إتفاق التحكيم عقد رضائي، الفقه الإسلامي في يتفق القانون مع وليس شكلياً يتوقف على شكل معين ولكنه يختلف معه في إثبات الإتفاق على التحكيم يتوقف على كونه مكتوباً نظراً لأهميته وخطورته حيث نصت معظم الأنظمة والقوانين على ذلك منها النظام بالمرسوم الملكي السامي بالرقم (۳۲) و الصادر بتاريخ ١٣٥٠/١/١٥هـ (١٩٣١/٦/١) وقد ألغى المرسوم الملكي رقم م /٤٦ وهو النظام الجديد للتحكيم تلك المواد، وكذلك نص مادته القانون الفرنسي في المادة (١٠٠٥) وقانون المرافعات المصري (٥٠١)، وكذلك الأمر بالنسبة إلى جميع شروطه وبنوده في حين الفقه الإسلامي لا يشترط الكتابة فيه، بل يجوز إثباته بها وبالإتفاق لكل الوسائل المتاحة، لو إشترطت الدولة أو الطرفان أن لا يتم التحكيم إلا مكتوباً فإذن لا يخالف الشريعة التي أمرت بالكتابة . في عصر كانت الكتابة فيه نادرة، فقال تعالى: (فأكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل) بعد أن تناولنا فيما مضى مشروعية التحكيم في الكتاب والسنة وإجماع الأمة تعالج الآن بيان شروط التحكيم إنطلاقاً من أ إتفاق بين الطرفين على تولية طرف ثالث ليفصل في خصومتهما بحكم الشرع، حيث يتضح أن أطراف التحكيم هي:
1- محتكم.
فالمحتكم هو كل من الطرفين المتخاصمين، والحكم أو المحكم حت الشخص الذي إختاره الخصمان ليفصل في خصومتهما، والمحكوم فيه هو الحق موضوع الخصومة، والحكم هو القرار الصادر من الحكم فاصلاً في أن موضوع النزاع.
حيث أنه لا بد من تبيين الشروط المتعلقة بالمحتكم والمحك والمحكوم فيه بمعنى هل يجوز أن يكون كل شخص حكما أم أن هناك صفات معينة يجب ان تتوافر فيه ؟ وهل يصح منحه سلطة الفصل في الموضوع (موضوع النزاع) من كل شخص ام انه لابد من توافر صفات معينة فيه؟ أية خصومة أيا كان موضوعها أم أن هناك وهل يجوز التحكيم في شروط صحته ولزومه ومدى حجيته.
خصومات معينة يجوز فيها التحكيم دون غيرها؟ وما هو يتعلق بالحكم ونظراً لأن أركان العقد معروفة وهي العاقدان والصيغة المعبرة عن العقد. ومحل التحكيم الأمر المتنازع فيه، وعليه سوف نتناول أركان التحكيم تباعاً. الشروط المرتبطة بالأشخاص المحكمين
تمهيد:
الأشخاص المحكمين هم كل من المحكم والمحتكم إليه ولكل شروطه.
الشروط المرتبطة بالمحتكم
يمثل أحد أطراف عقد التحكيم، ويعتبر رضاه المثبت لولاية الحكم النظر النزاع، لذا يجب أن تكون عبارته معتبرة ومؤيدة شرعاً فيجب أن توافر فيه أهلية التصرف، إلى جانب ذلك فإن المحتكم إما أن يكون مدعياً أو مدعى عليه أو محكوم له أو عليه. الأهلية: إن أي إتفاق تحكيمي بشكل عقداً، وإن الرضا فيه لا يكون صحيحاً إلا بشرطين، أن لا يكون مشوياً بعيب وفقاً لما تم ذكره سابقاً وأن يكون صادراً عن أشخاص متمتعين بالأهلية القانونية المطلوبة لكل نوع من انواع العقود" ويشترط في المحتكم البلوغ والعقل وهذا شرط صحة جميع التصرفات فلا يصح تحكيم الصبي غير المميز والمجنون لإنعدام أهلية التصرف عند كل منهما بإنعدام العقل، وإذا أبرم غير المميز أو المجنون عقد التحكيم فإن تصرفه يكون باطلاً، ولا يرتب أثراً)، وإذا حكم المحكم بناءً على تحكيمه لا يصح حكمه لعدم الولاية. وبصح تحكيم الصبي المميز المأذون له صلحه يصح و خصومته وتصرفاته في حدود الإذن، إلا إذا كان تحكيمه يضر بغرمائه فلا بد من رضاهم لنفوذ حكم المحكم في مواجهتهم". وأن المحكم يقتضي يتطلع بالمزايا نفسها التي يقتضي أن تكون للقاضي وأن يداوم على التحلي بها طيلة الدعوى التحكيمية ويقتضي أ يكون القاضي، وبالتالي المحكم وفقاً لأحكام المجلة ذكراً بالغاً، حكيماً، حراً، مسلماً وعادلاً، كما يقتضي أن تكون له الصفات التي تخوله الشهادة، بالتالي لا يمكن أن يعين حكماً كل من المرأة و القاصر والعبد والمسيء والفاسق، ووفقاً للنظرية السائدة، فإنه ليس بالإمكان تعيين غير المسلمين حكاماً، وهذا التوجه مستوحى من الآية القرآنية الكريمة التي تقول (ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلاً) الأمر الذي يعني ؟ أن غير المسلم لا يمكه أن يكون وصياً على مسلم، ويدخل في نطاق ذلك وصاية المحكم على الفرقاء، ووصاية الزوج على زوجته، وهذا التوجه الغالب يعتبر ا أن هذا السبب الذي سمح الإسلام به بزواج مسلم من كتابية دون أن يسمح بزواج مسلمة من کتابی
وعندما يكون المحكم مسلماً يقتضي أن يكون عالماً في الشريعة أو على الأقل له ثقافة إسلامية واسعة وهذا الشرط مفيد لتأمين الصحة والفاعلية للتحكيم، حتى لا يكون القرار التحكيمي مخالفاً للشريعة وللنظام العام الإسلامي ولكنه ليس إلزامياً إذ أن هناك إتجاهاً معاكساً ويرتكز على الآية القرآنية القائلة (وإن خفتم شقاق بينهما فأبعثوا حكماً . أهله وحكماً من أهلها) فهذا الإتجاه يسمح بأن يعهد بالتحكيم إلى محكمين غير مسلمين، حيث يمكن التحكيم في حالة ما إذا كانت الزوجة غير مسلمة، وأن يقع خيارها على محكم غير مسلم، لأنه ليس هناك في النص القرآني الوارد أعلاه أي إستثناء فيما يتعلق بتطبيق هذه القاعدة على غير المسلمين، وبالتالي فإن القرار التحكيمي يصدره في هذه الحالة حكمان مسلم وغير مسلم، وهذه النظرية ترى أنه ليس هناك أي نص يمنع تحكيم غير المسلمين المنتمين إلى دين سماوي كتابي بل هناك نص صريح يجيز لهم ذلك.
وطبقاً لهذه النظرية بخصوص إسلامية الحكم فيما يتعلق بالتحكيم في الخارج أي خارج ديار الإسلام للفرقاء المسلمين المقيمين في الخارج، إذ أن يختاروا محكمين غير مسلمين وهذه النظرية تجيز هذا الإستثناء بالقياس مع الآية القرآنية التي تجيز للمسلم المقيم في الخارج وهو على فراش أن يستعين في وصيته بشاهدين من المسلمين أو من غيرهم، وهذا الإستثناء المعتمد في القرآن الكريم والذي يعتمد على حالة الضرورة الملحة يمكن إعتماده للتحكيم الحاصل في الخارج.
تحكيم الوكيل ذهب الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر إلى أنه يصح تحكيم الوكيل إذا أذن له الموكل لأن الوكالة ولاية قاصرة ومستفادة من الإذن وفي حدوده، فإذا أذن الموكل للوكيل بإجراء التحكيم صح ونفذ حكم الحكم في مواجهة الموكل ولا تكفي الوكالة العامة لإجراء التحكيم بل لا بد من النص على توكيل الموكل بإجراء التحكيم، فإذا إختصم الوكيل بالبيع مع المشتري في عيب في المبيع وكان العيب مما يحلان مثله، فقضى المحكم برده على الوكيل لم يلزم الموكل إلا أن يرضى بالتحكيم كما ذكرنا، ولا يشترط في المُحتكم الإسلام حيث يصح تحكيم الذمي والمعاهد والمستأمن للمسلم ولغير المسلم عند الحنفية الأهلية كل الشهادة عليهم ) تحكيم المرتد عند أبي حنيفة موقوف على إسلامه، فإن مات أو قتل على الردة أو قضى الحاكم بالحاقه بدار الحرب بطل تحكيمه وجميع تصرفاته فإن أسلم صحت جمعيها وقد نقل الحموي في شرح الـ ح الأشباه عن الوالجي قوله: (تصرفات المرتد على أربعة أوجه: نافذ بالإتفاق كقبول الهبة والإستيلاء و تسليم الشفعة والطلاق والحجر على عبده المأذون، وباطل بالإتفاق كالنكاح والذبائح والإرث وموقوف بالإتفاق كالمعارضة مع المسلم، وما إختلفوا في تتوقع كالبيع والشراء والعتق والتدبير والكتابة والوصية و قبض الدين، عند الإمام هذه التصرفات موقوفة إن أسلم نفذ حكمه، وإن قتل أو مات على الردة أو قضى القاضي بالحاقه بدار الحرب بطل، و عندهما ينفذ إلا أن عند أبي يوسف ينفذ كما من الصحيح متى تعتبر تبرعاته من جميع المال وعند محمد تنفذ كما تنفذ من المريض حتى تعتبر من الثلث.
الشروط في المحكم (المحتكم إليه):
هو الشخص الذي يمنحه المتخاصمان حق الفصل في نزاعهما، ويشترط فيه بالإضافة إلى أهلية التعاقد شروطاً خاصة منها ما يتعلق بصلاحيته ومنها ما يرتبط بصحة ولايته.
صلاحية المحتكم إليه: إشترط معظم الفقهاء أن يكون المحكم أهلاً لولاية القضاء، لأن المحكم كالقاضي) وذكر عن بعض الحنابلة أن الصفات الواجب توافرها في القاضي المولى لا تشترط في المحكم أساس هذا القول أن التحكيم من باب الوكالة لا الولاية، والوكيل لا يشترط فيه ما يشترط في القاضي المولى أما الشافعية فاشترطوا فيه ما يشترط في القاضي لتعلق عمله بفعل القاضي كما في أمينة.
البلوغ والعقل: يشترط لصحة حكمه أن يكون بالغاً عاقلاً شأن القاضي المولى إذ بإجتماعهما يتعلق التكليف وعليه لا يصح تحكيم الصبي غير المميز ولا المجنون والمعتوه لعدم التمييز، لأنه لا يمكنهم الحكم بالعدل الذي أوجبه الله سبحانه وتعالى وهؤلاء رفع عنهم التكليف فلا ولاية لأحدهما على نفسه، فأولى به أن لا يكون له على غيره، فإذا حكم الخصمان صبياً أو مختل العقل(9) لا يصح تحكيمه وإذا قضى لا ينفذ حكمه وإن أصاب الحق لعدم تحقق شرطه ولا يكتفى بالعقل المشترط في التكليف بل لابد أن يكون صحيح التمييز جيد الفطنة بعيداً عن الشهوة والغفلة، يتوصل بذكائه إلى حل ما أشكل وفصل ما أعضل وبجانب الشروط التي ذكرناها آنفاً فيشترط أن يكون أهلاً للحكم وقت التحكيم ووقت الحكم بمعنى إذا زالت أهليته أثناء التحكيم زالت عنه صفة المحكم ولا تجوز له متابعة النظر بالتحكيم وإشترط الجمهور أن يكون المحكم معلوماً، قلو حكم الخصمان أول من يدخل المسجد مثلاً لم يجز بالإجماع لما فيه من الجهالة إلا اذا رضوا به بعد العلم فيكون حنيئذ تحكيماً لمعلوم.
العدالة: إختلف العلماء رحمهم الله في رسم حدود صفة الإنسان والعدل، فذهب المالكية والحنابلة إلى أن العدل هو : من لم يرتكب كبيرة ولم يصر على صغيرة وإجتنب ما يخل بمروءة أمثاله وقد أخرج النووي صفة المروعة من العدالة وجعلها منفردة كما فعل الحنفية (٢) وقيل: العدل: من لم تغلب معاصيه على طاعاته وذهب متأخر و الحنفية إلى أن العدالة ليست إلا كون حسنات الرجل أكثر من سيئاته، فرق الفقهاء : بین تحديد الكبيرة وصنفوا بعض المعاصي في الكبائر وبعضها في الصغائر. العدل من لا يظهر عليه الفسق، فمن كان فاسقاً ظاهر الفسق لا يكون عدلاً، جاء به بعض الفقهاء من تعريف للعدالة لأنهم بنوا تعريفهم على جعل الذنوب كبائر وصغائر ولم يتفقوا على حدودها، لذلك فإنه من غير المتفق عليه أن هناك ذنوباً كبيرة، وذنوباً صغيرة، لأن مخالفة أمر الله تعالى ،كبيرة، أما ما جاء في الأحاديث عن ذنوب بأنها كبائر فإن المراد التشديد على النهي عنها، وإلا فإن هناك ذنوباً كشهادة الزور، جاءت النصوص بأنها كبيرة، ولم ترد النصوص بأن قطاع الطرق مرتكبو كبائر، ولم يرد نص على أن الكذب على رسول الله " " من الكبائر، لذلك فإنه لا . حد للكبائر والصغائر ، لذلك كان الأولى في تعريف العدل أن يقال هو من " منزجراً عما يعتبره الناس خروجاً . عن الإستقامة، ومن كانت هذه حاله كان عدلاً، لأنه ممن ، قام في النفوس أنه مستقيم، أما من عرف بالجرأة على الحرام، والمباهاة بالمعصية، وكان غير مبال بها، أو معروفاً بعدم الإستقامة، كان فاسقاً، فالعدل يقابله الفاسق والعدالة يقابلها الفسق .
رأي المذاهب في شرط العدالة:
ذهب المالكية والشافعية والحنابلة والحنفية في رواية، إلى إشتراط العدالة فلا بد أن يكون متولي منصب التحكيم عدلاً ولا يجوز أن يكون فاسقاً، فإن تولى مقاليد التحكيم فاسق أثم ،موليه، وبطلت أحكامه ولا تنفذ لنقصان أهليته والقدح في شخصيته، لعدم تمام عدالته .
وذهب الأحناف في رواية أخرى عنهم أنهم يجيزون تقليد الفاسق ولاية القضاء مع الكراهية وقد حكي عن الأصم من المعتزلة أنه قال: يجوز أن يكون القاضي فاسقاً، لما روي عن النبي " "، أنه قال سيكون بعدي أمراء، يؤخرون الصلاة عن أوقاتها، فصلوها لوقتها وأجعلوا صلاتكم معهم . حسبة ويلاحظ رأي الأحناف في الرواية التي تقول بأنهم يجيزون تقليد الفاسق القضاء مع الكراهة، بأنهم منعوا كل محدود بحد قذف من تولي القضاء فإنهم بذلك يتفقون مع قول الجمهور لأن كل من لا تقبل شهادته لا تجوز ولايته جرياً على قولهم: من تقبل شهادته تجوز ولايته، أما أبوبكر الأصم المعتزلي فإن إبن قدامة قد أسقط أي إعتبار لرأيه، و بعد أ بعد أن أورده أي الأسم : ناقشه بقوله: ولنا قول الله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا) فأمر بالتبين عند قول الفاسق، ولا يجوز أن يكون الحاكم. لا يقبل قوله ويجب التبين عند حكمه ولأن الفاسق لا يجوز أن يكون شاهدان فلئلا يكون قاضياً أو حكماً أولى، فأما الخبر، فأخبر بوقوع كونهم أمراء، لا بمشروعية النزاع، في صحة توليه لا في وجودها) وعليه فإن العدالة شرط لازم في صحة تولية الحكم، فلا يكون الحكم إلا من أهل العدالة، لأن الشرع إشترط العدالة في الشهود وأشهدوا ذوي عدل منكم ومن باب أولى أن يشترط فيمن ينظر في أقوال الشهود، وأحوال الدعوى كلها.
الإجتهاد في علوم الشرع:
وقع الخلاف بین العلماء في ضرورة شرط الإجتهاد في المحكم من
۱- درجة الإجتهاد.
٢- أصل الشرط.
وللعلماء في هذه الجهة قولان:
أن يكون الحكم قد بلغ درجة الإجتهاد المطلق:
القول الأول: ذهب هذا الفريق من العلماء إلى إشتراط أن يكون من يتولى منصب القضاء قد حاز درجة الإجتهاد المطلق بمعنى أن يكون محيطاً بأهلية إستنباط الأحكام من مصادر التشريع وقد تكلم الفقهاء في حدود تحقيق مرتبة الإجتهاد المطلق، وجمعها إبن قدامة في المغني، فقال: (شرط الإجتهاد معرفة ستة أشياء: الكتاب والسنة والإجماع والإختلاف والقياس ولسان العرب ثم فصل القول في بيان المراد فقال: فأما الكتاب: فيحتاج أن يعرف منه عشرة أشياء الخاص والعام، والمطلق والمقيد، والمحكم والمتشابه، والمُجمل والمفسر، والناسخ والمنسوخ في الآيات المتعلقة بالأحكام، وذلك نحو خمسمائة، ولا يلزم معرفة سائر القرآن. أما السنة: فيحتاج إلى معرفة ما يتعلق منها بالأحكام دون سائر الأخبار، من ذكر الجنة والنار، ويحتاج أن يعرف منها ما يعرف من الكتاب، ويزيد معرفة التواتر، والآحاد، والمرسل والمتصل والمسند والمنقطع، والصحيح، والضعيف ويحتاج إلى معرفة ما أجمع عليه وما إختلف عليه ومعرفة القياس وشروطه وأنواعه وكيفية إستنباط الأحكام). أن يكون الحكم عالماً فقيهاً:
القول الثاني: أصحاب هذا القول من العلماء لم يشترط أن يكون القاضي مجتهداً، وإنما لا بد أن يكون عالماً قادراً على إنزال الحكم الشرعي على الواقعة المطروحة في الدعوى القائمة وإلى هذا ذهب بعض العلماء المالكية والشافعية، فقال العلامة الدردي: لا يستحق القضاء شرعاً إلا من كان فقيهاً أي عالماً بالأحكام الشرعية التي ولي القضاء بها، ولو كان مقلداً لمجتهد عند وجود مجتهد مطلق (۲) وليس من شروط الإجتهاد أن يكون مجتهداً في كل المسائل، بل من عرف أدلة مسألة وما يتعلق بها فهو مجتهد فيها، وإن جهل غيرها كمن يعرف "الفرائض" وأصولها، ليس من شروط إجتهاده فيها معرفته بأحكام البيع، ولا بأحكام المعاهدات.
ولذلك ما من إمام إلا وقد توقف في مسائل، وقيل: من يجيب في كل مسألة فهو ،مجنون، وإذا ترك العالم لا أدري صيبت مقالته .
أصل الشرط:
هذا وقد ذهب فريق من العلماء إلى عدم إشتراط العلم أصلاً فلم يشترطوا أن يكون متولي منصب القضاء مجتهداً مطلقاً لا مجتهد مذهب ولا حتى مجتهد مسألة وأجازوا صحة تولي قضاء المقلد، بل والعامي وإلى هذا الحنفية(٤) أما بقية علماء الأمة فقد جعلوا العلم المطلوب أصلاً ذهب جمهور في جواز تولي منصب القضاء وإختلافهم في درجة العلم المطلوب لا يخل بقولهم المستنبط من الشرع عن تولي الجاهل منصب القضاء. والواقع أنه كيف يكون الجاهل الذي لا يعرف في العلم حكماً الناس في الحقوق والدماء والأموال والفروج (۹) فيلاحظ أن الحجج في ذلك جاءت أكثر ضعفاً رأيهم، لأنهم أجازوا ذلك لتوقيف الفصل في من الخصومات على قضائه، وكيف يتصور عقلاً وشرعاً قيام الجاهل بواجبات القضاء فضلاً مخالفة هذا الرأي لنصوص الشرع، فعن بريدة رضي عنه قال: قال رسول الله ": القضاة ثلاثة إثنان في النار وواحد في الجنة
١- رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة.
رجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار. ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار. فالأول هو القاضي الذي يحكم بالشريعة والثاني هو ذاك القاضي
يحكم بالقوانين الوضعية ويترك الحكم بما أنزل الله تعالى، والثالث هو الجاهل العامي، الذي لم يحصل من العلم والإدراك شيئاً والواقع أن تولية عامة، ويحكم قضايا الناس عامة، فإذا لم تقبل منه الشهادة فالقضاء أولى.
الأحناف: إشترطوا البصر والكلام ولم يشترطوا السمع
الشافعية: إشترطوا البصر والنطق والسمع
المالكية: قال في بداية المجتهد: (لا خلاف في مذهب مالك: أن السمع والبصر والكلام، مشترطة في إستمرار ولايته، وليس شرطاً في جواز ولايته، وذلك أن من صفات القاضي في المذهب ما هي شرط في الجواز (فهذا إذا ولي عزل وفسخ جميع ما حكم (به ومنها ما هي شرط في الاستمرار وليست شرطاً في الجواز (فهذا إذا ولي القضاء ،عزل، ونفذ ما حكم به إلا أن يكون جوراً) ومن هذا الجنس عندهم هذه الثلاث صفات) (٤) وقال الدردير: ويجب أن يكون سميعاً بصيراً متكلماً ووجب عزل أعمى أو أصم أو أبكم ولو طرأ عليه بعد توليته، ونفذ حكمه، وإن وقع صواباً، والخلاصة ما كان يجب على الفقهاء الأعلام أن يبحثوا المسألة بقياس القضاء على الشهادة، لأنه قياس مع الفارق، هو واضح، لذلك فهم مطالبون بالدليل الشرعي على ما ذهبوا إليه جميعاً، سواء من قالوا بالجواز ام بعدم الجواز والواقع أنه مع توفر الوسائل البصرية والسمعية الحديثة وتطور المنتجات الطبية في هذا المجال تجعل من إشتراطات القضاة القدامي رحمهم الله ، في غير محلها حيث يمكن أن يكون القاضي غير بصير ويستطيع أن يحكم بفضل تطور وسائل الكتابة العصرية وغيرها (كنظام برايت) من وسائل السمع التي تطورت في الحياة العصرية بشكل مذهل بحيث تجعل من الأعمى والأبكم والأصم قادراً على قيادة دفة التحكيم.
الذكورة
يوجد خلاف كبير بين الفقهاء، ولايزال إلى الآن في مسألة تولية المرأة القضاء أو التحكيم فهل الذكورة شرط في تولي منصب القضاء أو التحكيم؟ بمعنى أنه لا يجوز شرعاً أن تتولى المرأة القضاء والتحكيم فإن وليت أثم موليها ونقض حكمها وإن ولي الذكر جازت تولیته وجرى حكمه؟ آراء الفقهاء في تحكيم المرأة وقضائها:
إختلف الفقهاء المتقدمين في شرط الذكورة وجواز تولية المرأة منصب القضاء وأن تكون حكماً وذهبوا في ذلك إلى ثلاثة أقوال هي:
القول الأول: عدم جواز تولي المرأة منصب القضاء أو التحكيم مطلقاً: -
1)
وإليه ذهب جمهور الفقهاء كالمالكية والشافعية والحنابلة، وزفر من الحفيام. القول الثاني: يجوز تحكيم المرأة في غير الحدود والقصاص وذهب
إليه الحنفية (ماعدا زفر) وابن القاسم من المالكية).
القول الثالث: تجوز ولاية المرأة لمناصب القضاء والتحكيم مطلة وذهب إليه الإمام إبن حزم وابن جرير الطبري وابن القاسم من المالكية ومن المتقدمين العلامة الدكتور يوسف القرضاوي والدكتور إبراهيم عبد عبد الحميد إن الكلام في شرط الذكورة لتولي . الحميد وتقي الدين النبهاني وآخرون من المتاخرين، ويقول الدكتور إبراهيم البسط والإطالة لكثرة اللغط حول هذا الشرط حيث حاول بعض الباحين أن يجعل عدم جواز ولاية المرأة للقضاء شيئاً مجمعاً عليه، زاعما أن خلاف ان حزم فيه واثب على إتفاق الأمة، وأن رأي إبن حزم في نفسه لا ينقض إجمال حتى ولو كان في عصر المجمعين، منصب القضاء، يطلب لأنه ليس من المجتهدين، وإن كلا علم معتبر، فالحق أن الآراء في هذا الموضوع ثلاثة: جواز ولاية المرأة القضاء أو التحكيم وعدم صحة هذه الولاية موضع النزاع
نفي الأمرين (الجواز والصحة بناءً على أن الذكورة شريطة لكل منهما. - إثبات الأمرين بناء على أن الذكورة ليست شريطة لأي منهما. - إثبات الصحة ونفي الجواز بناءً على أن الذكورة شريطة المجوازة دون الصحة.
وأن الذكورة شريطة جواز الصحة أجمع عليها جمهور المالكية والشافعية والحنابلة وزفر من مهور أهل العلم وفيهم الحنفية ومعنى ذلك أن الذي يولى المرأة القضاء، يكون عند هؤلاء أثماً، وتكون ولاية المرأة عندهم باطلة، وقضاؤها غير نافذ ولو فيما تقبل فيه شهادتها. أما المذهب الذي يقول بأن الذكورة ليست شريطة جواز ولا صحة وعليه إبن جرير الطبري، وإبن القاسم من المالكية وإبن حزم الظاهري المحلي ٩/ (٤۲۹ ومعنى هذا أن الذي يولي المرأة القضاء لا يأتم، وتكون ولايتها صحيحة وأحكامها نافذة، لكن فيما تقبل فيه شهادتها، وهذا يتسع عند إبن جرير الطبري وإبن حزم ليشمل كل شيء حتى الدماء والفروج، ويضيق عند إبن القاسم، حتى لا يتجاوز الأموال وما لا يطلع عليه الرجال كولادة وإستهلال مولود وعيب نساء باطن.
أما مذهب الحنفية عدا زفر فعد الذكورة شريطة جواز لاصحة ومعنى ذلك أن الذي يولي المرأة القضاء يأثم ومع ذلك فولايتها صحيحة وقضاؤها نافذ، ولكن هل ذلك في كل شيء أم في غير الحدود والقصاص؟ روايتان، إلا أن الثاني . ظاهر الراوية وعليه فقضاء المرأة في الحدود والقصاص باطل ولو وافق الحق، لأن الحنفية فيها كالجمهور، على أننا قد علمنا أنفاً أن المرأة لو قضت في الحدود والقصاص ثم رفع قضاؤها إلى قاض آخر فأمضاه، رفع إمضاؤه الخلاف، فليس الأحد بعد أنالواقع أننا نذهب إلى قرار جواز تأييدنا تولي المرأة منصب والتحكيم لخلو أدلة جمهور العلماء الذين منعوها منه وذلك من عدة وجوه
حيث خلو السنة من أدلة التحريم من تولي المرأة منصب القضاء، وما زعمه الجمهور من كون قوله " " لن يفلح قوم ولوا أمرهم إمراة) دليل على عدم جواز كون المرأة قاضية فزعم غير مستنبط إستنباطاً شرعياً صحيحاً لأن النص الحادثة بعينها وهو قوم کسری قد ولوا بنت كسرى عليهم في الحكم وهي الإمامة الكبرى وهذا النص خاص بموضوع الحكم وليس عاماً في كل ولايات المرأة فلا محل هنا لقاعدة (العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب)، فالحديث خاص بالحكم أي رئاسة الدولة ولا يشمل القضاء وإستدلال الجمهور بهذا النص إستدلال غير صحيح، وعليه فإن الدعوى تظل خالية من أي نص . من السنة يدل على تحريم تولية المرأة . القضاء وإن قيل: إذا كانت السنة لم تنص على جواز توليتها بدليل أنه لم يثبت عن النبي " " أنه عين إمرأة لقضاء فلو كان ذلك مباحاً لحدث ذلك وصاحب هذا الرأي. هو العلامة إبن قدامة المقدسي وقد نص عليه بقوله (ولهذا لم يول النبي " " إمرأة قضاء ولا ولاية فيما بلغنا)، والواقع أن هذا لا يقال لأن الشرع لم ينص على أن ما كان مباحاً وجب فعله، لم يقل أحد بهذا، بل ولا يجوز أن يقال لأن المباح هو: خطاب الله تعالى المتعلق بأفعال العباد على جهة التخيير، فللدولة الإسلامية أن تعين إمرأة ولها أن لا تعينها في القضاء فترك رسول الله " " لتعيين إمرأة في القضاء لا دلالة فيه على تحريم ذلك، وهناك وجهة نظر أخرى هي أن ولاية القضاء والتحكيم عقد إجارة والأحكام الشرعية المتعلقة بالإجارة أجازت أن يكون الأجير رجلاً وأجازت أن يكون إمرأة قال الله تعالى: (فإن أرضعن لكم فأتوهن أجورهن) والقاضي أجير كباقي الموظفين عينته الدولة ليقوم بعمل حسب الشرع أي ليخبر المتخاصمين بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام وليس معيناً لتنفيذ لأن التنفيذ مهمة جهة أخرى غير القضاء.
أحكام الشرع ولهذا ينطبق على تعريف الإجارة (عقد على منفعة معلومة بعوض) وهذا التعريف لا ينطبق على رئيس الدولة لأنه لم يجر يجر معه تعاقد على منفعة معينة بل جعل له أمر تنفيذ الشرع، فرئيس الدولة الإسلامية ليس أجيراً عند النظام الديمقراطي يجعله الناس متى شاءوا وينهون معه العقد منى أرادوا، وجاز أن يكون القاضي إمرأة لأن القاضي أجير كباقي الموظفين الذين تعينهم الدولة، والإسلام أباح أن يكون الأجير إمرأة، فالمرأة صالحة للتعاقد على القيام بمنصب القضاء شرعاً وإن الفاروق عمر رضي ! عنه وهو رئيس الدولة الإسلامية قد ولى إمرأة للحسبة في إرم السوق وهي الشفاء أم إبن أبي خشيمة الأنصارية والحسبة قضاء إذ هو: الإخبار بالحكم الشرعي على سبيل الإلزام فيما يضر بحق الجماعة ) ولإنعقاد إجماع الصحابة، وإجماع الصحابة دليل شرعي بعد الكتاب والسنة كما يقول الشوكاني: (إجماع الصحابة صحة بلا خلاف) وأن حضور المرأة محافل الرجال في الحياة العامة مباح شرعاً ولا يؤدي ذلك إلى الفتنة، وليس وسيلة إلى الوقوع في الحرام بخلاف الحياة الخاصة فحرام شرعاً.
موقف المشرع السعودي من تولي المرأة منصب التحكيم: ذهب المرسوم الملكي رقم م//:٤٦ في المادة الرابعة إلى أنه يشترط في المحكم أن يكون من ذوي الخبرة، وحسن السيرة والسلوك، كامل الأهلية وإذا تعدد المحكمون وجب أن يكون عددهم وتراً.
فهل هذه المؤهلات الثلاثة هي كل ما يتطلب في المحكم؟ مع الوضع في الذهن الشروط المطلوبة في الشريعة في القاضي كما في المحكم). وفي الواقع وفيما عدا شرطي الذكورة والإسلام يمكن بسهولة الإبقاء بالبقية ضمن متطلبات المادة أعلاه حيث لم يعد للرقيق وجود كما أن الذكاء والتعليم خير عوض لمن فقد أحدى الحواس الثلاثة المذكورة، وأعتقد أن هذه المادة قد إستبعدت عن قصد شرطي الذكورة والإسلام ممهدة بذلك الطريق أمام النساء وغير المسلمين ليصبحوا محكمين في المملكة كلما أمكن ذلك. لقد إستبعدت المرأة من القضاء لنقص أهليتها بسبب الجهل وعدم الخبرة ولم يعد الأمر كذلك حيث أصبح تعليم المرأة وثقافتها كالرجل. واستبعدت غير المسلم لأنه كان حربياً عدواً أو ذمياً محمياً، وما عاد غير المسلمين يقعون ضمن هاتين الفئتين قاطبةً، بل أصبح منهم ! الخلفاء والشركاء في المنافع المشتركة. لقد تبدل مفهوم الدولة والوطن إذ أصبح الرجال والنساء من جميع الأجناس والديانات مواطنون متساوون بموجب . مبدأ المواطنة. وفي المملكة العربية السعودية تجد النساء وغير المسلمين يعملون في ع الحرف والمهن ويتمتعون بأهلية التراخيص المهنية والسجلات التجارية جميع في الحرف والخدمات وهم بهذه الصفة بالفعل أعضاء في الغرفة التجارية. وقد أعطيت النساء وغير المسلمين كل هذه المسئولية والأهلية وذلك يكفي تماماً للإختيار محكما ضمن إطار مجتمعنا وتقاليدنا وأنظمتنا والمادة الرابعة لا تمنع من ذلك.
وقد أقرت اللائحة التنفيذية الجديدة إختيار المرأة كمحكمة، إلا أنها إشترطت أن يكون المحكم مسلماً وفي ذلك تطور تشريعي كبير بالمملكة وأضافت المادة (٢) اللائحة التنفيذية الجديدة على شروط المحكم، أنه إذا من كان فرداً أو رئيساً لهيئة تحكيم فيلزم أن يكون على دراية بالقواعد الشرعية والأنظمة التجارية في المملكة كما نصت اللائحة على أن تكون اللغة هي العربية والجلسات علنية ويرى بعض الخبراء وجوب إستثناء تحكيم الغرف من بعض ذلك كله، وكان النظام دائماً متجاوباً.
ويعد المرسوم الملكي رقم م/ ٤٦ طفرة نوعية لنقل روح التحديث في التشريع التحكيمي لمواجهة متطلبات النمو التجاري والصناعي بالمملكة العربية السعودية، وما هي إلا متابعة للخطوات التحديثية الأخرى السابقة لها مثل دمج غير المسلمين الذين تحتاجهم البنية الإقتصادية والاجتماعية مثلاً كالبناء واللائي يحتاج إليهن لتطعيم الأنظمة الحديثة بالنظريات كإمكانية المسؤولية المحدودة للشركات ومثل القبول بالتحكيم بالخارج في منازعات الإستثمار بالتصديق على إتفاق المركز العالمي لتسوية منازعات الإستثمار بواشنطن في بيئة غير إسلامية وحيث يجوز أن يعين محكم قد يكون إمرأة وغير مسلم معاً، لا شك أن السماح للمرأة السعودية أن تكون محكمة نظاماً يسهم في تطوير تجمعات سيدات الأعمال التجارية والصناعية والإستثمارية
وفي ذلك خطوة جريئة تواكب تطلعات المجتمع السعودي المحافظ. صحة ولاية الحكم: الواقع لا يكفي أن يكون الحكم أهلاً للقضاء وقت التحكيم ووقت الحكم، وإنما يشترط كذلك أن تكون توليته صحيحة وهذا يقتضي هنا بيان التولية الصحيحة من غيرها.
تعليق التحكيم وإضافته للمستقبل ومدى جواز تقييده:
يقصد بالتعليق على شرط ربط حصول أمر بحصول أمر آخر في المستقبل وذلك عكس التنجيز والنفاذ الفوري، والذي فيه العقد يرتب حكمه فور إنعقاده، كقول رجل لآخر إذا قدم فلان فأنت وكيلي، فإنعقاد الوكالة قد ربط بتحقق قدوم شخص آخر.
أما الإضافة إلى المستقبل فهي تأخير حكم التصرف القولي المنشأ إلى زمن مستقبل معينا كقولك أنت وكيلي من أول شهر محرم
وأما التقييد بالشرط، فهو التزام في التصرف القولى لا يستلزمه ذلك الأموال دون الفروج او ان يعينه قاضياً للرجال دون النساء او العقود فول التصرف حال إطلاقه (٥) كتولية الإمام رجلاً قضاء بلدة كذا أو أن يقضي في الفسوخ، ففي هذه الحالة يلتزم القاضي بهذه القيود ولا يصح له أن يقضي النطاق المرسوم له وإلا كان حكمه باطلاً لعدم الصلاحية، فهل اصبح خارج تعليق التحكيم وإضافته وتقييده بالشرط؟
التحكيم عقد اطلاق:
التحكيم هو من عقود الإطلاقات، فهو تولية وتقويض كالوكالة والقضاء، وهذان يجوز تعليقهما على شرط أو إضافتهما إلى المستقبل أو تقييدهما بالشرط فكذلك التحكيم يجوز تعليقه على شرط وإضافته إلى المستقبل، وهذا ما ذهب اليه في فتاوى قاضي خان وقال أبو يوسف إن التحكيم لا يجوز تعليقه بالخطر أو مضافاً إلى المستقبل وعليه الفتوى وإستدل بأن التحكيم عقد من عقود التمليكات، وأن فيه تمليك الولاية وعقود التمليكات لايجوز تعليقها أو إضافتها إلى المستقبل، لما في ذلك من منافاة لما قصده الشارع في عقود التمليك من ترتيب حكمها فور إنعقادها. وأن التحكيم تولية إلا أنه صلح معنى لأنه لا يثبت إلا برضا الخصمين، و إنما يصار اليه لقطع الخصومة والنزاع وليس الصلح إلا ذلك، والصلح لا معلقاً ولا مضافاً وكذلك التحكيم مثله.
أشكال التعليق والإضافة
من أشكاله تعليق التحكيم على شرط كأن يقول المحتكمان لعبد أو ذمي إذا اعتنقت أو أسلمت فأحكم بيننا، أو أن يقولا إذا قدم فلان فأحكم بيننا. وصورة الإضافة كأن يقولا لرجل: أحكم بيننا غداً أو بعد غداً أو أول الشهر القادم وهلم جرا.
تقييد التحكيم وتأقيته:
يجوز تقييد التحكيم بالشرط كالقضاء كأن يقول المحتكمون للحكم أحكم بيننا في العقار دون المنقول أو أحكم بيننا في بلدة كذا وجاء في تبيين الحقائق: ولو حكم بينهما في بلد آخر جاز لأن التحكيم قد حصل مطلقاً فكان له الحكومة في الأماكن كلها أو على أن يسأل فلاناً الفقيه أو أحكم بيننا بما أجمع عليه الفقهاء، فإذا قضى بينهما بعدما سأل الفقيه صح حكمه في الأولى، وإن سأل فقيهاً واحداً ثم قضى صح حكمه في الثانية (١) وهذا إذا كان المحكم غير مجتهد، أما إذا كان المحكم مجتهداً فلا يصح حكمه بخلاف رأيه وقد قال إبن تيمية: وإذا تحاكم إليه إثنان في دعوى يدعبها أحدهما، فصل بينهما بأمر الله ورسوله، وألزم المحكوم عليه بما حكم به وليس له أن يقول: أنت حكمت على القول الذي لا أختاره(٢) ويقول في البحر الرائق: إذا كان التحكيم ليحكم على خلاف مايراه المحكم كان الصحيح عدم نفاذ قضائه (۳) وفي التبصرة: (إذا كان المحكم الإجتهاد مالكياً ولم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك لزم حكمه، وإن خرج عن ذلك لم يلزم إذا كان الخصام بين ، مالكيين لأنهما لم يحكماه علي أن يخرج عن قول مالك وأصحابه وكذلك إن كانا شافعيين أوحنفيين، وحكماه على مثل ذلك كمن يلزمه حكمه إن حكم بينهما بغير ذلك(1) ويجوز تأقيت التحكيم بوقت معين كأن يقول المحتكمون الرجل حكمناك على أن تحكم في مجلسك هذا أو في يومك هذا أو في شهرك هذا، فإذا مضى الوقت المحدود في التحكيم ولم يصدر حكمه، إنتهت ولايته وإذا قضى بعد ذلك حكمه كما لا : حكم القاضي بعد العزل لعدم الولاية.
التعيين:
يعين المُحكّم بإتفاق الفرقاء، ويقتضي عليه أن يقبل المهمة التي عين لها وفقاً لأحكام المجلة، ويقتضي أن المحكم عند اللجوء إلى يعين التحكيم، أي في الإتفاقية التحكيمية التي تعقب نشوء النزاع، وهو الأمر الذي أوجبه لمدة طويلة في بعض القوانين كالقانون الفرنسي وعدد من القوانين العربية المعاصرة، وذلك بهدف تجنب شل العملية التحكيمية وتدخل السلطة القضائية الأمر الذي يشكل معاكسة للهدف المتوخى من التحكيم. وقد أقرت المجلة لكل من المدعي والمدعى عليه، الحق بتعيين محكم من قبله هذا ولم تتطرق الشريعة الإسلامية إلى إمكانية تعيين المحكم من قبل طرف ثالث ويمكننا القول بأنها لم تمنع كما لم تقر مثل هذا التدبير. فاذا إتفق الخصوم على تحكيم رجل ولم يتم تعيينه لا يجوز ذلك إجماعاً للجهالة، مثل أن يتفقا على تحكيم أول من يدخل عليهما أو من يصادفهما في الطريق، فتعيين شخص المحكم عنصر جوهري في التحكيم، وإنما لا يشترط أن يكون المحكم شخصاً يعرفه الطرفان أو من معارفهما فلو عين المتخاصمان شخصاً لا يعرفانه حكماً فهو جائز فيكفي تعيين الحكم