إن التحكيم هو طريق خاص لحل نزاع ما بشكل ملزم من خلال قرار يصدر عن فـرد أو عدة أفراد يختارهم الأطراف في النزاع. ويتميز عن فصل النزاع من قبل المحكمة مـن خـلال طبيعته الخاصة، كما يختلف عن الوساطة أو التوفيق من خلال طابعه الإلزامي.
يوجد نوعان من الإتفاقات التحكيمية: إخضاع النزاعات المستقبلية للتحكيم من خلال شـرط تحكيمي clause compromissoire) مدرج في العقد الأساسي، أو إخضاع نزاع قائم للتحكيم من خلال مشارطة تحكيم (compromis). إن غالبية التحكيمات الدولية في أيامنا هذه يتم السير بها على أساس شرط تحكيمي مدرج في العقد.
بالنسبة إلى Goldman Gaillard Fouchard يمكن تعريف التحكيم كالآتي:
"إن التحكيم هو تقنية تهدف إلى إعطاء حل لمسألة تتعلق بالعلاقات بين شخـصين أو أكثـر على يد شخص أو عدة أشخاص. إن المحكم أو المحكمين يستمدون سلطاتهم من اتفاق خاص ويصدرون قرارهم على أساس هذا الاتفاق دون أن يكونوا مفوضين بذلك من قبل الدولة. "
بحكم طبيعته، إن التحكيم التجاري الدولي هو وليد العقد. من خلال التعاقد علـى إخـضاع نزاعاتهم للتحكيم، يتطلع الأطراف إلى الفوائد التي تنجم عن الخصوصية التامة لهذه الإجراءات.
إن الطبيعة الخاصة لإجراءات التحكيم تجبر أيضاً المشاركين فيها على الإلتـزام بـسرية تلـك الإجراءات دون الأخذ بعين الإعتبار ما إذا كانت السرية بحد ذاتها قائمة على أسس في أي حـق قانوني أو موجب أو ما إذا كانت تؤسس لأي رابط مع طبيعة الإتصالات التحكيمية.
موجب السرية:
غالباً ما تعتبر سرية الإجراءات التحكيمية كإحـدى الفوائـد المهمـة للتحكيم. بخـلاف الإجراءات أمام محكمة القانون، حيث يكون مسموحاً بشكل عام للصحافة وللشعب بالحضور، إن التحكيم التجاري الدولي ليس إجراء عاما. هو في الأساس عملية خاصة.
هل من موجب للإلتزام بالسرية؟ على أي أساس؟ (الجزء الأول) ما هي حـدوده وآثـاره؟ (الجزء الثاني).
من الصحيح بشكل مؤكد أن الأطراف الثالثين هم مستبعدون عن معظم أنـواع التحكيمـات الدولية. لكن هل يستتبع ذلك أن يكون الأطراف ملزمين بعدم الإفصاح عما حدث في التحكيم إلى الأشخاص الثالثين بالنسبة للتحكيم؟
هل من الممكن الإشارة إلى موجب إيجابي يقع على عاتق الأطراف المشاركين في التحكيم للحفاظ على السرية؟
إذا كان مثل هذا الموجب موجودا، فما هي حدوده وآثاره العملية؟
ما هي الجزاءات الناتجة عن مخالفة موجب الإلتزام بالسرية؟ (الجزء الثالث).
لا يمكن القول بوجود موجب عام بالتزام السرية بحكم القانون القـائم "de lege lata" التحكيم الدولي. في أحسن الأحوال، إنه موجب في طور النشوء "statu nascendi".
من أجل معالجة المسائل الأخرى، يجب الرد بالإيجاب على مسألة وجود موجـب الإلتـزام بالسرية. إن العلماء القانونيين والقضاة والمحامين والمحكمين متفقون كلـهـم علـى أنـه يجـوز للأطراف على الأقل الإتفاق على درجة معينة من السرية، وفي كثير من الحالات، يكون موجب الإلتزام بالسرية مفترضاً ومصاناً.
الجزء الأول: التعريف والأساس/طبيعة الموجب:
الباب الأول: التعريف:
السرية ليست معرفة في القانون الوطني ولا حتى في قواعد التحكيم التابعة لمراكز التحكيم. لهذا السبب، سوف ألجأ إلى تعريفات المؤلفين.
كخطوة أولى، يجب رسم خط بين الخصوصية والسرية. إن الـسرية والخصوصية همـا مفهومان مختلفان، وإن كانا مترابطين.
من الممكن أن تشير الخصوصية إلى استبعاد "الأطراف الثالثين" عن الجلسات التحكيمية في حين أنه من الممكن أن تشير السرية إلى موجب الأطراف المشاركين في التحكيم بعدم الإفصاح عن معلومات تتعلق بالتحكيم إلى أشخاص ثالثين.
تشير السرية إلى حق الأطراف في إلزام الأشخاص الحاضرين خـلال الإجـراءات عـدم الإفصاح عن مضمون أو طبيعة الإجراءات.
إن السرية هي أمر مستحيل دون الخصوصية والخصوصية هي مجردة من أي معنـى دون السرية.
في إطار التحكيم التجاري الدولي، إن عبارة "السرية" تشير إلى الحـد الـذي تكـون فيـه المعلومات المتعلقة بالإجراءات التحكيمية أو التي يتم الكشف عنها خلال هذه الإجراءات محميـة من الإفصاح إلى أطراف غير مشاركين في الإجراءات التحكيمية (كالشعب). يختلف هذا المعنى عن مفهوم السرية كامتياز بين المحامي وموكله.
إن المعلومات التي يجب أن تبقى سرية يجب أن تكون سرية من وجهة نظر موضـوعية. يعني ذلك أن المعلومات يجب أن لا تكون "معلومة عموماً أو متاحـة بسهولة" للنـاس "الـذين يتعاملون عادة مع مثل هذا النوع من المعلومات".
الباب الثاني: قاعدة أساس الموجب:
حتى الآونة الأخيرة، لم تفرض لا قواعد التحكيم التابعة لمراكز التحكيم ولا قوانين التحكـيم الوطنية شرطاً عاماً حول السرية.
إن مسألة السرية في ما يتعلق بإجراءات التحكيم، وفي ما يتعلق بالأوراق التي توضع مـن جانب الأطراف أو يتم الإفصاح عنها خلال سير إجراءات التحكيم، لم تناقش أبداً، ويمكن تقريبـاً القول إنها لم توجد أبداً.
يستند دعاة المدرستين الرئيسيتين إلى هذا الصمت حول الموضوع وإلى غيـاب المناقـشة والبحث للوصول إلى نتائج متناقضة. (i) الذين يسعون إلى رفض كلي وإلى حصر تطبيق مفاهيم السرية على إجراءات التحكيم والمستندات إلى أقصى حد ممكن يجادلون بأنه إذا كان من وجـود لأي موجب عام بالإلتزام بالسرية فمن المؤكد وجود مراجع قانونية قديمة تؤكد وجود الموجب،3 والذين يساندون النتيجة المعاكسة يجادلون بأنه من المسلم به في إنكلترا وفي غيرها من البلــدان الرائدة في التحكيم كفرنسا وسويسرا وألمانيا بأن التحكيم هو وسيلة فعالة لتسوية النزاعات بطريقة خاصة.
لطالما احترم المحكمون والأطراف ومحاموهم ليس فقط خصوصية جلسات المرافعة، ولكن أيضاً سرية الإجراءات والمستندات، وعلى ما يبدو اتفقوا على أنه يجوز للأطراف على الأقـل الإتفاق على درجة معينة من الخصوصية. لذلك، إن مسألة وجود موجب الإلتزام بالسرية يجب الرد عليه بالإيجاب، نظرا للنتائج الإيجابية التي من الممكن أن تكون لهـا علـى التحكيم وللنتائج المحتملة الناجمة عن خسارة السرية.
ما هو أساس هذا الموجب؟
الفصل الأول: الإنفاق الصريح حول السرية
يجوز للأطراف الإتفاق صراحة على إلزام كل طرف منهم بموجب الحفاظ على السرية في التحكيم من خلال بند مدرج في اتفاق التحكيم الأساسي أو من خلال اتفاق مستقل. مـن المعـلـوم عموماً أنه حين يتضمن اتفاق التحكيم الأساسي بنداً عاماً حول السرية، يشمل هذا البند على حـدّ سواء الإجراءات التحكيمية. بالمعنى الدقيق للكلمة، يمكن أن ينشأ اتفاق حول السرية من خـلال اختيار مجموعة قواعد تحكيمية تتضمن بنداً حول السرية. يمكن أن يكون الإتفاق حول السرية في أي شكل كان محدد جدا شاملاً بعض فئات من المستندات أو المعلومات أو من الممكن أن يكـون مصاغاً بعبارات واسعة.
يجوز للأطراف أن يمنعوا الإفصاح عن أية مستندات أو مواد أو معلومات وضـعت مـن جانبهم أو قدمت منهم أو أشير إليها خلال الإجراءات، وأن يمنعوا استعمالها خارج إطار التحكيم الخاص بها. يجوز لهم الإتفاق على عدم الإفصاح عن وجود الإجراءات أو عن واقع النـزاع أو عن أسماء الأطراف. يجوز لهم التنازل عن حقهم في تعديل أو تغيير أو التنازل عن أي اتفـاق حول السرية التزموا به، ويجوز لهم أيضاً الإتفاق على إعادة أو إتلاف المستندات التي استعملت حال انتهاء الإجراءات أو وقفها، يجوز للأطراف أيضاً حصر موجباتهم الإلتزام بالسرية في مـا يتعلق بمدى ومدة التزاماتهم. إن بعض الأمثلة التي تم جمعها من الممارسة العملية لمؤلفين كبـار توضح هذه النقاط..
في العام 2004، أنشأت غرفة التجارة الدولية فرقة عمل معنية بالإتفاقات حـول الـسرية من أجل صياغة نموذج اتفاق قابل للتكيف بسهولة مع الفئات المختلفـة للتعـاملات والمجـالات التجارية المتنوعة. في العام 2006، نشرت فرقة العمـل الإتفـاق النمـوذجي حـول الـسرية الخاص بغرفة التجـارة الدوليـة ICC Model Confidentiality Agreement كمـا البنـد النموذجي حول السرية الخـاص بالغرفـة أيـضاً ICC Model Confidentiality Clause إن هذين النموذجين مخصصين حصراً لتسوية النزاعات، ويمكن أن يشكلا أساساً لإطار أوسـع. لعقد ما.
ككلمة أخيرة حول هذه النقطة، تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن على الدوام تطبيق موجبـات الإلتزام بالسرية، كما صيغت، ببساطة لأن السرية في التحكيم ليست ولا يمكن أن تكون مطلقـة. إن السرية هي موضوع عملي، ولا يجب فصلها عن الإطار الخاص الذي تنشأ فيه. بغض النظر عن هذه الظروف، يبقى اتفاق الأطراف الأساس القانوني الرئيسي وغير المنازع فيـه لموجـب الإلتزام بالسرية. إن السرية هي ميزة بالنسبة لعمليـة التحكيم يمكـن للأطـراف وللمحكمـين استخدامها من أجل تحقيق مصالحهم.
الفصل الثاني: السرية كشرط ضمني في اتفاق التحكيم
إن وجهة النظر القانونية الإنكليزية تقول بوجود موجب التزام بالسرية علـى الـرغم مـن خضوعه لاستثناءات وشروط محددة.
حتى لو جادل البعض في أن موجب عدم الإفصاح عـن معلومـات يـنـشأ فقـط عـن شرط تعاقدي، لطالما اعتبرت المحاكم الإنكليزية أن سـرية التحكـيـم هـي مـوجـودة كـشرط ضمني في الإتفاق على التحكيم، أو كامتداد طبيعي للطبيعـة الخاصـة للتحكـيم وخـصوصية الجلسات.
إن مسألة السرية الضمنية نوقشت في عـدد مـن القـضايا المتعلقـة بـالتحكيم المقامـة أمام المحاكم البريطانيـة ومـن بينهـا Dolling-Baker ضـد Ali Shipping Merret ضد Shipyard Trogir وأخيـراً .Michael Wilson and Partners Ltd ضد.Emmott
كما هو موضح في الباب التالي، إن الموقف البريطاني متبع بدقـة فـي سـنغافورة وفـي فرنسا، ولكنه مرفوض بشكل صريح في أوستراليا والسويد والولايات المتحدة، حيث قررت المحاكم الوطنية أن السرية يمكن أن توجد فقط على أنها ناشئة عن عقـد مـن خـلال الإتفـاق الصريح للأطراف. في نفس الإتجاه، على المستوى المؤسساتي، تشرع معظم مراكـز التحكـيم وجود موجب الإلتزام بالسرية من خلال بند صريح في القواعد التابعة لها.
الفصل الثالث: قوانين التحكيم الوطنية
إن الطبيعة والحد الأقصى الذي تشمل السرية تحت غطائه العناصر المختلفة لعملية التحكيم، كما والجزاءات التي تترتب على مخالفة موجب الإلتزام بالسرية يجب أن يتم فصلها بالإحالة إلى قانون مطبق يمكن اختياره من قبل الأطراف في التحكيم بـشكل صـريح أو ضـمني. يجـوز للأطراف الإتفاق على إيراد بند السرية في اتفاق مستقل أو في بند في اتفاق التحكـيم. إن مبـدأ سلطان الإرادة، الذي بموجبه يكون للأطراف الحرية بتحديد القانون المطبق على أساس النـزاع، هو ملزم للمحكمين، وللمحاكم.
يجوز للأطراف اختيـار قــانون وطنـي ســرى فـي مـا يلـي أن بعـض البلــدان تتناول في الوقت الحاضـر بـشـكل صـريـح مـسألة الـسرية.34 مـن بـيـن هـذه البلــدان النروج وإسبانيا ورومانيا ونيو زيلندا والبيرو. تجدر الإشارة إلى أن المـادة 1464 - الفقرة 4 من قانون المرافعات المدني الفرنسي تضمنت موجباً صريحاً بالإلتزام بالسرية بالنسبة للتحكيم الداخلي، وليس الدولي.
يجوز للمحكمين تحديد القانون المطبق إذا لم يحدده الأطراف في اتفـاقهم أو فـي بعـض الأحوال، على سبيل المثال، إذا كانت بعض المسائل غير مشمولة بالقانون المطبق أو في بعـض الحالات المحصورة إذا كان ذلك مناسباً بناء على اعتبارات النظام العام الدولي.
الفصل الرابع: قواعد التحكيم التابعة لمراكز التحكيم
يجوز للأطراف أيضاً اختيار قواعد تحكيم تابعة لمراكز تحكيمية تفتقد إلى الإنسجام في مـا بينها في الوقت الحاضر، والتي غالباً ما تكون عامة جدا أو مبهمة جدا لكي يتم الإسترشاد بها عملياً؛ لا تنص هذه القواعد بطبيعة الحال على حماية السرية، كما سنرى في بعض الأمثلة في ما يلي.
إن القواعد الأكثر اكتمالاً التي نصت على سرية الإجراءات نجدها في المادة 52، وفي المواد من 73 إلى 76 من قواعد تحكيم المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO). يمكن اعتبار هـذه القواعد على أنها تعبر عن توافق في الآراء واسع النطاق بين من يمارسون قانون التحكيم.
مثل آخر مثير للإهتمام يكمن في قواعد تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي LCIA التـى تتضمن في المادة 30 منها ما يعتبر على الأرجح أفضل قاعدة تحكيمية مصاغة بـشكل مفـصل تتناول سرية التحكيم وتعترف بها على أنها "مبدأ عام" يجوز الإفصاح عنه بنـاء علـى موجـب قانوني أو لحماية أو ممارسة حق قانوني أو لتنفيذ أو إبطال حكم تحكيمي في إجراءات قانونيـة مقامة عن حسن نية.
المادة 35 من قواعد التحكيم الدولي لعام 2010 التابعة لمركز سنغافورة للتحكـيم الـدولي (’’ ‘‘SIAC)تختلف قليلاً في الصياغة.
المادة 43 من القواعد السويسرية التي دخلت حيز التنفيذ بتاريخ 1 يناير 2004 تتضمن نصاً عاماً حول سرية الأحكام التحكيمية والقرارات، كما حـول المـستندات المقدمـة خـلال سـير الإجراءات التحكيمية ما لم يكن هناك موجب قانوني بالإفصاح.
إن قواعد تحكيم المركز البلجيكي للتحكيم والتوفيق Cepani ومركز دبي للتحكيم الـدولي (DIAC) تذكر بشكل صريح سرية إجراءات التحكيم."
إن قواعد التحكيم الدولي التابعة لجمعية التحكيم الأميركية AAA وقواعد تحكـيم مركـز التحكيم التجاري والوساطة للأمريكيتين CAMCA تلزم المحكمين وليس الأطـراف الحفـاظ على سرية إجراءات التحكيم وحكم التحكيم.
تنص قواعد تحكيم مركز الإكسيد على خصوصية الإجراءات، وعلى أن موجـب الإلتـزام بالسرية يقع على عاتق محكمة التحكيم. لا يجب نشر حكم التحكيم ومحضر الجلسة دون مو الأطراف، ويجوز للأطراف الثالثين حضور الجلسات فقط بموافقة الأطراف في التحكيم.
الجدير بالذكر أن قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية55 ICC وقواعد تحكيم اليونــسترال56 UNCITRAL تبقى من أبرز الأمثلة على البنود التي لا تشير صراحة إلـى موجب التـزام السرية.
إن الإشارة الوحيدة إلى السرية في قواعد تحكيم اليونسترال تتعلق بعلانية الحكم. غير أن قواعد تحكيم الـ ICC هي أقل وضوحاً. تنص المادة 20(7) على أنه يجوز لمحكمـة التحكـيم "اتخاذ تدابير" لحماية الأسرار التجارية، وأن تستثني من حضور الجلسات "أشخاص لا علاقة لهم بالإجراءات".
يجوز للأطراف أيضاً اختيار مبادئ عالمية سائدة في القوانين الدولية كالقـانون النمـوذجي لليونسترال كونه السمة التي تميز التحكيم الحر – وكالإتفاقيات الدولية كاتفاقية نيويــورك واتفاقية جنيف واتفاقية باناما، أو كقواعـد تجاريـة عبـر دوليـة مثـل أعـراف التعامـل التجاري.
الجزء الثاني: نطاق الموجب:
إذا افترضنا أن وجود موجب الحفاظ على السرية هو بعيد كل البعد عن أي جدل في التحكيم في أيامنا هذه، وذلك لغرض التحليل الذي نقوم به، يجب أن نشير إذا إلى أن مدى هذا الموجـب هو بعيد كل البعد عن أن يفصل فيه بشكل نهائي. في الأساس، من الممكن وضـع حـدود هـذا النطاق بناء على ثلاث إحداثيات رئيسية: وجود الإجراءات، والإجراءات بحـد ذاتهـا، وحكـم التحكيم. إن المسائل الأساسية التي يجب أخذها بعين الإعتبار تكمن في معرفة ما إذا كان موجب الإلتزام بالسرية يشمل فقط المعلومات والمستندات المقدمة التي تم الإفصاح عنها أو التي وضعت من جانب الأطراف خلال سير الإجراءات بما فيها حكم التحكيم أو ما إذا كان يمتد "لإخفاء" وجود الإجراءات بحد ذاتها.
الباب الأول: نطاق الموجب:
في غياب القواعد العامة التي تتناول أوجه السرية، يعتمد أيـضاً تحديـد أجـزاء العمليـة التحكيمية، التي لا تخضع للسرية، على الأخذ بعين الإعتبار المصالح المعنية فيها، علـى سـبيل المثال مصلحة الطرف الذي ينوي الإفصاح عنها ومصلحة الطرف الذي يطلب الحفـاظ علـى السرية، كما ومصلحة الدولة في أن يصبح هذا الأمر معروفاً تحقيقاً للمصلحة العامـة65، كمـا ومصلحة المحكمين والشهود والخبراء.
الفصل الأول: تحديد وجه الموجب
ما هو السري؟
السرية ما قبل حكم التحكيم:
• وجود النزاع.
• الأدلة والمستندات المقدمة خلال الإجراءات التحكيمية.
• المحاضر الخطية للإجراءات والوقائع التي اتضحت خلال الإجراءات.
السرية ما بعد حكم التحكيم:
• الفقرة الحكمية / عدد من الإستنتاجات في الواقع أو القانون.
• مذكرات الأطراف والأدلة.
ما هي عناصر التحكيم التي تندرج تحت "مظلة السرية"، وإلى أي مدى تبقى محمية؟
تمثل هذه المسألة لب المشكلة بالنسبة للأطراف والمحكمين والقضاة والمحامين. هل حمايـة السرية محصورة بالعناصر الأساسية أم تمتد لتشمل العناصر الإجرائية أيضاً؟ هل يجب أن يبقى "واقع حصول التحكيم" سريا؟ ما هي الحماية التي تعطى أو يجب أن تعطى المستندات المبـرزة، تحضيراً للإجراءات والأدلة المقدمة خلال الإجراءات ومحاضر الجلسات خـلال الإجـراءات وأسرار التجارة التي كشفت خلال الإجراءات وشهادة شهود الواقع وشهادة الخبراء والأوامر الإجرائية ومذاكرة المحكمة ومضمون حكم التحكيم النهائي؟ الطريقـة الأفـضل لمعالجـة هـذه المسائل هي من خلال تحليل كل عنصر على حدة من خلال تحكيم نموذجي .
من المفيد أن نشير إلى أنه إلى الحد الذي تناولت فيه قواعد تحكـيم المراكـز التحكيميـة هذا الموضوع، فقد شـددت علـى خـصوصية الجلـسة، وبالتـالـي علـى سـرية الحكـم التحكيمي.
1. واقع حصول التحكيم:
إن الجانب الأول الذي من الممكن أن يستفيد من السرية يتمثل بوجود النـزاع وإخـضاعه للتحكيم. لم تضع المحاكم بعد قاعدة عامة حول هذه المسألة.
يعطي البروفسور François Dessemontet تفسيرا للتلكؤ في وضع قاعدة شاملة:
"إن المصالح المعرضة للخطر هي مهمة جدا بنظرهم كي لا تحظى بالإهتمام الـذي يقـوم على مقاربة كل قضية على حدة. لا يبدو أن هناك قاعدة عامة بهذا الصدد".
هناك عدد من الأسباب العملية تبرر لما وجود التحكيم لا يمكن أو حتى يجـب أن لا سيصبح يبقـى سرياً. أولا، متى تضع المحكمة يدها على الدعوى، إن واقع أن التحكيم قائم أو كان قائماً علنياً. ثانيا، في الحالات التي يكون فيها الأطراف معنيين بشكل متكرر في إجراءات تحكيمية، قد يستحيل وحتى قد يكون من غير المرحب به من الناحية الأخلاقية إبقاء "واقع" مشاركة الأطراف في إجراءات تحكيمية أخرى أمراً سرياً. ثالثاً، غالباً ما يفصح المحكمون والمحـامـون عـن أن طرفاً معيناً هو معني بإجراءات تحكيمية. إن سرية "واقع حصول التحكيم مقيدة أيضاً بعدم القدرة على إلزام أطراف ثالثين باتفاقات السرية. كما أن معظم الشهود الخبراء والعاملين فـي مكاتـب المحاماة وموظفي الأطراف والكتبة والموفدين ومتعهدي تقديم الطعام والإداريين غيـر مـلـزمين باتفاقات السرية، وقبل كلّ شيء، يقع على الأطراف موجب الإفصاح للمساهمين أو المقرضين، بالأخص ما إذا كان هذا الإفصاح من شأنه أن يؤثر على أوضاعهم المالية، أو للمراقبين العامين أو للمصارف أو وسطاء الأوراق المالية أو شركات التأمين.
2. المستندات المبرزة خلال الإفصاح والأدلة المقدمة في الإجراءات التحكيمية:
بشكل عام، إن المستندات المبرزة خلال التحكيم أو أثناء التحضير له، كما والأدلة المقدمـة خلال التحكيم، محمية بموجب الإلتزام بالسرية. إن الحكم الصادر عـن محكمـة الإسـتئناف الإنكليزية في قضية "Ali Shipping يزودنا القاعدة السائدة أمام المحاكم الإنكليزية حول هـذه النقطة.
"إن المستندات المادية والمعلومات الواردة فيها محمية بموجب الإلتزام بالسرية الذي يلـزم كل من يشارك في التحكيم من أطراف ومحكمين ومحامين والشهود [...]".
إن الإستثناءات المحتملـة حـول موجـب الإلتـزام بالـسرية، كمـا تـرد فـي قضية Ali Shipping و Bulbank و Esso، تتصل على الأخص بالمستندات والأدلـة. أولا، يجوز للأطراف الموافقة على الإفصاح عن مستندات معينة أو أدلة. ثانياً، يجوز للمحكمـة كإجراء لاحق أن تلزم طرفاً من الأطراف بتقديم مستندات من تحكيم سابق. ثالثاً، يجوز لطـرف من الأطراف عند الضرورة أن يقوم بالإفصاح لحمايـة حـق قـانونـي مـا دام أن المـستند يشكل "ضرورة منطقية" للقيام بذلك. رابعاً، يكون الإفصاح جائزاً عندما يـصـب فـي مصلحة العدالة" .
3. أسرار التجارة التي تم الكشف عنها أثناء الإجراءات:
بالنسبة الى عدد من الأطراف، حماية أسرارهم التجارية هي الدافع الأبـرز للـسعي وراء عملية سرية لحل النزاع.
إن الإجتهاد وقواعد التحكيم التابعة لمراكز التحكيم والتشريع كلها تدعم هذا الرأي، بالأخص قواعد الويبو WIPO التي تنص على "أكثر القواعد اكتمالا" حول سرية أسرار التجارة في المادة 52 (a) التي تعرف المعلومات السرية، كما وفي المواد 73-76.
يقترح البروفسور François Dessemontet أن مجتمع التحكيم يجب أن يأخذ في الإعتبار أيضاً المادة 39 من الإتفاقية حول الجوانب التجارية لحقوق الملكية الفكريـة Agreement on Trade Related Aspects of Intellectual Property Rights ويقـول: "عنـد وضـع النقاش حول التحكيم والسرية ضمن إطار قانون أسرار التجارة، قد لا يختلف مضمون: الـسرية" من بلد لآخر، كما تعرف بدقة المادة 39 من الإتفاقية المذكورة (TRIPS) ما هـو المقـصود بــ " "سري" .
4. المحاضر الحرفية الخطية والمحاضر العامة للجلسات:
إن قضية Ali Shipping هي القضية الرائدة حول هذه النقطة. تشمل السرية المحاضر الحرفية الخطية للإجراءات. منذ قضية Dolling-Baker تشدد كل محكمة إنكليزيـة علـى أنّ خصوصية الإجراءات التحكيمية تكون دون جدوى إذا لم تكن الـسرية محميـة أيـضاً. إذا، إن الفرضية القائلة بأن المحاضر الحرفية الخطية للتحكيم تندرج تحت مظلة موجب الـسرية هـ مبررة بشكل عام. غير أنه على غرار العناصر الأخرى لعملية التحكيم، هناك استثناءات حيـث من الممكن أن يكون الإفصاح عن المحاضر الحرفية الخطية مسموحاً. تمـت مناقـشـة هـذه الإستثناءات في الفصل الأول – المستندات.
5. حكم التحكيم النهائي:
على الرغم من وجود قواعد تحكيم تابعة لمراكز تحكيمية تمنع النشر غير المصرح به حكم التحكيم النهائي، وعلى الرغم من وجود القرينة القائلة بأن حكم التحكيم هو سري، إلا أنه في الواقع غالباً ما يسرب الحكم النهائي إلى الإعلام وإلى أطراف ثالثين.
ناقش كل من John Savage Emmanuel Gaillard الإتجاه المتنـامى لنـشر أحكـام و التحكيم:
في المجال المتعلق بعقود الدولة، إن أحكام التحكيم الصادرة عن الإكسيد وأحكام التحكـيم الحر المتعلقة بالنزاعات الناشئة عن عقود الدولة والأحكام الصادرة فـي قـضايا مهمـة ومعروفة جدا، غالباً ما يتم نشرها مع تعليقات، والتي تشكل بطبيعة الحال سـابقات. إذا، إن نشر أحكام التحكيم من شأنه أن يحسن تجانسها ".
يوضح كل من Savage Gaillard بشكل جيد أيضاً الأسباب التي تبرر أهمية نشر أحكام التحكيم، ولما من شأن ذلك أن يكون مفيداً.
غالباً ما يكون الأطراف مسؤولين شخصياً عن الإفصاح عن حكم تحكيمي، كما هي الحال عندما يقدمون طعناً بالإبطال ضد حكم التحكيم أو عند تنفيذ الحكم أمام محكمة وطنية.
الفصل الثاني: الأشخاص الملزمين بالسرية
من هو الملزم بموجب الحفاظ على السرية أو من يجب أن يكون ملزماً بموجب الحفاظ على السرية؟
هناك ثلاث مجموعات من المشاركين في عملية التحكيم التي من الممكن أن يطبـق عليهـا موجب الإلتزام بالسرية:
• المحكمون ومراكز التحكيم.
• الأطراف.
• الأطراف الثالثين كالشهود والخبراء.
1) المحكمون ومراكز التحكيم:
من المسلم به عموماً أنه يقع على المحكمين موجب أخلاقي بالحفاظ علـى الـسرية. إن مراكز التحكيم التي تدير الإجراءات ملزمة بموجب الحفاظ على السرية.
2) الأطراف:
إن الوضع الأكثر تعقيداً يعني الأطراف أنفسهم. بغياب اتفاق صريح بين الأطراف في مـا يتعلق بالسرية، يمكن أن يختلف موجب الأطراف بالحفاظ على السرية بشكل لافت تبعاً لمحكمـة التحكيم والقانون المطبق والإجراءات، كما ونوع المعلومات في القضية والطريقـة التـي مـن الممكن أن تستعمل فيها هذه المعلومات.
إن السرية التي تلزم الأطراف وخلفهم والمتنازل لهم لا تشمل فقط المستندات التي أفصح عنها (بمعنى المستندات المبرزة نتيجة لعملية الإفصاح) ولكن أيضاً المستندات التي وجدت خلال سير التحكيم. يشمل ذلك المذكرات واللوائح الخطية والأدلة والمستندات المقدمة من الشهود. تمتدّ السرية أيضاً لتشمل المحاضر الحرفية الخطية والأدلة والحجج والحكم.
إن موجب الإلتزام بالسرية في ما خص الشخص في التحكيم لن نتناوله فقط في هذا الفصل، ولكن أيضاً في الفصول الأخرى المتعلقة بالقانون المطبق ، وبالنطاق والمدى وبتنفيذ موجب الإلتزام بالسرية.
3) الأطراف الثالثين:
باستثناء الشهود الذين يعملون عند أحد الأطراف، إن الشهود هم بشكل عام غيـر مـلـزمين بموجب الحفاظ على السرية.
إن اتفاق التحكيم هو بكل تأكيد ملزم للأطراف الذين يوقعونه، لكـن الأطـراف الثـالثين، كالخبراء الشهود، ليسوا ملزمين بشكل عام بالإتفاق، ولا يمكن أن تترتب عليهم التزامات بموجب هذا الإتفاق. إذا كان هذا الموجب موجوداً، فهو لا ينشأ عن مبادئ قانون العقد.
لذلك، إن أي موجب يترتب على الخبراء الشهود أو أطراف ثالثين آخرين يجب بـدلاً مـن ذلك أن يكون مدرجاً في قانون، وهو موجب يعتبر سمة أساسية لعملية التحكيم.
إذاً، على الرغم من أن الخبراء الشهود لا يمكن إلـزامهم بأتفـاق التحكـيم الموقـع بـين الأطراف، إلا أنه يجوز إلزامهم بالسرية بموجب اتفاقات إضافية في ما بينهم وبين أحد الأطراف على الأقل.
سواء كان ذلك "لصالح العدالة" أو في سبيل "المصلحة العامة" إن شهادة الخبير الشاهد تكون عرضة للإفصاح وللإستعمال وللتدقيق بعد انتهاء التحكيم بوقت طويل.
الباب الثاني: نطاق الموجب:
مع العلم أن أي موجب بالإلتزام بالسرية هو مقيد بالتفسير القضائي لنطاقـه، إن الخطـوة التحليلية التالية هي البحث في الإجتهاد والقواعد والقوانين لتحديد أي عنصر من عناصر العملية التحكيمية يستفيد بالتحديد من الحماية بموجب السرية.
على الرغم من أن الأطراف يفترضون أن المحاكم ستحترم اتفاقات السرية، إلا أنه ليس هذا هو الحال دائما. في الواقع، ما من توافق بين وجهات النظر الفقهية وهنـاك مواقـف قـضائية متعارضة.
الفصل الأول: القضايا
إن الموقف الذي اتخذته المحاكم في البلدان التي تناولت مسألة السرية المثيرة للجدل يختلف بشكل كبير من نهج مؤيد في كل من المملكة المتحدة ونيوزيلندا وسنغافورة إلـى موقـف حـذر ومعتدل في السويد إلى رفض واجب الإلتزام بالسرية الضمني سـلفاً فـي القـارة الأوسـترالية والولايات المتحدة في هذه الحالة يبدو أن الموقف الصحيح هو في مكان ما بين كـل هـذه و الإتجاهات.
1. Aita ضد Ojjeh :
قضت محكمة استئناف باريس بأن إجراءات الإبطال خالفت مبدأ السرية، لأنهـا تـسببت بمناقشة علنية للوقائع التي كان يجب أن تبقى سرية بالنظر إلى طبيعة إجراءات التحكيم. تم انتقاد الحكم بسبب عدم تبيان لما طبيعة التحكيم تدعو بشكل جوهري إلى السرية، وعدم توضيح القيود التي تحدد نطاق واجب الإلتزام بالسرية. قضت المحكمة على الطرف الخاسر بـدفع غرامـة إكراهية إلى الطرف الرابح بسبب الإخلال بموجب السرية. يشكل هذا الحكم دفاعاً صارماً عـن موجب ضمني بالإحتفاظ بالسرية.
2 Dolling-Baker ضد 111Merrett
قضت محكمة الإستئناف الإنكليزية أن هناك "موجباً ضمنياً" بالإلتزام بالسرية "ناشـئ عـن طبيعة التحكيم بحد ذاته". اعتبرت أن الموجب الضمني بالإلتزام بالسرية يطبق على المستندات التي حضرت واستعملت خلال التحكيم أو أفصح عنها أو قدمت خلال سـير التحكـيم أو علـى المحاضر الخطية الحرفية أو على البيان بالأدلة المقدم في التحكيم أو الحكم، كما على الأدلة التي قدمت من قبل أي شاهد في التحكيم.
أشارت المحكمة أيضاً إلى أنه من الممكن أن توجد استثناءات لموجـب الإلتـزام بالـسرية فالإفصاح والإطلاع هما ضروريان للتنظيم العادل للدعوى، وأن هذا الإعتبار يجب أن يسود..
3. Ali Shipping ضد shipyard “Trogir
في قضية Ali Shipping، أعادت محكمة الإستئناف الإنكليزية التأكيد على المبـدأ الـذي أرسي في قضية Dolling-Baker بأن هناك موجباً ضمنياً بالإلتزام بالسرية في التحكيم الدولي. تم إلغاء هذه النظرية حين قضت محكمة الإستئناف السابقة بأنه لا يمكن لـ Shipyard الإفصاح عن مستندات من التحكيم السابق، لأن المستندات والحكم محميين بموجب الإلتزام بالسرية الذي لا يعتمد على الطبيعة الخاصة للمستند ذي الصلة بالموضوع، ولا على العرف والعادات أو علـى وضوح وأهمية الشروط الضمنية التي تعطي معنى للعقد. بدلاً من ذلك، إن السرية هي متصلة بالإتفاقات كمسألة من مسائل القانون، "كما تقتضي ضمنياً طبيعة العقد بحد ذاته".
إن الإستثناءات المحتملة لقاعدة السرية هي التالية: موافقة الأطراف وأمـر صـادر عـن المحكمة و"الضرورة المنطقية" لحماية أو تنفيذ الحقوق القانونية لطرف من الأطـراف وتحقيـق "مصلحة العدالة".
اعتبر القاضي اللورد Potter أن موجب الإلتزام بالسرية لا يطبق فقط على الحكم، ولكـن أيضاً على "المذكرات واللوائح الخطية وشهادة الشهود، كما وعلى المحاضر الخطيـة الحرفيـة، وعلى البيان بالأدلة المقدمة في التحكيم".
Michael Wilson and Partners ltd. .4 ضد Emmott:
إن نظرية السرية الضمنية بحثت تفصيليا في قضايا أخرى. في هذه القضية يكمن الـسؤال في معرفة ما إذا كان بإمكان طرف في التحكيم الإفصاح عن مستندات مقدمة في ذلك التحكيم في إجراءات قضائية أجنبية. في هذه القضية اعتبـرت المحكمـة أن الإسـتثناءات علـى موجـب الإلتزام بالسرية، كما تم تبيانها في قضية Ali Shipping لا تطبـق ورفـض الإفصاح عـن المستندات.
United States .5 ضد Panhandle Eastern :
اعتبرت محكمة المقاطعة الفدرالية في الولايات المتحدة أنه في غياب اتفاق صـريح بـين الأطراف أو قواعد تحكيم تابعة لمراكز تحكيم حول هذا الموضوع، لا تكون إجراءات التحكـيم سرية بالضرورة. في قضية Pandhale Eastern، طلبت الولايات المتحدة إبراز مستندات تتعلق بإجراءات تحكيمية سابقة جرت في جنيف طبقا لقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية ICC. قضت المحكمة بأنه يمكن للحكومة الحصول على المستندات، لأن اتفاق التحكيم وقواعد التحكيم المطبقة لم ينصتا على سرية الإجراءات. في الأساس، لم تعترف المحكمة بأي مبدأ عام حول السرية فـي التحكيم الدولي، وبموجب قضائها هذا إن أي موجب بالإلتزام بالسرية يمكن فقط أن يكون مقـدر ضمنياً من الواقع. إن أهمية ما قضت به المحكمة، على الأقل في الولايات المتحدة، تكمـن فـي التأكيد على أهمية بنود السرية الشاملة في اتفاقات التحكيم.
6. Esso Australia Resources Ltd. And others ضد Plowman
قضت المحكمة العليا في أوستراليا أن السرية ليست "سمة أساسية" لعملية التحكيم. استنتجت المحكمة العليا أن المستندات لم تكن سرية، وبالتالي يمكن الإطلاع عليها من قبل الوزير.
نشأت الإجراءات في قضية Esso عن تحكيمين متـوازيين فـي ولايـة فيكتوريـا بـين Esso/BHP وبين مرفقين عامين حيث كانت Esso ترتبط بعقد مع كل من المرفقين يتعلقـان بتوريد الغاز الطبيعي من حقول النفط في مضيق باس. يتضمن كل من العقدين بندا حول مراجعة السعر ينص على تعديلات في ثمن الغاز المورد، كما وشرطاً تحكيمياً يطبق في حال لـم يتفـق المورد (Esso/BHP) والمرفق العام على الزيادات في الأسعار.
خلال سير التحكيمين، أعرب وزير الطاقة والمعادن لولاية فيكتوريا عن نيته الكشف عـن كل المعلومات التي أفصحت عنها Esso/BHP خلال التحكيمين بما في ذلك ما تم الإقرار بأنـه يشكل معلومات حساسة تجارياً في ما يتعلق بهوامش الربح وتكاليف الإنتاج والإحتياطات المقدرة للغاز. بعد ذلك بوقت قصير، لجأ الوزير إلى المحاكم طالباً إعلان حقه في القيام بذلك. تم قبـول الطلب المقدم منه من قبل قاضي الموضوع، كما وفي مرحلـة الإسـتئناف أولا مـن محكمـة الإستئناف في المحكمة العليا في فيكتوريا، وبعد ذلك من المحكمة العليا في أوستراليا.
اعتبرت المحكمة العليا أن السرية ليست جزءا من الطبيعة الملازمة لعقد التحكيم وللعلاقـة التي تنشأ بموجبه. علاوة على ذلك، حتى لو كان يوجد موجب بموجب العقـد بـين الأطـراف فهذا الموجب ليس مطلقاً حيث أن موجب الإلتزام بالسرية لا يمكن فرضه علـى الـشهـود فـي إجراءات التحكيم، إن التنفيذ القضائي لحكم التحكيم من شأنه أن يكشف حتمـاً عـن تفاصــل الإجراءات، ويجوز أن يقوم الأطراف بأنفسهم بالإفصاح عن تفاصيل التحكيم لـشركات التـأمين والمساهمين. إن أي موجب ممكن بالإلتزام بالسرية هو عرضة "لاستثناء واضـح يـصـب فـي المصلحة العامة".
سواء اعتبرنا أن القرار في قضية Esso يشكل تطبيقاً صحيحاً للقانون أم لا، سـواء فـي أوستراليا أو في أي مكان آخر، لا يمكن إنكار تأثيره. حظيت هذه المسألة بكثير من التعليقات من فقهاء ومحامين وقضاة من الجهتين محاولين التصدي للمسائل الأساسية التي أثيرت فـي قـرار Esso في ما يتعلق بوجود وطبيعة ونطاق موجب الإلتزام بالسرية، وفي الآونة الأخيرة، في مـا يتعلق بالجزاء المترتب على مخالفة هذا الموجب.
7. .Trade Finance Inc ضـد : Bulgarian Foreign Trade Bank Ltd(Bulbank) :
رفضت محكمة الإستئناف في السويد المبدأ القائل أن موجب الإلتزام بالسرية موجود ضمنياً في العقد، وبدلاً من ذلك أرست مبدأ جديداً هو "واجب الولاء"، بهذا، فرقت المحكمة بين العناصر العديدة لإجراءات التحكيم مشيرة، على سبيل المثال، إلى أن الإفصاح عن واقع حصول التحكـيم يختلف كثيراً عن الإفصاح عن أسرار تجارة طرف من الأطراف. وأكثر، في تحديد ما إذا كـان طرف من الأطراف الذي خالف موجب حسن النية وموجب الولاء يجب أن يعاقب، يجب الأخـذ بعين الإعتبار السبب والآثار المترتبة على المخالفة.
إن جعل المعلومات علنية في إجراءات تحكيمية يمكن أن يعتبر كمخالفة لموجـب الإلتـزام بالسرية المفروض على الأطراف في علاقتهم بعضهم ببعض.
لذلك، من المرجح مثلاً اعتبار المعلومات التي تتعلق بالعمليات التي يقـوم بـهـا الأطـراف جديرة أكثر بالحماية من المعلومات حول إجراء التحكيم بين الأطراف أو المعلومات التي تتعلـق فقط بمسائل إجرائية ذات طبيعة عامة. علاوة على ذلك، يجب الأخذ بعين الإعتبار، إذا كان هناك سبب مقبول لنشر المعلومات، إلى أي مدى سبب الطرف الآخر ضرراً نتيجة قيامه بذلك، وفـي حال حصول النشر، ما إذا كانت المعلومات قد أعطيت بهدف الإضرار بالطرف الآخر.
من الممكن أن تزيد قضية Bulbank الفعالية في التحكيم الدولي من خلال تشجيع نـشر الأحكام التحكيمية، وبالتالي إنشاء سابقة في هذا الموضوع.
قضت المحكمة العليا في السويد فـي قـضية .Bulgarian Foreign Trade Bank Ltd ضد .Trade Finance Inc أنه لا وجود لأي موجب ضمني بالإلتزام بالسرية فـي ضد التحكيم. استنتجت المحكمة العليا أن قانون التحكيم السويدي وقواعد التحكيم المختارة لم ينصا على سرية الإجراءات، والأهم لا وجود لوجهة نظر دولية ثابتة تدعم موجب الإلتزام بالـسرية. قضت المحكمة أنه في هذه الظروف لا يمكن إلزام طرف في إجراءات تحكيمية بموجب الإلتزام بالسرية في غياب اتفاق صريح.
الفصل الثاني: المؤلفون
تختلف وجهات نظر المؤلفين بالنسبة للعناصر التي تشملها السرية، واقترح عدد كبير مـنهم أنه يجب على الأطراف النص على درجة السرية التي يرغبون الإلتزام بها في اتفاق التحكـيم، الأمر الذي يتعارض مع مفهوم الواجب الضمني.
بالنسبة لـ Patrick Neill إن موجب الإلتزام بالسرية ليس مطلقا ويخـضع لاستثناءات محصورة. (i) الأول هو الموافقة و(ii) الآخر هو القيود التي يفرضها القانون و(iii) الإسـتثناء الثالث الإفصاح بموجب أمر من المحكمة و(iv) الإستثناء الرابـع هـو الإبـراز أو الإفصاح الضروري لحماية المصالح القانونية لطرف في التحكيم. لحد الآن، يعتبر هذا الإستثناء مطبقا فقط بالنسبة لحكم التحكيم بحد ذاته، وليس بالنسبة إلى أي مستند أساسـي أدى إلـى صـدور هـذا الحكم.
في ما يتعلق بقواعد تحكيم غرفـة التجـارة الدوليـة فـي نسختها لعـام 1998 كتـب Eric Schwartz ما يأتي:
"... بالتأكيد يمنح التحكيم الأطراف إمكانية النص على السرية. إلا أن وجوب أن تكون تلك هي القاعدة في جميع الظروف هو أمر غير مقبول عالميا. إن هذه الواقعة غياب التوافق بشأن ما إذا "كان يجب أن يكون التحكيم سريا ببساطة لأنه خاص" – مع ما يعتبر بشكل عام الإستثناءات القانونية لمبدأ السرية التي تنشأ خلال السياق العادي للأحداث، تنعكس في قواعد غرفة التجارة الدولية لعام 1998 من خلال غياب أي ذكر لقاعدة عامة حول السرية ".
إن التغيير الوحيد في هذا الصدد من النسخة القديمة لقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية هو نص يخول محكمة التحكيم اتخاذ تدابير لحماية "أسرار التجارة والمعلومـات الـسرية" (المـادة 20.7). ذلك أقل بكثير من موجب عام لاحترام سرية الإجراءات.
بالنسبة لحدود الموجب الضمني، يقول Potter LJ ما يأتي:
"في حين يتم الإعتراف بأن حدود موجبات الإلتزام بالسرية التي تنشأ عـن ذلـك لـم يـتم تحديدها بعد، إن الطريقة التي من الممكن فيها تحقيق ذلك بشكل أفضل تكمن فـي وضـع استثناءات ذات تطبيق شامل تطبق في قضايا فردية بدلا من السعي لإعادة النظر في ذلـك، وعند الضرورة تكييف القاعدة العامة على كل حالة في ضوء الظروف الخاصـة والنوايـا المفترضة للأطراف وقت إبرام اتفاقهم الأساسي".
بحسب رأي Yves Fortier، [...] إن المشاكل التي يطرحها عدم اليقين والإرباك اللذين يبـدو أنهما يسودان في أوساط الجهود المعاصرة التي تبذل من أجل تحديد موجب عام بـالإلتزام بالسرية يمكن، حسب ما أعتقد، تقسيمها كما فعل – Jan Paulsson و Nigel Rawding – إلى عـدد مـن القضايا العملية والحلول العملية على حد سواء بخصوص ثلاث مسائل عامة: المعلومات التي وجدت خلال سير الإجراءات وسرية الأحكام التحكيمية وموجبات المشاركين في العملية التحكيمية."
يعتبر Fortier أنه في مرحلة ما سيطلب من كل القانونيين أن يقوموا بوضع نصوص دقيقة لإدراجها في قواعد إجراءات و/أو بنود عقدية.
معتبراً أن إرادة الأطراف هي السمة الأساسية التـي تميـز عمليـة التحكيم، علـق Alexis Brown قائلاً:
"عندما تفرض المحكمة موجباً على الأطراف لم يوافقوا صراحة عليه، إن قدرة الأطـراف في التحكيم على القيام بخيارات مستقلة تكون معطلة. يشير ذلك إلى أنه على الرغم مـن الصعوبات العملية في صياغة اتفاقات فعالة حول السرية، يكمن الحل بالنسبة لمشكلة السرية في قيام الأطراف بالتعاقد صراحة حول درجة السرية التي يريدون عدم المس بها وفي قيام المحاكم فقط بتنفيذ تلك الموجبات التي التزم بها مسبقا الأطراف أنفسهم"
إن المواقف بخصوص المستندات التي تقدم خلال المحاكمة التحكيميـة تميـل إلـى عـدم الإعتدال. وفقاً لواحدة من وجهات النظر، إن كل المستندات المقدمة خلال الإجراءات هي سرية. وفقاً لوجهة نظر أخرى، لا يمكن لهذه السرية المزعومة أن تجمد كل هذه المستندات.
إن الحاجة الى منح السرية المطلقة للمستندات المقدمة خلال الإجراءات التحكيمية أرسـتها قضية Tournier وهي وجهة النظر التي أيدتها أيضاً قضية Bernstein. .
في تعليقه على هذه المواقف المذكورة أعلاه، أدلى Mauro Robino Sammartano بما يأتي: لعل هذين الموقفين هما موقفان صارمان، ومن الممكن أن يكون التفريق مفيداً في ما يتعلق بالمستندات المبرزة في التحكيم، بين المستندات التي تتضمن وصفاً سـردياً للأحـداث السابقة كالمستندات التي وجدت قبل النزاع وخارج إطاره، وبين المستندات الخاصة كتلك التي وجـدت لأجل هذا النزاع فقط. في حين أن الموقف قد يختلف بالنسبة للمستندات الخاصـة، لا يج إخضاع المستندات التي تتضمن وصفاً سردياً للأحداث السابقة لموجب الإلتزام بالسرية".
يبدو أن هناك اعتقاداً سائداً واسع النطاق بأن السرية تشمل كافة الإجراءات. إلا أنه باستثناء المواقف النادرة التي تكون فيها المسألة مشمولة بشرط صريح، يجب أن نستند إلى شـرط ضمني، يعتمد مداه على عدة عوامل، ويمكن أن يكون مختلفاً بالنسبة لكل جانب محدد مـن جوانب الإجراءات. بشكل عام هذا الموجب ليس مطلقا ويميل إلى التطبيق فقط على مسائل حساسة بالنسبة إلى أحد الأطراف .
أخيراً، يقول كل من Gaillard Fouchard و Goldman ما يأتي: تعترف بشكل عام أن الحكم التحكيمي مع المحاكمة التحكيمية لهما طابعاً سريا، وهو ميـزة يتوقعهـا الأطـراف مـن التحكيم. إن هذا الحل مكرس بشكل صريح في اليونسترال في المادة 32.6، وفي الإكــسيد فـي المادة 48.3."
الجزء الثالث: الجزاءات/ الأثر:
متى وجد موجب التزام السرية يكون الإخلال به من قبل أحد الأطراف معادلاً لمخالفة العقد أو لخطأ في حال قام به شخص ثالث غير ملزم به بموجب عقد.
يكمن السؤال في معرفة متى يكون الإفصاح عن حكم التحكـيم أو عـن بعـض عناصـر المحاكمة التحكيمية هو إفصاح مشروع بما فيه الكفاية للقول بأن موجب الإلتزام بالسرية من قبل الأطراف تم الإخلال به.
هل تكون المحكمة التحكيمية المختصة هي بذاتها من يقرر بالنسبة للجزاءات؟
هل إن مسألة السرية هي ملزمة بالنسبة للمحكمين أو للمحكمة؟
إن قواعد التحكيم التابعة لمراكز التحكيم الدولية لا تتضمن بشكل عام أية طريق من طـرق المراجعة في حال تم الإخلال بموجب السرية ويحتمل أن تعرض الأطـراف لتقلبـات القـوانين الوطنية.
في قضية Bulbank، كانت المسألة الأولى التي واجهتها محكمة الإستئناف السويدية تـدور حول ما إذا كان يجب على المحكمين أو المحكمة أن يقرروا ما إذا كان هناك موجب بـالإلتزام بالسرية، وما النتائج المترتبة على الإخلال بهذا الموجب. حذت محكمة استئناف سفيا حذو محكمة الإستئناف السويدية بإفتراضها دون أي تفسير أن تقرير هذه المسألة يعود للمحكمة.
والجدير بالذكر أكثر أن المحاكم قامت بذلك دون الأخذ بالإعتبار الحجج التي تدعم نهجـاً مغايراً.
بما أن مسألة ما إذا كانت السرية تشمل عنصراً معيناً من العملية التحكيمية تنـشأ بموجـب الإتفاق على التحكيم، فيقتضي فصلها بموجب شرط التحكيم المعتاد من قبل المحكم وليس من قبل المحكمة؛ وما أن يتم فصلها من قبل المحكم لا تكون خاضعة للمراجعة، إلا استناداً إلى الأسـباب الضيقة المحددة في اتفاقية نيويورك أو قانون التحكيم الوطني.
لا تشكل قرارات المحاكم السويدية في قضية Bulbank أية استثناءات. فمحكمة استئناف المدينة ومحكمة استئناف سقيا لم تقررا فقط مسألة ما إذا كان نـشـر القـرار التمهيـدي حـول اختصاص محكمة التحكيم أخل بموجب الإلتزام بالسرية، بل تجاهلتا أيضاً أن محكمـة التحكـيم سبق وفصلت المسألة سلباً، علاوة على ذلك، قررت المحكمتان المذكورتان أن مسألة ما إذا كان الإخلال بالسرية المزعوم يبرر إبطال شرط التحكيم، هي مسألة يجب أن يتم فصلها بالإحالة إلى القانون السويدي بدلاً من اتفاقية نيويورك.
في كل الأحوال، إن مسألة ما إذا كان نشر القرار التمهيدي حول الإختصاص أخل بموجب الإلتزام بالسرية، كما ومسألة ما إذا كان الإخلال، في حال حصوله، جعل اتفاق التحكيم دون أي أثر، فصلت بهما محكمة التحكيم ولا يجب إخضاعهما من جديد للمراجعة مـن قبـل المـحـاكم السويدية.
لتجنب التدخل القضائي، يجب إذا على الأطراف في الإتفاق حول السرية أن يـدرجوا فيـه شرطاً تحكيمياً صحيحاً.
ولكن ماذا لو صدر حكم التحكيم وحصل الإخلال بعد ذلك؟
في هذه المرحلة تكون مهمة محكمة التحكيم قد انتهت وأصبحت غير مختصة.
يطرح ذلك مسألة ما إذا كان بإمكان محكمة التحكيم عندما تصدر قرارها أن تبقـي علـى اختصاصها من أجل فصل المخالفات المتعلقة بالسرية. بما أن المحكمين أنهوا مهمتهم بإصدارهم قرارهم، يكون الجواب الصحيح على ما يبدو جواباً سلبيا، وعليه، من الحكمـة أكثـر بالنـسبة للأطراف أن يدرجوا نصاً في شرط التحكيم الأساسي يولي محكمة التحكيم منذ تـشكيلها سـلطة فصل مسائل حول السرية حتى بعد صدور حكم التحكيم.
الباب الثاني: ما هي الجزاءات التي تترتب؟
كيف يمكن تنفيذ موجب الإلتزام بالسرية؟
ما هي الجزاءات التي تترتب على مخالفة هذا الموجب؟ كيف تقدر الأضرار الناجمة عـن مخالفة موجبات الإلتزام بالسرية؟ هل هناك فرق بين الأضرار الناجمة عن الإخلال بالسرية وتلك الناجمة عن الإخلال بالعقد؟
بغية تحديد الجزاءات التي تترتب على مخالفة موجب الإلتزام بالسرية، ينبغي الرجوع إلـى القانون المطبق ويقترح Hans Smit أن أعراف التعامل التجاري "lex_mercatoria "يجب أن ترعى مسألة ما إذا كان أي إخلال بموجب الإلتزام بالسرية يمكن أن يبـرر إبطـال شـرط التحكيم.
هناك عدد قليل من الإجتهادات التي تتناول موضوع الجزاءات التي تترتب علـى الإخـلال بموجب الإلتزام بالسرية. تتراوح هذه الجزاءات بين إبطال التحكيم والحكـ أو التعويضات المادية أو الأمر القضائي المانع.
إن رأيي أن محكمة الإستئناف السويدية ومحكمة مدينة ستوكهولم في قضية Bulbank شكلا السلطة القضائية الأساسية بشأن مسألة الجزاءات هذه.
إن أهمية القرار الصادر فـي قـضية .Bulgarian Foreign Trade Bank Ltd ضـد Trade Finance Inc عن محكمة مدينة ستوكهولم تكمن في ما توصلت إليه المحكمـة بـشأن الجزاء القانوني الذي يترتب على الإخلال بالموجب. ووصف القرار المذكور بـالقرار المبـالغ فيه.
كان الأطراف في قضية Bulbank مشاركين في تحكيم في السويد يجري وفق قواعد لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية لدول أوروبا (ECE rules).
أُرسل حكم التحكيم إلى المجلة الدورية Mealey’s International Arbitration Report من قبل المدعى عليه ونشر. قدم المدعي طلباً إلى المحكمة لإصـدار قـرار بـإعلان الإتفـاق التحكيمي باطلاً ولاغياً، كما لإلغاء جلسة المرافعة النهائية التي كانت مقررة الأسبوع الذي يلـي، وذلك بسبب مخالفة المدعى عليه المزعومة لموجب الإلتزام بالسرية.
في قرارها، نظرت المحكمة في الـسبب نفـسـه الـذي أرسـاه Potter LJ فـي قـضية Ali Shipping واعتبرت أن السرية هي في الواقع شرط ضمني في الإتفاق على التحكيم.
اعتبرت المحكمة أن واقع أن شيئاً ما قد أصبح معلوماً، وأنه قد حصل من خـلال تعـاون طرف من الأطراف، يشكل إخلالاً جوهرياً لاتفاق التحكيم. بحسب المحكمة:
"إن الإخلال بالعقد الذي كان إخلالا جوهريا شكل أسباباً صحيحة لـ Bulbank لإبطـال العقد. بالتالي، اعتبرت محكمة المدينة أنه لم يكن يوجد اتفاق تحكيم صحيح بتاريخ صـدور حكم التحكيم.
بما أنه لم يكن يوجد اتفاق تحكيم صحيح بتاريخ صدور حكم التحكيم، فإن حكم التحكيم بحث ذاته هو باطل ."
بما أن موجب الإلتزام بالسرية هو "ميزة أساسية" لاتفاق التحكيم، إذا يجب معالجة الإخـلال بهذا الموجب كأي إخلال بأي موجب تعاقدي آخر. في ضوء قرار محكمة الإستئناف السويدية في العام ،1999 التي فسخت الحكم في قضية Bulbank، إن الحلول المتوافرة حاليا بشكل عـام عند إخلال طرف من الأطراف بموجب الإلتزام بالسرية هي التعويضات الماديـة والأوامـر القضائية المانعة في وجه أي إفصاح إضافي.
علاوة على ذلك، يجب الأخذ بعين الإعتبار ما إذا كان هناك سبب مقبول للنشر، وإلـى أي مدى سبب هذا الأمر ضررا للطرف الآخر، وفي حال حـصول هـذا الـضـرر مـا إذا كانـت المعلومات أعطيت بهدف الإضرار بالطرف الآخر.
تعليقاً على هذا الإجتهاد، يقول Alexis Brown ما يأتي:
"إن الحصول على مثل هذه التعويضات هو صعب عملياً. إلا أنه من أجل الحكم للطرف A بتعويضات عن إخلال الطرف B بموجب الإلتزام بالسرية، يجب على الطرف 4 أن يبـين ما يأتي:
1) وجود موجب بالإلتزام بالسرية بين الطرف A و B ؛
2) حصول إخلال بهذا الموجب؛
3) حصول هذا الإخلال من جانب الطرف ؛
4) أن الإخلال سبب ضرراً للطرف A؛
5) أن يكون الضرر الذي لحق بالطرف A قابلا للتقدير وللتعويض عنه ماديا.
إن أكثر العناصر إشكالية في هذا التحليل هو العنصر الثالث.
"لن يكون من السهل أبدأ إثبات أي طرف من الأطراف هو المسؤول عن الإفصاح عـن المستند وقد يكون من الصعب للطرف الذي أفصح عن المستند إثبات أن خسارة لحقت بـه نتيجة أي إخلال من خصمه".
بالحديث أيضاً عن الإخلال بالسرية، يقول كل مـن Gaillard Fouchard و Goldman ما يأتي:
"من الممكن أن تترتب المسؤولية المدنية فقط على الطرف الذي أفصح عن حكـم التحكـيم بطريقة غير شرعية، وذلك بالنسبة للمخالفات المتعددة لمبدأ السرية. يفترض هـذا الأمـر الحصول على دليل على مصدر الإفصاح وعلى طابعه غير المنتظم، كما ويفترض وجـود ضرر الذي سيكون من الصعب إثباته. إن حكم التحكيم يفرض جزاء على الإفصاح يتمثـل بتعويضات مهمة، محددا أن من طبيعة الإجراءات التحكيمية أن تضمن سرية الحل الخاص للنزاع، كما هو متفق عليه بين الأطراف. "
عندما يطلب من محكمة تحكيمية فرض جزاء يجب عليها أن تأخذ أيـضاً بعـين الإعتبـار المصالح المتعارضة في هذه المرحلة. إذا كان الإخلال يتمثل في إفصاح غيـر مناسـب عـن معلومات خاصة يمكن أن يتم طلب إصدار أمر مانع. إلا أنه يتوجب على المحكمين أن يتريثـوا في إصدار الأوامر المانعة عندما يكون للطرف المفصح مصلحة مشروعة في القيام بذلك. فـي هذه الحالة، يمكن أن تكون التعويضات، إذا أمكن التحقق منها على نحو صحيح، الحـل الوحيـد المناسب.,
إذا كان الإفصاح غير مناسب وتعرضت مصلحة مشروعة للطـرف الـذي يـشكـو مـن الإفصاح لضرر، يمكن أن يكون فرض تعويضات خاصة تفوق ما يكفي لتعويض الضرر أمـراً مناسباً.
إلا أن إبطال شرط التحكيم بحد ذاته إذا ما تم السماح بذلك يجب أن يتم فقـط فـي حالـة الإخلال الفاضح بموجب الإلتزام بالسرية الذي يضر إضراراً جسيماً بالخـصم ولا يكـون مـن الملائم أبداً القضاء بذلك عندما يكون الإخلال يتمثل فقط بنشر حكم التحكيم.
يكمن السبب وراء ذلك بشكل خاص في أن المجتمع له مصلحة كبيرة فـي نـشر أحكـام التحكيم، وهذه المصلحة هي قوية جداً إلى حد أنها تطغى بسهولة على المصالح الأخـرى ذات الصلة في هذا الإطار، وذلك من خلال إيجاد نظام قائم على السابقات. عـلاوة علـى ذلـك، كقاعدة عامة إن السابقة تؤدي إلى إيجاد حالة من العلم بالنسبة للنتيجة التي سيتم التوصل إليهـا التي بدورها تسهل الفعالية. هناك أسباب إقتصادية إضافية وأسباب تتعلق بالنظام العام تبرر فائدة نشر أحكام التحكيم ونظام السابقات الذي ينجم عن ذلك.
أصابت محكمة استئناف سفيا في ما قضت به بالنسبة لقضية Bulbank عندما اعتبرت أنه على الرغم من وقوع إخلال بموجب الإلتزام بالسرية إثر نشر حكم التحكيم التمهيدي، إلا أن هذا الإخلال لم يكن من شأنه أن يبرر إبطال شرط التحكيم. لم يكن على المحكمة أن تصدر مثل هذا القرار، لأنه لم يكن عليها معالجة المسألة التي فصلها المحكمون أصلاً، ولكن إذا ما افترضنا أن المسألة كانت عالقة أمامها تكون محكمة سقيا توصلت إلى النتيجة الصحيحة. ،
تشمل الآثار الناجمة عن ذلك حرص المحكمين الشديد في صياغة أحكـام التحكـيم التـي يعلمون بأنها ستعرض للجمهور للإطلاع عليها وتجعلهم مسؤولين علناً عـن جهـودهم، وأنهـا ستساهم بطريقة شفافة في تطور القانون، وخاصة أعراف التعامل التجاري في المسائل الدوليـة، كما ستسمح للقانونيين الإستشهاد بقرارات سابقة، وبالتالي ستضمن تطبيق وتطور القانون بطريقة متسقة ومتناغمة.
على الرغم من أن مسألة الجزاءات ضد الأطراف في التحكيم هي مسألة غير واضحة، يبقى المحكمون ملزمون بموجبهم الإلتزام بالسرية.
أخيراً، يكون أي موجب بالإلتزام بالسرية مجرداً من أي معنى إذا أمكن الإخـلال بـه دون فرض أية عواقب.
ككل نواحي مسألة السرية، تعتمد هذه المسألة بشكل كبير على كيفية معالجة المحاكم لهـا. هناك حاجة ملحة لحل قضائي متين لمسألة الجزاءات.
خاتمة
إن التبرير الأساسي للسرية في التحكيم الدولي هو سلطان إرادة الأطراف. إذا كان الأطراف يقدرون الخصوصية والسرية أكثر من الإعتبارات المتعلقة بالفعالية المالية، سيكون بإمكانهم حل نزاعاتهم بطريقة تحترم أولوياتهم. يعتبر ذلك تبريراً صحيحاً لقاعدة السرية على وجه الإسـتثناء بما أن التحكيم التجاري الدولي هو نظام خاص بمعنى أن أطرافاً من القطاع الخاص – وليس من يدفع الضرائب – يدفعون للجوء إلى هذا النظام.
على الرغم من أنه من غير المنازع فيه أن موجب الإلتزام بالسرية يكون موجوداً انطلاقـاً من اتفاق الأطراف أو بطريقة ضمنية في القانون، إن الإطار الذي تضع فيـه الـسرية عنـصر التحكيم لم يحل بعد. يجب الأخذ بعين الإعتبار مصالح الأطراف في ما يتعلق بإفصاح الطـرف الثالث المشروع كالمساهمين والضامنين وفي ما يتعلق بالمصلحة العامة في نشر حكم التحكيم. إن غياب التناسق في قواعد التحكيم التابعة لمراكز التحكيم وشبه غياب القوانين الوطنية حول السرية في التحكيم والإختلاف بين الإجتهاد في إنكلترا وفرنسا، من جهـة، وفـي الـسويد وأستراليا والولايات المتحدة الأميركية، من جهة أخرى، كل ذلك يشكل عائقاً مهماً أمام مسألة السرية فـي التحكيم الدولي.
إن الرسالة المهمة التي يتم نقلها من خلال القرارات القضائية وعبر أهم المعلقين مفادها أن الأطراف أنفسهم عليهم أن يدرجوا نصاً صريحاً حول السرية (يفضل في اتفاق التحكيم وليس عند نشوء النزاع) كشكل من أشكال الرقابة الذاتية، مع مراعاة أن التحكيم هو وليد العقد، ينبغـي أن يشكل ذلك نقطة الإنطلاق المهمة وينبغي الإتجاه نحو ضمان أن تصبح السرية منفعة أصـلية ومشروعة للتحكيم (وليس مصطنعة) على الرغم من الإنتقادات الصحيحة لذلك بأنه إجراء مفصل ومطول قد لا يشمل بشكل كامل كافة الاحتمالات.
ينصح أيضاً بأن يتعهد الطرف الثالث في الإجراءات التحكيمية كالشهود والخبراء بالـسرية ويفترض أن يكون هذا التعهد منسجماً مع النص الذي يرد في اتفاق التحكيم حول السرية.
أخيراً، لكي يتسم بالفعالية ينبغي أن ينفذ موجب الإلتزام بالسرية من قبل المحكمين والمحاكم الوطنية. يمكن تحقيق هذه الأهداف من خلال اعتماد مقاربة موحدة حول السرية ويفضل أن تكون عبر إدخال تعديلات على القوانين الدولية الموجودة كالقانون النموذجي لليونسترال الذي سيعطي الفرصة للأطراف الذين يرغبون في حماية سرية التحكيم أن يدخلوا هذه القواعد في اتفاقهم.