لا يمكننا أن ننكر وجود بعض المثالب والعيوب في نظام التحكيم كنظام قضائي استثنائي لفض المنازعات بدلاً عن الأنظمة القضائية الوطنية بل علينا أن نبينها ونوضحها لكي نجد لها لحلول التي تجعل هذا النظام قريب من المثالية. ونوضح هذه العيوب في النقاط التالية:
1 - عدم وجود قانون موحد لحكم علاقات التجارة الدولية:
حقا إنها إحدى مثالب العمل بنظام التحكيم لفض ما قد ينشأ من منازعات في مجال التجارة الدولية الذي هو الأكثر استخداما لنظام التحكيم بدلاً من الأنظمة القضائية الوطنية.
والمتعاملون في هذا المجال من مستثمرين ورجال أعمال يهربون من النفق المظلم للأنظمة القضائية الوطنية بكل ما يرتبط بها من قوانين لعدم صلاحيتها وتطورها وعدم ملائمتها لما وصلت إليه حركة التجارة الدولية من تقدم وتطور ويذهبون إلى نظام التحكيم علهم يجدون فيه ضالتهم ليصدموا بوجود هيكل خارجي فارغ المحتوى أي نظام قضائي بلا قانون يحكمه ليضطروا بعد ذلك إلى الرجوع إلى الأنظمة القانونية التي هربوا منها من قبل لعدم صلاحيتها وحقا إنه السوء بعينه فلماذا هذا النظام لا يوجد له قانونه الموحد لكي يطبقه المحكم المعروض أمامه نزاع بين طرفيه وكان هذا النزاع متعلقا بعقد من عقود التجارة الدولية التي انتشرت أشكالها بين الدول بعضها البعض وبين الدول وبين كبار المستثمرين من رعايا الدول الأخرى.
نعم وبحق أن هذه الفكرة قد استوقفتني كثيرا لذلك قررت القيام بهذه الدراسة علي أجد سبيلا أو اهتدي إلى حل لمثل هذه المشكلة.
قد نجد بعض الاتفاقيات الدولية التي حاولت أن تضع بعض القواعد الموحده التي تحكم وتنظم عملية التحكيم لتلافي هذا العيب وما ينتج عنه من مشكلات ومن أمثلة هذه الاتفاقيات "اتفاقية البنك الدولي لتسوية المنازعات الاستثمارية" (١٩٦٥) أيضا "اتفاقية نيويورك بشـأن الاعتراف وتنفيـذ إحكـام المحكمين" (١٩٥٨) وغيرها ... ولكن لم تستطيع هذه الاتفاقيات والقواعد التي تضمنتها أن تكفل لنظام التحكيم وحدويتـه واكتفائه وعدم احتياج أطرافه لأي قانون وطني. وظل نظام التحكيم أسيرا للتشريعات الوطنية أي أنه بلا قانون يلملم شتات المشكلات العملية في مجال التجارة الدولية.
لذلك كان لابد من التوجه إلى ما يسمى بعادات وأعراف التجارة الدولية والقيام بمحاولة لأن تصبح هي بمثابة قانون القاضي Lex Fori بالنسبة للمحكم الدولي.
ومن خلال هذه الدراسة وفي حينه وموضعه سوف نتعرف أكثر على ما يسمى بعادات وأعراف التجارة الدولية .Lex mercatoria La ومن أين وجدت هذه العادات وهل يمكن أن تصبح هي قانونا عاما وموحدا لحكـم علاقات التجارة الدولية.
2 - صعوبة تنفيذ أحكام هيئات التحكيم:
بالطبع إنها إحدى المشكلات بالغة الأهمية – فكيف نستطيع أن نقول أن هذا النظام جيد وفعال وذا أثر نافذ وفي الحقيقة أن الأحكام التي تصدر من خلاله لا تنفذ إذا فإن منتقدي هذا النظام يستطيعون أن يقولوا أنه نظام نظري لا يمت للحقيقة أو الواقع بأي صلة وأنه عديم الجدوى والأثر. فكيف يكون نظاما قضائيا ولا تنفذ أحكامه.
ولكن السؤال الأهم الذي يثور في هذا الصدد هو لماذا الأحكام الصادرة من هيئات ومحاكم التحكيم تجد صعوبة في تنفيذها؟
في الحقيقة أن السبب الرئيسي والجوهري في وجهه نظرنا هو أن هذا النظام ليس له قانونه الموحد الذي اتفقت عليه غالبية العاملين في مجال التجارة الدولية لذلك تباينت واختلفت القوانين التي يستخدمها المحكمين لفض ما هو أمامهم من منازعات وتماشيا ذلك الغرض فإنه من الممكن أن يقضي المحكم في النزاع المعروض أمامه بناء على قانون دولة أوروبية مثلاً ويتضمن قواعد تخالف النظام العام في دولة إسلامية تكون الأخيرة هي دولة محل التنفيذ فترفض بناء على ذلك الاعتراف بالحكم وتنفيذه لمخالفته قاعدة من قواعد النظام العام.