إلا أن ذلك الرأي محل نظر ، إذ إن الواقع العملي يؤكد تصاعد رسوم التحكيم وأتعاب المحكمين ونفقات سفرهم وانتقالاتهم وإقامتهم ، بما يحمل النزاع أعباء مالية تزيد على تلك التي تنفق أمام القضاء العادي. حتى إن بعض مراکزالتحكيم - إن لم يكن جميعها - تحدد قيمة المصاريف وأتعاب المحكمين بنسب مئوية من قيمة النزاع وفق شرائح متتالية طبقا للجداول المبينة بلوائحها الداخلية.
وفضلا عن ذلك كثيرا ما تلجأ هيئات التحكيم إلى خبراء فنيين للاستعانة بهم في المسائل ذات الطبيعة الفنية ويتحمل أطراف النزاع اتعاب هؤلاء الخبراء.
عدم الموضوعية والحيدة في بعض المحكمين :
يلاحظ عملية أن بعض المحكمين يعد نفسه محاميا عمن اختاره ودفع له الأتعاب أو اتفق معه عليها . علي الرغم من أن المحكم يجب عليه أن يتسم بالحيدة وأن ينسلخ عمن اختاره بمجرد إتمام هذا الاختيار ويجلس مجلس القاضي .
3- عدم اشتراط وجود شخص قانوني في تشكيل هيئة التحكيم :
من بين مميزات التحكيم التي سبق ذكرها لجوء أطراف النزاع إلي خبراء متخصصين في مجال النزاع. الأمر الذي يؤدي إلي عدم إلمام كثير من المحكمين بالقواعد الإجرائية والموضوعية للتحكيم وإجراءاته. ولم تشترط القوانين المقارنة وجود شخص قانوني في تشكيل هيئة التحكيم. مما يؤدي إلى كثرة الطعون أمام المحاكم في أحكام المحكمين وتعرضها للبطلان.
4- عدم جواز تدخل الغير في خصومة التحكيم و إذا كان نظام التحكيم يتسم في مراحله المتعاقبة بأنه نسبي الأثر تنصرف آثاره إلي طرفيه ، فإنه بالنسبة للغير مجرد واقعة قانونية يمكن أن يستند إليها أو يحتج بها في مواجهته كأساس لشرعية المركز القانوني ، الأمر الذي قد يترتب عليه فائدة أو ضرر بالغير . وبالرغم من ذلك فإنه لا يمكن تدخل الغير أو إدخاله في خصومة التحكيم خصوصا في الحالة التي يكون فيها حكم التحكيم ضارة أو ماسأ بحق من حقوقه .
الأمر الذي قد يعيب نظام التحكيم. وقد خلا قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 من النص علي جواز تدخل الغير أو إدخاله في قضية التحكيم. في حين أجازت هذه المسألة بعض التشريعات الأخرى مثل التشريع السويسري بنص المادة ۲۸ من قانون المرافعات السويسري ، والتشريع الهولندي بنص
المادة ۱۰45 من قانون المرافعات الهولندي إلا أنهما اشترطا لإمكانية تدخل الغير أو إدخاله في خصومة التحكيم ، أن يكون بالاتفاق مع الأطراف وقبول هيئة التحكيم.
فضلا عن ذلك فإن بعض التشريعات المقارنة - ومن بينها القانون المصري - لم ينص علي حق الغير في رفع دعوى بطلان حكم التحكيم. إذ إنه حدد أسباب بطلان حكم التحكيم علي سبيل الحصر وجعل بعضها يتعلق باتفاق التحكيم (المادة 1/53 البنود أ، ب ، د، و ) وبعضها الآخر يتعلق بخصومة التحكيم (البنود ج ، ه ، ز ) ولم ينص علي حق الغير في رفع هذه الدعوى مما يفترض معه أن 5- عدم كفاية نظام التحكيم:
يري بعض الفقهاء أن من مثالب نظام التحكيم احتياج حكم التحكيم إلى إسباغ الصيغة التنفيذية عليه وعدم نفاذه إلا بوضع هذه الصيغة مما يفقده میزه
كفاية النظام عن غيره واحتياجه للقضاء.
- 6- التحكيم لا يحقق السرعة في كل القضايا:
علي الرغم من أن بعض قوانين التحكيم المقارنة حددت مدة يتم خلالها الفصل في النزاع ، وأن مراكز التحكيم الدولي اتخذت ذات المنهج. إلا أن الواقع العملي أثبت أن كثيرا من القضايا تمتد إجراءات التحكيم لبضع سنوات ، وهذا من شأنه أن يجرد التحكيم من أهم مميزاته عن القضاء العادي وهي السرعة . . وفضلا عن ذلك ، فإنه بعد صدور حكم التحكيم لا يمكن لصاحب الشأن أن يقوم بالتنفيذ إلا بعد انتهاء ميعاد رفع دعوى البطلان . وذلك ما تنص عليه المادة ۱/۵۸ من قانون التحكيم المصري رقم ۲۷ لسنة 1994 من أنه "لا يقبل طلب تنفيذ حكم التحكيم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضي" وهذا الميعاد هو تسعون يوما طبقا لنص المادة 1/54 من ذات القانون. وتعد تلك الفترة طويلة نسبية بالنسبة لأهمية المسائل المعروضة على التحكيم.
رأي الباحث :
بعد استعراض المزايا والفوائد العديدة التي يحققها نظام التحكيم وكذلك المثالب والعيوب الناتجة عن تطبيق هذا النظام. فإن وجود تلك المثالب لم يحل دون انتشار نظام التحكيم وتطوره في العلاقات التجارية الدولية. بل اهتم المجتمع الدولي بإبرام العديد من المعاهدات التي تنظم التحكيم وتنفذ أحكامه وتعترف به .
كما تمثل هذا الاهتمام الدولي في إنشاء العديد من المراكز والمنظمات والهيئات الخاصة بالتحكيم الدولى التي تتولى إجراء التحكيم وساعدت كثيرا في تأكيد بعض المبادئ القانونية والأعراف الدولية التي تمثل الشريعة العامة للتحكيم علي المستويين الدولي والمحلي.
أما بالنسبة لما أثاره بعض الفقهاء بشأن مثالب التحكيم فإن معظم تلك المثالب مردود عليها بما يلى : ١- القول بأن التحكيم أكثر نفقات من القضاء العادي. مردود عليه بأن ذلك يرجع إلي حجم المسائل المعروضة على هيئات التحكيم وأهميتها وخاصة في المنازعات الدولية والتي يبلغ حجم المعاملات فيها ملايين الدولارات. وما قد نراه باهظة بشأن المصروفات وأتعاب المحكمين قد يكون في حقيقته يسيرا بالنسبة إلي حجم هذه الموضوعات وأهميتها . وكذلك فإن سرعة الفصل في هذه المنازعات لا يقدر بثمن بالنسبة لكثير من رجال الأعمال.
٢- القول بعدم موضوعية بعض المحكمين أو عدم حياتهم . مردود عليه بأن نظام التحكيم كأي نظام قانوني قائم قد يحسن أو يساء استخدامه فإذا ما التزم المحكم أو هيئة التحكيم بما تقرضه عليه إجراءات التحكيم وقواعده من الالتزام بالإفصاح عما قد يشوب تلك الحيدة والموضوعية تحقق عندئذ مزايا التحكيم
وفوائده المرجوة.
٣- القول بأن نظام التحكيم لا يشترط وجود شخص قانوني في تشكيل هيئة التحكيم مردود عليه بأن الواقع العملي يدحض هذا الادعاء إذ إن هيئات التحكيم كثيرا ما تلجأ إلى الخبراء القانونيين لإضفاء الصبغة القانونية علي حكم التحكيم لتلافي أي قصور أو نقص في أحكامها. فضلا عن أنه يمكن تلافي هذا العيب. إن وجد - عن طريق عقد الدورات التدريبية المتخصصة للمحكمين وتحديد اختبارات يجتازها المحكم للتأكد من سلامة معلوماته القانونية وذلك قبل قيده بجداول المحكمين.
4 - القول بعدم كفاية نظام التحكيم واحتياجه إلي إسباغ الصيغة التنفيذية عليه.
مردود عليه بأن تلك الصيغة التنفيذية يلزم إسباغها أيضا علي الأحكام القضائية الصادرة عن القضاء العادي. وهي تعد من الضمانات القضائية التي أحاط بها المشرع لصالح الأطراف في المقام الأول وتهدف إلى التأكد من سلامة الإجراءات التي بني عليها حكم التحكيم وخلوه من الشوائب وما قد يترتب علي تنفيذه من آثار قد تضر بمصلحة أحدهما أو الغير.
5- القول بأن التحكيم لا يحقق السرعة في كل القضايا. مردود عليه بأن مدة
التحكيم متروكة لطرفي التحكيم وهما اللذان يتحكمان في المدة الزمنية التي يحسم النزاع فيها . فإذا شابت المنازعة اللدد في الخصومة أو المماطلة أو سوء النية امتد النزاع لمدة طويلة شأنه شأن القضاء العادي. وذلك يرجع إلي عيب في أطراف الخصومة وليس عيبا في نظام التحكيم. أما إذا أحسنوا استخدام نظام التحكيم والتزم أطرافه بما تقرضه قواعد التحكيم تحققت مزاياه وفوائده.
وبعد فإننا نخلص من كل ما سبق إلي أن مزايا نظام التحكيم وإيجابياته تغلب علي عيوبه وسلبياته التي يمكن تداركها. كما أن استمرار العمل به يعد حديثة نسبية بصورته الحالية - سيؤدي إلى تطوير هذا النظام ووضع الحلول والضوابط اللازمة للتغلب علي السلبيات والمثالب التي تنشأ عن تطبيقه من خلال الدراسات العلمية الجادة والتطوير الدائم لها بما يحقق المصلحة العامة.