أ) إن الغاية من اللجوء إلى طريق التحكــم هـو فـض أو فـصل المنازعات بين أطرافها أقرب وقت وبسرعة حيث توجـد منازعـات بين أطراف تحتاج إلى فصل سريع فلابـد مـن وجـود الإرادة التـي بـهـا تنهي هذه الخصومة بسرعة.
ومن المسلم به أن السرعة في تطبيـق العدالـة تعـد أمـلا تنشده كل التشريعات ولذا فقد اشتهر القول بأن العدل البطـيء نـوع مـن الظلم ومن هذا المنطلق فإن الرغبة في الفصل السريع فـي المنازعـات التـى تنشأ أو يحتمل أن تنشأ بين الأشخاص تأتي على رأس الأس قد تدفعهم للعزوف عن قضاء الدولة والاتفاق على التحكيم .
وقد حددت المادة 45 / 1 ق. تحكيم المـدة التـي يـجـب إصـدار حكم التحكيم خلالها وضوابط حساب وامتداد هـذه المـدة ـ على:"على هيئة التحكيم إصدار الحكـم المنـهـي للخصومة كلهـا خـلال الميعاد الذي اتفق عليه الطرفان. فإن لم يوجـد اتفـاق وجـب أن يـصـدر الحكم خلال اثنى عشر شهرا من تـاريخ بـدء إجـراءات التحكــم وفـي الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكـم مـد الميعـاد علـى ألا تزيد فترة المدة على ستة أشهر ما لم يتفق الطرفان علـى مـدة تزيـد علـى جميع ذلك".
وكما هو واضح مـن هـذا الـنـص فـإن الأصـل الـذي اعتمـده المشرع المصري هو ترك تحديد مدة التحكـيـم لـذوي الشأن. وهـو فـي ذلك ليس بـدعـا مـن التـشريعات، فالسائد في تشريعات التحكيم أن أطراف التحكيم هم الذين يحددون مدة التحكيم إمـا مباشـرة حـسـب مـا يرتضونه وإما بطريقة غير مباشرة بالنص فـي اتفـاق التحكيم أو فـي اتفاق لاحق- على الخضوع في هذا الصدد لتشريع معـيـن يـحـدد مـدة التحكيم بطريقة معينة. ولا غرابة فـى ذلـك، إذ لا خـوف مـن أن يتفـق الخصوم على مدة طويلة.
فالرغبة في سرعة الإجراءات مقصود بها في الأصـل حمـايـة الخصوم من أضرار بطء العدالة، ولهذا فإن من المتوقع أن يـوائم الخصوم بين مصالحهم في إطار دافعين أساسيين يتنازعـان المـسـألة مـن قطبيها: -
الدافع الأول: هو الرغبة في السرعة فـي الإجـراءات بقـصد وصول الحق بأسرع وقت ممكن إلى صاحبه .
فإذا لم يتفق الخصوم على مدة معينة يجب على هيئـة التحكيم أن تصدر حكمها خلال مدة محددة فقـد وضـع المـشرع ضابطاً احتياطياً لذلك وهو اثنى عشر شهرا تبـدا مـن تـاريخ بدء إجراءات التحكيم، وتعد هذه المدة طويلة نسبياً بالمقارنة لما كانت تقرره (المـادة 505 مرافعـات) وبمـا تـنص عليـه أغلب التشريعات.
وعلى سبيل المثـال فـإن قانون المرافعـات الفرنسي السابق ينص على أنه في حالة عدم وجـود اتفاق بين الخصوم فإنـه يـجـب الانتهاء من إجراءات التحكيم خلال ستة أشـهـر مـن تـاريخ قبـول آخـر محكم لمهمة التحكيم (م 1456/ امنه).
كذلك فإن لائحة تحكيم غرفة التجـارة الدوليـة CCI تـ أن المدة التي يجب أن يصدر المحكم خلالهـا حكمـه هـي سـتة أشهر من من تاريخ قبول مهمة التحكيم) (م۱۸ منهـا). وتنص لائحـة تحك مؤسسة التحكيم الأمريكية AAA علـى أن حكـم التحكــم يجـب يصدر على وجه السرعة، ومـا لـم يوجـد تحديـد مـخـالـف مـن قبـل الخصوم أو القانون فإنه يجب أن يصدر كحد أقصى فـي خـلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تفـل بـاب المرافعـات أو التاليـة لإيداع المـذكرات الختامية والمستندات إذا كـان الخصوم قد اتفقوا علـى عـدم وجـود مرافعة شفوية (م 41 منها) .
وما أبديناه من ملاحظة حول طول فترة التحكــم التـي حـددها قانون التحكيم المصري بالمقارنـة بنـصوص القانون المقـارن وبـنص المادة 505 مرافعات الملغاة لا يعني أن نـؤثر أن تكـون المـدة المحـددة لإصدار حكم التحكيم قصيرة. فإجبار هيئة التحكيم علـى إصدار حكمهـا في مدة وجيزة من شأنه أن يصيب المحكمـين بالتسرع ممـا يجعـل حكمهم أقرب لعدم الصواب وإلى احتمال الطعن عليه بالبطلان.
الفرض الأول: يبدأ سريان مدة التحكــم التـي اتفق عليهـا مـن التاريخ الذي يحدده طرفا التحكيم، ويعني ذلـك أن مقـدار الميعـاد الـذى يجب إصدار حكم التحكيم خلاله والواقعة التـى منهـا سـريـان هـذا الميعاد ويخضعان لمطلق تقدير طرفي التحكيم .
الفرض الثاني: قـد حـددت المـادة 45 / 1 مـن قـانون تحكــم المصري أن مدة الاثنى عشر شهراً التي نصت عليهـا كميعـاد لإصـدار الحكم تبدأ من تـاريخ بـدء إجـراءات التحكيم، والقاعـدة أن إجـراءات التحكيم تبدأ من اليوم الذي يتسلم فيه المـدعى عليـه طـلـب التحكــم مـن المدعى مالم يتفق الطرفان على موعد آخر ( م ۲۷ تحكيم ) .
بيد أن هذا لا يعني أن الواقعة التي اختارهـا المـشرع المـ في قانون التحكيم لبدء سريان ميعاد إصدار حكم التحكــم هـي الأفضل على الإطلاق لأنه إذا كان من شأن الواقعة التـي كـانـت تحــدها المـادة 505 مرافعات ملغاة أن تجعل من المحتمـل أن تـنقص مـدة الــشهرين التي كانت تنص عليهما قبل أن تبدأ بالفعل إجـراءات التحكيم، فـان مـن شأن الواقعة التي يعتمـدها المشرع فـي ظـل المـادة 45 / 1 من ق. التحكيم أن تجعل بيد الخصم سيئ النية الذي يتأكد مـن سـوء موقفـه فـي الدعوى سـلاحـاً مـن شـأنه أن يـؤدي بعمليـة التحكيم للفـشل، وهـو المماطلة وكثرة طلب التأجيل وتفريـع المسائل المتنازع عليهـا حتـى تنقضي مدة الاثنى عشر شهراً قبـل إصـدار الحكـم المنهى لخصومة التحكيم .
وإذا كنا قد حددنا مقـدار المـدة التـي يجـب أن يصدر حكـم التحكيم خلالها ونقطة بدايتها فإننـا لا بد أن نبين مسألة ضرورية للتحقق من صدور حكم التحكيم خلال هذه المـدة ألا وهـو الوقـت الـذي يعتبر فيه حكم التحكيم قد صدر .
جـ) الوقت الذي يعتبر فيه حكم التحكيم قـد صـدر: أشـرنـا مـن قبل إلى أن تاريخ إصدار حكم التحكيم هـو أحـد البيانـات التـي يتطلـب المشرع ذكرها في الحكم (م 43/ 3 تحكيم) وأنـه يترتب علـى الحكم من هذا البيان بطلانه. ولذكر هذا التاريخ أهميـة فـي بيـان مـا إذا كان الحكم قد صدر فـي خـلال المـدة التـى اتفـق الخـصوم أو نص المشرع على ضرورة صدورها خلالهـا أم لا، كمـا أن لـه أهميـة فـي مسائل أخرى منها بيان مـدى صـحة اشـتراك جميـع المحكمـين الـذين صدروا الحكم، إذ من المعلوم أنه يجـب أن يكـون كـل محـكـم اشـترك إصدار الحكم معينا بالطريقة التي حددها المشرع وأن يظـل متمتعـاً بصفته هذه حتى إصدار الحكم.
ولهذا نبين التاريخ الذي يعتبر فيه حكـم التحكــم قـد صـدر بمـا يترتب على ذلك الحكم من آثـار. وأسـاس الخصوصية التـي اقتضت هذا السؤال بالنسبة لحكم التحكــم هـو شرع لـم يـستوجب ولا يتفق مع من السياسة التشريعية أن يستوجب- صدور أحكـام التحكيم طبقاً لإجراءات صدور الأحكام، فإنه لا يلزم النطـق بحكـم التحكـيـم فـي جلسة علنية، وذلك على خـلاف الوضـع بالنسبة لحكـم القـضـاء الـذي اشترط المشرع لصحته أن ينطق به القاضـى بتلاوة منطوقـة أو بـتلاوة أسبابه وأن يكون النطق به علانية وإلا كان الحكم باطلاً.
ويجب على المحكمة أن تنطق بحكـم التحكيم علانيـة وإلا كـان الحكم باطلاً ' م 174 مرافعات". ويجوز للمحكمـة أن تنطـق بـالحكم فـي الجلسة عقب انتهاء المرافعة أو أن تؤجل النطق بـه إلـى جـلـسـة أخـرى تحددها لذلك "م ١٧١ / المرافعات"، فلا مشكلة تثور في تحديـد التـاريخ الذي يعتبر فيه حكـ قـد صـدر، إذ لا خـلاف علـ أن هـذا القاض التاريخ هو تاريخ النطق به.
وقد استهلت المـادة 43 /1 مـن قـانون التحكــم بمـا يمكـن اعتباره مؤيداً لهذا النظر، حيث نصت علـى أن "يـصـد كتابة ويوقعه المحكمون".
وحيث تشترط المادة 43 / 3 مـن قـانون التحكــم نـكـر تـاريخ صدور الحكم بوصفه واحدا من البيانات التـي يجـب أن يتضمنها الحك ويترتب على تخلفه بطلان الحكم فإنـه يـكـون مـن العـادي أن تتضمن ورقة الحكم ذكر تاريخ إصداره، ولا يجوز إثبـات أن الحكـم قـد صـدر في غير هذا التاريخ إلا عن طريق الادعاء بالتزوير.
ومن ثم فإن وجوب تحديد التاريخ أو الوقـت الزمنـي المـستغرق لإجراءات التحكيم لحين استصدار الحكـم التحكيمـى الـذي معـه يـتم إنهاء إجراءات التحكيم يعطى لإنهاء إجـراءات التحكــم ميـزة الـسرعة في الفصل وعدم التباطؤ وبهـذا يحقـق العـدل المنـشـود بــين الخصومة .
هـ) عدم قابلية حكم التحكــم كـأداة لإنهاء إجراءات التحكــم للطعن فيه بطرق الطعن التي ينص عليهـا قـانون المرافعات يضفي عة الفصل فـي الإجـراءات والنـزاع المعـروض أو سرعة الخصومة التحكيمية، وهذه ميـزه ينفـرد بـهـا حـكـم التحكــم عـن خاصية سر سم الحكم القضائي. وبداية تطور المشرع المـصري بالنسبة لخـضوع حكـم التحكيم لطرق الطعن التي ينص عليهـا قـانون المرافعـات. فقـد كـان قانون المرافعـات سـنة 1949 (المـادة 848 منهـا تجيـز الطعن فيـه بالاستئناف وبالتماس إعادة النظر فلما صـدر قـانون المرافعـات الحـالي رقم 1968، نص في المادة 510 منها على ( عـدم جـواز الطعـن فـي حكم التحكيم بالاستئناف)، وأبقـت فقـط علـ طريـق الطعـن بالتمـاس إعادة النظر.
فـإن الحـرص علـي سـرعة الفـصل النزاع يجب ألا تكون على حساب التطبيـق الـصحيح للقـانون، ولهـذا فإنه إذا كان مفهوماً - لتحقيق هذه السرعة . الـنص علـى عـدم قابليـة حكم التحكيم للاستئناف، فقد كان يجـب عـلـى المـشرع أن ينظم طريقـاً للطعن فيه لمخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقـه، فـالمحكم قـد يـخـالف القواعد القانونية واجبة التطبيق أو يخطئ في تأويلها أو تطبيقها.
و) الأحوال التي نصت عليهـا المـادة 45 مـن قـانون التحكــم التي بها تأمر الهيئة بإنهاء الإجراءات في التحكــم تـضفي ميـزة سـرعة الحسم والفصل لإجراءات التحكيم وبالتالي الخصومة التحكيميـة، وذلـك أثناء سير إجراءات الخصومة التحكيميـة وقبـل إصـدار الحكـم الفاصـل للخـصومة التحكيميـة ( ، التحكــم ) أو بـصدور الحكـم المنـهـي للخصومة.
حيث نصت المادة 48 من قانون التحكيم على الآتي:
1- "تنتهي إجراءات التحكيم بـصدور الحكـم المنـهـي للخـصومة كلها أو بصدور أمر بإنهاء إجراءات التحكيم وفقاً للفقـرة الثانيـة مـن المادة 45 من هذا القانون، كما تنتهي أيـضـاً بـصدور قـرار مـن هيئـة التحكيم بإنهاء الإجراءات في الأحوال الآتية":
أ) إذا اتفق الطرفان على إنهاء التحكيم .
ب) إذا ترك المدعي خصومة التحكيم ما لم تقرر هيئـة التحكــم بنـاء على طلب المدعي عليـه أن لـه مـصلحة جديـة فـي اسـتمرار الإجراءات حتى يحسم النزاع.
ج) إذا رأت هيئة التحكيم لأي سبب آخـر عـدم جـدوى استمرار إجراءات التحكيم أو استحالته .
د) مع مراعاة أحكـام المـواد 49 و50 و51 من هـذا القـانون تنتهي مهمة هيئة التحكيم بانتهاء إجراءات التحكيم.