لا شك أن المنازعات البحرية تعد حقلاً فسيحاً وخصباً للتحكيم الدولي ، بل يمكن القول بأن هذه المنازعات والسعي لتسويتها بعيدا عن القضاء ، وما تكتنفه هذه الطريق من إجراءات طويلة ، كانت السبب في وجود نظم التحكيم الدولي ، التي اتسعت حاليا وتعددت مشاربها . وتتعدد المنازعات المعروضة على التحكيم البحري لتشمل كافة المنازعات الناشئة عن المعاملات البحرية بين الأشخاص الخاصة ، أو بينها وبين الأشخاص المعنوية العامة . وقد حصرها قانون التحكيم الفيدرالي الأمريكي لعام ١٩٢٥ في المادة الأولى ، التي عرفت المعاملات البحرية التي تحل منازعاتها وفقا لهذا القانون بأنها : مشارطات إيجار السفن ، وعمليات النقل البحري بموجب سند شحن، والاتفاقات الخاصة باستعمال الرصيف البحري للسفن ، وإصلاحها ، والتصادم البحري، وأي موضوع من موضوعات التجارة الدولية ، التي تدخل عند الاقتضاء في اختصاص القضاء البحري. اتفاق التحكيم ( شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم )، هو دستور التحكـيم ،ومصدر سلطات المحكمين، وهو الحائـل دون اختصـاص القضـاء بـالنزاع موضوع التحكيم، وهو الذي يمنح المحكم سلطة الفصل في النـزاع بقـرار ملزم. ويعد اتفاق التحكيم البحري نقطة البداية والانطلاقة في مسيرة التحكـيم البحري. والغالب أن يكون التحكيم هو الوسيلة التي يتفق عليها ذو الشـأن فـي عقد النقل البحري لتسوية المنازعات التي قد تثور بينهم وتتعلق بهذا العقد. واتفاق التحكيم يخضع بالضرورة للقواعد العامة فـي العقـود ، والتـي أودعها المشرع في القانون المدني، فضلا عما قد تفرضه ذاتيتـه مـن قواعـد خاصة به . وبالتالي فإنه ، كغيره من الاتفاقات ، لابد أن يستند إلى قانون معـين، يمده بقوته الملزمة، وينظم وجوده ، وصحته ، وآثاره ، ومصيره . ذلـك أن هـذا الاتفاق يفد على علاقة تتقدمه، لها قانونها الخاص الذي يحكمها ، والذي قـد لا يكون هو القانون الخاص باتفاق التحكيم ذاته، ثم إن موضوع هذا الاتفاق يتعلق بأداء وظيفة من وظائف الدولة الأساسية، وهي الوظيفة القضائية، الأمر الـذي يجعل هناك تباينا في مواقف الدول المختلفة منه.