الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / تعريف اتفاق التحكيم وطبيعته القانونية / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / المشاكل القانونية المتعلقة بصفة الدولة كطرف في اتفاق التحكيم

  • الاسم

    د. أحمد مخلوف
  • تاريخ النشر

    2005-01-01
  • اسم دار النشر

    دار النهضة العربية
  • عدد الصفحات

    544
  • رقم الصفحة

    243

التفاصيل طباعة نسخ

 يثير تدخل الدولة كطرف في اتفاق التحكيم الدولي مشاكل قانونية عديدة، سواء فيما يتعلق بإبرام هذا الاتفاق، أو عند اتخاذ إجراءات التحكيم، أو عند تنفيذ الحكم الصادر من المحكمين. ففي كل مرحلة من هذه المراحل قد تتمسك الدولة بما لديها من امتیازات معينة كالحصانة القضائية، والحصانة ضد التنفيذ للحيلولة دون الخضوع لقضاء التحكيم أو تنفيذ الحكم الصادر ضدها.

كذلك قد تنازع الدولة في أهليتها أو قدرتها على إبرام هذا الاتفاق، خاصة إذا كان تشريعها الوطني يحظر عليها اللجوء إلى التحكيم. ولا شك أن ذلك كله يؤثر على فاعلية اتفاق التحكيم الدولي، ويحول لون تحقيق الغاية المرجوة منه في تسوية منازعات عقود التجارة الدولية. لذلك سوف نقسم دراستنا في هذا الفصل في ضوء المشاكل الثلاثة الأساسية التي يطرحها هذا الاتفاق، فنعالج أولا أهلية الدولة في إبرامن أولى المشاكل القانونية التي يثيرها اتفاق تحكيم الدولة والتي نستطيع أن نتبينها من خلال العديد من أحكام التحكيم والأحكام القضائية، مشكلة أهلية الدولة (La capacité de l'Etat

) أو . قدرتها (Son aptitude) على إبرام اتفاق التحكيم الدولي.   وقد أثيرت هذه المشكلة بسبب وجود تشريعات غير قليلة في العالم . تحظر على الدولة اللجوء إلى التحكيم في العلاقات التجارية الدولية وتجعلها ليست أهلا لإبرام مثل هذا الاتفاق.   

نا فهل تتحدد أهلية الدولة في ضوء العمل الذي تمارسه، أم أنها تتمتع بالأهلية بصرف النظر عن طبيعة العمل الذي تجريه؟ من الصعب أن نذهب إلى أن الدولة ليس لديها الأهلية في التصرفات

    من أحكام التحكيم التي تناولت مشكلة أهلية الدولة في إبرام اتفاق التحكيم:

القانونية التي تقوم بها في مجال المعاملات التجارية البولية: مثل الأفراد القصر، أو المحجور عليهم، أو من أشهر أفلاسهم. والملاحظ أن الدولة تدير مشروعات اقتصادية عملاقة ومؤسسات كبيرة ذات نفع عام، أو خاص، أو مختلط، وإذا كانت تفتقر حقا إلى الأهلية، ما كان يمكن لها ادارة مثل هذه المشروعات.    ومن الصعب أيضا أن نذهب إلى أن الدولة تحتاج إلى حماية خاصة عندما تتعاقد مع الأفراد، أو الأشخاص المعنوية الخاصة، ذلك أن الواقع يشهد على قيام الدولة بإبرام اتفاق التحكيم مع دول أخرى في نطاق القانون الدولي العام، ومن ثم يبدو غزيبا ومتناقضا أن تتمتع الدولة بالأهلية الكاملة في مواجهة دولة أخرى مثلها، ولا تتمتع بها تجاه الفرد العادي، أو المشروع الأجنبي الخاص، فالأهلية تكتسبها الدولة بمجرد الاعتراف لها بالشخصية القانونية المستقلة، ومتی ثبت لها ذلك فلا يمكن أن تتغير أو تتبدل لمجرد تغيير شخص المتعاقد معها.     اتفاق تحكيم الدولة هو تعبير عن حريتها التعاقدية

فالواقع يشهد إذن على تمتع الدولة بالأهلية الكاملة في إدارة أموالها الخاصة والعامة، وهو الأمر الذي يعطي لها الحرية التعاقدية في أن تجرى اتفاقات التحكيم في المعاملات التجارية الدولية التي تتعلق بهذه الأموال. فإذا أقدمت على ذلك رغم ثمة حظر مفروض عليها في التشريع الداخلي، فإن تصرفها لا يقع في هذه الحالة باطلا، وذلك السببين رئيسيين: السبب الأول: أن توقيع الدولة لاتفاق التحكيم هو تصرف قانونی ليس فيه مخالفة للنظام العام الدولي، وهو المرجع الذي يتعين الاستناد إليه للحكم على صحة أو بطلان الاتفاق، باعتباره قد ورد بشأن إحدى المعاملات التجارية الدولية. ويعني ذلك أنه يتحتم استبعاد القانون الوطني للدولة عند الحكم على أهليتها في مجال إبرام اتفاق التحكيم الدولي القانون السويسري كنموذج يبرهن على استبعاد القانون الوطني للدولة:

۳۱۳- ونستطيع أن نتخذ من القانون السويسري نموذجا يحتذى به في هذا الخصوص، حيث تنص المادة (۲/۱۷۷)

 

من القانون الدولى الخاص الفيدرالي على أنه إذا كانت الدولة أو أحد المشروعات الخاضعة الرقابتها طرفا في اتفاق التحكيم، فإنها لا تستطيع أن تستند إلى قانونها الوطنى (Son propre droit) لتثبت أن النزاع غير قابل للتحكيم أو عدم أهليتها كطرف في التحكيم».  

وقد سارت أحكام التحكيم التجارى الدولة على هذا النهج، فلا يوجد حكم تحكيم على حد علمنا قد قبل بطلان اتفاق التحكيم لعدم أهلية الدولة في إبرامه وفقا لقانونها الوطني، وإنما كان قرار التحكيم دائما هو أن الدولة التي تبرم هذا الاتفاق دون أن تظهر عدم مقدرتها، ثم

و بعد ذلك لتثير هذه المسألة لكي لاتنفذ التزامها، فيجب ألا يقبل منها هذا السلوك لأنه يخالف الاستقرار اللازم للتجارة الدولية. 

۳۱۰- أما القضاء الفرنسي باعتباره يختص بنظر الطعون في أحكام التحكيم الصادرة من غرفة التجارة الدولية بباريس فقد سبق وأن قرر هذا الحكم أكثر من مرة، ففي قضية (SAN CARLO) ذهبت محكمة النقض الفرنسية إلى أن الحظر المفروض على الدولة لإبرام اتفاق التحكيم مع المشروعات الأجنبية الخاصة ليس من النظام العام الدولي، ولايعتبر متعلقا بمسألة الأهلية.  وفي حكم حديث لمحكمة استئناف باريس صدر في ۱۳ من يونيه ۱۹۹۹ قررت المحكمة: أنه أيا ما كان أساس الحظر المفروض على الدولة لإبرام اتفاق التحكيم، فإن مثل هذا الحظر يبقى مقيدا بالنسبة للعقود التي تتم وفقا للنظام الداخلي، وليس تلك التي تتعلق بالنظام العام الدولي، فوفقا لهذا النظام الأخير، يمتنع على الدولة أن تستفيد من أحكام قانونها الوطنی كان أول حكم تحكيم مريح مادر عن غرفة التجارة الدولية بباريس في هذا الخصوص قد ذهب إلى

أن إبرام الدولة لاتفاق التحكيم النولی رغم الحظر عليها في التشريع الداخلي يعتبر كما عبر الأستاذ (Carabiber) المفروض تنازل من جانبها عما قرره القانون الوطني لمصلحتها من وراء هذا الحظر. وهذا التنازل هو أمر جائز، لأن الدولة التي وضعت هذا الحظر للتزم به، هي ذاتها التي تحررت منه.     فالدولة كما أشار بعض الفقه هي مصدر قانونها الوطني، وتستطيع في كل وقت أن تعفی نفسها من القواعد التي وضعتها تستطيع بمالها من سيادة أن تضع التشريعات التي تراها مناسبة تحقيقا لمصلحتها الاقتصادية، غير أن حظرها لاتفاق التحكيم الدولي بالذات يضع أكثر من علامة استفهام؛ فالمعروف أن بداية ارتباط الدولة بهذا الاتفاق كان تحقيقا لمصلحتها الاقتصادية، حيث لجأت دول عديدة في العالم عقب الحرب العالمية الثانية إلى التعاقد مع المشروعات الخاصة الأمريكية من أجل إعادة تعمير أراضيها التي دمرتها الحرب، وقد قبلت جميعها بما في ذلك الاتحاد السوفيتي نفسه - آنذاك - شرط التحكيم الذي وضعته هذه المشروعات، والذي كان يتبني في الغالب قواعد جمعية التحكيم الأمريكية... وقد استمر التحكيم التجاري الدولي يؤدي دوره بنجاح في عقود الدولة، حتى اتخذت منه بعض الدول وخاصة بلدان العالم الثالث موفقا عدائيا بسبب خساراتها لبعض القضايا أمام هذا التحكيم، فقررت بتشريعات متعددة حظر شرط التحكيم في عقودها مع المشروعات الأجنبية.    :

غير أن هذه السياسية في معاداة التحكيم التجارى الدولى ثبت فشلها، ونستطيع أن نتخذ من التجربة الليبية مثالا على ذلك، فقد منعت الجماهيرية الليبية بالتشريع الصادر عام ۱۹۷۰ شرط التحكيم في عقود الدولة، حيث جاءت المادة الأولى منه على بطلان كل شرط يرد في عقود الوزارات أو المصالح الحكومية أو المؤسسات العامة، متضمنا تسوية من هذه التشريعات: المملكة العربية السعودية، حيث أصدرت بعد الحكم في قضية (Aramco) مرسوما رقم ۰۸ في ۲۰ من يونيه ۱۹۹۳ بحظر على الحكومة أن تلجأ إلى

في أي نزاع مع الأشخاص الطبيعيين أو الأشخاص المعنوية الخاصة دول أمريكا فقد منعت اللجوء إلى التحكيم في المنازعات التي تقع مع المشروعات  فاضطرت الدولة إلى التدخل لتعديل التشريع السابق بإضافة فقرة إلى المادة الأولى تقضي بالآتی « ومع ذلك يستطيع مجلس الوزراء في حالة الضرورة وبناء على اقتراح من الوزير المختص أن يلغى الحظر السابق في بعض العقود ولبعض الأطراف».     ولم يكن هذا التعديل هو العلاج الفعال، حيث استغرقت إجراءات الحصول على طلب الإعفاء وقتا طويلا، فازداد الأمر سوا حتى وجدت الدولة نفسها مضطرة لإلغاء التشريع برمته في ۱۰ من أكتوبر ۱۹۷۲ باعتبار أن ذلك كان هو الحل الأمثل. وهكذا نستطيع أن نتبين أن الدولة لا يمكنها أن تتفادي إبرام اتفاق التحكيم الدولي، فمصالحها الاقتصادية تحتم عليها الدخول في معاملات تجارية مع المشروعات الأجنبية سواء كانت عامة أو خاصة، وعندئذ لا تستطيع أن تحتج بقانونها الوطني لتتحرر من هذا الاتفاق بدعوى عدم أهليتها، فكما عبر أحد أحكام التحكيم أن توقيع الدولة على  اتفاق هو خير شاهد على تمتعها بالأهلية الكاملة في إبرامه، فليس هناك أدل على إرادة الدولة وقدرتها في الالتزام بهذا الاتفاق من توقيع رئيس وزارئها ووزير اقتصادها في نفس الوقت على العقد الوارد به شرط التحكيم.   والجدير بالإشارة أن الاتفاقية الأوربية قد حسمت مسالة أهلية الدولة في إبرام اتفاق التحكيم، حيث نصت في المادة۱/۲

على تمتع الأشخاص المعنوية العامة في إبرام اتفاقات التحكيم بصحة كاملة، كذلك نص معهد القانون الدولي في قراره الصادر في ۱۳ من سبتمبر ۱۹۸۸ على أن الدولة أو أحد مشروعاتها أو وحداتها لا تستطيع أن تحتج بعدم أهليتها في إبرام اتفاق التحكيم ما دامت قد قبلته.   

نخلص من كل ما سبق إلى أن الحظر الذي تضعه بعض التشريعات الوطنية للحد من قدرة الدولة على إبرام اتفاق التحكيم الدولى هو أمر لا ينتقص من أهليتها شيئا، وتستطيع الدولة في ظل وجود هذا الحظر أن تقبل اتفاق التحكيم، لأنها حينما تتعاقد مع مشروع أجنبي تسترد حريتها في إبرام هذا الاتفاق،     ومتى قبلته فهي لا تستطيع أن تتمسك فيما بعد بقانونها الوطني لتقضي ببطلانه، وفي هذا يكتسب اتفاق التحكيم الدولى فاعليته كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية.