بالرغم من كل المميزات التي يتمتع بها التحكيم، إلا أن هناك الحب التي أفرزها الواقع العملي، فكل التنظيمات الإجرائية واحدة تقف غير قادرة على الوصول به إلى مرحلة تسلمه من النقد، وتبعد بالخصوم نهائيا عن الالتجاء إلى القضاء، ويمكن إيجاز مثالب التحكيم في النقاط التالية:
. بعكس الأحكام القضائية فإن أحكام المحكمين لا تملك القوة التنفيذية ذاتها، ويجب على أطراف التحكيم اللجوء إلى النظام القضائي لتنفيذ تلك الأحكام، مما يجعل المحتكم يقف أمام إجراءات السلطة الرسمية بكل ما تحمله من روتين والتزام بأوقات العمل الرسمية وخلافه.
۲. إذا كان التحكيم إجباريا، فإن الأطراف المتنازعة تفقد حقها الطبيعي في اللجوء إلى القضاء بما يحمله من ضمانات ودرجات تقاض، ترسخ حالة الاطمئنان والرضا في صحة الأحكام ومطابقتها للعدالة. . ۳. في ظل العمل بنظام التحكيم تصبح مسألة مراجعة أحكام المحكمين شبه مستحيلة، وتحظر معظم التشريعات الطعن في أحكام التحكيم بالوسائل المتبعة تجاه الأحكام القضائية، إذ تحصره في طريق واحد يتمثل في دعوى بطلان حكم التحكيم.
4. ومن ناحية أخرى، أجازت بعض التشريعات - كالتشريع الكويتي - الطعن بالاستئناف في أحكام التحكيم، وكأن المشرع يعاقب أطراف التحكي على اختيارهم له بحيث يعاد النظر في النزاع أمام القضاء مجددا، رغم أن فكرة التحكيم تهدف إلى حل النزاع بعيدا عن القضاء .
ه. في بعض الاتفاقيات والنظم التحكيمية، يجب على المحكمين بفع أموال باهظة للمحكمين أو المؤسسات التحكيمية، الأمر الذي يرفع التكلفة القانونية بحيث تصبح عائقا أمام اللجوء إلى التحكيم أو حتى إكماله في بعض الحالات .
6. يكون المحكم في بعض الأحيان من غير رجال القانون، وخبرته بضمانات التقاضى تكون ضئيلة قد لا تسعفه في تحقيق العدالة المطلوبة، فالتحكيم لا يتطلب بالضرورة أن يتم الإخطار وفقا لقواعد الإعلان، وكذلك لا تشترط بعض التشريعات تسبب أحكام المحكمين بالتفصيل اللازم، وفي ذلك تقرر محكمة التمييز الكويتية بأن "صحة تسبيب حكم المحكمين لا تقاس بذات المقاييس التي تقاس بها أحكام القضاء، إذ يكفي لحمل حكم المحكمين على يا الصحة أن يرد بأسبابه ملخص الوقائع التي استخلصها في المساجلة
الدائرة بين الطرفين في النزاع محل التحكيم، وأن يصيب في موقع ما يحكمها
قواعد القانونية، فلا يعيبه إيراده للأسباب بصيغة عامة أو مجملة، ما لم يقع في موضوعها مخالفة للقانون.
نعتقد أن الواقع يثبت أن مزايا التحكيم تطغى كثيرا على عيوبه، فالتحكيم
اور قانوني لا يمكن أن يصل إلى حد الكمال، والسلطة القضائية التي تضطلع بها الدولة بجميع إمكانياتها تشكو من عيوب جسيمة كبطء التقاضی وتأجيل المحاكمات، والتحكيم في حال الاهتمام به تشريعا وتطبيقاسيحقق الأهداف العظيمة المرجوة منه للأفراد والمجتمع على حد سواء، ذلك أن اللجوء إلى القضاء ليس هدفا في حد ذاته وإنما هو وسيلة لاقتضاء الحقوق، فإذا وجد الأفراد وسيلة أخرى تحقق ذات الهدف بصورة أيسر وأقل تكلفة وأقصر مدة، سيلجئون لها دون شك.