إن الطبيعة القانونية لحكم التحكيم موضوع اختلف فيه الرأي ، وإن مذاهب الشراح والمحاكم قد ذهبت فيه إلى مذاهب شتى .
انقسمت آراء الفقهاء حول طبيعة حكم التحكيم ، فذهب بعض الفقه إلى أنـه عقد من عقود القانون الخاص ، وذهب البعض الأخر إلى أنـه عمـل قـضـائي ورأي فريق ثالث أن له كلتا الطبيعتين لينتهي إلى أن له طبيعة خاصة أو مستقلة
1. لا يعتبر العقد هو جوهر التحكيم ، بدليل أنه لا يوجد في حـالات التحكيم الإجباري ، كما أن المحكمين لا يعينون دائمـاً باتفاق الأطراف أو
بواسطتهم .
الطبيعة المستقلة
وقد دافع عن هذه النظرية جانب من الفقه المصري ، فذهب إلى أن التحكـيـم يمثل وسيلة مستقلة لحل المنازعات دون أن يكون تصرفاً قانونياً ، أو عملاً قضائياً ، فمن جهة أولى لا يعتبر عمل المحكم عملاً قضائياً لأن المحكم نفسه تنتفي عنـه صفة القاضي . وأما القوة الإلزامية لرأي المحكم في مواجهـة الخـصوم : فأنـه يكتبها من إراداتهم التصرفية التي أعربوا عنها في عقد التحكيم ، ويرفض هذا الفقه أن يقال إن إرادة المشرع وليس عقد التحكيم هي أسـاس هـذه القـوة إذ أن القانون هو الذي يرتب على كافة العقود والتصرفات القانونية آثارها بحيث تعتبـر هذه التصرفات مجرد وقائع أساسية بالنسبة لما ترتبه من أثار ، وإنما تعد الإرادة مصدراً مباشراً لهذه الآثار إذا كانت لها حرية معينة بشأنها ، بحيث يعتبر الأثـرالقانوني تحقيقاً لنية صاحبها .
ويميل الباحث إلى هذه النظرية على اعتبار إن حكم التحكيم له طبيعة مستقلة ؛ فهو يختلف عـن الـحكـم القـضـاني وكذلك فهو لا يعتبر اتفاقاً بالمفهوم التعاقدي .