اتفاق التحكيم / اتفاق التحكيم / الكتب / دور القاضي في التحكيم التجاري الدولي دراسة مقارنة / اتفاقات التحكيم في قضايا الاستثمار المقامة أمام مركز القاهرة
اتفاقات التحكيم في قضايا الاستثمار المقامة أمام مركز القاهرة:
أقيمت قضايا الاستثمار أمام مركز القاهرة استناداً لثلاثة أنواع من الوثائق القانونية. أما النوع الأول فهو الاتفاقيات الدولية للاستثمار المبرمة بين دولتين أو أكثر لتشجيع وحماية الاستثمارات. وقد أحالت شروط تسوية المنازعات المدرجة في بعض هذه الاتفاقيات إلى التحكيم وفقاً لقواعد مركز القاهرة، مما أدى إلى تحريك قضيتين تحكيميتين أمام المركز استناداً إليها.
وأما النوع الثاني فهو ما اصطلح على تسميته بعقود الدولة State Contracts وهي عقود دولية مبرمة بين الدولة أو أحد أشخاص القانون العام التابعة للدولة وبين شركة أو شخص من أشخاص القانون الخاص. وعادة ما تتضمن هذه العقود شروط تحكيم تم الاستناد إليها لتحريك أربعة وأربعون قضية استثمار أمام مركز القاهرة.
وبالنسبة للنوع الثالث فيتمثل في عقود الاستثمار المبرمة فيما بين أشخاص القانون الخاص والتي كانت المصدر الرئيسي لنشوب أغلب منازعات الاستثمار المنظورة أمام مركز القاهرة والبالغ عددها تسعة وستون قضية.
وتجدر الإشارة إلى أن أول قضية أقيمت استناداً لاتفاقية استثمار دولية كانت القضية التحكيمية رقم ١١٢/ ١٩٩٨ المقامة من إحدى الشركات العامة الليبية للاستثمارات الأجنبية ضد وزارة سورية استناداً للاتفاقية الدولية المبرمة بتاريخ ٢١ يناير ١٩٧٨ فيما وسوريا لإنشاء شركة ليبية سورية للاستثمارات في مجالي الصناعة والزراعة. وقد صدر حكم التحكيم النهائي فيها بتاريخ ٢٩/ ۱۹۹۸/۹. أما القضية الثانية فهي القضية التحكيمية رقم ١٦٥/ ۲۰۰۰ المقامة من شركة مصرية ضد دولة لبنان. وقد صدر حكم التحكيم النهائي فيها بتاريخ ٢٠٠٠/٧/٤.
ج- أنواع عقود الاستثمار موضوع منازعات الاستثمار المنظورة أمام مركز القاهرة
نشأت منازعات الاستثمار المنظورة أمام مركز القاهرة بصفة عامة عن عقود استثمار دولية تتعلق بقطاعات التصنيع والموارد الطبيعية والخدمات. ولعل أكثر عقود الاستثمار شيوعاً أمام مركز القاهرة هي اتفاقات الشراكة Joint Venture Agreements التي تبرم فيما بين أشخاص القانون الخاص من المصريين
والأجانب بغرض الدخول في استثمارات مشتركة داخل مصر. - وقد جاءت أطراف عقود الاستثمار محل منازعات الاستثمار المنظورة أمام مركز القاهرة من الدول التالية: المملكة العربية السعودية - الإمارات العربية المتحدة لبنان - سوريا - ليبيا - أسبانيا - فرنسا - إيطاليا - المملكة المتحدة - سويسرا - ألمانيا - بلجيكا - هولندا - الكويت - الصين ومصر.
وهذا التنوع في عقود الاستثمار وجنسيات المستثمرين مرده بطبيعة الحال إلى الجهود الطيبة التي بذلتها حكومة دولة المقر في السنوات الأخيرة في سبيل جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة عن طريق إزالة معوقات الاستثمار وتوفير المناخ الملائم لتشجيعه وحمايته قانوناً وقضاء.
طبيعة منازعات الاستثمار أمام مركز القاهرة يمكن تصنيف منازعات الاستثمار المنظورة أمام مركز القاهرة بحسب طبيعتها إلى الفئات التالية: - منازعات ناشئة عن إدارة وتشغيل وتجديد الفنادق منازعات ناشئة عن تصميم وتطوير ومقاولات مشروعات الاستثمار
- منازعات ناشئة عن نقل التكنولوجيا
- منازعات ناشئة عن شراء الأسهم والاستثمارات الرأسمالية
- منازعات ناشئة عن عقود الإنشاء والتشغيل ونقل الملكية
- منازعات ناشئة عن استغلال الموارد الطبيعية
وقد نشبت بعض هذه المنازعات نتيجة تدخل السلطة المخلفات، العامة في الحقوق العقدية للمستثمر، سواء بفرض شروط أو التزامات جديدة أو عن طريق حظر اتخاذ إجراءات معينة، بينما نشبت بعض المنازعات الأخرى نتيجة ظهور ظروف طارئة وصدور قرارات إدارية أو سيادية بشأن الاستثمارات في الدولة المضيفة. كذلك نشبت بعض الخلافات لأسباب تتعلق بمخالفة قوانين البيئة فيما يتعلق باستثمارات طويلة الأمد تتعلق بقطاع تدوير هذا فضلاً عن نشوب منازعات أخرى نتيجة إدعاءات بالفساد الإداري على سبيل المثال للحصول على الصفقات دون وجه حق.
ومما لا شك فيه أن هذا التنوع في طبيعة منازعات الاستثمار يعكس خصوصية هذا النوع من المنازعات باعتبار أنها تتأثر بمناخ الاستثمار في الدولة المضيفة للاستثمار وتوجهاتها الاستراتيجية فضلاً عن الظروف الاقتصادية والقانونية السائدة أو المتغيرة في تلك الدولة، وكلها أمور تعرض على القضاء التحكيمي للبت فيها بقرار ملزم.
إذا انتهينا من العرض السريع لملامح تجربة مركز القاهرة في مجال تسوية منازعات الاستثمار، يبقى أن نتناول أهم مزايا تطبيق قواعد تحكيم اليونسترال لتسوية هذه المنازعات وهي بطبيعة الحال جزء لا يتجزأ من هذه التجربة نظراً لأن مركز القاهرة، كما أسلفنا، قد تبنى تلك القواعد منذ إنشائه.
2- مزايا تطبيق قواعد تحكيم اليونسترال لتسوية منازعات الاستثمار
المتابع الجيد لمنارعات الاستثمار، وبصفة خاصة تلك التي تكون الدولة أحد أطرافها، يجد أن قواعد تحكيم اليونسترال تتبوأ مكاناً متميزاً في هذا المجال. وليس أدل على ذلك من إدراج هذه القواعد في عدد كبير جداً من الاتفاقيات الثنائية لتشجيع وحماية الاستثمارات باعتبارها إحدى البدائل المطروحة لحكم إجراءات فض المنازعات فيما بين المستثمر الأجنبي وبين الدولة المضيفة للاستثمار.
ومن خلال متابعتنا لتجربة مركز القاهرة في مجال تسوية منازعات الاستثمار نجد مزايا عديدة لتطبيق قواعد اليونسترال لتسوية هذه المنازعات، فهي تمنح للأطراف نطاقاً من الحرية (أ) ، كما تتسم بقدر كبير من المرونة في تسيير إجراءات التحكيم (ب) وتساهم في تحقيق إحترام أكبر لتوقعات احتراماً لسرية أحكام التحكيم طبقاً للمادة (۳۷) مكرر من قواعد تحكيم مركز القاهرة.
الأطراف (ج) هذا فضلاً عن توفيرها لمناخ أكثر ملاءمة للتوصل إلى تسويات ودية (د).
أ - نطاق أوسع لسلطان الإرادة
يعد نطاق تطبيق مبدأ سلطان الإرادة طبقاً لقواعد تحكيم اليونسترال هو الأوسع مقارنة بقواعد التحكيم الأخرى، فهذا المبدأ شاخصاً في أهم ما يميز العملية التحكيمية وهو اختيار المحكمين، إذ أنه طبقاً للمواد الخامسة والسادسة والسابعة من قواعد تحكيم اليونسترال، يكون للأطراف مطلق الحرية في تعيين محكميهم دون أية قيود أو محظورات تتعلق بالجنسية، باستثناء ما للمادة السادسة تلك القواعد من أنه الفقرة الرابعة من عليه تنص من المستحسن أن يكون رئيس هيئة التحكيم أو المحكم الفرد من جنسية غير جنسيات أطراف النزاع.
وبالتالي، وعلى خلاف ما يجري عليه العمل طبقاً لقواعد بعض المؤسسات التحكيمية، فإن ترشيح المحكم لا يخضع لأية قيود غير تلك التي تتعلق بالحيدة والاستقلال لتفادي تعارض المصالح، كما لا يخضع ترشيح الأطراف لمحكميهم لأدنى تأكيد من جانب أي جهة ولا يحرم الأطراف من المشاركة في تعيين المحكم الرئيس. وهكذا لا يكون اختيار الأطراف محلاً للطعن إلا يقع بالمخالفة لاتفاق التحكيم أو للمتطلبات المنصوص . في القانون واجب التطبيق.
ب – مرونة أكبر في سير إجراءات التحكيم عليها
تتميز قواعد اليونسترال بأنها لا تلزم الأطراف بها كحزمة واحدة تأخذ أو تترك، إذ يجوز لأطراف التحكيم طبقاً للمادة الأولى من تلك القواعد تعديلها كيفما يرون. وبالتالي يكون للأطراف مطلق الحرية في إملاء الإجراءات التي يتم إتباعها لحسم خلافاتهم فيضيفون أو يحذفون منها ما يريدون الآجال وتشكيل هيئة التحكيم مروراً بإجراءات التحكيم بدءاً ووصولاً إلى حكم التحكيم.
ولعل من أهم مظاهر مرونة قواعد اليونسترال أنها تمنح هيئة التحكيم في مادتها الخامسة عشر أوسع نطاق ممكن من الحرية في سبيل ممارسة التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة دون أية قيود أو محظورات، اللهم إلا ضرورة احترام القواعد الآمرة في القانون الواجب التطبيق وشريطة أن يعامل الطرفان على قدم المساواة» وأن تهيئ هيئة التحكيم لكل منهما في جميع مراحل الإجراءات فرصة كاملة لعرض قضيته.
وقد أثبت الواقع العملي ما لهذه المادة . أهمية مكنت من العديد من هيئات التحكيم المشكلة للفصل في منازعات الاستثمار من حسن إدارة العملية التحكيمية والتعامل معها وفقاً لظروف كل دعوى وما يقتضيه تطورها، فضلاً عن مواجهة ما يطرأ من مشاكل إجرائية مرتبطة بطبيعة هذا النوع من المنازعات.
ج - احترام أكبر للتوقعات المشروعة للأطراف ٣٤ - تضمن جميع قواعد التحكيم احترام مبدأ سلطان الإرادة في مجال القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع ولا تخرج قواعد اليونسترال عن هذه القاعدة، إذ تنص المادة الثالثة والثلاثون يعينه الطرفان. منها على أن تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفين.
بيد أن هناك اختلاف كبير في موقف قواعد المؤسسات التحكيمية عندما لا يحدد الأطراف القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع. فبينما تُجمع تلك القواعد على ترك أمر تحديد هذا القانون لتقدير هيئة التحكيم، إلا أنها تتأرجح بين تلك التي تمنح المحكمين حرية مطلقة وتلك التي تقيد هذه الحرية.
فمن قواعد التحكيم ما يسمح لهيئة التحكيم بأن تطبق بطريق مباشر قواعد القانون التي تراها مناسبة (المواد ۱/۱۷ من قواعد غرفة التجارة الدولية و ۱/۲۸ من قواعد الجمعية الأمريكية للتحكيم و ٣/٢٢ من قواعد محكمة التحكيم بلندن [LCIA])، في حين توجد قواعد أخرى تلزم هيئة التحكيم بتبرير اختيارها للقواعد أو القانون واجب التطبيق وتوضيح مدى اتصاله بالنزاع (المادة ٣٩/ من قانون التحكيم المصري).
أما قواعد اليونسترال، فقد تبنت موقفاً منحازاً لتوقعات الأطراف، إذ تنص مادتها الثالثة والثلاثون على أنه إذا لم يتفق الطرفان على تعيين القانون واجب التطبيق، وجب على هيئة التحكيم أن تطبق القانون الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى أنها الواجبة التطبيق في الدعوى.
بموجب هذا النص، فإنه في غياب اتفاق بين طرفي التحكيم حول اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع، يكون من المنطقي أن يتوقع الأطراف تطبيق قانون وطني، إذ اختارت قواعد اليونسترال مصطلح «قانون» بدلاً من مصطلح «قواعد القانون كما تشترط المرور بقواعد تنازع القوانين التي تحيل دائماً وأبداً إلى قانون وطني.
في ضوء ما تقدم، نجد أنه طبقاً لتجربة مركز القاهرة، لا مجال اختيار القانون واجب التطبيق على موضوع النزاع توجد في أية مفاجآت غير سارة للأطراف، ذلك أن اختيار هيئة التحكيم لهذا القانون لم يخرج أبداً عن إطار التوقعات المشروعة للأطراف، كما لم نجد في أحكام التحكيم الصادرة عن المركز ما يشير إلى تطبيق مبادئ أو قواعد غير معلومة المصدر.