لم يثر خلاف في مصر، على صحة الاتفاق على التحكيم بالنسبةلعقود الدولة المدنية. ولكن ثار خلاف - قبل صدور قانون التحكيم – حول جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية. ووجد في هذا الشأن رايان:
ذهب رأى إلى عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية. فكل نزاعينشأ بشأن هذه العقود يختص به القضاء الإداري، ولا يصح عرضه علىمحكمين. ويستند هذا الرأي إلى أن المادة (١٠) من قانون مجلس الدولةرقم 47 لسنه ۱۹۷۲ تنص على اختصاص محاكم الدولة دون غيرهابالفصل في منازعات العقود الإدارية، والاتفاق على التحكيم يؤدي إلى سلبولاية هذه المحاكم بهذه المنازعات، بما يتعارض مع هذا النص. هذا فضلًاعن تعلق منازعات العقود الإدارية بالنظام العام، ولا يجوز الصلح فيالمسائل المتعلقة بالنظام العام. ولما كان لا يجوز التحكيم فيما لا يجوز فيهالصلح، فإن مؤدى هذا عدم جواز التحكيم في منازعات العقود الإدارية.
ولكن الرأي الذي رجح ذهب – على العكس - إلى جواز الاتفاقعلى التحكيم في العقود الإدارية. ويستند هذا الرأي إلى أن القانون لم يمنعالتحكيم إلا بالنسبة لما لا يجوز بشأنه الصلح، والعقود الإدارية لا يمتنعبشأنها الصلح. ومن ناحية أخرى، فإن المادة 3/58 من قانون مجلسالدولة تنص على أنه «لا يجوز لاية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة منمصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجیز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذقرار محكمة في مادة تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيه بغير استفتاء إدارةالفتوى المختصة». فنص هذه المادة الذي يلزم جهة الإدارة بأخذ رأىمجلس الدولة فيما تبرمه من تحكيم في أية مادة تزيد قيمتها على خمسة آلافجنيه يقطع بجواز التجاء جهة الإدارة إلى التحكيم في منازعاتها الإداريةذلك أنه لو كان الاتفاق على التحكيم محظورًا على جهة الإدارة ما الزمهاالمشرع بعرض هذا الاتفاق على مجلس الدولة لأخذ رأيه. أما ما تنصعليه المادة (١٠) من قانون مجلس الدولة من اختصاص محاكم المجلس دون غيرها بالفصل في منازعات العقود الإدارية، فالمقصود به توزیعالاختصاص بين محاكم مجلس الدولة ومحاكم القضاء المدني واستبعاد أياختصاص لمحاكم القضاء المدني بهذه المنازعات. ولم يقصد المشرعمن نص المادة العاشرة إنكار حق الأطراف في عرض هذه المنازعاتعلى التحكيم، خاصة أن هذا العرض لا يستبعد أعمال القواعد الموضوعيةالتي تطبق على العقود الإدارية. وهذا الرأي الاخير هو الذي اخذت به الجمعية العمومية لقسمىالفتوى والتشريع في فتوى اصدرتها بتاريخ 1989/5/17، واكدتها فيفتوى اخرى اصدرتها بتاريخ 1993/2/7. وهو أيضًا الرأي الذي قننتهالمادة (1) من قانون التحكيم الجديد بنصها على ان «تسرى احكام هذاالقانون على كل تحكيم بين اطراف من اشخاص القانون العام أو القانونالخاص ايا كانت طبيعة العلاقة القانونية التي يدور حولها النزاع». وقدجاء في تقرير اللجنة المشتركة (التعليقًا على هذا النص أنه «قد قصد بهذهالعبارة سريان هذا القانون على العقود الادارية كي يصبح حكمها تقنينًا لما
انتهى اليه افتاء مجلس الدولة في هذا الشأن». وعلى هذا فانه وفقًاللمادة الأولى من قانون التحكيم يجوز الاتفاق على التحكيم بشأن العقودالادارية. ويخضع هذا التحكيم لقانون التحكيم رقم ۲۷ لسنه ١٩٩٤ورغم هذا النص، فقد صدرت فتوى من الجمعية العمومية لقسمي الفتوىوالتشريع بمجلس الدولة بتاريخ ۱۹۹۷/ ۷/ ۱۹، بعد صدور قانون التحكيمالجديد، انتهت الى عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود الادارية.
وحلًا لهذا الخلاف، ونظرا لأن التحكيم قد يعرض المصالح العليا للدولةللخطر مما يقتضي علم عرض المنازعات الخاصة ببعض المشروعاتالعامة القومية على التحكيم. اذ هذه المصلحة العامة يقدرها القضاء الوطنيافضل من تقدير هيئة التحكيم التي تشكل اغلبيتها عادة – بالنسبة لهذهالمشروعات – من محكمين اجانب، فقد رأى المشرع المصرى تقييد سلطة جهة الإدارة في الاتفاق على التحكيم. فأضاف الى المادة (١٠) من قانونالتحكيم فقرة ثانيةنصها الآتي «وبالنسبة إلى منازعات العقود الإداريةيكون الاتفاق على التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصهبالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة. ولا يجوز التفويض في ذلك«. وبهذاالنص حسم المشرع المصري الخلاف سالف الذكر، وأكد صحة الاتفاقعلى التحكيم بالنسبة للعقود الإدارية. ومن ناحية أخرى، أضاف قيدًاعلى سلطة الإدارة في الاتفاق على التحكيم هو وجوب أن يتم الاتفاق بعدموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاصالاعتبارية. مع عدم جواز قيام الوزير أو من يتولى اختصاصه بالنسبةللأشخاص الاعتبارية العامة في تفويض أي شخص في الموافقة علىالتحكيم. والتفويض الممنوع هو التفويض العام الصادر لشخص لمباشرةسلطة الموافقة على التحكيم فيما تبرمه الوزارة أو الأشخاص الاعتباريمن عقود. ولكن النص لا يمنع الوزير، أو من يتولى اختصاصه بالنسبة
للشخص الاعتباري العام، من إنابة شخص في الموافقة على اتفاقالتحكيم بالنسبة لعقد معين.
ولا يعمل بهذا القيد إلا من تاريخ سريانه . ولهذا فإنه لا يطبق بأثررجعی، فلا يجوز التمسك به بالنسبة لاتفاق التحكيم الذي أبرم قبل هذاالتاريخ.
ويتطرق الفرد الذي تنص عليه المادة ۲/ ۱٠ تحكيم، سواء كان التحكيمبشأن العقد الإداري تجاريًا دوليًا أم لم يكن كذلك، وسواء اتفق الطرفانعلى خضوعه لقانون التحكيم المصري أم لقانون تحكيم أجنبي أو لنظامتحكيم معين مثل قواعد ال C. C.I.. أو قواعد اليونسترال أو غيرهافهو نص يتعلق بالنظام العام يجب احترامه دائمًا، بالنسبة للتحكيمات التياتفاق عليها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة المصرية.
ومع ذلك ذهب اتجاه غالب في الفقه المصري إلى أن هذا القيد لاسري على التحكيمات التجارية الدولية والتي تحكمها اتفاقية نيويورك.
وذلك على أساس أن اتفاقية نيويورك وإن لم تتعرض صراحة لهذهالمسألة إلا أنه يفهم من الأعمال التحضيرية للاتفاقية أنها لا تقر أي قيدعلى إمارة الشخص في إبرام اتفاق تحكيم، سواء كان هذا الشخص طبيعيًاأو اعتباريًا. فالقيود التي قد تفرضها القوانين الوطنية في هذا الشأن تسريعلى التحكيمات الوطنية دون التحكيمات الدولية. ذلك أنه توجد قاعدةدولية مستمدة من الأعراف التجارية الدولية ومستقرة قضاء وفقها مؤداهاعدم خضوع التحكيمات الدولية لمثل تلك القيود. ولهذا يرى هذا الرأيأنه إذا أبرمت الدولة أو إحدى الهيئات العامة عقدًا إداريًا تضمن شرط تحكيموتوافرت في هذا التحكيم ما تنص عليه المادتان الثانية والثالثة من قانونالتحكيم بما يجعله تحكيمًا تجاريًا دوليًا، فإن هذا التحكيم لا يخضع للقيدالوارد في الفقرة الثانية من المادة العاشرة من قانون التحكيم التي تتطلبلصحة اتفاق التحكيم موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصهبالنسبة للشخص الاعتباري المتعاقد، ولو كان قد اتفق على أن يجرىالتحكيم وفقًا لقانون التحكيم المصري.
على أنه يلاحظ أنه رغم الأخذ بهذا الرأي، فإنه وفقًا للمادة٢/٥ب من اتفاقية نيويورك «يجوز للسلطة المختصة في البلد المطلوبإليها الاعتراف وتنفيذ حكم المحكمين أن ترفض الاعتراف والتنفيذ إذا تبينلها:... (ب) أن في الاعتراف بحكم المحكمين أو تنفيذه ما يخالفالنظام العام في هذا البلد»، ولما كان- وجوب الحصول على موافقةالوزير المختص أو من يتولى اختصاصه مسألة متعلقة بالنظام العام، فإنه إذا صدر حكم التحكيم في الخارج دون هذه الموافقة وأراد المحكوم لهتنفيذه في مصر، فإن للقاضي رفض الاعتراف به أو إصدار الأمر بتنفيذه.
ونفس الأمر إذا صدر حكم التحكيم في مصر وفقًا للمادة ٢/٥٨/ ب منقانون التحكيم، والتي تشترط للأمر بتنفيذ حكم التحكيم عدم مخالفة النظامالعام في مصر. (111).