اتفاق التحكيم / تعريف اتفاق التحكيم وطبيعته القانونية / الكتب / اتفاق التحكيم كأسلوب لتسوية منازعات عقود التجارة الدولية / الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم الدولي
ونقصد بالطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم التكييف أو التأصيل القانوني لهذا الاتفاق هل هو يعتبر عقدا من العقود التي ينظمها القانون في مجال الالتزامات، وبالتالي يخضع للأحكام التعاقدية واجبة التطبيق فى هذا الشأن، أم أنه يعتبر اتفاقا من نوع خاص لا يندرج تحت أية طائفة عقدية؟.
وثمة تساؤل آخر على قدر كبير من الأهمية وهو: هل يعتبر اتفاق التحكيم من التصرفات القانونية (Les actes Juridiques أم يعتبر من الأعمال الإجرائية (Les actes de procedures حيث يترتب على هذا التكييف أو ذاك نتائج قانونية جد ،مختلفة لها مردودها الهام على مجال هذا البحث.
وأخيرا يثور التساؤل عن ضابط الدولية في هذا الاتفاق؛ فهناك معايير مختلفة قد وردت في هذا الشأن يتعين علينا أن نحدد منها المعيار الذي يتمشى وطبيعة هذا الاتفاق.
اتفاق تحكيم أم عقد تحكيم؟
هناك تساؤل هام يطرح نفسه ونحن نبحث للوهلة الأولى في التكييف القانونى لاتفاق التحكيم الدولى، يتعلق بالتفرقة بین اصطلاحى اتفاق التحكيم (Convention d'arbitrage) وعـقـد التحكيم (Contrat d'arbitrage) هل هما اصطلاحان متماثلان أم لكل منهما مدلول مختلف عن الآخر ؟
ورغم أهمية عقد التحكيم فى تحديد بعض المسائل الهامة، إلا أنه يعتبر عقدا غير لازم ، وعلى الاخص فى التحكيم المؤسسي، فهو ليس الأساس الذى يستند إليه المحكم في تسوية النزاع، كما أنه يفقد كل قيمة قانونية إذا لم يوجد اتفاق التحكيم، أو جاء الأخير باطلا أو منعدما .
نخلص من ذلك إلى اختلاف اصطلاحی اتفاق التحكيم وعقد التحكيم. فالأول هو الأساس الذي يستند إليه المحكم في تسوية النزاع، بل هو أساس عملية التحكيم بأكملها، أما الثاني فهو تابع (Accessoire) لاتفاق التحكيم، ولايظهر إلا في مرحلة الإجراءات بقصد تعيين المحكم وتحديد مهمته، علاوة على تنظيم بعض المسائل الإجرائية الأخرى.
فهو لا يمكن إدراجه تحت أى طائفة من العقود التي ينظمها القانون الخاص، بما في ذلك عقد الصلح نفسه، وهو العقد الوحيد الذي يمكن أن يقترب منه، باعتبار أنه يقوم على حسم نزاع قائم بين طرفين، ذلك أن عقد الصلح (Contrat de transaction تتجه فيه نية الأطراف إلى تسوية النزاع بطريقة ودية، وذلك بأن ينزل كل طرف على وجه التقابل عن جزء من ادعائه أو حقوقه، وهذا التنازل المتبادل Concession Reciproques) هو الأساس الجوهرى الذى يتم به حسم النزاع.
ولا يختلف الأمر حتى في حالة أن يأتي اتفاق التحكيم مع التفويض بالصلح (Amiable Composition؛ ذلك أن اتفاق التحكيم في هذه الحالة. يرمى فقط إلى إصدار حكم قائم على قواعد العدالة equo et Bono وليس على تطبيق نصوص القانون.
وبمعنى آخر فإن اتفاق التحكيم مع التفويض بالصلح إذا كان به تنازل فهو تنازل عن تطبيق القواعد القانونية وليس تنازلا عن الحقوق أو عن جزء منها، حيث يظل أطراف النزاع متمسكين بكافة حقوقهم، كما يظل المحكم له صفة القاضى الذى عليه أن يصدر حكما ينهى النزاع.
اتفاق التحكيم الدولى ليس عملا إجرائيا
ومن الأهمية بمكان ونحن نحلل الطبيعة القانونية لاتفاق التحكيم الدولي، أن ننفى عنه الصفة الإجرائية، فهو لا يعد بحال عملا إجرائيا (Acte de procedure؛ ذلك أن انعقاد هذا الاتفاق يتم في مرحلة سابقة على مرحلة إجراءات التحكيم.
ويشهد على انتفاء صفة العمل الإجرائي عن اتفاق التحكيم الدولى الحقائق التالية:
1 - إن القانون الذى يحكم صحة اتفاق التحكيم سواء من الناحية الموضوعية أو من الناحية الشكلية ليس هو القانون واجب التطبيق على إجراءات التحكيم. فإذا كان هذا القانون قد تم تطبيقه على الاتفاق، فقد كان ذلك عند بداية ظهوره فى وقت لم يكن قد لحقه بعد التطور والاستقلال الذي هو عليه الآن.
2- إن المحكم المنوط به سلطة الفصل في النزاع لايشارك في صنع هذا الاتفاق، ولا يؤثر قبوله أو رفضه لهذه المهمة الفصل في النزاع على صحة أو بطلان اتفاق التحكيم .
3- عدم سريان مواعيد الأعمال الإجرائية على تقادم هذا الاتفاق أو سقوطه.
4- عدم خضوع اتفاق التحكيم الدولى لشكلية العمل الإجرائي كقيام موظف عام بالتوقيع أو التصديق عليه، أو كتابته باللغة الرسمية للدولة، أو أداء رسم معين عنه ... إلى ما غير ذلك.
والواقع أننا لانرمى من نفى صفة العمل الإجرائي عن اتفاق التحكيم الدولى إلا لتقرير حقيقة واقعة ، وهى أن هذا الاتفاق (التصرف القانوني) لايقف دوره عند مجرد طرح النزاع على التحكيم، وإنما يؤثر بشكل مباشر وفعال في إيجاد الحل القانوني المناسب لتسوية النزاع.
وهكذا نجد لاتفاق التحكيم الدولى طبيعة خاصة ومستقلة عن أي اتفاق قانونى آخر ، فهو إذا كان في عمومه وشموله أحد التصرفات القانونية التي تصدر عن ارادتين أو أكثر، إلا أنه في خصوصه وذاتيته يعد السند الحقيقى فى تسوية منازعات عقود التجارة الدولية على نحو ما سنراه تفصيلا فيما بعد، ونكتفى بالإشارة هنا الى بيان بعض الخصائص التي يتميز بها هذا الاتفاق باعتباره تصرفا قانونيا.