-۱- ناط المشرع المصري ـ في المادة [۲۲] من قانون التحكيم المشار إليه ـ بهيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق التحكيم أو سقوطه أو بطلانه ، الأمر الذي طرح على بساط البحث التساؤل حول مدى جواز اللجوء إلى المحكمة المختصة بشئون التحكيم ـ والتي سبق بيانها لطلب الحكم ببطلان اتفاق التحكيم . ويميز الفقه في صدد الإجابة على هذا التساؤل بين فرضين :
الفرض الأول :- ألا يكون النزاع قد اتصل بهيئة التحكيم :
ويجوز لذي الشأن في هذه الحالة أن يلجأ إلى المحكمة المختصة بشئون التحكيم لطلب الحكم ببطلان اتفاق التحكيم .
الفرض الثاني ـ أن يكون النزاع قد اتصل بهيئة التحكيم :
المشترع قد ناط بهيئة التحكيم سلطة الفصل في الدفع بعدم اختصاصها بسبب عدم وجود أو بطلان اتفاق التحكيم ، ودرءاً لمنع تقطيع أوصال النزاع .
وقد برز اتجاه قضائی ـ اتجهت إليه إحدى دوائر محكمة القضاء الإداري بمناسبة التحكيم في عقد مطار رأس سدر يرى :
« انعقاد الاختصاص بالنظر في بطلان اتفاق التحكيم أثناء جريان التحكيم للمحكمة المختصة في البلد الذي يجرى فيه التحكيم » .
وقد قضت محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي، بقولها : «من المقرر أن الدفع بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم ليس دفعاً موضوعياً ، وإنما هو من قبيل الدفع بعدم الاختصاص ، لأن المقصود منه هو إنكار اختصاص المحاكم بنظر الدعوى خروجها عن ولايتها » .
وكانت محكمة أول درجة قد قضت بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم ، وتأيد الحكم استئنافياً . وطعن في هذا الحكم بطريق النقض ، وقضت محكمة النقض بأنه يترتب على بطلان العقد الأصلى الوارد به شرط التحكيم ، بطلان شرط التحكيم تبعاً لذلك ، ويبقى الاختصاص في بطلان العقد معقوداً للقضاء صاحب الولاية العامة في الفصل في النزاع ، وحكمت بنقض الحكم المطعون فيه وأحالت الدعوى إلى محكمة الاستئناف للفصل فيها ، وإذ قضى الحكم المطعون فيه بإلغاء حكم أول درجة الذي سبق أن قضى بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم وباختصاص المحكمة بنظر الدعوى ، فكان عليه ألا يتصدى لنظر الموضوع وأن يعيد الدعوى إلى محكمة أول درجة للفصل في موضوعها احتراماً لمبدأ التقاضى على درجتين باعتبار أنها لم تستنفد ولايتها في الموضوع ، وإذ تصدت محكمة الاستئناف للموضوع وقضت ببطلان الاتفاقية المؤرخة ١٩٩٩/١/١٧ ، والمبرمة بين الطاعنة والمطعون ضدها ، فإنها تكون فوتت إحدى درجات التقاضي على الخصوم ، مع أن مبدأ التقاضي على درجتين من المبادئ الأساسية للنظام القضائي التي لا يجوز للمحكمة مخالفته ، ولا يجوز للخصوم النزول عنه ، ومن ثم يكون حكمها قد خالف القانون وأخطأ في تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن .
-۲ - كما تبسط المحكمة المختصة بشئون التحكيم ـ والتي سبق لنا تحديدها ـ رقابتها على وجود اتفاق التحكيم من عدمه ، ومدى صحته ، وهي بصدد إصدار الأمر بتنفيذ الحكم من جهة وعند نظرها دعوى بطلان حكم التحكيم من جهة أخرى .
وقد أوضحت محكمة النقض بدائرة القضاء بإمارة أبو ظبي أنه : « من المقرر أن لمحكمة الموضوع السلطة التامة في فهم الواقع في الدعوى ، وفي تقدير الأدلة وتفسير العقود والاتفاقات وسائر المحررات ، بما تراه أوفى إلى نية عاقديها ، وأوفى بمقصودهم ، مستهدية بوقائع الدعوى وظروفها ، ودون رقابة لمحكمة النقض عليها ، وذلك ما دام إنها أقامت قضاءها على أسباب سائغة مقبولة ، وتكفى لحمله » .
وبناء عليه ، خلصت إلى أنه : « لما كانت محكمة الموضوع قد انتهت في قضائها إلى أن الطاعنة ما هي إلا وكيل خدمات محلى للمطعون ضدها ، وليست وكيلاً تجارياً ، وكان الثابت أن الطرفين قد اتفقا على شرط التحكيم بالاتفاقية المؤرخة ٢۰۰۳/۱٠/١٣، ومن ثم فإنه يعتد بشرط التحكيم ، وينعقد الاختصاص لهيئة التحكيم ، وقضت بعدم قبول الدعوى ، وإذ كان هذا الذي خلص إليه الحكم سائغاً بما له من أصل ثابت بالأوراق ولا مخالفة فيه لمضمون الاتفاقية محل النزاع ، ومؤدياً إلى النتيجة التي قضى بها من أن حقيقة الاتفاقية أن الطاعنة وكيل خدمات محلی وليست اتفاقية وكالة تجارية ، ومن ثم فإن النعي على الحكم المطعون فيه بما سلف لا يعدو أن يكون جدلاً موضوعياً فيما تستقل محكمة الموضوع بتقديره من أدلة الدعوى ، وبالتالى فهو غير مقبول .