طبيعة اتفاق التحكيم:
اتفاق التحكيم بهذا المعنى هو تصرف قانوني إرادي بل هو عقد حقيقي كسائر العقود المعروفة في القانون المدني، حيث يتوافر له أركان: (أطراف/ محل/ سبب).
وهو عقد أيا كان (الوقت / الشكل) الذي يتم فيه بحيث لا يصح أن نقصر عبارة "عقد التحكيم" علي الاتفاق علي التحكيم اللاحق علي نشأة النزاع.
ويلاحظ علي اتفاق التحكيم، باعتباره تصرفًا قانونيًا أو عقدًا عدة أمور:
من ناحية أنه اتفاق رضائي لا بد فيه من التوافق إرادة طرفيه، بإيجاب وقبول متطابقين حول إخضاع النزاع الناشئ أو الذي سينشب عن علاقاتهما القانونية للتسوية بطريق التحكيم.
علي أن التراضي قد لا يكفي وحده لوجود اتفاق التحكيم بل يلزم أن يتم إفراغه في شكل كتابي وهذا ما يستلزمه قانون التحكيم المصري صراحة بقوله "يجب أن يكون الاتفاق التحكيم مكتوبًا وإلا كان باطًلا (المادة 12) علي التفاصيل الذي سنراه لاحقًا.
ثانيًا: وقت الاتفاق على التحكيم:
- تحديد وقت الاتفاق: التحكيم هو، بالأصل، نظام قضائی اتفاقي، يتم التراضي عليه من قبل الأطراف الراغبين في تسوية منازعاتهم عن طريقه. فهم المخاطبون بالقواعد القانونية الواردة في قانون التحكيم، والتي تمنحهم الحق في اتخاذ التحكيم سبيلًا لفض منازعاتهم. وهم يملكون زمام الأمر في هذا الشأن، يذهبون إلى التحكيم برغبتهم، ولا يساقون إليه إرغامًا.
وبتلك المثابة، فإنهم يملكون، وحدهم، تحديد اللحظة التي يصار فيها إلى التحكيم، لحظة إبرام تصرفاتهم وبدء التعامل بينهم، أوقت أن يدير أحدهما وجهه عن الآخر ويدب الشقاق بنيهما.
وعلى هذا نصت مختلف نظم وقوانين التحكيم.
فالفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون التحكيم المصري نصت على أنه "يجوز أن يكون اتفاق التحكيم سابقًا على قيام النزاع سواء قام مستقلًا بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين... كما يجوز أن يتم الاتفاق على التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية..."
وهذا النص له أصل في القانون النمطي للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي لعام 1985 (المادة 7)، وله نظير في القوانين المقارنة الأخرى، كقانون التحكيم اللبناني لعام 1985 (م763 و765 محاكمات مدنية) وقانون التحكيم الهولندي لعام ١٩٨٦ (م ١٠٢٠ إجراءات مدنية) وقانون التحكيم البلغاري لعام ۱۹۸۸ (م7) وقانون التحكيم التونسي لعام ۱۹۹۳ (م4,3) وقانون التحكيم البرازيلي لعام 1996 (م9,4) وقانون التحكيم الإنجليزي لعام ١٩٩٦ (م6) والقانون الألماني لعام ۱۹۹۷ (م ۱/ ۱۰۲۹ إجراءات مدنية) وقانون التحكيم السويدي لعام ١٩٩٩ (المادة الأولى)، وقانون التحكيم الموريتاني لعام ۲۰۰۰ (المادتان ٥,٤)... كما نصت بعض لوائح هيئات التحكيم النظامية أو الدائمة على ذلك.
من ذلك المادة الأولى من لائحة إجراءات التحكيم التجاري لدى مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لعام ١٩٩٤ التي نصت على أن يكون "اتفاق الأطراف كتابة على الالتجاء للتحكيم سواء قبل نشوء النزاع (شرط التحكيم) أو بعده (مشارطة التحكيم).
والبادئ أن التشريعات ولوائح هيئات التحكيم تأخذ من ذلك المعيار الزمني criteria temporis، أي القائم على لحظة ووقت الاتفاق على التحكيم بالنسبة لوقت نشوء النزاع، للتفرقة بين ما يسمى شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم.
فشرط التحكيم يتم الاتفاق عليه" قبل نشوء النزاع. أما مشارطة التحكيم فيتم الاتفاق عليها بعد نشوء النزاع.
(111).