ذهب الفقه الفرنسي إلى تعريف اتفاق التحكيم الدولى بأنه: اتفاق يتم بمقتضاه التزام شخصين أو أكثر على حسم المنازعات التي يمكن أن تثور بينهما (بينهم)، أو ثارت بالفعل عن طريق محكم أو عدة محكمين، والذي يضع في الاعتبار مصالح التجارة الدولية..
- وهذه العبارة الأخيرة - مصالح التجارة الدولية - هي التي أوضحت ضابط الدولية في اتفاق التحكيم، فلا خلاف بين الفقه الفرنسي على أن مصالح التجارة الدولية هي المعيار الذي يميز اتفاق التحكيم الدولي عن اتفاق التحكيم الداخلي أو الوطني ) وهذا المعيار اهو معیار اقتصادی بحت، استمده الفقه الفرنسي من المادة 1 492 من قانون الإجراءات المدنية الجديد، والتي تنص
على أنه يكون دوليا: «التحكيم الذي يضع في الاعتبار مصالح التجارة الدولية».
أخرى شخصية كانت أم جغرافية أم قانونية. فالأخذ بالمعيار الشخصي على سبيل المثال، والمتمثل في اختلاف جنسية طرفي الاتفاق، يجعل من اتفاق التحكيم الذي يجري بين أجنبيين يقيمان في مصر بشأن تسوية نزاع حول سلعة موجودة بها وليس في النية نقلها تحكيما تجاريا بوليا على الرغم من أنه منقطع الصلة تماما بالتجارة البولية. وفي المقابل قد يتعلق الاتفاق بمصالح التجارة الدولية ولأنه يجري بين وطنيين ينتفى عنه الوصف البولی. لذا فالمعيار الاقتصادي الذي تبناه الفقه والقضاء الفرنسيان يتميز بأنه يعطى لاتفاق التحكيم الصفة الدولية بغض النظر عن جنسية أطرافه مادام يتصل بمصالح التجارة الدولية ففي الحكم الصادر من محكمة استئناف باريس في ۲۹ من يناير ۱۹۹۰، قضى هذا الحكم بأن العقد المبرم بين أطراف فرنسيين ويخضع في تطبيقه لأحكام القانون الفرنسي بقصد إنشاء شركة محاصة، غرضها تنفيذ مشروعات في الخارج، يحقق مصالح التجارة الدولية، ويعتبر النزاع بین طرفین فرنسيين (المقاول الأصلي والمقاول من الباطن) هو اتفاق تحكيم دولي لأنه يضع في الاعتبار مصالح التجارة الدولية، حيث جاء تنفيذا لعقد المقاولة الأساسي بين رب العمل الأجنبي والمقاول الأصلي الفرنسي والذي تحقق فيه المد الاقتصادي (flux économique م). فساد المعايير الجغرافية
- ولايختلف الأمر بالنسبة للمعايير الجغرافية، فاختلاف مركز أعمال طرفي التحكيم أو محال إقامتهما أو اللجوء إلى منظمة تحكيم دولية سوف يؤدي إلى دولية مصطنعة (Internationalite Fictive) لاتفاق التحكيم، فلا يمكن القول أن الاتفاق على التحكيم بين مصرى يقيم بمصر وفرنسي يقيم بفرنسا بشأن تسوية نزاع يتعلق بسلعة موجودة بالقاهرة وليس في النية نقلها على أنه اتفاق تحكيم بولی. وبالمثل بالنسبة لاتفاق التحكيم الذي يجري بين مصريين بشأن تسوية نزاع يتعلق بتجارة داخلية محضة، فلا يمكن اعتباره اتفاق تحكيم له الصفة الدولية لمجرد اللجوء في شأنه إلى منظمة دولية مثل المركز الإقليمي للتحكيم التجارى الدولى بالقاهرة.
وهكذا تبدو أهمية المعيار الاقتصادي في التفرقة الحاسمة بن اتفاقات التحكيم الدولية واتفاقات التحكيم الوطنية، كما يكتسب هذا المعيار أهمية أخرى في إزالة الخلط بين التحكيم الدولي والتحكيم الأجنبي؛ فالتحكيم الدولي أصبح واضحا بأنه ذلك الذي يتعلق بمصالح التجارة الدولية، أما التحكيم الأجنبي فهو التحكيم الذي يقع في الخارج وهذا التحكيم قد يكون تحكيما دوليا إذا ماتوافر به المعيار الاقتصادي، أو غير ذلك إذا لم يتوافر به هذا المعيار. وعلى ذلك لابعد بالضرورة اتفاق طرفي التحكيم في نزاع وطنی بحت على حسمه أمام هيئة تحكيم في الخارج على أنه تحكيم دولي، وإنما قد ينطبق عليه وصف التحكيم الأجنبي تقول الأستاذة / سامية راشد: «ليس كل تحكيم يتم في الخارج تحکیما دوليا بالضرورة؛ إذ الرأى الصحيح كما أفصح عنه أستاذنا الدكتور محسن شفيق هو أن التحكيم يكون دوليا إذا تعلق بالتجارة الدولية». نبني قانون التحكيم المصرى للمعيار الاقتصادي. هذا وقد تبني قانون التحكيم المصرى المعيار الاقتصادي بالنص في المادة الثالثة منه على أن «التحكيم يكون دوليا إذا كان موضوعه نزاعا يتعلق بالتجارة الدولية»، غير أنه أضاف بعد التجاري الدولي. الاتجاه الثاني: ويرى أن الحالات التي ذكرها النص هي تطبيق للمعيار الاقتصادي، بمعنى أن النزاع يكون متعلقا بالتجارة الدولية بمجرد أن تتوافر إحدى الحالات التي ذكرها النص؛ أي أن هناك شرطا وحيدا الاكتساب اتفاق التحكيم الصفة الدولية وهو تعلق موضوع النزاع بالتجارة الدولية، وما الحالات التي أوردها النص سوی ضوابط يسترشد بها بصورة يقينية عن بولية موضوع المنازعة.
والواقع أننا إذا التزمنا بحرفية عبارة النص لكان معنى ذلك أنها الحالات التي يتوافر معها تعلق النزاع بالتجارة الدولية ، وهذا غير صحيح؛ لأن هناك من الحالات المذكورة ما لايمت بصلة للتجارة الدولية مثل اختلاف مكان مركز أعمال طرفي التحكيم أو لجوعهما إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز تحكيم يوجد مقره داخل مصر أو خارجها. كذلك
۷ 4- إنه إذا تعلق اتفاق التحكيم بشأن تسوية نزاع يتعلق بمعاملة أو عملية تنطوي على انتقال للأموال أو الخدمات أو الدفع عبر الحدود، فإن اتفاق التحكيم يكتسب في هذه الحالة الصفة الدولية
يكاد يجمع الفقه المصرى على انتقاد مسلك المشرع في هذا الخصوص: فيقول الدكتور/ مختار أحمد بريري: أنه كان حريا بالمشرع المصري أن يكتفي بالمعيار العام أي تعلق النزاع بالتجارة الدولية دون أن يذكر حالات تفصيلية لأن الجمع بين الأمرين لانجد له مسوغا مقبولا. المرجع السابق، ص ۲۹. بند ۱۹. ويقول الدكتور أحمد أبو الوفا: «إن هنا التعداد الحصري معيب، لأنه قد تحدث تطورات في المستقبل تتطلب إدراج حالات أخرى في هذا الخصوص». انظر مقالته بعنوان: «التحكيم في القانون الدولي وفي القانون المصريه المجلة المصرية للقانون الدولي، 1994 ص 94. ويقول الدكتور إبراهيم أحمد إبراهيم إن المشرع المصرى بهذا النص قد تبني اسلوبين، فبعد أن تبني معيارا الدولية التحكيم في صدر المادة الثالثة من القانون وهو تعلق موضوع النزاع بالتجارة الدولية، أضاف طائفة اخرى من الحالات يكون فيها التحكيم دوليا، فجاء موقفه متسما بالتردد والاضطرابه. المرجع السابق، ص 56. وتقول الدكتورة/ حفيظة السيد الحداد: «إن المشرع المصرى بعد أن