اتفاق التحكيم هو حجر الزاوية للتحكيم ذاته فمنه يبدأ كل شيء في التحكيم لأنه الأساس الذي يظهر إرادة الأطراف في اللجوء إلى التحكيم وهو الذي يضفي عليه صفته الخاصة ومداه، وهو الأساس الأول الذي ترتكز عليه هيئة التحكيم في عملها؛ فهو الذي يضفي عليها الشرعية. كذلك فإن تحديد سلطات هيئة التحكيم والمسائل التي يجوز طرحها عليها، وكذلك القواعد القانونية واجبة التطبيق كلها أمور تتوقف على ما أورده الأطراف في اتفاق التحكيم.
بيد أن غالبية الفقه يرى أنه لا توجد أهمية للتمييز بين لفظي الاتفاق والعقد عند التعبير عن اتفاق التحكيم وبيان مفهومه، لأن الاتفاق والعقد يتفقان في التعريف غالباً، وهو توافق إرادتين أو أكثر على إنشاء التزام أو نقله أو تعديله .
التحكيم هو: " اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية ". كما نصت الفقرة الثالثة من نفس المادة على أن: ويعتبر اتفاقاً على التحكيم كل إحالة ترد في العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا من العقد ".
ويلاحظ الباحث على التعريف السابق الذي أورده المشرع المصري الاتفاق التحكيم أنه قد حسم التعبير عن اتفاق التحكيم بأنه: " اتفاق"، وأن هذا الاتفاق يمكن أن يأتي قبل نشوء النزاع أو بعده، فإذا جاء قبل نشوء النزاع سمي ذلك بشرط التحكيم، أما إذا جاء بعده فيطلق عليه مشارطة التحكيم، ويمكن أن يأتي الاتفاق من خلال الإحالة إلى عقد أو مستند يشمل على شرط التحكيم، وهو ما يعرف بشرط التحكيم بالإحالة.
الحال نفسها بالنسبة إلى القضاء الإداري فقد حسم هو الآخر مفهوم اتفاق التحكيم بصدور حکم دائرة توحيد المبادئ الذي ذهب إلى أن اتفاق التحكيم " هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة العلاقة القانونية التي تربطهما، عقدية كانت أو غير عقدية - يجوز أن يكون هذا الاتفاق سابقا علي قيام النزاع، أو لاحقا لقيامه (مشارطة التحكيم) - استلزم المشرع إذا كان الاتفاق تاليا لقيام النزاع أن يتضمن تحديدا لجميع المسائل التي يشملها التحكيم، وإلا كان الاتفاق بخلوه من تحديدها باط" - يستوجب هذا أن يكون اتفاق التحكيم مكتوبا، ويتحقق ذلك بأن يتضمنه محرر موقع من طرفيه، أو تتضمنه وسيلة من وسائل الاتصال المكتوبة المتبادلة بينهما كالرسائل والبرقيات - إذا لم يكن الاتفاق مكتوبا كان باطلا.
وبالتالي يمكن القول إن هناك ثلاثة صور يمكن أن يتخذها اتفاق التحكيم، وهي شرط التحكيم، ومشارطة التحكيم، وشرط التحكيم بالإحالة، ولأن شرط التحكيم هو مجال البحث، وهو يعد أهم صور اتفاق التحكيم وأكثرهم شيوعا، فإنه يمكن تناوله بالدراسة من خلال بيان المقصود بشرط التحكيم ومفهومه، والفرق بينه وبين الصور الأخرى من اتفاق التحكيم، ثم صور شرط التحكيم، وطبيعته.