الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / الطبيعة القانونية للإتفاق التحكيم / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / طبيعة التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد مخلوف
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    544
  • رقم الصفحة

    50

التفاصيل طباعة نسخ

الطبيعة القانونية الاتفاق التحكيم الدولي

بعد أن فرغنا في الفصل السابق من تعريف اتفاق التحكيم والصور التي يندرج تحتها، نتناول الآن الطبيعة القانونية له.

قصد بالطبيعة القانونية الاتفاق التحكيم: التكييف أو التأصيل القانونی او لهذا الاتفاق، هل هو يعتبر عقدا من العقود التي ينظمها القانون في مجال الالتزامات، وبالتالي يخضع للأحكام التعاقدية واجبة التطبيق في هذا الشأن، أم أنه يعتبر اتفاقا من نوع خاص، الايندرج تحت أية طائفة عقدية وثمة تساؤل آخر على قدر كبير من الأهمية وهو: هل يعتبر اتفاق اليس الأساس الذي يستند إليه المحكم في تسوية النزاع، كما أنه يفية كل قيمة قانونية إذا لم يوجد اتفاق التحكيم، أو جاء الأخير باطن منعدما.

يقول الأستاذ A. Ditchev

Le contrat d'arbitrage fait partie intégrante de l'institution de l'arbitrage. Il a un caractère accessoire par rapport à la Convention arbitrale dans le sens qu'il ne peut pas être conclu sans l'existence préalable de la convention arbitrale". 

اما نخلص من ذلك إلى اختلاف اصطلاحی: اتفاق التحكيم وعقد التحكيم. فالأول هو الأساس الذي يستند إليه المحكم في تسوية النزاع، بل هو أساس عملية التحكيم بأكملها، أما الثاني فهو تابع (Accessoire) الاتفاق التحكيم، ولايظهر إلا في مرحلة الإجراءات بقصد تعيين المحكم وتحديد مهمته، علاوة على تنظيم بعض المسائل الإجرائية الأخرى.  طبيعة اتفاق التحكيم الدولي

باعتبار أنه يقوم على حسم نزاع قائم بين طرفين،    ذلك أن عقد الصلح(Contrat de transaction)

تتجه فيه نية الأطراف إلى تسوية النزاع بطريقة ودية، وذلك بأن ينزل كل طرف على وجه التقابل عن جزء من ادعائه أو حقوقه،      وهذا التنازل المتبادل (Concession Reciproque) هو الأساس الجوهرى الذي يتم به حسم النزاع. أما اتفاق التحكيم فلا يهدف إلى تسوية النزاع بشكل ودي، وإنما يهدف إلى حسمه في شكل قضائی خاص، وبإعمال القانون واجب التطبيق علی موضوع النزاع، الأمر الذي لايحدث معه تنازل من أي نوع، سواء عن الحق في الدعوى (Droit d'action

ولا يختلف الأمر حتى في حالة أن يأتی اتفاق التحكيم مع التفويض بالصلح (Amiable Composition)؛ ذلك أن اتفاق التحكيم في هذه الحالة يرمي فقط إلى إصدار حكم قائم على قواعد العدالة (Ex Aequo et Bono) وليس على تطبيق نصوص القانون. وبمعنى آخر، فإن اتفاق التحكيم مع التفويض بالصلح إذا كان به تنازل، فهو تنازل عن تطبيق القواعد القانونية وليس تنازلا عن الحقوق أو عن جزء منها، حيث يظل أطراف النزاع متمسكين بكافة حقوقهم، كما يظل المحكم اله صفة القاضي الذي عليه أن يصدر حكما ينهى النزاع، وهو إن كان ومن الأهمية بمكان ونحن نحلل الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم الدولى، أن ننفي عنه الصفة الإجرائية، فهو لايعد بحال عملا إجرائيا (Acte de procedure)، ذلك أن انعقاد هذا الاتفاق يتم في مرحلة سابقة على مرحلة إجراءات التحكيم. ونجتزیء هنا ما أورده أستاذنا الدكتور فتحي والي في بيانه لطبيعة هذا الاتفاق بقوله: « إن الاتفاق على التحكيم لايدخل في عداد الأعمال الإجرائية ذلك أن هذا الاتفاق يبرم قبل بدء الخصومة، فلا يمكن اعتباره عنصرا من عناصرها، ومادام ليس عنصرا في خصومة، فهو لايأخذ طبيعة أعمال الخصومة، ولايعد بالتالي عملا إجرائيا».     ويشهد على انتفاء صفة العمل الإجرائي عن اتفاق التحكيم الدولى الحقائق التالية: - إن القانون الذي يحكم صحة اتفاق التحكيم سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية ليس هو القانون واجب التطبيق على اجراءات التحكيم. فإذا كان هذا القانون قد تم تطبيقه على الاتفاق، فقد كان ذلك عند بداية ظهوره في وقت لم يكن قد لحقه بعد التطور والاستقلال الذي هو عليه الآن.    إن المحكم المنوط به سلطة الفصل في النزاع لايشارك في صنع هذا الاتفاق، ولا يؤثر قبوله أو رفضه لهذه المهمة الفصل في النزاع على صحة أو بطلان اتفاق التحكيم.  عدم سريان مواعيد الأعمال الإجرائية على تقادم هذا الاتفاق أو

سقوطه.   كان قانون التحكم السويسري القديم من أمثلة القوانين التي تخضع صحة اتفاق التحكيم الدولي إلى قانون مكان التحكيم باعتباره القانون الواجب التطبيق على الإجراءات، آخذا في ذلك بتكييف الاتفاق على أنه من الأعمال الإجرائية. (انظر)

العمل الإجرائی، فكما هو معروف أن العمل الإجرائي لا يتمتع في ذاته بأي استقلال وإنما يتأثر بالأعمال الأخرى المكونة للخصومة.    والواقع أننا لانرمی من نفي صفة العمل الإجرائي عن اتفاق التحكيم البولي إلا لتقرير حقيقة واقعة، وهي أن هذا الاتفاق (التصرف القانونی) الا يقف دوره عند مجرد طرح النزاع على التحكيم، وإنما يؤثر بشكل المباشر وفعال في إيجاد الحل القانوني المناسب لتسوية النزاع.  وهكذا نجد لاتفاق التحكيم الدولى طبيعة خاصة ومستقلة عن أي اتفاق قانونی آخر، فهو إذا كان في عمومه وشموله أحد التصرفات القانونية التي تصدر عن ارادتين أو أكثر، إلا أنه في خصوصه وذاتيته يعد السند الحقيقي في تسوية منازعات عقود التجارة الدولية على نحو ماستراه تفصيلا فيما بعد، ونكتفي بالإشارة هنا إلى بيان بعض الخصائص التي يتميز بها هذا الاتفاق باعتباره تصرفا قانونيا. خصائص اتفاق التحكيم الدولي م صر ا- اتفاق التحكيم الدولي من التصرفات الملزمة للجانبين: من أولى الخصائص التي يتميز بها اتفاق التحكيم الدولي هو أنه تصرف ملزم للجانبين، بمعنى أن الالتزامات التي ينشئها تثقل كلا من طرفيه، ولا غرو في ذلك، فهو تصرف يقوم على الإرادة ، فهي التي تنشئه حتى ولو تطلب القانون أن تفرغ في شكل معين (الكتابة ) كما هو الحال بالنسبة لتشريعات بعض الدول. وتتجه إرادة الأطراف في اتفاق التحكيم الدولي إلى إحداث أثر قانونی معين يتمثل في استبعاد قضاء الدولة من الفصل فيها من محكم أو عدة محكمين. ويظل الطابع الملزم لاتفاق التحكيم قائما حتى ولو انتهت المدة التي حددها الأطراف لصدور حک التحكيم. هذا ويترتب على كون اتفاق التحكيم تصرفا ملزما للجانبين أنه لا يجوز لأحد الأطراف الانسحاب منه بإرادته المنفردة.   

- ولم يكن اتفاق التحكيم في القوانين الإنجليزية القديمة تصرفا ملزما للجانبين، اذ كان يستطيع أحد الأطراف التحلل منه كلية بدفع مبلغ من المال كشرط جزائي يقابل عدوله.  أما القضاء الإنجليزي، فقد استقر منذ حکم مجلس اللوردات في دعوى (Scott v. Avery

على أن اتفاق التحكيم لايجوز العدول عنه من جانب واحد، وإذا حدث ذلك فإن الطرف الذي عدل لايستطيع اللجوء إلى المحاكم ليطلب منها حسم النزاع، وإنما يجب عليه الالتزام بالاتفاق حتى صدور حكم التحكيم، ثم يلجأ إلى المحكمة بعد ذلك إن اراد الطعن عليه السبب أو لآخر.

   محكمة النقض الفرنسية، الحكم الصادر بتاريخ 18 من فبراير ۱۹۹۹، حيث جاء فيه: «إن انتهاء المدة التي يجب أن يصدر خلالها حكم التحكيم دون أن يتم ذلك، ثم يسارع أحد الأطراف باللجوء إلى المحكمة العادية لطرح نفس النزاع يجعل قرار المحكمة بعدم اختصاصها لوجود شرط التحكيم قرار ملزمة» ومبدأ «حسن النية في تنفيذ الاتفاقات التولية»، وهو من بعد لن يسلم من تنفيذ خصمه لهذا الاتفاق رغما عنه، وربما استطاع أن يكسب دعواه ضده، وفي هذه الحالة لن يجد صعوبة في تنفيذ حكم التحكيم وفقا لأحكام اتفاقية نيويورك اتفاق التحكيم الدولى يكتسب وصف كل من الالتزام المنجز والالتزام المعلق.

يتميز ثانیا اتفاق التحكيم الدولي باعتباره تصرفا قانونيا بأنه يجمع بين وصف كل من الالتزام المنجز والالتزام المعلق؛ فهو التزام منجز إذا تم الاتفاق عليه بعد نشوء النزاع (المشارطة) حيث يتم تنفيذ الاتفاق مباشرة باتخاذ إجراءات التحكيم، وهو التزام معلق إذا تم الاتفاق عليه قبل نشوء النزاع (شرط التحكيم)، وفي هذه الحالة الأخيرة يكون الالتزام معلقا على شرط واقف (Condition Suspensive) هو حصول النزاع، وهو أمر قد يقع أو لايقع

ويترتب على كون اتفاق التحكيم معلقا على شرط واقف عدم تقادم الحق في الدعوى طوال فترة التعليق، ذلك أن هذا الحق لأينشأ إلا إذا حدث النزاع (تحقق الشرط)، ومادام لم يحدث، فلا تبدأ مدة التقادم.    هذا ولايسوغ لأحد طرفي الاتفاق المعلق على شرط واقف أن يستقل بنقضه دون إرادة الطرف الآخر اتفاق التحكيم من التصرفات المعتادة بالنسبة للشركات التجارية:

يتميز أخيرا اتفاق التحكيم الدولى بأنه من التصرفات المعتادة للشركات التجارية فيما تبرمه من عقود تجارية على الصعيد الدولي . وهذا هو ماحكم به القضاء الفرنسي في دعوى تتلخص وقائعها في قيام احد الشركاء بالتوقيع على اتفاق تحكيم (مشارطة) لتسوية النزاع الذي نشأ بين شركته السويسرية (Societe Intercast) وشركة تجارية فرنسية (Société Peschaud)، ولأن هذا الشريك لم يكن مفوضا من قبل الشركة في إبرام هذا التصرف، فقد طعنت الشركة السويسرية على هذا الاتفاق بالبطلان. غير أن محكمة استئناف باريس في الحكم الذي أصدرته في      4 من يناير 198     4 رفضت هذا الطعن وألزمت الشركة السويسرية بتنفيذ حكم التحكيم، مقررة المبدأ القانوني التالي: « إن التوقيع على اتفاق التحكيم هو أحد الأساليب الطبيعية لتسوية المنازعات التي تحدث بينهم