التحكيم / طبيعة التحكيم القانونية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / الطبيعة القانونية للتحكيم
ثار الجدل في النته حول طبيعة التحكيم التجاري وقراراته، فمن قائل أن التحكيـم مـن طبيعة تعاقدية ارادية، ومن قائل أنه من طبيعة قضائية، وحاول البعض الآخر الأخذ بموقف وسـط عن طريق تبني حل توفیقی مقتضاه اعتبار نظام التحكيم في مجموعه مزيجا بين العنصرين معا، وبالتالي فانه يتسم بطبيعة مختلطة أو مزدوجة تتقابل فيه التأثيرات التعاقدية والقضائية كمـا ذهـب البعض الى القول بأن التحكيم له طابع خاص، طابع له ذاتية مستقلة.
يرى أنصار النظرة التعاقدية للتحكيم أن أساسه هو اتفاق أطراف الخصومة سواء بادراج شرط بذلك في العقد، أو باتفاق خاص مستقل، ويستمد قرار التحكيم قوته التنفيذية من هذا الاتفاق الخاص. ويكون أساس عدم قابلية قرارات التحكيم للطعن هو توافقها مع إرادة الأطراف بالالتجاء التحكيم.
ويذهب أنصار نظرة الطبيعة القضائية للتحكيم، الى أن خطأ النظرة التعاقدية أساسه اعتبـار إقامة العدل احتكارا للدولة، بينما الأفراد من حقهـم اختيار القاضي الذي يفصل بينهم، نقـد كـان التحكيم هو الشكل البدائي لإقامة العدالة في العصور السابقة على ظهور الدولة وتنظيم السلطة القضائية فيها. ولا فرق بين اختيار الخصوم للقاضي الذي يفصل بينهم، وبين اتجاه إرادتهم الى عرض النزاع على قضاء الدولة، وجوهر النظامين هو فض النزاع، وهو لا يتغير باختلاف الجهة التي تفصل في النزاع.
والواجب في مواجهة مثل هذه الحقائق المركبة محاولة تحليلها لردها إلى عناصرها المميزة وتحديد دور كل عنصر ومظاهره في كل مرحلة من مختلف المراحل.
وبتطبيق المنهج التحليلي على الموضوع المطروح ، يتضح بجلاء أن العنصر الارادي هو الجانب السائد في المرحلة الأولى للتحكيم وهي مرحلة الاتفاق على التحكيم كأسلوب لـحـل المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بين الطرفين. ثم يبدأ هذا العنصر الارادي في الأقـول تدريجيا تاركا الغلبة منذ بدء مرحلة التداعي للخصائص التي يتسـم بهـا العمل القضائي فالمهمة تنصب أساسا على حصر العناصر ذات الطابع الارادي التعاقدي، وتمييزها عن تلك العناصر ذات الطابع القضائي بحيث يمكن في النهاية تحديد مدى تداخل كل من العناصر التعاقدية والقضائية في تكويـن نظام التحكيم واعطائه طبيعته الذاتية المستقلة.
ونحن نتفق مع نظرة الفقه الحديث حيث ان النشأة الإتفاقية لعدالة التحكيم تؤكد مدى إستقلاله عن عدالة الدولة، فلا تختلط بها فهي صورة أخرى من العدالة، ويعتبر حكم التحكيم عملا قضائيا، فارادة الأطراف الحرة في إختيار وسيلة للتحكيم تكشف عن أن ما تقوم به هيئة التحكيم من أعمال تتمثل في حسم ما يطرحه عليها الأطراف من مسائل متنازع عليها هي في الحقيقة بمقتضى السلطة القضائية التي يمنحهـا لهـا اتفاق التحكيم ليدخل بذلك أيضا في وظيفة الدولة الأساسية وهي وظيفة القضاء.
وننوه أن القانون المصرى الجديد منح التحكيم هذا الوصف سـواء فيما يتعلق بتحريره أو اصداره أو ما يتعلق بآثاره والطعن المنهى للخصومه فيه، وغير ذلك من الأمور، فهـو كـالحكم القضائي ولا يفترق عنه اللهم إلا في مسألة التنفيذ حيث ينبغي عرض حكم المحكمين قبل تنفيذه على القضاء فقط لمجرد التحقق من أنه صدر بناء على شرط تحكيم صحيح وأن المحكميـن قـد راعوا الشكل القانوني الذي استلزمه هذا القانون.