الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / مزايا التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48 / التحكيم ومبدأ Estoppel

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية العدد 47-48
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    223

التفاصيل طباعة نسخ

   من ثوابت المجتمع القانوني الحديث، ومنذ أن إستقرت فكرة القانون، تكرست جملـة مـن المبادئ والقيم نظراً لدورها المحوري في صون إستقراره، فضلاً عن تصويب مسار العلاقات في الداخل والخارج على الوجه الأمثل: ألوفاء، الصدق، ألنزاهة، التناغم، الإخـلاص، الإستقامة، ألتجرد، ألثبات على المواقف والأقوال، حسن النية.

   وتزداد أهمية "الإستوبل" في عالم التحكيم، لأن التحكيم ملازم بصورة خاصة للتجارة الدولية والإستثمارات العابرة للقارات، وإذا تأملنا بدقة في الخارطة الجغرافية القانونية، سندرك، بـدون أدنى شك، أهمية فكرة "عدم التناقض" كحقيقة وضعية ثابتة مـن مـستلزمات الأمـن القـانوني وإستقرار التعامل. فهي لم تكن ولن تكون حبيسة حقبة قانونية معينة أو أسرة قانونية محـددة أو فرع قانوني بذاته، بل "توارثتها" النظم على إمتداد الحقبات التاريخية حتى العـصر الحاضـر2، ويدلل على ذلك الإهتمام المحلي والدولي على السواء على نحو ما تفيده الجولات، بل السجالات الفقهية والتشريعية والقضائية، ولاسيما التحكيمية منها، حيث برزت بـصورتها "الإســتوبلية "...

   وهذا ليس بمستغرب... فهل من المنطق والمقبول أن لا "يترجم" مطلق نظام قانوني تقنيا فنيا في اللغة القانونية واجب الثبات على الأقوال والتصرفات والإنسجام مع الغير والذات وإحترام الوعود وحسن النية في تنفيذ العقود؟ وهل من نظام قانوني لا "يحاسب" من يخون الثقة وينكث العهود؟ أو لا "يصحح" بصورة متلازمة مفاعيل التصرف الشاذ عن منطق المألوف قبل منطق القانون؟

  وكثيرة هي الحالات التي عمد فيها الأشخاص المعنويون العموميون المتعاقدون مع أطراف أجنبية إلى إثارة مسألة عدم أهليتهم للجوء إلى التحكيم، مما دفع الفقه والإجتهاد التحكيمـي إلـى إستعمال عدة وسائل لشل آثار مثل هذا الدفع في إطار التحكيم في العلاقات الدولية.

   ويقترح البعض، لحل هذه الإشكالية، إنطلاقاً من القرارات التحكيمية التي تعرضـت لـهـذا الموضوع الأخذ بفكرة : الـ Estoppel أو المبادئ القريبة منها.

  ويقصد بمبدأ الحيلولة Estoppel منع الشخص من أن يغير أقوالا، سبق أن أدلـى بهـا، أو أفعالا قام بها للإضرار بشخص آخر، بغية الحصول على منفعة خاصة به، وهو إلتـزام بعـدم التناقض، بمعنى أن الشخص إذا أدلى بأقوال معينة وتبين له بعد ذلك أنها في غير صالحه، فـلا يجوز له أن يدلي بأقوال تناقض ما سبق أن أدلى به بإرادته .

   وإنطلاقاً من ذلك عمد المحكمون إلى تبني هذا المبدأ في العديد من القرارات التحكيميـة. ولهذا سوف نعرض للمباحث الآتية:

    المبحث الأول- الإستوبل في التشريعات الإسلامية والعربية.

    ألمبحث الثاني- تكييف مبدأ الحيلولة الـEstoppel.

    ألمبحث الثالث - تطبيق الإجتهاد التحكيمي لمبدأ الـEstoppel.

    ومن ثم الخلاصة.

المبحث الأول- الإستوبل في التشريعات الإسلامية والعربية :

   صحيح أن مصطلح "الإستوبل" أجنبي، ولم يشر إليه لا نصتاً ولا إجتهاداً إلا حـديثاً، إلا أن المعنى القاضي بمنع التناقض في الأقوال والسلوكيات والرجوع عن العهود يكاد يكون مماثلاً في النظم القانونية الإسلامية والعربية، حيث وردت في مطلع مجلة الأحكـام العدليـة عـام 1876 ميلادية – التي تعتبر حدثاً مهماً في تاريخ التشريع في البلاد الإسلامية – مجموعة من المبـادئ العامة القانونية بلغت المائة أطلق عليها "القواعد الكلية"، ومنها ما يتعلق بعـدم التناقض فـي الأقوال والتصرفات، ومنها المادة 100: "من سعى في نقض ما تم من جهتـه فـسـعيـه مـردود عليه"، وحين إستقلت البلاد العربية، وأفردت نظماً خاصة بها تتفق مع الحالة التـي أصـبحت عليها، فكرست قاعدة الصدق في الإلتزام ومنع التناقض في الأقوال والتصرفات، صـراحة فـي متن القوانين الوضعية العربية أو ضمناً عبر الإحالة إلى مبادئ الشرع الإسلامي وسواها مـن مصادر أساسية للقاعدة القانونية، وإن غالبية التشريعات العربية كرست جوهر "الإستوبل" فـي مادة قانونية ضمنتها قوانينها المدنية تارة أو قوانينها في الإثبات بصياغة مطابقة لحد ما لمنطوق المادة 100 من مجلة الأحكام العدلية.

   وفي لبنان، فالمادة 1106 من قانون الموجبات والعقود الـصـادر عـام 1932، كانـت واضحة في إحالتها إلى مجلة الأحكام العدلية، وضمناً المادة 100 منها المتوافقة إلى حد بعيـد ولافت مع مضمون "الإستوبل" فقد نصت على ما يأتي: "ألغيت وتبقى ملغـاة جميـع أحكـام المجلة وغيرها من النصوص الإشتراعية التي تخالف قانون الموجبات والعقود أو لا تتفق مع أحكامه".

   ويفيد هذا الواقع إعترافاً لا لبس فيه بالقاعدة المذكورة... وفيه إحالة واضحة إلـى مجلـة الأحكام العدلية التي تعد جزءاً لا يتجزأ من القانون الوضعي اللبناني  فـي المـسائل التـي لا تتعارض وما يتضمنه القانون المدني اللبناني. ويفيد ذلك إستطراداً إحالة إلى المـادة 100 مـن المجلة لكونها لا تتعارض والقانون اللبناني، بل على خلاف ذلك تكرس مبدأ عاماً أساسياً يـسـاهم في إستقرار المعاملات والروابط القانونية.

    وقد نصت المادة 70 من قانون المعاملات الإماراتي رقم 5 لعام 1985 على ما يأتي:

   "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه". وكذلك نص الفصل 547 من مجلة الإلتزامات والعقود التونسية الصادرة عام 1906 وتعديلاتها على ما يأتي: "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليه إلا إذا أجاز القانون ذلك بوجه صريح".

   أما على الصعيد الفقهي، فلم تحظ فكرة "عدم التناقض" أو مبدأ "الإستوبل" بالإهتمام الكافي.. وكأنه لم يستشعر بعد أهميته وضرورته وفائدته.

المبحث الثاني- تكييف مبدأ الحيلولة الـ Estoppel:

   إزاء الحسنات التي يقدمها هذا المبدأ، أشار الفقه12 إلى أنه يوجد إغراء في التمسك بفكـرة ال Estoppel بوجه الشخص المعنوي العام، كونها تؤدي إلى حماية الطـرف الأجنبـي عنـد الإدعاء ببطلان شرط التحكيم، لأنها تؤدي بالنتيجة إلى إقرار صحة الشرط وإعماله.

   ومن جهته يرى الفقيه Gaillard أن مبدأ عدم التناقض هو واجب يدخل في نطاق القواعـد التي تسود في مجال التجارة الدولية.

   إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أنه للوصول إلى هذه النتيجة، يفترض أن يكون القانون الواجـب التطبيق يعرف هذه المؤسسة، ما يطرح مسألة تكييفها وأثر ذلك في إعمالها.

   فإذا إعتبرت بأنها من المسائل الإجرائية، كما هي الحال في القانون الأميركي، فإنه يكـون بإمكان المحكم إثارتها بسهولة، وخصوصاً عندما يترك له الأطراف الحرية بخـصوص تنظــيم المسائل الإجرائية المتعلقة بالتحكيم، وبالمقابل إذا إعتبرت من المسائل المتعلقة بالموضوع، فإنّ ذلك سيؤدي إلى إخضاعها، إما للقانون الواجب التطبيق على آثار العقد، (قانون العقـد)، وإمـا لقانون مكان الإبرام. وهذا سيؤدي إلى عدم إعمالها، لأنه في أغلب الحالات لن يسمح أي من هذه القوانين بإمكانية التمسك بهذه الفكرة.

  وبالمقابل فإنه يوجد في الفقه، وخصوصاً الإنكليزي، فئة تشكك بإمكانيـة التمسك بفكـرة الـ Estoppel بوجه الشخص المعنوي العام المتمسك بعدم أهليته، مشيرة إلى أنه حتى في إطار التعامل مع الأشخاص المعنوية الخاصة، لا يمكن حرمان هذه الأخيرة الإحتجاج بعدم أهليتها حال قيامها بتصرفات تتجاوز نطاق إختصاصها ultra vives، أي في حال عدم إحترامهـا مبـدأ لا يتعلق بحماية الشركة إنما بحماية المساهمين والدائنين..

   وفي سياق الإنتقادات الموجهة إلى هذه الفكرة يرى البعض أن عدم ملاءمتهـا تكمـن أساساً، وقبل كل شيء، بالفصل بين الشخصية القانونية التي يتمتع بها الجهاز التابع للدولة، وبين الشخصية القانونية للدولة، بمعنى أنه "إذا كان الجهاز مسؤولاً عن الإهمال، أو حتـى عن تصرف مشوب بالتدليس، فإنه يمكن إلزامه بالتعويض. فالمصالح العامة التـي تحميهـا القاعدة القانونية التي تم إنتهاكها، لا يمكن التضحية بها، وبالتالي فإن التصرف يظل مـشوباً بالبطلان".

   في الواقع، لا يمكن التسليم بمثل هذه الوجهة، لأن التصرفات الصادرة عـن الـشخص المعنوي العام التابع للدولة، لا تتعلق فقط بالشخص المعنوي العام ذاته، وإنمـا أيـضاً بالدولـة المنبثق منها، بحيث يعد الشخص المعنوي العام، وإن كان يتمتع بشخصية قانونية مستقلة عنهـا، مثل الدولة. والقول بعكس ذلك، من شأنه إخضاع العقود المبرمة من قبل أشخاص معنويـة عامة، في إطار العلاقات الدولية، لنظام مغاير، لذلك الذي تخضع له العقود المبرمة مـن قبـل الدولة نفسها، والتي استقر الرأيان الفقهي والإجتهادي الدولي والتحكيمـي، علـى عـدم جـواز إحتجاجها، وذلك دون أن يوجد أي سبب مبرر لمثل هذا التمييز.

المبحث الثالث- التطبيقات التحكيمية لمبدأ الـ Estoppel:

   القضاء العدلي كان أكثر حماسة وجرأة، في معالجة السلوكيات المتناقضة بصدد المنازعات التحكيمية وغير التحكيمية على السواء كسبب لإستبعاد، ما يثور خلال الإجراءات، وعلى نحو ما تفيده مجمل القرارات ذات الصلة، مما يؤكد أهمية وضرورة تصويب المسارات التعاقدية حمايـة للروابط القانونية وضماناً لإستقرار التعامل في المجتمع كالدفوع التي تتعلق بحظر اللجـوء إلـى التحكيم من الدولة والأشخاص المعنوية:

   فلقد تعرض لهذا المبدأ، تحكيم Amco:

    الصادر في 25 سبتمبر سنة 1983، ورأت الهيئة "أن لهذا المبدأ العديد من التعاريف، ولـم تستبعد إمكانية تطبيقه على المنازعات ذات الطابع الدولي كالنزاع المعروض عليهـا"، وكانـت المحكمة المنعقدة تحت مظلة المركز الدولي لتسوية منازعات الإستثمار هي أول مـن تعـرض للمبدأ، في شأن ذلك النوع من المنازعات بين الدول والمستثمرين الأجانب، إلا أن محكمة التحكيم الثانية التي عرض عليها النزاع بعد إلغاء حكم ad hoc رأت أن تطبيق المبدأ لـيـس لـه فـائـدة للنزاع المطروح.

وفي القرار رقم 1939 عام 1971:

   وبالرغم من عدم ذكر عبارتي الـ Estoppel والـ venire contra factum proprium لجأ المحكمون إلى إستخلاص مضمونهما، عندما قضوا بأن "النظام العام الدولي يتعارض بشدة مع إمكانية الجهاز التابع للدولة الذي يتعامل مع أشخاص أجنبية، مع علمه وإرادته، شرط التحكيم الذي ولد الثقة في الطرف الأجنبي للمتعاقد معه، وبإمكانيته بالتالي، سواء في إجراء التحكـيم أو في إجراءات التنفيذ أن يتمسك ببطلان التعهد الصادر عنه".

وإن المحكم قد عمد في القضية رقم 2521 عام 1975:

   إلى التساؤل عن المنطق الذي لا يجيز مساءلة المؤسسة العامة التي قبلت شرط التحكيم وفقاً لقاعدة: "venire contra factum proprium"، وخاصة أن مثل هذا التوجه تدعمه المبـادئ العامة للقانون.

   والجدير بالذكر أن القرارات اللاحقة، التي أثيرت فيها مسألة صحة التصرفات الصادرة عن الأشخاص المعنوية العامة، عمدت إلى الأخذ بمبدأ الـEstoppel، للحيلولة دون إعطاء أي أثـر قانوني للإدعاءات الصادرة عن هذه الأشخاص من أجل الإفلات من التحكيم كمؤسسة تم التوافق عليها مسبقاً لحل النزاعات.

   وفي فرنسا أسندت المحاكم في الفترة الأخيرة أكثر من قـرار صـادر عنهـا إلـى مبـدأ الـ Estoppel دون ترجمة هذه العبارة إلى الفرنسية.

   أما المحاكم اللبنانية وعلى نحو ما تفيده مجمل القرارات ذات الصلة الصادرة عن محكمتي التمييز والإستئناف، وإعمال المادة 100 من مجلة الأحكام العدلية تقليدياً... وإعتماد "الإسـتوبل" حديثاً.

  وفي قرار لمحكمة الإستئناف المدنية في بيروت - ألغرفـة الأولـى الـصادر بتـاريخ 2009/10/28، ومما جاء فيه:

   "وقضت محكمة الإستئناف فـي بيـروت – غ 3 – 2007/2/6 – ألعـدل 3/2008- ص 1177 بما يأتي:

   "لا يمكن القول إن المادة 157/تجارة لا تعطى رئيس مجلس الإدارة سلطة إجراء التحكـيم لأنه ليس من الأعمال اليومية، ذلك أن الشركة لا تستطيع أن تتنصل من توقيع رئيس مجلـس إدارتها على عقد التحكيم بحجة عدم تمتعه بالسلطة للقيام بذلك، وذلك عملاً بمبدأ الـ Estoppel الذي يتلاقى مع المبدأ القائل إن "من سعى في نقض ما تم من جهته فسعيه مردود عليـه"، إذ إن حسن النية في التعامل لا يتيح للشركة أن تتذرع بعدم سلطة رئيس مجلس إدارتها للقيام ببعض التصرفات، حيث أن هذا شأن داخلي يبقى محصوراً في علاقة مجلس الإدارة برئيسه ولا يـؤثر في تعامل الغير معها، لأن الشخص الثالث ليس له أن يدقق في مدى صلاحيات رئيس مجلـس الإدارة لتوقيع العقود، مع العلم أن العقد المذكور قد تم العمل به طيلة سـنوات، ممـا يعنـي أن الشركة هي طرف في طرف في التحكيم". .

   أما من وجهة نظرنا وتعقيباً على هذا الحكم، فإننـا نـرى أن هـذا الإجتهـاد يمثـل تطوراً هاماً ونظرة جيدة إلى هذه المسألة بالذات، حيث أن هذه المحكمـة أرسـت قاعـدة هامة قوامها أن اللجوء إلى التحكيم هو من الأمور العادية التـي تـدخل فـي إختـصاص المدير العام في الشركة المساهمة، وأن اللجوء إلى التحكيم هو أمر طبيع طبيعـي فـي القـضايا التجارية.

ولنا أن نلاحظ في هذا الإجتهاد كيف أنه إعتمد على مبدأ حسن النية ونظريـة الظـاهر أو الفكرة القائمة على وجود إعتقاد مشروع يحمل من يتعامل مع شركة مساهمة إلى إعتبار المـدير العام صاحب ولاية في هذا المجال .

    ويبدو أن المحكمة أرادت بهذا النهج تحقيق القول المأثور بأنه "لا يتعين فقط إقامة العدل، بل يجب

أنه يعتقد أنه قد أقيم

". "Not only must Justice be done, it must also be seen to be done".

  وقد يطبق مبدأ الـ Estoppel أيضاً بشأن المنازعات الناشئة عن تنفيذها. ولعـل المثـل النموذجي الذي يعبر عن هذا الفرض هو قضاء التحكيم:

   في قضية Salvador commercial والتي قضي فيها بـأن حكومـة Salvador تعـد farclos بالرجوع في تصريحات ممثليها، والذين قبلوا مسبقاً أن العقد قد يتم تنفيـذه مـن قبـل الشركة المتمتعة بالإمتياز على نحو يتفق مع شروطه.

  والفكرة السالفة نفسها هي التي سيطرت أيضاً على التحكيم الصادر في قضية Shupeledt.

    ولكن في المقابل فقد ذهب جانب من الفقه إلى القول إنه يتعين تحاشي الإستخدام التعسفي والإعمال غير الحذر لهذا المبدأ. فإن الإعمال الآلي لهذا المبدأ، بمجرد ظهـور أي تنـاقض أو تعارض في تصرفات الدولة، قد يؤدي في نهاية المطاف إلى نوع من الظلم الفادح.

   ولهذا السبب بالذات يتعين الأخذ بعين الإعتبار الظروف الإقتصادية والسياسية التي تفـسر مثل هذه المواقف المتناقضة، ولا سيما في ما يتعلق بالدول الآخذة في النمو التي كانت قبلاً دولاً تخضع للسيطرة الإستعمارية. ففي هذه الحالات، فإن تفحص العلاقات السياسية والإقتـصادية والظروف المصاحبة لإبرام هذه العقود، وهي ظروف تحقق فيها للطرف الأجنبي المتعاقـد مـع الدولة، العديد من المزايا، يؤدي إلى عدم إمكانية إعمال مبدأ الــــ Estoppel على نحو صحيح، إلا من خلال الصلة الوثيقة التي تربط بين هذا المبدأ ومبدأ العدالة.

الخلاصة:

   إن مستقبل فكرة "عدم التناقض "يتوقف على "مكانتها" و"موقعها" ومدى تبنيها في المنظومـة القانونية محلياً ودولياً... فهي إنعكاس لما هو مثالي وأخلاقي تبعث روح القيم والمبادئ الفاضـلة مجتمعات سيطرت عليها النظرة النفعية المادية الضيقة، وحيث باتت الفوضى في كل شــــيء هي السمة السائدة: فوضى في الأخلاق، وفي المعاملات، ولهذا فإنه ليس من السهل إغفال فكـرة عدم التناقض الـ Estoppel أو تجاوزها أو غض الطرف عنهـا... فهـي صـميم المساحة المشتركة بين عالم القانون وعالم الأخلاق وعالم الإقتصاد وعـالم الإجتمـاع.. تتـأثر بجديـد المعطيات والميادين والمفاهيم.. تؤثر في ما تفرضه من قيود وضوابط.. تجسد حقيقة القانون وما يجب عليه أن يكون القانون.. تساهم في إمتداد القانون لميادين عجزت أية قاعـد قانونيـة عـن الوصول إليها وضبطها وترشيدها.. وهي مكملة لمبدأ العدالة.. ومقيدة لمبدأ حرية الإرادة ومتممة لمبدأ المشروعية.

 وصفوة القول:

   إن مضمون فكرة الـ Estoppel أو مبدأ الحيلولة يتلخص بـأن العدالـة فـي إجـراءات المحاكمة والتي تحول دون أن يتمادى طرف سيئ النية في التلاعب بإجراءات المحاكمـة وهـو يقوم أساسياً على فكرة حسن النية التي تحرم الإستفادة من التناقضات الذاتية للشخص أو وفقـاً للصياغة الشهيرة لحكم قديم، أن يدعي المرء الشيء ونقيضه في الوقت ذاته، أو يؤكد الأمر مـن جهته، وينكره من جهة أخرى، بمعنى أنه إذا إعتقد شخص بوجود حالة معينة دفعته للتعاقد مع شخص آخر، فإنه لا يجوز لهذا الأخير أن يدعي بوجه معاقده بحالة تخالف الحالة التـى كانت موجودة وقت التعاقد، أو أن يعمد إلى إنكار صحة التصريحات التي قال بها.

  وقد بات واضحاً أن الإجتهاد التحكيمي الحالي بدأ يأخـذ بمبـدأ الـ Estoppel سبب لإستبعاد، ما يثور خلال الإجراءات التحكيمية، وأن هذا المبدأ أخذ يشكل سلاحاً فعالاً ضـد مـا تتمسك به الدول من أعذار، مثل إدعائها ببطلان العقد أو عدم تنفيذ الإلتزامات من قبل الطـرف المتعاقد معها من أجل التحلل من مسؤوليتها، وإنطلاقاً من ذلك فإن مبدأ الإستوبل أخذ يحتل حجماً كبيراً في قيم العدالة والحق.