اتفاق التحكيم / اتفاق التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / تأثير جائحة كورونا على اتفاق التحكيم
ويتجلى تأثير جائحة كورونا على اتفاق التحكيم عندما يتمسك أحد أطراف اتفاق التحكيم باستحالة تنفيذ ذلك الاتفاق بسبب توابع تلك الجائحة كالعزل أو الحجر الصحي أو بسبب إجراءات الحظر أو أي من التدابير التي تفرضها الدولة، ويستوي أن يكون من يتمسك بهذا الدفع أحد أطراف التحكيم أو من يمثله أو أن يكون هذا الاتفاق فيما بين الأطراف أو فيما بينهم مع المحكم..
وبالرجوع إلى قانون التحكيم المصرى رقم 27 لسنة 1994 نجد أن المشرع المصري نص في المادة (48) على أن: "تنتهى إجراءات التحكيم بصدور قرار من هيئة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال الآتية: "وتضمنت هذه المادة ثلاثة فقرات كسبب لإنهاء إجراءات التحكيم بخلاف إنهاء هذه الإجراءات لصدور الحكم المنهى للخصومة، وهي:
(أ) إذا اتفق الطرفان على إنهاء التحكيم.
(ب) إذا ترك المدعى خصومة التحكيم، ما لم تقرر هيئة التحكيم بناء على طلب المدعى عليه أن له مصلحة جدية في استمرار الإجراءات حتى يحسم النزاع.
(ج) إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب آخر، عدم جدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالته.
وطبقا للفقرة (ج) فإن المشرع المصرى قد خول لهيئات التحكيم صدور قرار بإنهاء الإجراءات لاستحالة استمرار إجراءات التحكيم .
ويرى الباحث أن على هيئة التحكيم التأكد من جدية دفع تمسك المدعي بما ادعى به لعدم استغلاله تلك الظروف التنصل من اتفاقه، كالتأكد من كون المدعي معزولاً طبياً أو في الحجر الصحي أو أن الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدولة كانت سبباً في ذلك، أما إذا رأت هيئة التحكيم عدم جدية دفع المدعي بأن كانت الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة لم تكن حائلاً أمام المدعي لحضوره الجلسات مثلاً وتم إبلاغه بذلك، فإن ذلك يعتبر بمثابة تخلف منه عن الحضور، وفي هذه الحالة نجد أن قانون التحكيم المصرى رقم 27 لسنة 1994 نص في مادته رقم (35) على أنه : "إذا تخلف أحد الطرفين عن حضور إحدى الجلسات أو عن تقديم ما طلب منه من مستندات، جاز لهيئة التحكيم الاستمرار في إجراءات التحكيم وإصدار حكم في النزاع استناداً إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها". وهكذا يتضح أنه يجوز لهيئة التحكيم الاستمرار في دعوى التحكيم وإصدار حكم في النزاع استنادا إلى عناصر الإثبات الموجودة أمامها وذلك في حالة انعقاد جلسات التحكيم بشكل طبيعي.
أما قانون التحكيم الفرنسي - المعدل بموجب المرسوم رقم 48 لسنة 2011- فلم ينص على انتهاء إجراءات التحكيم إلا في حالة انتهاء مدته، حيث نصت المادة 1477 على أن: "تنتهي إجراءات التحكيم بانقضاء مدة التحكيم"، كما أن المادة 1474 من قانون التحكيم الفرنسي - المعدل بموجب المرسوم رقم 48 لسنة 2011 - أجازت لهيئة التحكيم إنهاء الخصومة في حالة امتناع الأطراف إجابة دعوتهم لاستئناف المحاكمة بعد انقطاعها أو وقفها والتي جاءت نتيجة عدم قدرة أحد أطراف المنازعة الحضور أمام هيئة التحكيم بسبب مرضه وخوفاً من انتشار المرض أو كان الانقطاع أو الوقف بسبب ما فرضته الدولة من إجراءات احترازية أدت إلى إغلاق وتعطيل لبعض المرافق، ومنها مراكز التحكيم أو فرض حظر تجوال حيث نصت هذه المادة على أن: "وقف أو تأجيل الإجراءات لا يسلب هيئة التحكيم سلطاتها. يجوز الهيئة التحكيم مشاركة الأطراف مبادرتهم في مواصلة الإجراءات أو بتحديد مدة الوقف أو التأجيل. وعند غياب الأطراف يجوز لها إنهاء الإجراءات"، كما أنه يستفاد من هذا النص الأخير أن انقطاع أو وقف الخصومة نتيجة للإجراءات الاحترازية التي تتخذها فرنسا لا تؤدي إلى استنفاذ ولاية المحكمة، حيث تستمر سلطة محكمة التحكيم رغم الانقطاع أو الوقف.
كما أن جائحة كورونا قد تؤثر في تغير شكل الاتفاق على التحكيم . فالأصل أن اتفاق التحكيم سواء كان شرطاً أو مشارطة يجب أن يكون مكتوباً وإلا كان باطلاً كما هو واضح من نص المادة (12) من قانون التحكيم المصري حيث نصت على أنه " يجب أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً وإلا كان باطلاً، ويكون اتفاق التحكيم مكتوباً إذا تضمنه محرر وقعه الطرفان، أو إذا تضمنه ما تبادله الطرفان من رسائل أو برقيات أو غيرها من وسائل الاتصال المكتوبة " .
وباستقراء نص المادة (12) نجد أن المشرع المصري اعتبر الاتفاق مكتوباً إذا تم شرط التحكيم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، ولكن يجب في هذه الحالة أن تكون وسائل اتصال مكتوبة - كالبريد العادي أو البريد الإلكتروني - وتترك أثرا مكتوبا يمكن أن ينعقد به اتفاق التحكيم . كما أن الواضح من نص المادة سالفة الذكر أن كتابة شرط التحكيم تعتبر شرطاً لانعقاده صحيحاً وليس شرطاً لإثباته. وترتيباً على ذلك، يكون شرط التحكيم غير المكتوب بإحدى الطرق التي ذكرها النص، باطلاً بطلاناً مطلقاً، ولا يترتب عليه أي أثر، وليس له أية قوة إلزامية لأي طرف من طرفيه. وهو ما أخذت به اتفاقية نيويورك لسنة 1958 م.
كما أن المادة 1443 من قانون التحكيم الفرنسي - المعدل بموجب المرسوم رقم 48 لسنة 2011 - اشترطت لصحة اتفاق التحكيم أن يكون مكتوباً ويقع باطلاً كل اتفاق غير مكتوب، كذلك يمكن أن يكون الاتفاق صحيحاً أيضاً لو وقع هذا الاتفاق بتبادل المكاتبات والمستندات التي تتضمن الإشارة إليه في الاتفاق الأصلي.
وفي ظل تداعيات جائحة كورونا فإن اشتراط الكتابة للإثبات يمكن أن يثير إشكالية مدى قدرة الأطراف في ظل جائحة كورونا بالاتفاق على التحكيم كتابة ( شرط أو مشارطة)، وخاصة مع الإجراءات الاحترازية التي تتخذها الدول من حجر صحي وحظر تجول ووقف الطيران وغيرها. بكل تأكيد من الصعوبة بمكان أو الاستحالة أيضا إبرام عقد التحكيم بالوسائل التقليدية أثناء جائحة كورونا، فالتساؤل إذا ما مدى اعتبار الكتابة الإلكترونية دليلاً لإثبات عقد التحكيم ، وبالتالي فإن تبعات هذا الوباء أدت إلى تغيير شكل الاتفاق على التحكيم من الكتابة التقليدية إلى الكتابة الإلكترونية. "