الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / اتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر فكرة النظام العام على حكم التحكيم في منازعات العقود الإدارية / أهمية الطابع الاتفاقي للتحكيم

  • الاسم

    عبدالرزاق هاني عبدالرزاق المحتسب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    591
  • رقم الصفحة

    408

التفاصيل طباعة نسخ

أهمية الطابع الاتفاقي للتحكيم

    فيري البعض أن إرادة الأطراف تعتبر من المعايير المميزة للتحكيم الاختياري، والتي تميزه عن التحكيم الإجباري، حيث تكون إرادة الأطراف حرة في اختيار اللجوء إلى التحكيم من عدمه، ويكونون غير ملزمين أو غير مضطرين أو غير مجبرين للجوء إلى التحكيم، فلا يوجد فرض عليهم بنص أو وفق نظام معين في حالة اختلافهم إلى سلوك طريق واحد وهو التحكيم.

    كما يرى البعض أن هذه الإرادة من المعايير المميزة أيضاً التي يمكن أن نفرق من خلالها بين التحكيم والقضاء العادي من حيث إن اللجوء إلى التحكيم يفترض وجود اتفاق بين الخصوم أو نص خاص في القانون بينهما القضاء العادي يستعمله الخصم تلقائياً دون الحاجة إلى الحصول على موافقة من خصمه أو الاستناد إلى نص خاص ؛ فاللجوء إلى القضاء حق مكفول لكل شخص لا يتوقف استعماله على اتفاق الخصوم، بل يجبر الشخص خصمه على المثول أمام قضاء الدولة.

    فالطابع الرضائي وعدم الإجبار من القواعد الأساسية في التحكيم لكونه طريقاً استثنائياً لتسوية المنازعات لا يستطيع أي شخص اللجوء إليه إلا باتفاق مسبق عليه مع الطرف الآخر في العلاقة. 

فالطبيعة الرضائية للتحكيم تبلور تطوراً تاريخياً ظل التحكيم على امتداده عملاً إدارياً؛ فقد كان الأصل في التحكيم أن يكون تالياً لنزاع بين طرفين يلجأن إليه، إما لأن المحكم محل ثقتهما أو لأن السلطة التي يملكها قبلهما كانت توفر لنزاعهما حلاً ملائماً، وكان ينظر إلى المحكم باعتباره صديقاً موثوقاً فيه أو رجلاً حكيماً مهيباً.

    بيد أن هذه الصورة التقليدية مع احتفاظها بأهميتها حتى يومنا هذا، إلا - أن هذا التطور الراهن في العلاقات التجارية والصناعية قد جاوزها لتقوم إلى جانبها صورة مختلفة عنها تستقل بذاتيتها، ذلك أن التحكيم اليوم - في الأكثر شيوعا - لا يعود إلى اتفاق بين طرفين قام بينهما نزاع حول موضوع محدد، ولكنه يتمثل في شرط بالتحكيم يقبل الطرفان بمقتضاه اللجوء إليه لمواجهة نزاع محتمل قد يثور بينهما، ولم يعد المحكم في إطار هذا التطور مجرد شخص تم اختياره لعلاقات يربط بها مع الطرفين المتنازعين، وإنما غدا التحكيم تنظيماً مهنياً تقوم عليه أحياناً جهة تحكم دائمة تكون أقدر على تقديم خدماتها إلى رجال الصناعة والتجارة.

   بل إن نطاق المسائل التي يشملها التحكيم بات متبايناً ومعقداً، ولم يعد مقصوراً على تفسير العقود أو الفصل فيما إذا كان تنفيذها متراختياً أو مشوباً بسوء نية أو مخالفاً من أوجه أخرى للقانون، وغير ذلك من المسائل الخلافية ذات الطبيعة القانونية البحتة.

    وإن كان التحكيم إجبارياً؛ فإن إرادة الخصوم تكون لها شأن فيه أيضا؛ فالمشرع يفرض التحكيم، ولكنه من الممكن أن يترك الإرادة الخصوم حرية تنظيم عملياته أو بعضها بخلاف التحكيم الإجباري الذي تكون الإرادة الخصوم كل الشأن في عملياته، كدور تلك الإرادة في اللجوء إلى التحكيم من عدمه، يجب الاتفاق بين الأطراف ودورها في اختيار هيئة التحكيم وتعيين القانون الواجب التطبيق وتنظيم إجراءاته؛ فإرادة أطراف التحكيم تؤدي دوراً هاماً في عملية التحكيم، كل ما في الأمر أن هذا الدور يختلف عما إذا كان دوراً بسيطاً أم دوراً جوهرياً حسب نوع التحكيم.

   وبالرجوع إلى قانون التحكيم ذاته نجد أن المشرع في قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 نص على أهمية الإرادة الحرة في اتفاق التحكيم، حيث نصت الفقرة الأولى من المادة الرابعة منه على أن: " ينصرف لفظ (التحكيم) في حكم هذا القانون إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الطرفين، منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك " .

      كما أن الفقرة الأولى من المادة العاشرة عرفت اتفاق التحكيم بأنه: "اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية".

     ولكن ليس معنى هذا إبعاد التحكيم الإجباري كلية ونهائياً بسبب حجر نطاق تطبيق قانون التحكيم في دائرة التحكيم الإجباري؛ فهناك حالات - كما رأينا - أراد المشرع تنظيمها بموجب تحكيم إجباري، يجب على الأطراف اللجوء إليه لحل المنازعات المتعلقة بروابط قانونية معينة، وتولى المشرع تنظيمها بموجب قانون خاص ينص على هيئة تحكيم لها ولاية النظر في المنازعات الناشئة عن تطبيق هذا القانون، فيجد الأطراف أنفسهم ملزمین باللجوء إليه بدلاً من قضاء الدولة.

    ونظراً لأهمية الطابع الاتفاقي للتحكيم؛ فقد أكد أهميته القضاء المصري - بصفة عامة - والمحكمة الدستورية العليا - بصفة خاصة - في كثير من أحكامها، حينما قضت في أكثر من موضع على عدم دستورية معظم القوانين الصادرة، والتي تفرض التحكيم جبراً دون إرضاء الأطراف به أو دون اللجوء إلى القضاء أساساً لتعارضها مع نص المادة 18 من الدستور المصري - الموافق لها نص المادة 17 من دستور 2104( المعدل ) -، والتي تكفل لكل مواطن حقه في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي، وهي المادة التي أكدتها المحكمة الدستورية العليا في أحد أحكامها من أن: "الدستور قد كفل لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين -حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي مخولاً إياه بذلك أن يسعی بدعواه إلى قاضيه بالنظر إلى طبيعتها وعلى ضوء مختلف العناصر التي لابستها مهيئاً دون غيره للفصل فيها. وكان الأصل هو اختصاص جهة القضاء العام بنظر المنازعات جميعها، إلا ما استثنى منها بنص خاص، وكان من المقرر أن انتفاء اختصاص، المحاكم بالفصل في المسائل التي تناولها اتفاق التحكيم مرده أن الاتفاق يمنعها من نظرها، فلا تكون لها ولاية بشأنها بعد أن حجبها عنها ذلك الاتفاق، وكان النص التشريعي المطعون عليه - بالتحديد السالف بيانه - يفرض التحكيم قسرا في العلاقة القانونية القائمة بين طرفين لا يعدو أن يكون أحدهما: مصرفا يقوم - وفقا القانون إنشائه بجميع الأعمال المصرفية والمالية والتجارية وأعمال الاستثمار، وثانيهما: من يتعاملون معه من الأشخاص الطبيعين أو الاعتباريين، وكان هذا النوع من التحكيم منافيا للأصل فيه باعتبار أن التحكيم لا يتولد إلا عن الإرادة الحرة، ولا يتصور إجراؤه تسلطاً أو إكراهاً، فإن شأن التحكيم المقرر بالنص التشريعي المطعون فيه شأن كل تحكيم أقيم دون اتفاق أو بناء على اتفاق لا يستنهض ولاية التحكيم - في هذه الصور جميعها أن يكون حملاً عليه منعدماً وجوداً من زاوية دستورية، فلا تتعلق به بالتالي ولاية الفصل في الأنزعة أيا كان موضوعها، بما مؤداه أن اختصاص هيئة التحكيم التي أحدثها النص المطعون عليه بنظر المنازعات التي أدخلها جبراً في ولايتها يكون منتحلاً ومنطوياً بالضرورة على حرمان المتداعين من اللجوء - في واقعة النزاع المائل - إلى محاكم القانون العام بوصفها قاضيها الطبيعي؛ فيقع - من ثم - مخالفاً لنص المادة 68من الدستور ".

 

     ومن ذلك أيضا ما قررته محكمة النقض من أن مناط الالتجاء إلى التحكيم هو توافر الرضاء به؛ فلا يجوز إجبار الأفراد على اتخاذ طريق واحد للتحكيم حتى لو كان ذلك التحكيم الإجباري تفرضه قواعد العمل داخل المنشأة ومستمداً من النظام الداخلي لها، حيث قررت بأن النص في المادة 10 من قرار وزير التعمير والدولة للإسكان رقم 46 لسنة 1982 في شأن قواعد العمل بالجمعيات التعاونية للبناء والإسكان على أن يلتزم عضو الجمعية في تعامله معها بما يأتي.... 

   ( الفقرة 6) اتباع نظام التحكيم المنصوص عليه من المادة 17 من النظام الداخلي للجمعية الصادر وفقاً للنموذج المرفق بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان رقم 693 لسنة 1981 على أنه يجب أن تتوافر في طالب العضوية الشروط الآتية:

    أن يتضمن طلب العضوية إقرار مقدمه باطلاعه على هذا النظام وقبوله الالتزام بأحكامه واعتباره متعاقداً مع الجمعية على مقتضاه، كما يتضمن أنه تراضي مع الجمعية على الالتجاء إلى التحكيم في جميع المنازعات التي قد تنشأ بينه وبينها بسبب عضويته، وذلك وفقاً لحكم الباب الثالث من قانون المرافعات ولأحكام هذا النظام. وفي المادة 17 منه على أن يكون لعضو الجمعية إذا جد قرار يمس مصلحته من مجلس الإدارة والجمعية العمومية أن يتقدم إلى الجهة المختصة بالمحافظة أو الاتحاد بطلب الالتجاء إلى التحكيم، وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ عمله بالقرار وإلا أعتبر قابلاً له، ويجب أن يتضمن طلب الالتجاء للتحكيم بياناً كافياً عن القرار موضوع النزاع وتاريخ صدوره وتاريخ عمله به وسنده في الاعتراض عليه، وعلى الجهة التي يقدم لها الطلب استيفاء بيانات وثيقة التحكيم على النموذج الذي يعده الاتحاد والحصول على توقيع الطرفين عليه تمهيداً لاتخاذ إجراءات الفصل في النزاع وفقاً لما تتضمنه بيانات تلك الوثيقة من أحكام كل ذلك يدل على أن مناط الالتجاء إلى التحكيم هو توافر رضاء عضو الجمعية به بتحريره إقرار عند طلبه عضوية الجمعية بقبول اتباع هذا الطريق، لفض ما قد يثور من منازعات بينه وبين الجمعية وفقا لنصوص المواد من 501 إلى 513 من قانون المرافعات المنطبق على واقعة الدعوى - والأحكام التفصيلية السالفة.

   وفقاً لحكم محكمة النقض السابق لا يجوز إلزام أعضاء الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان باتباع أحد الأنظمة الخاصة بالتحكيم المنصوص عليها في المادة 17 من النظام الداخلي للجمعية الصادر وفقاً للنموذج المرفق بقرار وزير التعمير والدولة للإسكان رقم 693 لسنة 1981 سابق الإشارة إليه.

   وفي الاتجاه ذاته، أكدت المحكمة الدستورية العليا في أحد أحكامها على المبدأ ذاته بعدم دستورية المادة 17 من النظام الداخلي للاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي سابق الإشارة إليها الصادر بالقرار الوزاري رقم 693 السنة 1981 ، كما أضافت المحكمة القضاء بعدم دستورية المادة 13 فقرة 4 من قواعد إعداد النظام الداخلي للجمعية التعاونية للإسكان فيما تضمنته تلك النصوص من فرض نظام التحكيم الإجباري على الجمعيات التعاونية للبناء والإسكان وعلى أعضائها، حتي لو فرضته قواعد العمل داخل المنشأة، حيث أفادت المحكمة بأنه: "لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون التحكيم إجبارياً يدعى إليه أحد الطرفين إنقاذاً لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق..... وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون، "فالتحكيم" وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع، مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، ركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة، ولهذا فإنه: "إذا ما قام المشرع بغرض التحكيم قسراً بقاعدة قانونية آمرة، دون خيار التجاء إلى القضاء، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين: "إذ" من المقرر أن التحكيم لا ينزع من القضاء ولايته في الفصل في كافة المنازعات ابتداء، إلا إذا كان متولداً عن الإرادة الحرة لأطرافه".

    فقضاء المحكمة الدستورية العليا مستقر على عدم دستورية النصوص التشريعية التي تفرض التحكيم جبراً على الخصوم حتي لو فرضته قواعد العمل داخل المنشأة، حيث قضت بأنه: "لا يجوز بحال من الأحوال أن يكون التحكيم إجبارياً يدعى إليه أحد الطرفين إنقاذاً لقاعدة قانونية آمرة، لا يجوز الاتفاق على خلافها، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق..... وإليه ترتد السلطة الكاملة التي يباشرها المحكمون، "فالتحكيم" وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع، مبناه علاقة محل اهتمام من أطرافها، ركيزته اتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم، ولا يتولون مهامهم بالتالي باسناد من الدولة، ولهذا فإنه: "إذا ما قام المشرع بفرض التحكيم قسراً بقاعدة قانونية آمرة، دون خيار التجاء إلى القضاء، فإن ذلك يعد انتهاكاً لحق التقاضي الذي كفله الدستور لكل مواطن بنص مادته الثامنة والستين: "إذ" من المقرر أن التحكيم لا ينزع من القضاء ولايته في الفصل في كافة المنازعات ابتداء، إلا إذا كان متولداً عن الإرادة الحرة لأطرافه".

   حيث كانت تقضي هذه المادة بأن يفصل مجلس إدارة البنك بصفته في كل نزاع ينشأ بين مساهم في البنك وبين مساهم آخر في نزاع ينشأ عن صفته كمساهم، أما إذا كان النزاع بين البنك وبين أحد المستثمرين أو المساهمين أو بين البنك والحكومة أو أحد الأشخاص الاعتبارية العامة أو إحدى شركات القطاع العام أو الخاص أو الأفراد فتفصل فيه نهائياً هيئة تحكيم معفاة من قواعد الإجراءات، عدا ما يتعلق منها بالضمانات والمبادئ الأساسية للتقاضی، وتكون هذه الهيئة مشكلة من محكم يختاره كل طرف من طرفي النزاع، ثم يختار المحكمان محكماً مرجحاً، ويختار الثلاثة أحدهم لرئاسة هيئة التحكيم، وفي حالة التحكيم عدم اختيار أحد الطرفين محكمة، أو عدم الاتفاق على اختيار الحكم المرجح أو رئيس هيئة التحكيم، فإن الأمر يعرض على هيئة الرقابة الشرعية بالبنك لتختار هي الحكم أو المحكم المرجع أو رئيس هيئة التحكيم.