أولا: المشكلات العملية لرداءة صياغة اتفاق التحكيم:
وضع المشكلة: اتفاق التحكيم هو تراضي الأطراف في معاملة معنية على اللجوء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات الناشئة عن تلك المعاملة، أو التي يمكن أن تنشأ عنها بحكم ملزم لهم، بدلا من قضاء الدولة.
في هذا الإطار يجب أن يصاغ Rédiger اتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشارطة.
غير أن الواقع العملي يظهر أن اتفاقات التحكيم تصاغ بنحو رديء وغامض، بنحو قد يقود إلى استحالة إعمال اتفاق التحكيم ويرجع ذلك، في رأينا، إلى عدة عوامل:
أولًا، تهاون الشركات والمشروعات والأفراد في اختيار من يقوم بصياغة العقود واتفاقات التحكيم. فغالبًا ما يقوم على إبرام وصياغة تلك العقود والاتفاقات أشخاص غير مؤهلين، كرئيس مجلس الإدارة.
اتفاق التحكيم المعتل: من الأمور الشائعة في صياغة اتفاقيات التحكيم، ورودها مضطربة غامضة، بل متناقضة أحيانًا، لا يتفق مضمونها مع حقيقة الألفاظ والعبارات المستخدمة في الصياغة، ومع ما يرغب فيه الأطراف.
فمن ناحية الغموض واختلاط الألفاظ، نذكر مثلًا، نص المادة الخامسة من عقد أعمال وصيانة إحدى طائرات الركاب المملوكة لشركة طيران خاصة مصرية.
وإن لم يحل هذا النزاع، عندئذ سيطلب التحكيم والموضوع سيتم رفعه إلى غرفة التجارة بدولة... وقانون... هو الذي سيتبع أو تحكيم المحكمة المصرية طبقًا للقوانين المصرية ".
وهذا النص في غاية الغموض والخلط بين الألفاظ والاصطلاحات القانونية، وأمام محكمة استئناف القاهرة، التي نظرت النزاع بين الطرفين، قدم دفاع الشركة المصرية الدليل على غموض واعتلال هذا البند، موضحًا أن النص إذا كان يتكلم عن التحكيم أمام غرفة التجارة بالدولة المعنية، إلا أنه تكلم أيضًا عن تحكيم" محكمة مصرية "Egyptian court. ووفقًا للتفسير البديهي والمنطقي لاصطلاح" محكمة مصرية "، فإن المراد يكون المحاكم القضائية المنظمة بقانون المرافعات المدنية والتجارية المصري رقم 13 لسنة 1968، وبقانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة ١٩٧٢، لأنه لا توجد" محكمة مصرية "للتحكيم، إنما تتشكل محكمة التحكيم باتفاق الطرفين. كما أنه ليس من المألوف استخدام لفظ" court " للدلالة على محكمة تحكيم، بل يستخدم لفظ Arbitral tribunal وانتهى دفاع الشركة إلى أن غموض وسوء صياغة شرط القضاء المختص بفض النزاع يجعل من المستحيل الانتهاء إلى أن الأطراف قد أرادوا في الحقيقة اللجوء إلى التحكيم، ولا يمكن أن تنسب إليهم مثل تلك الإرادة.
ومن ناحية عدم التحديد الدقيقة للهيئة أو المنظمة التي تتولى حسم النزاع تحكيمًا، والذي يحول دون أعمال اتفاق التحكيم ومن ناحية اتفاق التحكيم غير القاطع في مبدأ اللجوء إلى التحكيم، نذكر ذلك الشرط الذي ينص على أن "أي نزاع أيًا كانت طبيعته ينشأ أو يتعلق بهذا الاتفاق بأية كيفية، أو بتكوينه أو تنفيذه، ربما يلجأ فيه إلى التحكيم". فمثل هذا الشرط لا يجزم في اتجاه إرادة الأطراف نحو إبرام اتفاق، أو وضع شرط، تحكيم ملزم لهم، بل هو أقرب إلى الوعد بالتحكيم Promesse d 'arbitrage، يستلزم، بعد وقوع النزاع إبرام مشارطة تحكيم يتحدد فيها، تفصيلًا، موضوع النزاع، والمسائل التي ستعرض على التحكيم. ويبدو من العسير إلزام أحد الطرفين، إذا لجأ الطرف الآخر إلى اتخاذ إجراءات التحكيم، بإخطار الطرف الأول وطلب تعيين أو تسميه محكمة، بموجب ذلك الشرط.
- اتفاق التحكيم الأبيض: يعتبر اتفاق التحكيم الأبيض clause
d' arbitrage blanche نوعًا من اتفاقات التحكيم البسيطة، التي لا تحتوي إلا على مبدأ اللجوء للتحكيم فقط، دون أي تحديدات خاصة بالمنازعات التي يمكن أن تسوى مستقبلًا عن طريقة كالمنازعات الناشئة عن تفسير العقد أو تنفيذه، أو أي أمر آخر يتصل بإخلال أحد الطرفين بالتزاماته. كما يخلو من تحديد الجهة التي ستتولى النهوض بعملية التحكيم، هل هي مركز تحكيم دائم، أم هيئة تحكيم عارضة ad hoc، كما يخلو من بيان عدد المحكمين وكيفية تعيين كل طرف لمحكمة إذا تقاعس أحد الأطراف عن ذلك التعيين... إلخ.
- تراكب اتفاق التحكيم والاتفاق على اختصاص قضاء الدولة: قد تصل رداءة وسوء صياغة اتفاق التحكيم، القائم على عدم خيرة من يقوم على صياغته وتحريره، أن يتراكب ذلك الاتفاق مع الاتفاق بين الأطراف على جعل الاختصاص لقضاء دولة معنية، بحيث يتم النص، في عبارة واحدة، على اختصاص التحكيم وقضاء الدولة كلاهما بتسوية النزاع.
- ويأخذ هذا التراكب، أو التداخل، صورتان:
الصورة الأولى، تعارض شرط التحكيم مع شرط اختصاص قضاء الدولة، ويحدث ذلك في فرضين:
الأول، أن يرد ضمن نص أو بند واحد في عقد دولي معين ما يلي "اتفق الطرفان على أن تتم تسوية المنازعات الناشئة عن تفسير أو تنفيذ هذا العقد بطريق التحكيم وفق القواعد والإجراءات المعمول بها لدى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، كما تختص المحاكم المصرية بنظر النزاع.
أما الصورة الثانية، فهي تجاور شرط التحكيم وشرط الاختصاص القضائي، ويحدث التجاور بين الشرطين Juxtaposition في الفرض الذي يرد فيه البند الخاص بالجهة المختصة بالفصل في النزاع، كالآتي: "عند حدوث نزاع بين الطرفين حول تفسير أو تطبيق هذا العقد يكون الاختصاص بالفصل فيه لهيئة تحكيم مكونة من ثلاثة محكمين أو لمحكمة الإسكندرية الابتدائية"
وهذا التجاور بين شرطي التحكيم والاختصاص القضائي يثير السؤال: أي الشرطين يجب إعماله، وأيهما يجب إهماله؟
هل تطرح تلك الصياغة الخيار بين طريق التحكيم وطريق محاكم الدولة؟ ومن يملك هذا الخيار ويبدأ الإجراءات: هل المدعى أم المدعى عليه؟ فإن لم يكن القصد هو التخيير بين الطرفين، بل طريق واحد، فهل هو طريق التحكيم، أم طريق قضاء الدولة؟
قد يمكن القول إن قضاء الدولة هو الأصل، وقضاء التحكيم هو الاستثناء، ويجب إهمال الاستثناء، واعتبار الأصل، بحيث يكون لشرط الاختصاص لمحاكم الدولة الأولوية.
- ثانيًا: محاولات الحد من عيوب صياغة اتفاق التحكيم:
- كيفية صياغة اتفاق التحكيم: لا مراء في أن الصياغة الجيدة لاتفاق التحكيم، شرطًا كان أم مشاركة، تجنب الأطراف الكثير من المشكلات والتي قد تكلفهم نفقات كبيرة إذا رفعت الدعوى أمام قضاء الدولة.
- نماذج لصياغة اتفاق التحكيم: وبالنظر إلى المخاطر التي قد يسببها سوء أو اضطراب صياغة اتفاقات التحكيم، فقد حرصت العديد من الأعمال التشريعية، ولوائح هيئات ومراكز التحكيم على تقديم نماذج إرشادية لصياغة اتفاق التحكيم. وغير خاف أن الغرض من أية صيغة مقترحة هو مساعدة الأطراف على حسن وضع اتفاق التحكيم، وتقديم ما يمكن الاستئناس به. فالقاعدة العامة أن للأطراف، ومستشاريهم القانونيين، الحرية الكاملة في اختيار الصيغة التعبيرية لاتفاق التحكيم التي تترجم الإرادة الحقيقية لهم، دون غموض أو تضارب.
أمثلة تلك النماذج نذكر:
ومن
من ناحية، النماذج الواردة في لوائح هيئات ومراكز التحكيم، نذكر ما كان واردًا في نظام المصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية بباريس.
"كل النزاعات الناشئة عن هذا العقد تتم تسويتها من قبل المركز العربي للتحكيم التجاري وفقًا للأحكام الواردة في اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري".
ومهما يكن من أمر، فإنه في مجال التحكيم التجاري الدولي، سيلعب القانون واجب التطبيق على اتفاق التحكيم دورًا هامًا في تقرير وجود هذا الاتفاق وشروط فعاليته، على ما نرى في الفصل
التالي.
(111).