الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / السرية / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 42 -43 / قـرار تحكيمي - مـدى جـواز افـشـاء سـزية المفاوضـة - المفاوضـة في التحكيم تستغرق كـامـل زمـن سـير الإجـراءات - وجـوب التزام المحكمين بسرية المفاوضـة حفاظـا عـلـى مـبـدأ المساواة بين الخـصـوم - تـدويـن الـرأي المخالف في القرار التحكيمي لا ينال من سرية المفاوضة - يجوز للمحكم الكشف عن عدم موافقتـه لـرأي الأغلبية عن طريق رفض الامضاء – وجـه مـن وجـوه السماح بإفشاء المفاوضة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 42 -43
  • تاريخ النشر

    2019-04-01
  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    278

التفاصيل طباعة نسخ

إن من بين شروط المفاوضة هي السرية، ومقتضى ذلك عدم جواز إفشائها ممن شارك فيها أو الإصداع برأيه المخالف علناً.

ان سرية المفاوضة ولئن كانت قاعدة أساسية، الا ان صبغتها الآمرة متغيـرة زمنيـاً، اذ يجب التمييز حسب ما إذا تم افشاء سرية المفاوضة اثناء سير الخصومة التحكيميـة او عنـد اصدار القرار التحكيمي.

إن المفاوضة في مادة التحكيم تمتد من بداية عمل الهيئة التحكيمية إلى تاريخ إصدار القرار التحكيمي، أي أنها تستغرق كامل زمن سير إجراءات الخصومة، وهـي فتـرة يجـب أن يلتـزم المحكمون فيها بسرية المفاوضة احتراماً لمبدأ المساواة بين الأطراف باعتباره مـن مـستلزمات المحاكمة العادلة.

ذلك أن تعمد أحد المحكمين إعلام أحد أطراف النزاع دورياً بآخر تطورات آراء المحكمين يختل معه مبدأ المساواة بين الخصوم، ضرورة أن الطرف المستفيد من العلـم بتطـور توجه، وتفكير الهيئة يمكنه ملاءمة استراتيجية دفاعه وتطويع ردوده على ضوء ذلك.

بصدور القرار التحكيمي تنتهي الصبغة الآمرة لسرية المفاوضة وتنقلب الى قاعدة حمائية للمحكم. إن تدوين مختلف آراء المحكمين كل على حدة ضمن الحكم التحكيمي لا يعد إخـلالاً بقواعـد الاجراءات الأساسية ولا ينال من مبدأ سرية المفاوضة.

خلافاً لأحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية التي توجب حفظ سر المفاوضـة، بحيـث لا يجوز للقاضي أن يصرح بأنه لم يوافق على الحكم المصرح به، فإن الأمر على خلاف ذلـك فـي مجال التحكيم أين تبلغ الشفافية درجة يجوز معها للمحكم أن يكشف عـن عـدم موافقتـه لـرأي الأغلبية عن طريق التنصيص بالقرار التحكيمي على رفض الإمضاء .

إن تمكين المحكّم الأقلّي من الإمتناع عن الإمضاء مع بيان ذلك، أو في صورة الشقاق الكلي تخويل رئيس الهيئة التحكيمية إصدار القرار طبق رأيه مع الإشارة باللائحة إلى ذلك أيـضاً ، يـعـد وجهاً من وجوه السماح بإفشاء المفاوضة .

(محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة، القضية عدد 20918/2015 ،تاريخ 28/6/2018) 

.....

.....

المحكمة:

حيث انحصر الإشكال القانوني في معرفة مدى جواز إفشاء سرية المفاوضة بتضمين رأي كل محكم بالقرار التحكيمي على انفراده؟

وحيث تبين بالاطلاع على القرار التحكيمي محل الطعن أنه تـضمن فـي عديـد الـصفحات استعراضاً لمواقف أعضاء الهيئة التحكيمية من المسائل المطروحة بالنزاع، وتدوين تلك المواقـف ووجهات النظر بالقرار مع ذكر اسم المحكم .

وحيث لا جدال في ارتباط المفاوضة بجوهر القضاء، فهي مرحلة أساسية من مراحل إصـدار القرار، وتتجسد عملياً في تبادل وجهات النظر بين أعضاء الهيئة بغية الوصول إلى حسم النـزاع، وتتويج ذلك بتسجيل لائحةً تتضمن نص الحكم ومستنداته .

وحيث نظم القانون شروط هذا التشاور وتبادل الرأي بالفصل 121 مـن ،.ت.م.م.م والـذي ينطبق في مجال التحكيم بموجب إحالة الفصل 46 من مجلة التحكيم إليه .

وحيث نص الفصل 121 المذكور على ما يلي:

"تكون المفاوضة سرية دون أن يحرر فيها أثر كتابي ولا يشارك فيها غير القضاة الذين تلقوا المرافعة...".

وحيث يؤخذ من النص المتقدم أن من بين شروط المفاوضة هي السرية، ومقتضى ذلك عـدم جواز إفشائها ممن شارك فيها أو الإصداع برأيه المخالف علناً .

وحيث نا سرية المفاوضة ولئن كانت قاعدة أساسية، إلاّ أن صبغتها الآمرة متغيرة زمنيـاً، إذ يجب التمييز حسب ما إذا تم إفشاء سرية المفاوضة أثناء سير الخصومة التحكيمية أو عند إصـدار القرار التحكيمي .

وحيث نا المفاوضة في مادة التحكيم تمتد من بداية عمل الهيئة التحكيمية إلى تـاريخ إصـدار القرار التحكيمي، أي أنها تستغرق كامل زمن سير إجراءات الخصومة، وهي فترة يجب أن يلتـزم المحكمون فيها بسرية المفاوضة احتراماً لمبدأ المساواة بين الأطراف باعتبـاره مـن مـستلزمات المحاكمة العادلة.

كذل أن تعمد أحد المحكمين إعلام أحد أطراف النزاع دورياً بآخر تطـورات آراء المحكمين يختلّ معه مبدأ المساواة بين الخصوم، ضرورة أن الطرف المستفيد مـن العلـم بتطـور توجه، وتفكير الهيئة يمكنه ملاءمة استراتيجية دفاعه وتطويع ردوده على ضوء ذلك .

وحيث وبصدور القرار التحكيمي تنتهي الصبغة الآمرة لسرية المفاوضة لتنقلب إلـى قاعـدة حمائية للمحكم لا غير.

فالمحكم عندما يصدع برأيه المخالف في هذا الطور، إنما اختار التخلي عن الحماية التي تمنحها له سرية المفاوضة، وأعمل بالتالي إمكانية خولها له القانون ولا يترتب عنها أي ضرر للأطراف 

وحيث بناء على ما تقدم فإن تدوين مختلف آراء المحكمين كل على حدة ضمن الحكم التحكيمي لا يعد إخلالاً بقواعد الاجراءات الأساسية ولا ينال من مبدأ سرية المفاوضة، كما ليس من شـأنه أن يكون له تأثير مباشر على حياد المحكمين واستقلاليتهم على أطراف النزاع .

وحيث من جهة أخرى، فقد نص الفصل 21 من مجلة التحكيم: "تصدر هيئة التحكـيم حكمهـا بأغلبية الآراء بعد المفاوضة [...].

كما يجب أن يقع الإمضاء عليه من طرف المحكمين .

وإذا رفض واحد منهم أو أكثر الإمضاء، أو كان عاجزاً عنه، ينص بالحكم على ذلك .

يكون الحكم صحيحاً إذا وقع الإمضاء عليه من طرف أغلبيتهم .

وإذا لم تتكون الأغلبية فإن رئيس هيئة التحكيم ينص على ذلك ويصدر الحكـم طبـق رأيـه.

ويكتفي في هذه الصورة بإمضائه على الحكم."

وحيث يؤخذ من الفصل المتقدم أنه خلافاً لأحكام مجلة المرافعات المدنية والتجارية التي توجب حفظ سر المفاوضة، بحيث لا يجوز للقاضي أن يصرح بأنه لم يوافق على الحكم المصرح به، فـإن الأمر على خلاف ذلك في مجال التحكيم حيث تبلغ الشفافية درجة يجوز معها للمحكم أن يكشف عن عدم موافقته لرأي الأغلبية عن طريق التنصيص بالقرار التحكيمي على رفض الإمضاء .

أما عنـد عدم حصول الأغلبية أي أن يكون لكل واحد من المحكمين نظرته الخاصة للنزاع ووجه ا لفصل فيه، فيقضي الرئيس وفق رأيه وينص على ذلك في حكم التحكيم .

وحيث إن تمكين المحكّم الأقلّي من الإمتناع عن الإمضاء مع بيان ذلك، أو في صورة الـشقاق الكلي تخويل رئيس الهيئة التحكيمية إصدار القرار طبق رأيه مع الإشارة باللائحة إلى ذلك أيـضا، يعد وجهاً من وجوه السماح بإفشاء المفاوضة .

وحيث إن محكمة القرار المنتقد لما استجابت لطلب بطلان القرار التحكيمي عدد 545 بتاريخ 30/9/2010 ،تكون قد انتهجت قراءة غير مستندة على أساس سليم من القانون بما يوجب معـه نقض القرار المطعون فيه بد نو إحالة لإنتفاء أي موجب لإعادة النظر من محكمة الحكم المطعـون فيه، والتصدي للأصل طالما أن موضوع النزاع مهيأ للفصل فيه تطبيقـاً لأحكـام الفـصلين 176 و177 من ،.ت.م.م.م وذلك برفض مطلب الإبطال المذكور أصلاً.

في الدعوى المعارضة:

من - حيث الشكل :

حيث استوفت الدعوى المعارضة جميع صيغها وأوضاعها الشكلية لذلك فهي مقبولة من هـذه الناحية تطبيقاً لأحكام الفصلين 226 و227 من ت.م.م.م .

ــ من حيث الأصل:

حيث كان التماس شركة " أ" في شخص ممثلها القانوني بواسطة نائبها الحكم لها بغرم الـضرر المتسبب عن المنازعة في طريقه وتعين الاستجابة له، وذلك بإلزام الطالبـة شـركة "ن . ب." فـي شخص ممثلها القانوني بأن تؤدي لها غرامـة معدلـة مـن المحكمـة قـدرها خمـسمائة دينـار (500,000 د) لقاء أتعاب التقاضي وأجرة المحاماة .

وحيث تحمل المصاريف القانونية على من تسلّط عليه الحكم تطبيقاً لأحكام الفصل 128 مـن .ت.م.م.م

ولهذه الأسباب

قررت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعة قبول مطلب التعقيب شكلاً وأصلاً ونقـض القـرار المطعون فيه بدون إحالة والتصدي للأصل والقضاء بقبول مطلب الإبطال شكلاً ورفـضه أصـلاً وقبول دعوى المعارضة شكلاً وأصلاً وتغريم الشركة الطالبة للشركة المطلوبة في شخص ممثليهما القانوني بخمسمائة دينار (500 د) لقاء أتعاب التقاضي وأجرة المحاماة وحمل المصاريف القانونية عليها .

وصدر هذا القرار عن الدوائر المجتمعة بحجرة الشورى يـوم الخمـيس 28 جـوان 2018 برئاسة السيد الهادي القديري الرئيس الأول لمحكمة التعقيب.

وعضوية رؤساء الدوائر السادة :

.....

.....

والمستشارين السادة :

.....

.....

وبمحضر السيد شكري التريكي مساعد وكيل الدولة العام لدى محكمة التعقيـب ومـساعدة كاتبة الجلسة السيدة عفاف الحاجي.

                                                                      وحرر بتاريخه

 

تعليق الدكتور أنيس بالطيب (تونس)

أصدرت الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب التونسية قراراً هاماً في مادة التحكيم .

وللتـذكير فإن الدوائر المجتمعة هي أعلى درجة في التقاضيوتجتمع إثر الطعن الثاني بالتعقيب في حالة لم تتبع محكمة الإحالة الرأي القانوني الأول لمحكمة التعقيب .

والهدف من اللجـوء إلـى الـدوائر المجتمعة هو توحيد الآراء القانونية حول مسألة أو مسائل معينةوتفادي طول النزاع والتنافس في 2 الآراء بين محكمة الإحالة ومحكمة التعقيب . فتفصل الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب النزاع إن رأت أنّه مهيأ للفصل وأنّه يستحق النقض. وتعلّق الأمر في هذا القرار بمسألة مهمة في مجال التحكيم وهي مس ألة مدى جواز "خـرق أمبد سرية المفاوضة" وذلك عبر تعبير المحكمين عن آرائهم صلب القرار التحكيمي(سواء كـان موافقاً أو مخالفاً).

وكذلك مسألة ما يعرف بالرأي المخالف "dissident Opinion ." ففي حين تبنّت محكمة الاستئناف بتونس حين انتصابها كمحكمة إبطال للقـرار التحكيمـي المطعون فيه، الرأي القائل بعدم جواز التنصيص صلبه على مواقف المحكّمين لما في ذلك مـن خرق للمبدأ القانوني المتعلق بسرية المفاوضة، رأت محكمة التعقيب بدوائرها المجتمعـة موقفـاً مغايراً، متماشياً حسب رأينا مع طبيعة التحكيم.

وقد علّلت محكمة التعقيب رأيها بالاعتماد علـى المبدأ القائل بأن سرية المفاوضة هي بالفعل قاعدة أساسية من قواعد الإجراءات(1) إلاّ أ ن هاته القاعدة لا تنطبق إلاّ أثناء الخصومة التحكيمية لا بعدها (2 ).

 كما يطرح النزاع موضوع قضية الحال مسألةأخرى لم تتطرق لهـا الـدوائر المجتمعـة لسبق استبعادها من محكمة الاستئناف بتونس ألا وهي مـسألة تحكيميـة النـزاع فـي غيـاب اتفاقية تحكيم إذ ان العلاقة الرابطة بين الطرفين كان سندهااتفاق على إنجاز مـشروع محطـة معالجة بمياه البحر ينص في بنده السادس عشر على ان النزاعات المتعلقة بتأويل العقـد تفـض بالتحكيم واتفاق ثانٍ شفوي على توسعة المشروع لا ينص بالتالي علـى طريقـة معينـة لفـض النزاعات (3 ) .

1.سرية المفاوضة قاعدة أساسية من القواعد الإجرائية:

انحصر الإشكال القانوني المطروح على الدوائر المجتمعة في معرفة مدى جـواز إفـشاء سرية المفاوضة وذلك عبر تضمين رأي كل محكّم علىانفراد صلب القرار التحكيمي.

فقد رأت محكمة الاستئناف بتونس في مناسبتين بأن مبدأ سرية المفاوضة هو مبدأ من المبـادئ الأساسـية للإجراءات لا يمكن مخالفته حتى في صورة تمتّع الهيئة التحكيمية بصفة المحكم المصالح .

وبأنه وبما ان القرار التحكيمي تضمن في عديد الصفحات استعراضاً لموقف كل محكم مـن النـزاع المطروح ووجهة نظره مع ذكر اسمه، فإن ذلك يعد مخالفاً لمبدأ قاعدة الفصل 121 مـن مجلـة المرافعات المدنية والتجارية التونسية وخرق لإجراء أساسي يهم النظام العام.

وللوقوف على تمشي المحكمة وجب التذكير بنص الفصل 121 من م ت.م.م. الـنص علـى أمبد سرية المفاوضة والذي جاء به أنه" تكون ال مفاوضة سرية دون أن يحرر فيها أثر كتابي ولا يشارك فيها غير القضاة الذين تلقوا المرافعة وعندما تحصل الأغلبية تحرر لائحة في نص الحكم ومستنداته يمضيها القضاة المتفاوضون ولا تكون لهذه اللائحة صبغتها النهائية إلاّ بعد النطق بها بجلسة علنية يحضرها جميع القضاة الذين أمضوها...".

هذا الفصل لا يتعلّق بالنزاع التحكيمي حسب محكمة التعقيب التي رأت عند الطعن في قرار محكمة الاستئناف بتونس بأن قواعد ومبادئ الإجراءات الأساسية التي أوجب المشرع احترامهـا هي تلك المتعلقة بمبدأ المساواة بين الخصوم واحترام حقوق الدفاع ومبـدأ المو اجهـة والحيـاد الأخلاقي للمحكمة واستقلاليتها ولا مجال للتوسع في تلك المبادئ وبأنه، وخلافاً للقضاء العـادي الذي يوجب حفظ سرية المفاوضة ويمنع على القاضي التصريح برأيه فإن الأمر مختلـف فـي التحكيم.

الدوائر المجتمعة لمحكمة التعقيب لـم تخـض فـي هاتـه المـسألة وغـضت الطـر ف عن هذا التمشي مكتفية بالتذكير بعلوية مبـد أ سـرية المفاوضـة واسـتخلاص انطباقـه علـى التحكيم (وذلك بصفة غير مباشرة إذ ان الدوائر المجتمعة اكتفت بالقول ان مـن بـين شـروط المفاوضة هي السرية ومقتضى ذلك عدم إفشائها ممن شارك فيها أو الإصداع برأيه المخالف ) .

2 .سرية المفاوضة قاعدة أساسية لا تنطبق إلاّ أثناء سير الخصومة التحكيمية:

بعد ان ذكّرت محكمة التعقيب بِعلوية مبدأ سرية المفاوضة وبكونه قاعدة أساسية للإجراءات رأت ان صبغتها الإلزامية متغيرة زمنياً وبأنّه لا يجوز إفشاء سرية المفاوضة أثنـاء الخـصومة التحكيمية ولكن ذلك جائز عند إصدار القرار التحكيمي.

ونحن لا نشاطر هذا التمشي لمحكمة التعقيب لعدة أسباب .

فالقول بأنّه يجب التفرقـة بـين تطبيق مبدأ سرية المفاوضة أثناء الخصومة أو عند إصدار القرار لا يمكن ان يعتد به .

فهل هناك مفاوضة أثناء سير الخصومة حتى يعتد بهاته التفرقة؟

فالمفاوضة لا تتم إلاّ عند أخذ القرار ولا وجود لمفاوضة سابقة .

إذن نص الفصل 121 من .م.م.م ت يطبق على المفاوضة ولا مجال للتمييز بين أنواع من المفاوضة .

رأي محكمة التعقيب في قرارها الأول (67965 بتاريخ 06/11/2012 ) أقرب إلى الصواب حسب رأينا وقد كان يمكن للدوائر المجتم عة عوض اللجوء إلى " البهلوانيات القانونية" الرجـوع إلى التحليل القائل بأن مبدأ سرية المفاوضة لا ينطبق على الخصومة التحكيمية عمـلاً بأحكـام الفصل 13 من م . ت الذي جاء به "وفي جميع الصور تراعى المبادئ الأساسية للمرافعات المدنية والتجارية، خاصة منها المتعلقة بحق الدفاع " .

فالفصل المذكور لا يحيل ضرورة إلى تطبيق مجلة المرافعات وفصولها وإنما فقـط إلـى المبادئ الأساسية للمرافعات المدنية والتجارية وهما شيئان مختلفان خصوصاً في قـضية الحـال التي اختار فيها الطرفان قيام المحكمين بدور المحكّم المصالح الذي يمكن ان يطبق قواعد العـدل والإنصاف.

كما ان التذكير الوارد صلب الفـصل والـذي يـنص علـى وجـوباحتـرام القواعـد الأساسية للإجراءات "وخاصة منها المتعلقة بحق الدفاع" يجعل من البنـد عامـاً ويجعـل مـن الهامش المتاح للمحكمين في مرحلة اولى ولقاضٍ في مرحلة ثانية، واسعاً في تأويل مـستوجبات وفحوى المبادئ الأساسية للمرافعات المدنية والتجارية وتطبيق ما يتعلق منها بالخصوص بحـق الدفاع.

فما تبين أنه لا يضر بحقوق الدفاع يمكن الإستغناء عنه .

وحتى لو جارينا موقـف قـضاة الدوائر المجتمعة في أن سرية المفاوضة هو مبدأ أساسي للمرافعات المدنية والتجارية على معنى مجلة التحكيم وبأنه يطبق على التحكيم فإن التوضيح الذي جاء به الفصل 13 من م ت . . "وخاصة منها المتعلقة بحقوق الدفاع" كان يمكن أن يمثّل زاوية أقرب إلى الصواب لتمكين المحكمين مـن إبداء آرائهم صلب القرارات التحكيمية مجاراة لما هو معمول به في العديد من الأنظمة القانونيـة المقارنة.

ويجدر التذكير بأن العديد من القوانين وفقه القضاء المقارن أقر بـأن خـرق مبـد أ سـرية المفاوضة لا يشكل سبباً لإبطال القرارات التحكيمية وهو ما أقرته محكمة استئناف باريس مثلاً منذ 1981 سنة وأقرته نفس المحكمة كذلك في قرار متعلق بالتحكيم الدولي إذ جاء بنص القرار بـأن "عدم احترام سرية المفاوضة ليس موجباً للإبطال في حد ذاته إلا إذا كان من شأن ذلك خرق قاعدة من قواعد النظام العام الدولي .

والمفهوم الفرنسي للنظام العام لا يتأثر بالآراء المغايرة أو الاحاديـة  إلاّ إ ذا نتج عنها عدم احترام مبدأ التعددية و أ حقيقة المفاوضة" (ترجمة للمؤلف بتصرف).

وكان يمكن لقضاة محكمة التعقيب ان تخلص إلى وجود خرق لمبدأ سرية المفاوضة لو تـم التطرق إلى الأعمال التي تمثّل مساً بالسرية ونتائجها على حق الدفاع.

فسرية المفاوضة تهـدف إلى ضمان حقوق الدفاع ذلك ان مشاركة المحكمين في المفاوضة وفي جميع أطوار النزاع وإبداء رأيهم تشكّل "ضمانة معنوية بأن رأيهم سيتم سماعه حتى وإن لم يتم الأخذ به" .

وفي غياب أكثر معطيات الطبيعة الفعلية لخرق سـرية المفاوضـة والتعبيـر عـن الآ راء الشخصية للمحكمين صلب القرار التحكيمي لا يمكن لنا إستخلاص موقف واضح مـنالقـرار التعقيبي المعلق عليه.

ويمكن فقط القول بأن إبطال القرارات التحكيمية على أساس خـرق مبـد أ سرية المفاوضة لا يتم بصفة آلية ولكن يتم فقط لو تبين خرق حقوق الدفاع.

ويمكـن فـي هـذا السياق التذكير بما جاء بمجلة المرافعات الكندية الذي وان كان يلزم المحكمين بـاحترام سـرية المفاوضة يمكّنهم في آن الوقت من إبداء رأيهم:

« Les arbitres sont tenus de garder le secret du délibéré Chacun d'eux peut cependant, dans la sentence, faire part de ses conclusions et de ses motifs »  .

3 .عدم جواز التوسع في الشرط التحكيمي:

لا نجد صلب قرار الدوائر المجتمعة تعليلاً للمطاعن المتعلقة بصدور القرار التحكيمي دون إعتماد إتفاقية تحكيم والتي كان أثارها طالب البطلان والتي مفادها بأن الإتفاق علـى التوسـعة الخاصة بمركز المعالجة بمياه البحر لا يشمله الإتفاق على التحكيم لأن التوسعة لاحقـة للإتفـاق الأصلي وقد تمت شفوياً في حين أن القانون يتطلب أن يكون الإتفاق على التحكيم كتابة.

وقد أدت هاته الوضعية إلى إبداء الدوائر المجتمعة في المطاعن المثارةأمامها وإصدار حكم بالنقض وبالتالي رفض إبطال القرار التحكيمي رغم ما يكتسيه من إخلالات .

فقد إستقر موقـف محكمة التعقيب على إعتبار وجوبية الكتب لإثبات الإتفاق على التحكيم.

غياب هذا المطعن صلب القرار المعلق عليه لا يمكّننا من الوقوف علـى موقـف محكمـة التعقيب ومعطيات القضية وبالتحديد حول مدى إعتبار التوسعة مشمولة بالعقد الأصلي؟

ومـدى إنطباق الإتفاق على النزاعات المتعلقة بتنفيذ العقد في حين ان البند المتعلق بفض النـزاع عبـر التحكيم حصر في نزاعات تأويل العقد.

قرار الدوائر المجتمعة تعرض لمسألة هامة وهي "سرية المفاوضة" وأثرها على التحكـيم.

لكن القرار لم يناقش المسألة بطريقة تمكّن من حسمها ومن اعتماد القرار كفقه قضاء واضح.