية في هذا المجال وکذا طبيعة التحكيم التجاري الدولي، ومن ناحية ثانية البحث عن الأسباب التي تبرر الاستجابة لهذا الفكر القانوني وقبوله. -
ومن ناحية أولى فطبيعة التحكيم التجاري الدولي بعيدة عن محاولة صبغها بطبيعة تعاقدية أو قضائية أو مزيج منهما، إذ هو جهة أصيلة للفصل في منازعات التجارة الدولية، الأمر الذي يرجع لاتفاق عدالة الفصل التي يهدف إليها وغاية التحكيم،
احتلال إرادة الأطراف مكانتها المطلقة بمجال الفصل بتلك المنازعات، او لما تتمتع به قراراته من سلطة الحسم والحجية التي تمنع من إعادة طرح النزاع مجددا، فضلا عن دورها في بلورة العديد من المفاهيم الوطنية كي تتسق واوضاع التجارة الدولية، أو تفسير وتقرير العديد من عادات واعران التجارة الدولية أمام غياب سلطة عليا تفرض نظام قانونی بعينه، وهو ما قامت على إثره العديد من اشخاص القانون الدولي - بصورة منفردة عن طريق التشريعات الوطنية أو بصورة جماعية عن طريق الاتفاقيات الدولية - بالاعتراف بجدوى هذا النظام المنازعات التجارة الدولية وتحقيق فاعليته باحترام قراراته، مما أكسبه قيمة ورقابة ذاتية يقرر بموجبها اختصاصه بنفسه او مراعاته للمبادئ الأصولية للتقاضي بصفة عامة، بحسب تلك المبادئ تمتد لأي نظام قضائي للفصل في منازعات الأفراد.
وتهيئة المناخ لظهور دور التحكيم التجاري الدولي كمصدر للقاعدة القانونية يتطلب النظر لأداء القضاء الوطني كمصدر واقعى للقاعدة القانونية، تلك النظرة التي ساهمت في تقريرها العديد من النظم القانونية، إضافة لحقيقة النقص التشريعي او الطبيعة مهمته وكونه الأقرب لخلق القاعدة القانونية أو تطبيقها بما تقترضه أصول المواسمة. / ومن ثم كان امتداد تلك السلطة للتحكيم التجاري الدولي أمرا يفترضه النقص القانوني لمعاملات التجارة الدولية والتطابق المهلي لعمل كل من القاضي الوطني والمحكم الدولي وكذلك اعتبارات التجارة الدولية.
ولا يخفي من ناحية ثانية إنه للتعرف على الأسباب التي تبرر الاستجابة للدور محل البحث، أن من الفقه من رای عدم جدوى نظام التحكيم التجاري الدولي كمصدر للقاعدة القانونية بمجالات التجارة الدولية تحت اعتبارات أن قواعده لاتصدر ع ن سلطة عليا فلا تكفل استقرار المعاملات، أو لافتقار قراراته للتسبيب القانوني، أو لكن التحكيم التجارى الدولى احد وسائل الإفلات من اختصاص فضاء الدولة م ا ملطة مطلقة تجعله أقرب لإهدار العدالة لانعدام الرقابة عليه. واخيرا ما يشها إصدار قراراته ذاتها فيجعلها أقرب لسمة القرار التوفيقي لهيئة التحكيو.
الأمر الذي يتطلب تقيم هذا الاتجاه في ضوء مكانة التحكيم بمجالات التجارة الدولية، وما يلزمه بشأن عدم معاملة قرارات التحكيم بالنسبة للتسبيب بنفس المعايير التي يتم بها التعامل مع أحكام القضاء الوطني، وعدم احتكار الأخير لإقامة العدالة بين الأفراد، وعدم سيادة القانون الوطني بمجالات التجارة الدولية، . وأخيرا إن اختلاف آراء المحكمين لا يتعلق دوما بشان خلق قاعدة ما، والتي عادة ما لا يكتفي بشانها بحكم واحد.
وإضافة لذلك فالأسباب التي نراها محاولة من الفكر التحكيمي للارتكان إليها بدوره محل البحث، تنبع من غياب قانون القاضي بالنسبة لمحكمي التجارة الدولية وأثره تجاه تفعيل قراراتهم تجاه النظم الوطنية محل التنفيذ، كذلك من مجرد ئولفر شرط التحكيم التجاري الدولي لتقديم الحلول الملائمة لطبيعة تلك المعاملات، إضافة لما تحتله قرارات التحكيم التجارى الدولى من سلطة كمصدر للسوابق التحكيمية، أو لكونها الأكثر ملاعمة لمعاملات التجارة الدولية وظروف الدعوى.