يتميز نظام التحكيم بالسرعة في إنهاء إجراءاته، والتي من أهمها عدم التقيد بقانون موضوعي لدولة ما، وكذلك اختيار القانون الإجرائي خلافاً لما هو متبع في القضاء من وجوب الالتزام بقانون قضاء الدولة، لأن القضاء يكون دائماً مقيداً بتلك الأحكام التي تنص عليها القوانين ذات العلاقة بموضوع النزاع على خلاف التحكيم؛ فقد يتم الحكم في موضوع النزاع في ضوء القواعد المتعارف عليها بين المجتمعات المتمدينة.
وفي هذا السياق، نرى أن المشرع سواء في مصر أم في فرنسا حرص على الالتزام بالسرعة في مواضع كثيرة يتجلى فيها هذا الاعتبار، حيث نص في قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 بالمادة ( 45 ) منه على أن: "على هيئة التحكيم إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال الميعاد الذي اتفق عليه الطرفان؛ فإن لم يوجد اتفاق وجب أن يصدر الحكم خلال اثنی عشر شهراً من تاريخ بدء إجراءات التحكيم، وفي جميع الأحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على ألا تزيد فترة المد على ستة أشهر، ما لم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك، وإذا لم يصدر حكم التحكيم خلال الميعاد المشار إليه في الفترة السابقة جاز لأي من طرفي التحكيم أن يطلب من رئيس المحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن يصدر أمرا بتحديد میعاد إضافي أو بإنهاء إجراءات التحكيم، ويكون لأي من الطرفين عندئذ رفع دعواه إلى المحكمة المختصة أصلا بنظرها" .
يتبين من نص هذه المادة مدى حرص المشرع على الإسراع في إنهاء إصدار الحكم خلال الميعاد المتفق عليه من الخصوم وحرصه على وضع میعاد تنظيمي و حد زمني أقصى يجوز للطرفين بعد انقضائه طلب إنهاء الإجراءات والإذن لهما برفع النزاع إلى قضاء الدولة صاحب الولاية الأصلية.
كما يتضح من النص، أن تحديد الأجل اللازم للفصل في خصومة التحكيم يتقرر وفقاً لأحد فرضين الأول : هو أن تتفق الأطراف على مدة التحكيم، حيث يكون هذا الاتفاق ملزماً للمحكم، وبالتالي يجب عليه إصدار الحكم المنهي للخصومة كلها خلال تلك المدة المتفق عليها، سواء كانت هذه المدة ستة أشهر أو سنة أو سنة ونصف... إلخ، أما الفرض الثاني: وهو عدم اتفاق الأطراف على مدة التحكيم وهنا تلتزم هيئة التحكيم بإصدار الحكم المنهي للخصومة خلال سنة من تاريخ بداية إجراءات التحكيم، وفي الحالتين السابقتين، يمكن أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد لمدة أقصاها ستة أشهر، فقد ترى الهيئة أنه من الضروري مد أجل التحكيم لشهر أو شهرين أو ثلاثة وفقا للظروف التي تمر بها الدعوي. بيد أن الحد الأقصى لسلطة الهيئة في مد هذه المهلة هي ستة أشهر إضافية للمدة التي اتفق عليها الأطراف أو لمدة السنة التي حددها المشرع للفصل في الدعوى في حالة عدم وجود اتفاق .
كما نصت المادة (28) على أن: "لطرفي التحكيم الاتفاق على مكان التحكيم في مصر أو خارجها، فإذا لم يوجد اتفاق عينت هيئة التحكيم مكان التحكيم مع مراعاة ظروف الدعوى وملائمة المكان لأطرافها، ولا يخل ذلك بسلطة هيئة التحكيم في أن تجتمع في أي مكان تراه مناسبا للقيام بإجراء من إجراءات التحكيم کسماع أطراف النزاع أو الشهود أو الخبراء أو الإطلاع على مستندات أو معاينة بضاعة أو أموال أو إجراء مداولة بين أعضائها أو غير ذلك ".
وهكذا تشير المادة المذكورة إلى عقد جلسات التحكيم في المكان المناسب والملائم وفقا لظروف الخصوم دليل أيضا على جعل التحكيم نظاماً خاصاً يمتاز بالسرعة في إيجاد الحلول المناسبة لفض المنازعات على خلاف جلسات المحاكم التي يتم تحديدها طبقا لظروف العمل بالمحاكم ولا علاقة لها بظروف المدعين أو القضاة.
كما حرص المشرع الفرنسي على النص على أهمية عنصر السرعة بالنسبة للتحكيم، حيث نص في المادة 1457 من مرسوم 1980/5/14 على أن: "في الحالات المنصوص عليها في المواد 1444، 1404، 1456، 1463، يصدر رئيس محكمة البداية قراره على وجه السرعة بناء على طلب أحد الأطراف أو المحكمة التحكيمية، ولا يقبل هذا القرار أي طريق من طرق المراجعة، على أنه يجوز استئناف القرار المشار إليه عندما يعلن فيه الرئيس أن لا محل لتعيين المحكم أو المحكمين لأحد الأسباب المبنية في الفقرة الثالثة من المادة 1444، ويخضع الاستئناف إلى نفس شروط الاستئناف في حالة الاعتراض على الصلاحية والرئيس المختص هو رئيس المحكمة التي حددها العقد التحكيمي، وإلا رئيس المحكمة التي يقع في نطاقها الإجراءات التحكيمية بموجب العقد التحكيمي. وفي حال لم ينص هذا العقد على ذلك فإن الرئيس المختص هو رئيس محكمة مكان إقامة أحد الأطراف المدعي عليهم في طارئ المحاكمة، وإذا كان محل إقامته واقعا خارج فرنسا فتعود الصلاحية الرئيس محكمة إقامة المدعي".
فالنص السابق يظهر أن المشرع الفرنسي أيضاً حرص على تأكيد عنصر السرعة في إيجاد حلول سريعة في حالة حدوث أية عقبات تعترض إجراءات التحكيم في أي مرحلة من مراحله مثل: تعطيل تشكيل المحكمة التحكيمية أو تعيين المحكمين - المادة 1444- أو إذا عين الأطراف عدد وتري من المحكمين - المادة 1454 - أو في حالة امتناع المحكم عن التحكيم - المادة 1463 - في كل هذه الأحوال يكون تدخل رئيس المحكمة، حيث يصدر قراره بالتصرف لحل تلك العقبات ويكون قراره "على وجه السرعة"، كما هو واضح من نص المادة 1427.
وواضح التشابه بين نص المادة (45) من قانون التحكيم المصري والمادة ( 1456 ) من مرسوم 1980/5/14 فيما يتعلق بحرص المشرعين المصري والفرنسي على إنهاء جميع الإجراءات الخاصة بالتحكيم في وقت محدد ووضع حد زمني أقصى لها.
كذلك حرصت نظم التحكيم المؤسسي على إلزام هيئة التحكيم بالفصل في النزاع خلال مدة محددة لا يجوز لها أن تتجاوزها، حيث نصت المادة 18 من نظام تحكيم الغرفة التجارية بباريس من وجوب صدور الحكم خلال ستة أشهر من تاريخ توقيع الوثائق المنصوص عليها في المادة (13) من هذا النظام.
فإذا تحقق عنصر السرعة على الوجه السابق أصبح التحكيم نظاماً مناسباً للعصر الحديث خاصة بعد التقدم الكبير في وسائل الاتصالات والمعاملات بين الدول، والتسابق لجذب الاستثمارات إلى كل دولة، مما أدى إلى كثرة المعاملات بين أطراف ينتمون إلى جنسيات ونظم قانونية مختلفة.