ومن ثم لا يترتب على اتفاق التحكيم سلب اختصاص القضاء بنظر النزاع، بل كل ما يترتب على وجود اتفاق التحكيم صحيحاً و موافقاً للقانون حق الخصم الآخر في الدفع بوجود اتفاق التحكيم، والمحكمة عندما تتأكد من وجود هذا الاتفاق صحيحاً وموافقاً للقانون تغلب إرادة الأطراف ورغبتهم في الالتجاء للتحكيم أو الاستمرار دون القضاء، وفي هذه الحالة تحكم المحكمة بعدم الاختصاص بنظر النزاع، وأساس تغليب المحكمة الإرادة الأطراف في هذه الحالة هو إجازة المشرع.
وهذا الاتفاق لا يمس حق الإلتجاء للقضاء المكفول للكافة (م 88 من الدستور)، وهو من الحقوق العامة التي لا يجوز النزول عنها، واتفاق التحكيم يتضمن إجازة المشرع الأفراد على اختيار هيئة تحكيم الفصل في النزاع بحكم ملزم، ولا يمس هذا الاتفاق بالولاية العامة للقضاء، إذ الاتفاق على التحكيم لا يسلب ولاية القضاء ينظر النزاع، بل يظل للقضاء الولاية العامة في نظر المنازعات المدنية والتجارية، فيكون للأفراد التنازل عن الاتفاق صراحة أو ضمناً والالتجاء للقضاء، إذ اتفاق التحكيم لا يتضمن النزول عن حق الالتجاء للقضاء، فيكون للأطراف الالتجاء للقضاء في حالة اتفاقهم على التنازل عن التقاق التحكيم أو في حالة سقوط اتفاق التحكيم وبطلانه.
. من ناحية ثانية، لا يخل اتفاق التحكيم بمبدأ المساواة الذي كفله الدستور لكل الأفراد أمام القانون (م 40 من الدستور)؛ لأن اتفاق التحكيم لا يكون لفئة من الناس دون القنة الأخرى، ولا يتضمن تمييز الأشخاص على أخرين أمام القضاء.
السؤال، هل موضوع اتفاق التحكيم فيه مخالفة لقواعد الاختصاص الولائي والنوعي؟..
خص المشرع جهة القضاء العادي بالمنازعات المدنية والتجارية والأحوال الشخصية، ووزع على هذا الأساس محاكم القضاء العادي على مستوى الدولة، كما خص المشرع جهة القضاء الإداري بنظر المنازعات الإدارية والتي تعتبر الدولة طرف فيها، ووزع المحاكم الإدارية وحدد تشكيلها وعند القضاة الذين يتولون العمل بها وخبراتهم.
وقد نصت المادة 109 من قانون المرافعات المصري على تعلق الدفع بعدم الاختصاص الولائي بالنظام العام، ونص على التزام المحكمة الحكم به من تلقاء نفسها، ويجوز الدفع به في أي حالة تكون عليها.
ولا يمس اتفاق التحكيم في هذه الحالة بقواعد الاختصاص الولائي؛ لأنه لا يتضمن انتزاع من اختصاص جهة قضائية إلى جهة قضائية أخرى، بما يخل بالافتراضات التي بني عليها المشرع الاختصاص الولائي لكل جهة من جهات القضاء.
ولا يمس اتفاق التحكيم في هذه الحالة بقواعد الاختصاص النوعي؛ لأنه لا يتضمن انتزاع اختصاص محكمة لصالح محكمة أخرى ولا يخل بالافتراضات التي بني عليها المشرع الاختصاص النوعي لكل محكمة من محاكم القضاء العادي، الأمر الذي لا يترتب عليه انتزاع المنازعات من اختصاص محكمة وتكدسها أمام محكمة أخرى، أو نظر المنازعة أمام محكمة غير مشكلة وفقاً لما نص عليه القانون، أو أمام قضاة غير مؤهلين من ناحية الخبرة لنظر تلك المنازعات.