الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • اتفاق التحكيم / اتفاق التحكيم / الكتب / الفعالية الدولية للتحكيم في منازعات عقود الأستثمار الدولية / تعذر الرجوع عن قبول التحكيم بالإرادة المنفردة

  • الاسم

    د. بشار محمد الأسعد
  • تاريخ النشر

    2009-01-01
  • اسم دار النشر

    منشورات الحلبي الحقوقية
  • عدد الصفحات

    199
  • رقم الصفحة

    91

التفاصيل طباعة نسخ

قد يحاول طرف من الأطراف الانسحاب من عملية التحكيم بعد موافقته عليها بغرض إحباط العملية التحكيمية ككل ، وإعاقة هيئة التحكيم عن أن تصدر حكمها ، ولعل ذلك أكثر ما يكون وضوحاً بصدد منازعات عقود الاستثمار ، فقد تدفع الدولة بغرض الانسحاب من عملية التحكيم بعدم أهليتها لإبرام اتفاق التحكيم بمقتضى قانونها الوطني أو بما تتمتع به من حصانة سيادية تقتضي عدم مثولها أمام قضاء آخر غير قضائها الوطني ، لذلك فقد اقتضت ضرورة ضمان فعالية نظام التحكيم وضع قيود على إرادة أطراف اتفاق التحكيم فيما يتعلق بالانسحاب من هذا الاتفاق بعد أن تمت الموافقة عليه ، ولذلك لضمان جدية الأطراف المتنازعة في اتخاذ إجراءات إنهاء المشكلة المعروضة على هيئة التحكيم ، حيث أصبح من المسلم به لضمان فعالية التحكيم وتفريعاً على المبدأ المتقدم ، الإقرار بعدم أحقية الطرف العام في الدفع بعدم أهليته بعد موافقته على اللجوء إلى التحكيم ( أولاً ) ، وكذلك عدم جواز دفع الدولة بمركزها السيادي للتحلل من الاتفاق على التحكيم ( ثانياً ) .

أولاً : عدم أحقية الطرف العام في الدفع بعدم أهليته بعد موافقته على اللجوء إلى التحكيم :- 

يقصد بذلك أن الدولة أو الأشخاص المعنوية العامة التابعة لها لا يمكن أن تدفع بعدم أهليتها لإبرام اتفاق التحكيم حتى تمانع أو تتخلص من اتفاق تحكيم مع مستثمر أجنبي قد وافقت عليه من قبل .

أنه لو اتفق أطراف عقد الاستثمار صراحة علة انعقاد الاختصاص بمنازعتها لهيئة تحكيم يتم تشكيلها وفقاً لقواعد نظام التحكيم بالمركز الدولي لتسوية المنازعات الاستثمار ، فإنه لا يحق لأي منهم أن يتراجع عن هذا القبول بالانسحاب من الإجراءات التي تتخذ أمام هيئة التحكيم التي يشكلها المركز أو يعلن أنه لا خضع لمثل هذا الإجراء ، إذ بمجرد قبول اختصاص هيئة التحكيم فإن إجراءات التحكيم لا تنتهي إلا بأحد طريقين : إما بصدور حكم حاسم للنزاع ومنهي للخصومة ، أو باتفاق كل الأطراف على إنهاء الإجراءات قبل صدور الحكم . 

خلاصة ما تقدم فإنه أصبح من المسلم به في مجال التحكيم الدولي أن الحكومة أو الأشخاص المعنوية العامة التابعة لها لا تستطيع التمسك ببطلان التحكيم بحجة بطلان هذا الاتفاق لعدم أهليتها بموجب قانونها الوطني لإبرام هذا الاتفاق ، وذلك استناداً إلى أن النظام العام الدولي يقف بقوة في مواجهة الدولة أو الشخص المعنوي العام الذي يتعامل مع جهة أجنبية ويقبل شرط التحكيم الذي يكون من شأنه أن يبعث الثقة مع المتعاقد معه ثم يعود ويتمسك ببطلان الشرط الذي سبق له قبوله ، أي يعود في كلمته .

ثانياً - عدم جواز دفع الدولة بمراكزها السيادي للتحلل من الاتفاق على التحكيم :-

ويقصد بهذا المبدأ رفض ادعاءات الحصانة القضائية من جانب الدولة للتخلص من عملية التحكيم استناداً إلى كونها في وضع سلطة وتسيد ، لأن هذا يعتارض مع اتفاق التحكيم الذي قبلته ، فبعد دخول الدولة في الحياة الاقتصادية بدأ الفقه يدرك خطورة التمسك بفكرة سيادة الدولة في مجال لا يخضع لسلطان الدولة لوجود طرفي أجنبي فيه ويراد له في الوقت ذاته النمو والازدهار ، فضلاً عن أن تحريم لجوء الدولة وسائر أشخاص القانون العام إلى التحكيم استناداً إلى فكرة سيادة الدولة يقوم على خلفية تتصادم مع خضوع الدولة لمبدأ المشروعية ذاته بما يعنيه من خضوع الدولة للقانون خضوعاً يتطلب إخضاع أعمالها لرقابة القضاء ومسئولية الدولة عن هذه الأعمال ، وعليه فمثول الدولة أمام هيئة التحكيم لا يمس سيادة الدولة من قريب أومن بعيد ، لأن مثول الدولة أمام هذه الهيئات  قد تم برضاها وموافقتها .

وقد استقرت أحكام هيئات التحكيم على أن الدولة التي تقبل الدخول في اتفاق التحكيم لا يمكنها التمسك بحصانتها القضائية أمام هيئة التحكيم . 

يتضح مما تقدم أن اتفاق التحكيم يكون ملزماً بشكل كاف ، بحيث لا يكون ثمة ضرورة لصياغة شرط آخر بشأن تنازل الدولة عن حقها في الحصانة السيادية ، لدرجة أنه قد أضحى من غير الشائع حالياً من الناحية العليمة بالنسبة للدولة الطرف في التحكيم أن تثير دفعاً بحصانتها القضائية . 

وهكذا فإن إقرار مبدأ تعذر الرجوع عن التحكيم بالإرادة المنفردة وعلى الأخص في التحكيم الذي تكون أحد أطرافه دولة من شأنه أن يبعث الإحساس بالثقة والطمأنينة في نفوس المستثمرين تجاه نظام التحكيم مما ينعكس بالضرورة على تشجيع الاستثمار الأجنبي في الدول النامية .