اتفاق التحكيم / الاتفاقيات الدولية لا تكفي وحدها لإلزام الاطراف للإلتجاء إلى التحكيم / الكتب / قانون التحكيم في النظرية والتطبيق / الاتفاقيات الدولية لا تكفي وحدها لإلزام الأطراف بالالتجاء إلى التحكيم
الاتفاقيات الدولية لا تكفي وحدها لإلزام الأطراف بالالتجاء إلى التحكيم:-
يعتبر اتفاق التحكيم أساسًا للتحكيم سواء كان تحكيمًا وطنيًا أو تحكيمًا دوليًا. ويثير هذا الأخير مشكلة عندما يتم اتفاق بين دولتين أو أكثر لتشجيع وحماية الاستثمار الأجنبي، ويتضمن هذا الاتفاق نصًا يلزم أطرافه بتضمين عقود الاستثمار التي تبرمها الدولة الطرف مع المستثمر الأجنبي بندًا يقضى بأن الخلافات التي تقوم بين الدولة والمستثمر الأجنبي يفصل فيها بواسطة التحكيم وهو ما يسمى بالتحكيم الإلزامي الدولي.
وقد ذهب مركز واشنطن - المنشأ وفقا لاتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخرى بتاريخ ١٩٦٥/٣/١٨ – إلى أن للمركز ولاية نظر المنازعة إذا قامت هذه المنازعة بين مستثمر وإحدى الدول الموقعة على هذه الاتفاقية أو الموقعة على اتفاقية أخرى بين دولتين تحيل الخلافات في مركز تحكيم تلك الاتفاقية، وذلك دون حاجة إلى شرط تحكيم خاص في عقد الاستثمار الموقع بين الدولة والمستثمر أو إبرام مشارطة تحكيم بينهما. وهو نفس ما اتجه إليه مركز التحكيم التابع لغرفة التجارة الدولية بباريس C. C. i... وأيده بعض الفقه مستندًا إلى أن الدولة بتوقيعها اتفاقية حماية وتشجيع الاستثمار تقدم إيجاب في اتفاق تحكيم أمام المركز، وحينما يطلب المستثمر التحكيم أمام المركز فإن هذا يعتبر قولا منه للإيجاب المقدم من الدولة الموقعة على الاتفاقية، وبهذا يكون قد تم توافق إرادتين مما يعتبر اتفاق على التحكيم.
ويكون الأمر كذلك، إذا تضمنت الاتفاقية بين الدولتين إحالة ما ينشأ من منازعات بين رعايا الدولتين بشأن عقود مستندة إلى هذه الاتفاقية إلى التحكيم أمام مركز تحكيم معني، فمثل هذه الاتفاقية الدولية لا تلزم الطرفين بالالتجاء للتحكيم كاثر للاتفاقية.
وقد وجد هذا التيار الفقهي المعارض تجاوبًا من القضاء الفرنسي ففي قضية تتلخص وقائعها في أن اتفاقية أبرمت بين لبنان ورومانيا سنه ۱۹۸۰ بشأن التجارة والمدفوعات بين البلدين، وتضمنت الاتفاقية إحالة الخلافات الناشئة عن تفسير أو تنفيذ العقود المستندة إلى هذه الاتفاقية إلى التحكيم بغرفة التجارة الدولية بباريس. وحدث أن أبرمت شركة لبنانية عقدًا مع شركة رومانية حكومية، استنادًا إلى تلك الاتفاقية، تضمن شرط تحكيم أمام غرفة تجارة وصناعة بوخارست لجأت الشركة اللبنانية إلى التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس استنادًا إلى الاتفاقية المبرمة بين الدولتين. ونظر المحكم المعين من قبل هذه الغرفة النزاع وحكم فيه باعتباره مختصًا وفقًا للاتفاقية بين الدولتين. وعندما استؤنف الحكم أمام محكمة استئناف باريس، قضت في حكمها الصادر بتاريخ 1999/6/1 ببطلان حكم التحكيم لصدوره ممن لا ولاية له بنظره اعتبارًا بأن الإرادة المشتركة للطرفين هي وحدها التي تمنح المحكم سلطته القضائية.
وقد وجد هذا الحكم- بحق- ترحيبًا من الفقه، ذلك أن الاتفاقية التي تبرم بين الدول متضمنة الالتجاء إلى التحكيم بشأن المنازعات التي تنطبق عليها أن كانت تلزم الدولة الموقعة بالسماح بالتحكيم بالنسبة لهذه المنازعات، فإن أطراف هذه المنازعات لا يلتزمون بالالتجاء إلى التحكيم والتخلي عن الالتجاء إلى المحكمة المختصة إلا بإرادتهم الحرة أي باتفاق بينهم على التحكيم. فاتفاق الطرفين على التحكيم هو وحده مصدر سلطة المحكمين.
(111).