يثور التساؤل في ختام هذا العرض لفكرة "النظام العام الدولي المشترك": هل يستطيع (أو يجرو) المحكم الدولي أن يرفض إعطاء أي أثر للاتفاق الذي عبر عنه الأطراف في شرط المقاطعة، بحجة تعارضه مع هذا النوع من النظام العام؟ وبمعنى آخر، هل يستطيع المحكم استبعاد شرط المقاطعة معتبرا إياه متعارضة مع النظام العام الدولى المشترك؟۲۹۸
لا شك في أن المحكم سيجد نفسه في مواجهة مثل هذه التساؤلات، والمنطقي أن على المحكم الدولي أن يلتزم من حيث المبدأ، بإعطاء هذا
ففي قضية "Gotaverken" المشار إليها آنفا، أشارت هينة إلى أنه في غياب أي اتفاق مسبق بين الأطراف حول القانون المطب العقد فالاختصاص يعود حصرا إلى القانون السويدي، لاسيما بعد أن من هيئة التحكيم تطبيق قواعد البوليس الليبية المتضمنة التزاما عاما بالی بيد أن المحكمون لم يجدوا في القانون السويدي أية قاعدة تحظر المقاطعة المحدد بشهادة ضمان الأصل" التي اشترطها الطرف اللبی
ويستنتج البعض من ذلك، اعتراف هيئة التحكيم ضمنيا بعد تعارض لشرط المقاطعة المشار اليه مع أي مبدأ من المبادئ الأساسية للنظر العام الدولى الحقيقي .
ومع ذلك، تبقى الإجابة ضمنية وناقصة، وما يزيد من تعقيد المسألة هو نمطاطية ومرونة فكرة النظام العام الدولى الحقيقي وعدم توصل الفقه أو القضاء (لا وطنی ولا تحكيمی)، إلى وضع ضوابط ومعايير واضحة وثابتة لهذا المفهوم الخطر .
مشرعه الوطني بموجب هذه القوانين، وخصوصا أن هذا الأمر يمس النظام العلم الاقتصادي والسياسي لدولته.
بيد أن التساؤل هو عن موقف المحكم الدولي، هل تلزمه مثل هذه النوعية من القوانين استنادا إلى فكرة النظام العام الدولى الحقيقي؟ | ليس هناك من شك، في أن الدخول في النقاش حول هذا التساؤل عد أمرا شانكا.
ويشير البعض في هذا الصدد، إلى أن مصدر المشكلة مرجعه الخلط التام بين مفهومين للمقاطعة: أولهما، هو المقاطعة القائمة على معيار الجنسية أو الانتماء السياسي على وجه الحصر. ويستند هذا النوع من المقاطعة غالبا، إما إلى مبادئ القانون الدولي المكرمة والمعترف بها، أو إلى ض رورات اقتصادية تحكمها قوانين التجارة والأعراف والعادات التجارية العالمية وهي تقوم على أسس محددة وثابتة.
أما المفهوم الأخر للمقاطعة، فهو يتعلق بالتمييز العنصري أو الديني الذي تتبنى عليه قوانين المقاطعة في بعض الأحيان، وهذا المفهوم في ذاته هو مصدر الاذعاج وقد يدرج بطريق الخطا في المفهوم الأول للمقاطعة.
وبينما لا يتعرض المفهوم الأول للمقاطعة والمراد المقاطعة السياسية لأي انتقاد من وجهة نظر القانون الدولي، وأن على المحكم الالترام مجانية المطلقة تجاه قوانين المقاطعة من هذا النوع بحيث يطبقها دون أن خذ بشكل آلي موقا داعما للقانون المضاد لها، فان المقاطعة القائمة على باب عنصرية تستوجب الإدانة وقد تستدعي العمل على مواجهتها بكل
بيد أن المشكلة تبقی مع ذلك قائمة، إذ كيف يمكن التمييز بين المقاطعة القائمة على سبب سیاسی موضوعي يستند إلى الجنسية وتلك التي نهض على سبب عنصری؟
وحتى اذا أمكن التوصل الى معيار يمكن حل به هذا اللغز القانوني، نسيبقى تساؤلا أهم مفاده أنه في كل الأحوال، التي تكون فيها المقاطعة قائمة على سبب سیاسی: هل يمكن للمحكم أو بالأحرى، هل له الحق في أن يبحث في دوافع هذا السبب السياسي؟
ورد في المادة الأولى، من اتفاقية نيويورك المتعلقة باستبعاد كل اشكال العنصرية والمبرمة في 7 مايو ۲۷۴۱۹66، تعريف التمييز العنصري
أنه كل تمييز أو تهميش أو تفضيل قائم على العرق أو اللون أو النسب أو الأصل الوطني.....
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن الادعاء بأن المقاطعة العربية ضد إسرائيل لها طابع عنصري يعد غير صحيح إطلاقا. ذلك أن الأسباب السياسية والاقتصادية لتلك المقاطعة واضحة جدا. فالمقاطعة فرضت أثر الحروب والاعتداءات التي شنتها إسرائيل ضد البلاد العربية، وذلك فضلا عن المجازر التي ارتكبتها بحق شعوب الدول التي احتلتها، بل أنها ماتزال ترتكب هذه المجازر الى الآن بحق الشعب الفلسطيني وشردت أبناؤه. وأخيرا، فان إسرائيل نفسها قامت على أساس الدين اليهودي واعتبارها مكانا التجميع يهود العالم ويطالب قادتها وحلفاؤهم الغربيين والأمريكان باعتراف العرب رسميا بيهودية هذه الدولة.
وهكذا، لا يمكن وصف المقاطعة العربية لاسرائيل بالعنصرية والا كان ذلك استهزاء بأبسط مبادئ القانون الدولي. ثم أن القبول بذلك يدعو من باب أولى، إلى اعتبار المقاطعة الأمريكية لإيران تقوم على سبب عنصری أيضا، وذلك لأن ايران دولة إسلامية، فضلا عن كونها لحد علمنا، لم تقم بشن الحروب على الدول أو أنها دولة احتلال غير معروفة الحدود تبغى التوسع على حساب أراضي الدول المجاورة فضلا عن أنها لم ترتكب المجازر بحق شعوب أية دولة.
وعلى أي حال، فهناك معضلة قانونية أخرى، تكمن في تحديد المقصود ب" الأصل الوطني" "Origine Nationale" حيث اختلف بشأنه الكثير من الفقهاء. ويكفي أن نشير في هذا المقام، إلى أنه خلال المناقشات البرلمانية الخاصة باتفاقية نيويورك المتعلقة باستبعاد كل أشكال العنصرية والمشار اليها آنفا، في فرنسا، أشار ممثل الحكومة الفرنسية إلى أن تعبیر الأصل الوطني ليس مطابقا لفكرة الجنسية ولكنه يهدف إلى حظر كل
والواقع، أن التمييز القائم على الأصل الوطني أو الجنسية اذا ما اتفق المفهومان، لاخلاف في كونه أمر شائع في العلاقات الاقتصادية الدولية، وبالتالي، فلا يمكن وصفه بالعنصرية وإلا كان ذلك تعسفا لغويا منتقدان باعتبار أن هناك العديد من القواعد الاقتصادية الوطنية التي تكرس مفاهيم وأعراف ثعبر تقليديا، عن نمط سلوك الشعوب في تفضيل منتجات أو صناعات دول على صناعات دول أخرى دون أن يكون لذلك أية دوافع أو أسباب عنصرية، وذلك فضلا عن أن ظروف التجارة الدولية ومتطلباتها معقدة لدرجة تجعل من الصعوبة بمكان إيجاد معیار ثابت في التعاملات الاقتصادية الدولية.
وقد كانت هذه الدوافع وراء رأى البعض بأنه "في حال عدم توافر وضوح كامل للسبب العنصرى للمقاطعة، فإنه يمتنع على المحكم الدولي أن يتخذ موقفا حيال السبب السياسي للدولة، وذلك فيما لو كان مستندا إلى معايير موضوعية حقيقية أو معايير ذاتية عنصرية"."" . ويبدو أن بعض المؤسسات الدولية العاملة في حقل التحكيم ولها باع طويل في شئونه، تؤيد هذه الوجهة من النظر. ففي القضية التحكيمية التي فصلت فيها غرفة التجارة الدولية والمعروفة بقضية "Gotaverken" والتي
أشرنا اليها في موضع سابق، يظهر فيها أن التمييز القائم علی معیار است شرط ضمان الأصل الذي فرضته ليبيا (بالا يكون مصدر الى إسرائيليا)، قبلت به محكمة التحكيم ضمنيا، ومن ثم أقرت بأن شرط و المستند إلى تمييز موضوعی قائم على فكرة الجنسية غير مخالف للنظر الدولي المشترك.