إن الخوض في الطبيعة القانونية التحكيم ، ليس مسألة نظرية محضة بل علي العكس من ذلك فإن نتائج بالغة الأهمية تترتب على تقرير طبيعته ومن هذه النتائج :
أولا : من حيث نظام التحكيم ذاته وطبيعة المهمة التي يقوم بها المحكم : فالمركز القانوني للمحكم يختلف بحسب التكييف المأخوذ به. فطبقا للنظرة التعاقدية فإن المحكم وكيل عن الخصم. أما إذا تم التحكيم من طبيعة قضائية فإن المحكم يعد قاضية يباشر وظيفة قضائية.
ثانيا : من حيث تحديد القانون الواجب التطبيق: فطبقة النظرة التعاقدية فإن
القانون الواجب التطبيق هو القانون الذي اتفق عليه الأطراف لكي يحسم النزاع وهو قانون الإرادة. في حين أن أنصار الطبيعة القضائية يرون أن القانون الواجب التطبيق هو قانون محل التحكيم باعتباره القانون الموضوعي وأنسب القوانين وأكثرها اتصالا بموضوع النزاع.
ثالثا : من حيث القوة الملزمة لحكم التحكيم : فطبقا للنظرة التعاقدية فإن قرار
التحكيم مجرد تطبيق الأحكام العقد يلتزم به الأطراف بمجرد صدوره دون خضوعه للتدرج القضائي الذي يعرفه الحكم القضائي. ولا يكون واجب النفاذ إلا إذا أقرته المحكمة بناء علي دعوى يتقدم بها أحد الطرفين للوصول إلي حكم بتنفيذه ، في حين أن أنصار النظرة القضائية يرون أن قرار التحكيم حكم بالمعني الفني الدقيق يقترب من الحكم القضائي وأنه واجب النفاذ من تمام صدوره ولا يحتاج إلى أي إجراء آخر.
تعدد الأراء في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم :
اختلفت مواقف الفقه والقضاء في تحديد الطبيعة القانونية التحكيم اختلاف كبيرة. فمنهم من رأي أن التحكيم ذو طبيعة تعاقدية ، في حين أن أخرين يرون أنه ذو طبيعة فضائية. ورأي آخرون بأنه ذو طبيعة مختلطة وأخيرا رأي بعضهم بأنه نظام قانوني ذو طبيعة خاصة لحل المنازعات. وسنقوم بعرض النظريات التي قيلت في هذا الشأن وموقف الفقه والقضاء المقارن منها وما يترتب على الأخذ بها في أربعة مطالب متتالية هي :
اولا : الطبيعة التعاقدية لاتفاق للتحكيم . ثانيا : الطبيعة القضائية لاتفاق للتحكيم . ثالثا : الطبيعة المختلطة لاتفاق للتحكيم . رابعا: الطبيعة الخاصة لاتفاق للتحكيم .