الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / مزايا التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / نسبة أثر اتفاق التحكيم في القانون المصري والمقارن / دور التحكيم في إعادة توازن العقد

  • الاسم

    سحر محمد أحمد دره
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    470
  • رقم الصفحة

    129

التفاصيل طباعة نسخ

دور التحكيم في إعادة توازن العقد

   ففي غياب تنظيم، وبصفة خاصة في حالة عدم الوصول لاتفاق لم تسمح المحكمة لأي من الأطراف أن يلجأ إلى الفسخ بإرادته المنفردة، وقد بنت الهيئة قرارها على أن العقد يحتوي على شرط تحكيم عام يجبر الأطراف على اللجوء إليه في حالة الخلاف، بالإضافة أنه إذا كانت الغالبية الساحقة من قرارات التحكيم لم تقبل بعد نظرية الظروف الطارئة في مجال علاقات التجارة الدولية، إلا أنها قد حاولت مع ذلك التخفيف من موقفها في هذا الشأن، فقررت بعض المبادئ التي من شأنها فتح الباب أمام الأطراف المتفاوضة ليقوموا بأنفسهم بإعادة النظر في العقد وهو الالتزام بإعادة المفاوضات. 

     هذا ويعتبر الالتزام بإعادة التفاوض في حالة تغير الظروف من أهم  ما أعده التحكيم التجاري الدولي من مبادئ في هذا الشأن، ذلك لأنه يسمح للأطراف بإعادة النظر في العقد الذى يثور مسألة النزاع للتفاوض حول الشروط التي يشملها تغير الظروف (عقد التفاوض ) بما يتضمنه ذلك من احتمال حقيقي لملاءمته مع الظروف الجديدة.

  وتطبق قرارات التحكيم هذا المبدأ كلما تغيرت الظروف التي واكبت إبرام العقد، خاصة لو لم تشكل الظروف الجديدة قوة قاهرة بالمعنى الدقيق ففي القضية رقم 2508 طالب المشتري بالتعويض عن عدم تسليم البائع لعملية البترول المتعاقد عليها ، ودفع البائع بارتفاع أسعار البترول في السوق العالمي في الفترة التي تلت إبرام العقد إذا التغير في الظروف الاقتصادية يقتضي حتما ملاءمة العقد، وقد رفضت محكمة التحكيم طلبات البائع الخاصة بملائمة العقد مع الظروف الجديدة، ولكنها قررت مع ذلك أنه كان على المشتري خاصة في ظل التغير في الظروف الاقتصادية أن يستجيب لطلب إعادة المفاوضات، وإذا كان الالتزام بإعادة المفاوضات حسبما صرح بذلك قرار التحكيم رقم ۲۲۹۱ ، أحد الأعراف السائدة في مجال العقود الاقتصادية الدولية، إلا أن أغلب قرارات التحكيم تعتبر الإخلال بهذا الالتزام خرقا لقاعدة ضرورة تنفيذ العقود بحسن نية.

   وبالتالي فإن قرارات التحكيم تحاول من خلال مبدأ إعادة التفاوض أن تقيم نوعا من التوازن بين موقفها المتمثل في التطبيق الصارم لمبدأ قدسية العقد وما تفرضه طبيعة عقود التجارة الدولية طويلة المدة من ضرورة ملائمة هذه العقود وشروطها لتتماشى مع الظروف الجديدة، وربما تزداد الرغبة في إقامة هذا التوازن عن طريق التفويض بالتحكيم بالصلح، ويعتبر التحكيم مع التفويض بالصلح أو التحكيم وفقا للعدالة نظاما قديما من أنظمة التحكيم ولا يختلف هذا النوع من أنواع التحكيم في طبيعته عن التحكيم وفقا للقانون فكلاهما في رأينا يفصل في النزاع على أساس احترام حق الدفاع ويصدر قرارا أو حكما ملزما للأطراف وحائزا لحجية الأمر.

   إذا كان التحكيم بالقانون يبحث فيها المحكم عن حكم وقائع النزاع في مصادر القانون الواجب التطبيق، والذي يبدأ عادة بالقواعد الآمرة ثم شروط العقد إن وجدت، ثم العرف والعادة ، ثم القواعد التشريعية المكملة ثم قواعد العدالة، فإنه في التحكيم بالصلح يتخطى المحكم تلك المصادر السابقة بما فيها حرفية شروط العقد فيما لو قدر أن ما تضمنه من أحكام مقتضيات العدالة في ظروف النزاع المعروض عليه، وألا يعتمد في حكمه إلا على تلك المقتضيات فهو في ذلك له أن يضع حلا فرديا للنزاع المطروح عليه قد لا يطابق الحلول التي توصل إليها أحكام القانون العامة المجردة في شأن المنازعات التي ينتمي إليها بجنسه أو نوعه تمام المطابقة، ويكاد ينحصر الخلاف بين نوعي التحكيم في حدود السلطة المخولة لكل منهما، لا سيما تجاه القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ، في حين يكون لزاما على

المحكم وفقا للقانون أن يفصل في النزاع وفقا لقواعد القانون يكون للمحكم المفوض بالصلح أن يلقى بهذه القواعد جانبا وأن يبني قراره وأحكامه على مبادئ واعتبارات العدالة والتحكيم مع التفويض بالصلح قد أخذت به العديد من التشريعات فالمادة ١٤٧٤ من قانون المرافعات الفرنسي توجب على المحكم أن يفصل في النزاع وفقا لقواعد القانون ما لم يكن الأطراف عهدوا إليه في اتفاق التحكيم بمهمة الفصل في النزاع كمحكم مفوض بالصلح وكذلك نصت المادة ٣٩ من قانون التحكيم المصري رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ على أنه يجوز لهيئة التحكيم إذا اتفق طرفا التحكيم صراحة

على تفويضها بالصلح أن تفصل في موضوع النزاع على مقتضى العدالة والإنصاف دون التقيد بأحكام القانون."

   بالإضافة إلى غرفة التجارة الدولية بباريس حيث تقرر في مادتها رقم ۱۳ " أن للمحكم سلطة الفصل كمحكم مفوض بالصلح، وللمحكم في هذه الحالة أن يتخذ ما يراه مناسبا للموقف، فقد ينتهي إلى بقاء العقد أو إلى تعديل أحكامه أو إلى فسخه إذا دعته الضرورة إلى ذلك.

   ويتجه بعض الفقه للقول بأنه في حالة فشل المفاوضات بسبب لا يرجع إلى إرادة أحد المتعاقدين، فإن الحل المنطقي الذي يجب أن ينطبق في هذه الحالة هو بقاء العقد الأصلي بحالته السابقة على إعادة التفاوض وبنفس النصوص الواردة فيه، ففي حالة غياب الاتفاق بين الأطراف على تعديل العقد يجب أن نقرر من حيث المبدأ أن العقد يبقى مطبقا بكل نصوصه إلا إذا وجد نص يخالف ذلك.

   وعموما فإذا كان ما يميز المحكم المفوض بالصلح هو تيسيير سبيل الوصول للحل الأكثر عدالة في استبعاد قواعد القانون الموضوعي، فهل يعني ذلك أن بمقدوره أيضا طرح شروط العقد أو على الأقل جانبا منها متى كان التطبيق الصارم لها سوف يقود إلى نتائج غير عادلة؟

   لقد أجابت بعض قرارات التحكيم على هذا التساؤل على نحو أعلنت فيه مبدأ قدسية العقد على اعتبار آخر.

    فالحكم كما جاء بقرار التحكيم رقم ۳۹۳۸ يبقى مقيدا بشروط العقد لأن المادة (۱۳) من لائحة غرفة التجارة الدولية تلقى عليه التزاما بأن يأخذ فى اعتباره الاشتراطات العقدية ويستوي في ذلك أن يكون التحكيم وفقا للقانون أو مع التفويض بالصلح، إضافة إلى أن الاعتبارات التي يمكن أن تقود المحكم المفوض بالصلح لتصحيح الخلل الناتج عن التطبيق الصارم لقواعد القانون لا يمكن إعمالها بالنسبة للاشتراطات العقدية على اعتبارات هذه الأخيرة ليست إلا تنظيما خاصا ناتج عن إرادة الأطراف المتفاوضة أنفسهم.

وبالرغم من أن بعض الفقه قد أخذ بهذا الرأى، إلا أن الاتجاه الغالب يميل إلى إعطاء المحكم المفوض بالصلح سلطة أوسع تجاه العقد، بحيث يكون له تعديل بعض شروطه أو التخفيف من حدة النتائج المترتبة على التطبيق الصارم لها مؤكدا بأن شرط إعادة التفاوض يهدف في المقام الأول إلى الحفاظ على العقد ومتابعة العلاقات بين الأطراف، فهو يتجه إلى استبعاد الفسخ بأقصى قدر ممكن.

   فتماشيا مع روح الشرط وتحقيقا للأهداف المرجوة منه يجب القول بأنه في حالة فشل الأطراف سيتم العقد الأصلي في السريان.

    وخلاصة القول أن سلطة المحكم تختلف فهو يتمتع بسلطة تقديرية، فقد يعلن فسخ العقد وقد يقوم بتعديل بعض أحكامه بحيث يرفع الضرر الفادح الذي تعرض له الطرف الذي تأثر التزامه بالأحداث التي وقعت ومن ثم فاللجوء إلى التحكيم يعد الحل الأنسب من وجهة نظرنا في هذه الحالة، مع إعطاء للمحكم الحرية الكاملة في تقدير الإجراء الذي يمكن أن يتخذه 

ولا يشترط في هذه الحالة أن يتفق الأطراف على اللجوء إلى هذه الوسيلة خلال فترة التفاوض، إذ يكفي وجود نص تحكيم عام في العقد يسمح باللجوء إليه.

107