الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم بعد ظهور الإسلام / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 33 / التحكيم والشريعة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 33
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    27

التفاصيل طباعة نسخ

    من الصعب تعريف مفهوم الشريعة. بحسب المعنى الشائع، تشير كلمة شريعة إلى الطريـق المرسوم من الله، إلا أن الدلالة التصورية كانت موضوع جدل. وفقاً لمفهوم واسع، من الممكـن فهم الشريعة بالمعنى الذي يرد في الدين. وينظر إليها في هذه الحالة على أنها، في الوقت عينه، قانون ودين مؤلفة من قواعد قانونية وأخلاقية. يعرف الكاتب التونسي السيد Charfi الـشريعة على أنها "مجموعة قواعد ومبادئ عديدة تعالج كافة مشاكل الحياة في المجتمع". تشير الشريعة بالمعنى الضيق إلى المعيارية أو إلى التنظيم.

   إن وصايا الشريعة مصدرها القرآن وهو كلام الله والسنة والحديث. نشير إلى أنه فـي مـا يتعلق بالسنة توجد مشكلة في التعرف إلى الحديث لأن أجزاء منه هي غير رسمية. يطرح القرآن والسنة مبادئ عامة. يجب إذا تحديد مضمون الشريعة. إن هذه العملية التي يطلق عليهـا اسـم الإجتهاد تسمح للفقهاء المختصين بوضع الحلول من خلال المنطق القياسي الذي يسمى القيـاس. إن القواعد المستخلصة تكون لها بالتالي سلطة قانونية متزايدة إذا ما كانت محل إجماع الفقهـاء المسلمين. إن القيام بالإستنتاج والتفسير هو ما يشكل الفقه. نستطيع إذا القول أن الفقه هو قـراءة الشريعة4. بعبارة أخرى، تمثل الشريعة القواعد المستخلصة من القرآن ومن السنة، قواعد إلهيـة سماوية لا يمكن المس بها، في ما الفقه هو نتاج الفكر الإنساني يمكـن تكييفـه وفـق المكـان والعصر.

    إن الفقه ليس نظاماً متجانساً. عدة مدارس تابعة لفقيه كبير أو لأستاذ معين رأت النـور. إذا ما وضعنا جانبا الفقه الشيعي (المذهب الجعفري والمذهب الإسماعيلي والمذهب الزيدي والمذهب الإباضي)، تم إرساء الفقه السني (بخلاف الشيعي) في القرن الثالث هجري حول أربعة مـذاهب: الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي. إن الإختلافات ضمن كل مذهب من هذه المـذاهب ليـست بقليلة. في الواقع، "إن الفقه الرسمي لكل مذهب لا يجب البحث عنه في مصنفات كبار العلمـاء المؤسسين، ولكن في المؤلفات اللاحقة التي تمثل، وفقا للرأي السائد فـي المـذهب، العـرض الصحيح لتعاليمه الحالية ".

   تبحث هذه المساهمة في تأثير الشريعة على التحكيم. يمكن أن نشير إلى إثنين من المؤثرات: تأثير في الأساس (الجزء الأول) وتأثير إجرائي (الجزء الثاني).

.Iالشريعة والأساس:

   هل يمكن للثنائي التحكيم والشريعة أن يولد مفاجآت؟

   هناك مسألتان للبحث. اختيار الشريعة على أنها القانون المطبق على أساس النـزاع. هـل يجوز إخضاع التحكيم للشريعة؟ إنها مسألة الحقيقة القانونية أو معيارية الشريعة (A). تكمـن المسألة الثانية في معرفة ما إذا كان يجوز للشريعة التدخل عندما يكون التحكيم خاضعاً للقـانون الوضعی لبلد عربی (B) .

A. اختيار الشريعة على أنها القانون المطبق على أساس النزاع:

تطرح المشكلة فـي مجـال التمويـل الإسـلامي. ويشمل ذلـك مجمـوع التقنيــات الماليـة والقانونيـة التـي تــــسمح بتمويـل الـسلع أو الخـدمات، وفقـاً لمقتضيات الشريعة. يستند النظام المالي الإسلامي الى قيم مصدرها إلهي، ويطرح نموذجاً حساساً بالنسبة للمضاربة والفائدة. يحبذ النظام المذكور طرق تمويل مرتبطة بالإقتـصاد الحقيقـي ومتـضمنة مشاركة أصحاب رؤوس المال في الأرباح والخسائر. وهذه التقنيات هي في الأساس المرابحـة والمضاربة والمشاركة والإجارة والصكوك.

   المرابحة هي تقنية تسمح بتجنب القرض مع فائدة. بدلاً من الإستدانة لشراء سـلعة معينـة، يشتري المصرف السلعة نقدا بناء على تعليمات عميله الذي يلتزم في الوقت عينه إعادة شـرائها من المصرف من جديد مقابل ثمن يتضمن هامش ربح المصرفي يدفع لأجل أو عند الإستحقاق. تقنية أخرى مرتبطة بالمرابحة تسمح للعميل بالحصول على تمويل فوري. يجوز لهذا الأخير أن يبيع مباشرة هذه السلعة نقداً أقل وبسعر في السوق، إن أثر هذا المونتاج الذي يسمى تورق هـو بمثابة قرض مالي على أساس الفائدة.

    في المضاربة، يعهد مستثمر برأس مال لمتعهـد، المـضارب، للقيام بعمليـة تجاريـة. إذا كانت العملية مربحة، يسترد المتعهد رأس المـال ويدفع للمستثمر جـزءاً محــداً مـن الأرباح. أما الباقي فيكون لـه كـتعـويـض عـن وقتـه وجهـده فـي حـال فـشل العمليـة التجارية، يتحمل المستثمر المخاطر بالكامـل ولا يخـسر المتعهـد إلا عملـه وخبرتـه التـي وضعها.

   المشاركة هي شكل من أشكال الشراكة أو مشروع مشترك joint-venture، تختلف عـن المضاربة في أن كل الشركاء يستثمرون ويشاركون في الأرباح والخسائر.

   أما بالنسبة للإجارة، فهي عملية تأجير شيء منقول أو غير منقول. يمكن أن تكون مصحوبة بخيار الشراء لصالح المستأجر وتذكرنا هذه العملية بالتأجير الإئتماني.

   أخيراً، الصكوك هي شهادات مالية تمثل حصصاً في ملكية ما تصدرها حكومات أو شركات كبرى. وتختلف عن الأسهم في أنها لا تتعلق بشركة، ولكن بأصول معينة فقط. وتختلـف عـن السندات في أنها تتيح فرصة الحصول على تعويض متغير.

    يشهد النظام المالي الإسلامي في السنوات الأخيرة توسعاً ملحوظاً، وهو بذلك موضوع عدة  نظريات تمثله على أنه جواب عن الأزمة المالية العالمية. إن إدماج النظام المالي الإسلامي هو بالإضافة إلى ذلك مسألة إقتصادية أساسية للبلدان الغربية وغير الإسلامية فـي بحثهـا عـن استثمارات تنسجم مع الشريعة بسبب وفرة السيولة في الشرق الأوسط وفي جنوب شرق آسيا. إن المنافسة بين المراكز المالية لجذب الثروات الإسلامية أصبحت أمراً واقعاً.

   تتضمن بعض عقود التمويل الإسلامي بنود خيار تنطوي على الشريعة. نجد بنـودا حـول القانون المطبق تحيل حصرياً إلى الشريعة، تُلاحظ أيضاً الخيار المخـتلط أو المشترك، وذلـك عندما يكون العقد خاضعا لقانون دولة، غالبا القانون الإنكليـزي شـرط عـدم تعارضـه مـع الشريعة. هناك أيضاً بند إخضاع العقد للأجزاء المشتركة من القانون الوطني الخـاص بكـلا الطرفين clause du tronc commun الذي بموجبه يجب إخضاع العقد للمبادئ العامة للشريعة وللقانون الوطني". تطرح هذه البنود مشكلة معيارية أو الحقيقة القانونية للـشريعة. سـواء تـم اختيار الشريعة على سبيل إصلاحي أو أساسي أو إضافي، تطرح المسألة نفسها: هل يجوز لنـا إخضاع عقد ما للشريعة؟ هل يمكن أن تكون الشريعة القانون المطبق على عقد دولي؟

   تم بحث هذه المسألة في قرار شهير صادر عن محكمة استئناف لندن: Shamil Bank of Bahrain ضد  Beximco Pharmaceuticals Limited and Others. يتعلق الأمر فـي هذه القضية بعقدي مرابحة مبرمين بين مصرف في البحرين وشركة فـي بـنغلادش. يتـضمن العقدان بند اختيار القانون المطبق بالإحالة إلى القانون الإنكليزي والـشريعة. فـصلت محكمـة استئناف لندن القضية مستندة إلى تطبيق اتفاقية روما تاريخ 19 يونيـو 1980 حـول القـانـون المطبق على الموجبات التعاقدية، وقضت أن الشريعة لا تشكل "قانوناً" يمكن للأطراف اختياره في العقد المبرم بينهما، وقررت إخضاع العقد حصراً للقانون الإنكليزي. تم التذرع بثلاثة أسباب لعدم تطبيق الشريعة. في المقام الأول، الشريعة ليست قانوناً وطنياً لبلد ما بالمعنى الذي يرد في اتفاقية روما. وفقاً للقاضي الإنكليزي، توجب هذه الإتفاقية تعيين قانون وطني. في المقام الثاني، لا تُحيل الشريعة إلى مجموعة قوانين معينة ومحددة، ولكن بالأحرى إلى نص تعميمـي وغيـر واضـح ومبهم. في المقام الثالث، يختلف معنى الشريعة وفق المدرسة القانونية والتفسير الذي يعطيه فقيه معين من الفقهاء. تسود الشريعة التناقضات والمغالطات.

    ينتج من ذلك أن تعيين الشريعة على أنها القانون المطبق بشكل رئيسي أو تـصحيحي أو تبعي هو تعيين مجرد من أي أثر أمام القاضي الإنكليزي. لا تشكل الـشريعة قانونـاً يمكـن للأطراف اختياره في عقودهم.

   على صعيد آخر، وافقت ولاية أوكلاهوما على تعديل دستورها لمنع المحاكم العلمانية مـن أخذ الشريعة بعين الإعتبار. في قرار تاريخ 29 نوفمبر 2010، أكدت محكمة المقاطعة أن هـذا التعديل مخالف للبنود المتعلقة بالدين المحددة في الدستور الفدرالي الأميركي. قضت المحكمـة أن الشريعة هي مجردة من الطابع القانوني ولا تشكل قانوناً. وفق القضاة الأميركيين، يتعلـق الأمر بالأحرى بمجموعة تقاليد دينية تختلف باختلاف المسلمين وتشكل بالنسبة لهم مجرد دليـل. أخيراً، وفقاً للمحكمة، إن أي جهد من قبل الدولة لمنع تطبيق الشريعة أو الإحالة إليها يطرح حكماً مشكلة تحديد مضمونها، من شأن هذا التحديد أن يشكل تدخلاً في المعتقدات والمذاهب الدينيـة للغير. صدق هذا القرار إستئنافاً من محكمة الدائرة العاشرة.

   كان الإجتهاد الصادر في قضية Beximco الذي لا يعترف بالحقيقة القانونية أو بمعياريـة الشريعة محل انتقاد. فالإجتهاد المذكور ذهب في اتجاه معاكس لما توقعه الأطراف قانوناً علـى الأرجح بالنسبة لتطبيق النظام المعياري المختار الذي أعمله القاضي تطبيقاً لمبدأ سلطان الإرادة. علاوة على ذلك، بفعل هذا الرفض إن عدم تطابق عقد الأطراف مع الشريعة لا يمكن ترتيب أي جزاء عليه. إن الإجتهاد الصادر في قضية Beximco يتسم أيضاً بالخبث بعض الشيء. فـي الواقع، إن معيارية أعراف التعامل التجاري معترف بها، إلا أن أعراف التعامل التجـاري هـي غير دقيقة أيضاً ومبهمة بقدر الشريعة. أكثر من ذلك، حتى لو كان الأمر يتعلق بقـانـون دينـي صيغ قانون التمويلات الإسلامية وحضر بموجب عمل فقهي على يد فقهاء إسلاميين، وخاصـة من خلال الممارسة العملية المصرفية. وبذلك، من الممكن القول بأن مبادئ الشريعة المطبقة على التمويل الإسلامي تشكل قانوناً إسلامياً lex islamica وهو فرع جديد وخـاص مـن أعـراف التعامل التجاري. وأشرنا أيضاً إلى أن القانون الإنكليزي نفسه هو قانون غير دقيـق. وللقـانون الإنكليزي، على غرار الشريعة، طابعا يستند إلى علم القضايا الضميرية. يذكرنا الإجتهـاد فـي قضية Beximco بالقرارات التي كانت محل انتقاد والصادرة بموجب امتيازات البترول المبرمة بين بلدان الخليج العربي وشركات غربية. أخضعت الإمتيازات لقانوني أبو ظبي وقطـر، إلا أن المحكمين رفضوا تفعيل بنود الخيار بالنسبة للقانون المطبق بغية إخضاعها للقانون الإنكليـزي، لأن القوانين المختارة مستوحاة من الشريعة، ولأنها لا تتضمن قواعد مخصصة ترعى العقود ولا تقدم قانوناً وضعياً بالمعنى العصري .

   مهما يكن، إن أهمية القرار الصادر فـي قـضية Shamil Bank of Bahrain يمكـن حصرها. استبدلت اتفاقية روما 1 لعام 1980 بنظام روما 1 تاريخ 17 يونيو 2008. إن هـذا النظام أقل تشدداً بالنسبة لاختيار قانون لا يتعلق بدولة ما كالشريعة. في الواقع، أشير في الحيثية رقم 13 إلى أن "هذا النظام لا يمنع الأطراف أن يحيلوا في العقد المبرم بينهم إلى قانون لا يتعلق بدولة ما أو باتفاقية دولية"..

    لم يتسن للسلطات الفرنسية في ذلك اليوم فصل مسألة صحة اختيار الشريعة كقانون مطبـق على العقد. إلا أن تقرير لجنة النظام المالي الإسلامي التابعة للجنة القانون المالي لهيئـة التجـار والمصرفيين في باريس يشير إلى تقليد يتجه لقبول قواعد قانون غير وطني في فرنسا. يـشير التقرير إلى أن الحقيقة القانونية أو معيارية الشريعة غير منازع فيهما، وأن القاضـي الفرنسي سيرتب آثاراً بالنسبة لبند القانون المطبق الذي يحيل إلى الشريعة، وذلك إعمالاً لمبـدأ سـلطان الإرادة الذي يأخذ بعده الكامل بفضل اجتهاد فرنسي أكثر تحرراً تجاه تطبيق موارد غير وطنيـة في العقود الدولية18. تشير أخيراً إلى أن الإجتهاد الفرنسي يسير بأتجاه قبول تطبيق قانون التوراة في ما يتعلق بحكم تحكيمي، وذلك إعمالاً لقواعد التحكيم التابعة لغرفة تحكيم الحاخامات .

   إحدى الأسئلة التي طرحت بعد قرار Beximco تكمن في معرفة كيفية ضمان فعالية اختيار الشريعة في العقود الدولية.

   يكمن الحل الأول في وضع مبادئ الشريعة في إطار عقد. بدلاً من الإحالة إلـى الـشريعة بشكل غير واضح وبشكل عام، يمكن للأطراف تفصيل وإدراج المبادئ التي يرغبون في تطبيقها في العقود المبرمة بينهم. يكمن الحل الثاني في الإحالة إلى قانون وطني مستوحى من الشريعة مثل القانون السعودي أو السوداني أو الباكستاني. يدعو الحل الثالث إلى الإحالة إلـى المبـادئ المدونة من قبل المؤسسات المالية الإسلامية. تمت عملية تدوين قواعد الشريعة الماليـة بـشكل خاص من قبل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية (AAOIFI). يمكن لهـذه التدوينات أن تلعب الدور الذي لعبته مبادئ اليونيدروا المتعلقة بعقود التجارة الدولية. إن القواعد المالية التي وضعتها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية يمكن أن تشكل خياراً في عقود التمويل الإسلامي.

   لكن الحل الأمثل لضمان فعالية الإحالة إلى الشريعة، من وجهة نظرنا، يكمن في اللجوء إلى التحكيم. من جهة، على عكس القاضي الوطني، يكون المحكم الدولي مرحباً جداً بالقواعد غيـر الوطنية. من جهة أخرى، إن القاضي الوطني لا يراقب القانون المطبق مـن قبـل المحكـم. إن الإعتراف بحكم تحكيمي وتنفيذه يخضعان فقط لشرط التوافق مع النظام العام.

   علاوة على ذلك، حتى المحاكم الإنكليزية التي لم تعترف بالحقيقة القانونية للشريعة عنـدما كانت تفصل الدعوى حول التمويلات الإسلامية اعترفت بصحة اختيار الشريعة كقـانون مطبـق على عقد تمويل إسلامي في نزاع فصل في إطار تحكيم دولي. وعليه، في قضية Musawi ضد RE International UK Ltd، اعتبر القاضي الإنكليزي أن خيار الشريعة وفقـا للمـذهب الشيعي هو خيار صحيح. في هذه القضية، نشأ النزاع بين شريكين بمناسبة شراء قطعة أرض في منطقة ويمبلي. كان العقد يخضع للشريعة حسب المذهب الشيعي". رفض أحد الشركاء تنفيـذ الحكم التحكيمي الصادر. أخضع النزاع لمحكمة Chancery للقضاء في ما إذا كان المحكم فصل النزاع أم لا. قرر القاضي أنه بحسب القانون العام الإنكليزي common law لا يمكن للقـانون المطبق على عقد إلا أن يكون قانون دولة. إلا أن القاضي الإنكليزي يعترف على سبيل الإستثناء بأن المادة 46(1) من قانون التحكيم لعام 1996، تسمح للأطراف أو لمحكمة التحكيم اختيـار نظام قضائي غير وطني. يؤكد القاضي هذا التفسير، مشيراً إلى التعليق على هذا المقطع من هذه المادة الذي يرد في المؤلف الكلاسيكي لدايسي وموريس الذي يحيل إلى إمكانية اختيـار قواعـد قانون غير وطنية كالمبادئ العامة للقانون التجاري أو أعراف التعامل التجاري. أيضاً، في قضية Sanghi Polysters Ltd (الهند) ضد The International Investor KCFC (الكويت)22، رحب القاضي الإنكليزي بحكم تحكيمي يتعلق بعقد استثناء ينص على شرط حول اختيار القانون المطبق المختلط الذي بموجبه يجب أن يكون العقد "خاضعاً لقوانين إنكلترا إلى الحد الـذي مـن الممكن أن تتعارض فيه هذه القوانين مع الشريعة الإسلامية التي يجب عندها أن تطبق".

   إن خيار التحكيم يضمن فعالية اختيار الشريعة كالقانون المطبق على أسـاس النـزاع. دون شك يمكن للتحكيم أن يكون هو الحل لحاجات التمويل الإسلامي. لهذا السبب، اعتمـدت بعـض مراكز التحكيم قواعد تحكيم مخصصة لهذا التمويل. هذا ما قام به مركز كوالالمبـور الإقليمـي للتحكيم (KLRCA) الذي وضع قواعد تحكيم لحل النزاعات المتعلقة بعقود خاضعة للشريعة. هناك أيضاً اقتراح لتأسيس مركز دبي الدولي للتحكيم الإسلامي المالي Dubai World Islamic Finance Arbitration Center لتسوية النزاعات المالية الخاضعة للشريعة.

   نشير أيضاً إلى نجاح التحكـيم الـديني فـي المملكـة المتحـدة فـي مـسائل العائلـة. تطبــق محكمـة التحكيم الإســلامي (Muslim Arbitration Tribunal (MAT. الشريعة، وغالباً ما تم ذكـر هـذا النمـوذج لإبعـاد الخـوف مـن التحكـيم الـذي يـخـضـع للشريعة

B. هل من الممكن أن يؤدي اختيار قانون وطني إلى تطبيق الشريعة؟

   ما هو أثر الشريعة على القانون الوطني المختار لتطبيقه على موضوع الدعوى في التحكيم؟

   للإجابة عن هذا السؤال، يجب تحديد وضع الشريعة في الأنظمة القضائية للبلدان المـسلمة. يمكن إجراء تمييز بين هذه الأنظمة ووضعها في ثلاث فئات. هناك في المقام الأول القوانين التي لا تؤدي فيها الشريعة أي دور. وهناك في المقام الثاني القوانين التي تخضع للشريعة أو تـهـيمن عليها. وهناك أخيراً القوانين التي يكون فيها تأثير الشريعة غير أكيد أو غير متوقع. يعتمد تـأثير الشريعة في التحكيم على الدور الذي تؤديه بشكل عام في النظام القضائي المعني. في البلدان غير المقيدة بالشريعة، ليس للشريعة أي أثر (a). في البلدان التي تخضع للشريعة، للشريعة تأثير مهم (b). في البلدان حيث العلاقات بين الشريعة والقانون الوضعي غير أكيدة، للشريعة تـأثير غيـر أكيد (c).

   تؤدي الشريعة دوراً في التحكيم بشكل عام من خلال النظام العام، وذلك أمام القاضي الـذي يراقب الحكم. بهذا، في أغلبية البلدان العربية لا تفريق بين نظام عام وطني ونظام عام دولـي. وحدها تونس والجزائر ولبنان تعرف مفهوم النظام العام الدولي". يميل القـضاة العـرب إلـى اعتبار كل قاعدة آمرة كقاعدة من النظام العام يمكن التذرع بها لعرقلة فعالية أحكام التحكـيم. إن مثل هذا الموقف يؤدي إلى الرفض التلقائي للصيغة التنفيذية للأحكام التي تخالف قاعدة آمرة من القانون الوطني. حتى لو كانت بعض هذه الدول موقعة على اتفاقية نيويورك حـول الإعتـراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لعام 1958، تم الإعلان عن أن مفهوم النظام العام هذا لا يخـالف هذه الإتفاقية.

a) القوانين غير المقيدة بالشريعة:

   بالنسبة إلى هذه البلدان، لا تُحيل قوانين التحكيم إلـى الـشريعة. إن الثقافة والممارسـة القانونيتين هما قريبتين من الدول الأوروبية، لا تطرح هذه الفئة أية مشاكل. لا تؤدي الشريعة أي دور في التحكيم، يمكن أن نذكر ضمن هذه الفئة تونس ولبنان والجزائر والمغرب وسوريا. فـي بعض الأحيان هناك بعض التدخلات للشريعة المثيرة للدهشة في مجال القانون المطبق، لكن هذه التدخلات تتعلق بشكل خاص بالأحوال الشخصية التي غالباً ما تكون غير خاضعة للتحكيم.

b) القوانين التي تهيمن عليها الشريعة:

   هناك ثلاثة أمثلة: المملكة العربية السعودية واليمن والسودان التي يمكن أن توضـح هـذه الفئة .

     في المملكة العربية السعودية، إن القانون الأساسي (الدستور) ينص على سيادة الـشريعة. تنص المادة 48 على أن القضاة يطبقون الشريعة والنصوص التي يعتمدها البرلمـان إذا كانـت متوافقة مع القرآن والسنة. إذا يمكن للقضاة السعوديين أن يراقبوا دستورية القوانين واستبعادها إذا كانت غير متوافقة مع الشريعة. السؤال الذي يطرح يكمن في معرفة كيفيـة تحديـد هـذه الشريعة. يأتي الجواب عبر قرار صادر عن المجلس الأعلى للقضاء المصدق من الملك بتـاريخ 1347-3-20. وفق هذا القرار، تطبق المحاكم مذهب الإمام أحمد بن حنبل. إلا أنه يمكن للقضاة أن يعملوا المذاهب الأخرى عندما يؤدي تطبيق المذهب الحنبلي إلى نتائج صارمة أو غير متوافقة مع المصلحة العامة.

   في قانون التحكيم في المملكة العربية السعودية، إن وجود الشريعة أمر جلي. أشــر إلـى الشريعة خمس مرات في القانون السعودي الجديد حول التحكيم الذي صدق بتـاريخ 12 أبريـل 2012. تنص المادة 2 من هذا القانون على ما يأتي: "دون المساس بأحكام الشريعة الإسـلامية وبالإتفاقيات الدولية المبرمة من المملكة، تطبق أحكام قانون التحكيم على التحكيمات التي تجـري وفق قانون التحكيم السعودي". تبقى كل عملية التحكيم خاضعة لشرط عدم مخالفتهـا الـشريعة. تنص المادة 38 على أن القانون الذي اختاره الأطراف أو المحكمين ليكون مطبقاً علـى أسـاس النزاع لا يطبق إذا كانت أحكامه مخالفة للشريعة أو للنظام العام السعودي. المبدأ نفـسه يرعـى الإجراءات. لا يمكن للمحكمين تطبيق قواعد إجراءات اختارها الأطراف أو حددها المحكمون إلا بشرط أن تكون هذه القواعد متوافقة مع الشريعة (المادة 25). ينص القانون أيضاً على أن البنود المتعلقة بعدم احترام النظام العام والشريعة يمكن إثارتها عفواً من قبل قاضي الإبطال. أخيراً، تنص المادة 55 على أنه لا يجوز منح أي حكم تحكيمي الصيغة التنفيذية إذا كان يتعارض مـع " قواعد الشريعة الإسلامية والنظام العام السعودي".

    يخضع التحكيم في هذا البلد للشريعة. تُحرم السعودية بشكل قاطع الفائدة. من الأكيد إذا أن الحكم الذي يقضي بالفائدة لا يتوافق مع النظام العام السعودي. يعتبر الإجتهاد أن قواعد الشريعة هي جزء من النظام العام، وأن الحكم الذي يقضي بالفائدة لا يمكن تنفيذه في السعودية، إن إجتهاد ديوان المظالم، المحكمة المختصة بتنفيذ الأحكام التجارية والإدارية، ثابت حول هذه المسألة. غالباً ما يؤكد الديوان أن "التحكيم لا يكون مقبولا ومسموحاً به إلا بقـدر مـا يـحتـرم الـشريعة ومبادئها العامة .

   غیر أنه لا يجوز تضخيم نطاق الشريعة في هذا البلد. في ما يتعلق بالأسـاس، إن القـانون السعودي هو قانون ليبرالي. فهو يكرس الملكية والمبادرة الفردية واقتصاد السوق. في الحقيقـة يبرز أثر الشريعة في مجال الفائدة. على أي حال، يفضل التنازل عن الفوائد المؤجلة الدفع عندما يكون الحكم الذي سينفذ يلحظ مثل هذه الفوائد. وحتى في هذا المجال، الحالة غير ميؤوس منهـا، لأن هناك حلولاً بديلة أو وقتية من أجل التكيف مع هذا الحظر. في الواقع، إن المـادة 55 مـن القانون السعودي حول التحكيم تكرس التجزئة المقبولة أصلاً من الإجتهاد السعودي مـن خـلال النص على إمكانية منح صيغة تنفيذية جزئية دون ترتيب أي أثر بالنسبة لأجـزاء الحكـم غيـر المتوافقة مع النظام العام ومع الشريعة. يمكن للشريعة أيضاً أن تكون عائقاً بالنسبة لحكم حـول عقد الغرر أو المضاربة الذي من الممكن أن يكون مخالفاً للشريعة كعقد التأمين الإتفاقي. يحـل محل العقد الأخير التأمين الإسلامي أو التكافل المرادف للتأمين المتبادل أو للتعويض بين أفـراد نفس المجموعة. هذا هو الحال أيضاً بالنسبة للعقود المرتبطة بالميسر (المضاربة وألعاب الحـظ) أو بسلعة تعتبر من الحرام (الكحول والملاهي والأفلام الخلاعية ولحوم الخنزير).

 C) القوانين التي يكون تأثير الشريعة عليها غير أكيد أو لا يمكن توقعه:

   يمكن أن نذكر الإمارات العربية المتحدة وموريتانيا وحتى مصر.

    في الإمارات العربية المتحدة ينص الدستور الإتحادي في المادة السابعة منه على أن الشريعة هي المصدر الأساسي للتشريع". وتشير إلى أن الشريعة تشكل المصدر الأساس للقانون، إلا أنها لا تشكل المصدر الوحيد. تنص المادة الأولى من القانون المدني الإماراتي على أن القانون الإسلامي المعترف به في الإمارات العربية المتحدة يتبع أربع مدارس لكنه يقيم بينها تسلسلاً هرميـاً. علـى رأس الهرم توجد مدرسة الإمام المالكي، ثم مدرسة الإمام أحمد بن حنبل. ثم تـأتي فـي الخلفيـة الثانية مدرسة الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة. تعطى الأولوية إذا فـي دبـي لمدرسـة الإمـام المالكي. تنص المادة 3 من القانون المدني للإمارات العربية المتحدة على ما يـأتي: "تعتبـر مـن النظام العام الأحكام المتعلقة بالأحوال الشخصية كالزواج والميراث والنسب والأحكام المتعلقة بنظم الحكم وحرية التجارة وتداول الثروات وقواعد الملكية الفردية وغيرها من القواعد والأسـس التـي يقوم عليها المجتمع، وذلك بما لا يخالف الأحكام القطعية والمبادئ الأساسية للشريعة الإسلامية". أخيراً تنص المادة 27 من نفس القانون على أنه لا يجوز تطبيق أحكام القانون إذا كانـت مخالفـة للشريعة الإسلامية. تنص هذه المادة على أنه "لا يجوز تطبيق أحكام قــانون عينتـه النـصوص السابقة إذا كانت هذه الأحكام تخالف الشريعة الإسلامية أو النظـام الـعـام أو الآداب فـي دولـة الإمارات العربية المتحدة". مستندين إلى هذه النصوص، يعارض القضاة أحياناً قبول أحكام التحكيم باسم الشريعة من خلال التمسك بالنظام العام، وبالتالي، من الممكـن أن تـصطدم بعـض أحكـام التحكيم التي تقضي بالفائدة بصعوبات في مرحلة التنفيذ حتى لو كانت المحكمة الفدرالية والمحكمة العليا في دبي إيجابيتان بشكل عام بالنسبة للفوائد على الأقل عندما تكون منطقية.

    في مصر، إن المادة 2 من الدستور المصري تكرس الشريعة على أنها المصدر الأساسـي للتشريع وذلك منذ العام 1980. صدر حكم ضد جامعة الأزهر قضى بأن تدفع الفوائد المترتبـة علی دین ناتج من عقد أبرمته بموجب المادة 226 من القانون المدني المصري. استأنف عميـد الجامعة وأثار عدم دستورية هذه المادة مدلياً أنها تخالف مبادئ الشريعة الإسلامية مـن خـلال تشريع الفوائد. تجنبت المحكمة الدستورية الرد على هذه المسألة وقضت أن المادة التـي تجعـل الشريعة المصدر الأساسي للقانون تعود للعام 1980، ولا يمكن تطبيقها بمفعول رجعـي علـى القواعد المتعلقة بمعدلات الفوائد النافذة المفعول في مصر منذ العام 1948. لكن المسألة بقيـت دون جواب بالنسبة للقوانين اللاحقة. إن الدستور المصري الجديد لعـام 2014، علـى غـرار الدستور القديم، يجعل من "مبادئ الشريعة" "المصدر الأساسي للتشريع".

   يمكن أن ينتج الأثر المفاجئ للشريعة عن القانون الإقليمي للتحكيم في البلدان العربية. هناك اتفاقيتين إقليميتين يمكن أن تجعلا العلاقة بين التحكيم والشريعة ذات إشكالية حتـى فـي بعـض الدول المحررة قوانينها من أثر الشريعة، واحدة عقدت ضمن إطار جامعة الدول العربية وهـي اتفاقية الرياض تاريخ 6 أبريل 1983، والأخرى اتفاقية مسقط لعام 1996 التي اعتمدها مجلـس التعاون لدول الخليج العربية. في الواقع، تُخضع اتفاقية الرياض الإعتراف وتنفيذ حكم التحكـيم لمطابقته للشريعة (المادة 37 (e)). أيضاً، تنص اتفاقية مسقط في المادة 2 منها على أنه لا يمكن تنفيذ حكم التحكيم إذا كان مخالفاً "للنظام العام أو للشريعة أو لدستور بلد التنفيذ".

   إن هذا القانون الإقليمي يطرح الكثير من الصعوبات. فهو أكثر صرامة من القوانين الوطنية لبعض البلدان. إلا أننا لا نجد في هذه الإتفاقيات الإقليمية القاعدة التي تسمح بالتمسك بنظام التنفيذ الأكثر ملاءمة التي نجدها في اتفاقية نيويورك. من الممكن أن يؤدي ذلك في حال حصول نزاع إلى تطبيق النظام الصارم المنصوص عنه في هذه الإتفاقيات على العلاقات العربيـة - العربيـة حتى لو كانت القاعدة الوطنية أكثر ليبرالية. إن التوافق مع الشريعة الذي هـو سـبب لرفض الإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم يمكن أن يمنع قبول الحكم حتى في البلدان التي لديها تـشريعات ليبرالية وعلمانية كما في تونس.

II. الشريعة وإجراءات التحكيم:

   يمكن للشريعة أن تؤثر على إجراءات التحكيم. يمكن أن يحدث ذلك في البلدان المسلمة (A) وحتى في الخارج (B).

A. في البلدان المسلمة:

   في تحكيم بين طرف سعودي وطرف أوروبي، أراد الطرف الأوروبي تعيين محكمة أمـرأة وغير مسلمة. تمحور السؤال حول معرفة إذا ما كان هذا الخيار متوافقاً مع القانون السعودي. يفرض القانون الجديد شرطين بالنسبة لهذا الموضوع. يجب أن يكون المحكم حائزاً على شهادة في القانون أو في الشريعة (المادة 14 (3)). في حال كانت المحكمة مؤلفة من أكثر من محكم، لا يطبق هذا الشرط إلا على رئيس المحكمة. لا يفرض هذا الشرط أية مشكلة لأن شهادة الشريعة يمكن أن تحل محلها شهادة القانون. تضيف المادة 14 (2) من القانون الجديد وجوب أن يكـون المحكم حسن السيرة، كان القانون القديم يفرض أن يكون المحكم مسلماً. إلا أن البعض يـرى، وعلى الرغم من التعديل أن المادة 14 تنص ضمناً على أن يكون المحكم مسلماً.

   هناك أيضاً مشكلة أخرى تنجم عن المبدأ القائل: لا ولاية لغير المسلم علـى المـسلم لا يستند هذا المبدأ الى نص في القرآن، ولكن على بعض تعاليم الفقهاء التي تمنع غير المـؤمن من أن يكون له ولاية على المؤمن. هناك أخيراً شكوك حـول ولايـة المـرأة علـى الرجـل ولكن هنا أيضاً دون أي أساس في القرآن أو توافق بين المذاهب المختلفة للفقه. وبالتالي، يقبـل المذهب الحنفي ولاية المرأة إلا في القضايا الجزائية، في حين يرفضها المذهب الشافعي بـشكل قاطع.

   هناك مشكلة أخرى في المملكة العربية السعودية تتعلق بالإثبات، طرحت في قضية مـسألة تفسير القاعدة التي لا تقبل شهادة بعض الشهود، "لا تقبل شهادة الأجير لمن استأجره". يمكـن أن نفسر هذه القاعدة بأن العامل لا يمكنه أن يشهد لصالح رب عمله، لأن في الأمر علاقـة تبعيـة. يمكن أيضاً أن نوسع مدى هذه القاعدة من خلال الإشارة إلى من يقدم الخدمات. لا يمكن لمن يقدم الخدمات أن يشهد لصالح المستفيد من الخدمة. يتعلق نطاق القاعدة بالترجمة. إلا أنه من الصعب ترجمة مفاهيم قديمة. تطرح ترجمة قواعد الشريعة غالباً مشاكل إضافية أمام المحاكم التحكيميـة خاصة بغياب محكم واحد على الأقل يجيد اللغة العربية.

B. خارج البلدان الإسلامية:

   طرحت المسألة في المملكة المتحدة، تتعلق المسألة بمعالجة الطـابع الـدينـي فـي اختيـار المحكمين. أبرم رجلا أعمال باكستانيان، السيدان Hashwani Jivraj، ينتميان إلـى الطائفـة الإسماعيلية، وهي طائفة إسلامية تستمد جذورها من المذهب الشيعي، اتفاقاً حول مشروع مشترك joint venture لتشغيل سلسلة من الفنادق. وقع نزاع حول تصفية المشروع المشترك وتوزيـع الأصول. تضمن الإتفاق حول المشروع المشترك بندأ تحكيمياً ينص على إجـراء التحكـيم فـي لندن. يعين كل طرف محكماً عنه والمحكم الثالث يعينه رئيس المجلس الوطني لأغا خـان فـي المملكة المتحدة، وكل المحكمين ، وكل المحكمين هم أعضاء محترمين من الطائفة الإسماعيلية ويجب أن يشغلوا مناصب عالية فيها.

   عين السيد Hashwani كمحكم عنه قاض سابق لدى المحكمة العليا فـي إنكلتـرا الــسير Anthony Colman الذي لم يكن ينتمي إلى الطائفة الإسماعيلية. لجأ الطـرف الآخـر إلـى المحكمة العليا لإصدار قرار بعدم صحة هذا التعيين. صدر حكم المحكمة العليا بتاريخ 26 يونيو 2009 بقبول طلب السيد Jivraj. فالشرط التحكيمي صحيح ويجب أن يكون المحكمون المعينون من الطائفة الإسماعيلية وتم بالتالي إبطال تعيين السير "Colman

   إستأنف السيد Hashwani. بموجب قرار تـاريخ 22 يونيو 2010، أصـدرت محكمـة الإستئناف قراراً قضى بصحة تعيين السير Anthony Colman على الرغم من عـدم كونـه إسماعيلياً41. قضت المحكمة أن الأمر يتعلق بتمييز محظور بموجب قوانين المساواة في العمـل (الـدين والمعتقـد) Employee Equality (Religion and Belief) Regulations التـي ترجمت الأمر التوجيهي للإتحاد الأوروبي 2000/78 CE تاريخ 27 نوفمبر 2000 حـول المساواة في المعاملة في مجال التوظيف والعمل. يحرم القانون الإنكليزي كل تمييـز مباشـر أو غير مباشر مبني على الدين أو المعتقدات. قضت المحكمة أن كل شرط يتعلق بالإنتماء الـديني يدرج في شرط التحكيم هو مجرد من كل أثر. اعتبرت محكمة الإستئناف، من وجهة النظر القائلة بمناهضة التمييز، أن تعريف العمل هو تعريف واسع يمتد إلى تقديم الخدمات ليشمل العمل الذي يتعهد المحكم القيام به شخصياً، على أن يكون الطرف الذي يقوم بتسميته هو رب العمل.

   طرح الأمر أمام المحكمة العليا، بموجب قرار تاريخ 27 يوليو 2011، نقـضت المحكمـة قرار محكمة الإستئناف التي جردت اتفاق التحكيم من كل أثر. يجب أن يكون المحكمـون مـن الطائفة الإسماعيلية. يجب احترام نص الشرط التحكيمي. وفق المحكمة العليا، إن عقد المحكـم لم يكن عقد عمل ولا عقد تدريب مهني. في الواقع، بعد بحث اجتهاد محكمة العدل التابعة للإتحاد الأوروبي حول مفهوم العامل، استنتجت المحكمة أن عقد العمل يفرض علاقة تبعية هرمية، الأمر غير المتوافر في حالة المحكم تجاه الأطراف الذي يفرض عليه قانون التحكـيم لـعـام 1996 أن يتصرف تجاههم بنزاهة وحيادية.

   أشارت المحكمة العليا إلى أن الشرط الطائفي هو شرط جوهري ومشروع ومبرر لتـأليف محكمة التحكيم، حتى لو اعتبرنا أن القانون حول مناهضة التمييز هو القـانون المطبـق، فـإن الإختلاف في التعامل هو مبرر عندما يكون نتيجة شرط مهني أساسي ومحدد (شرط أن يكـون الهدف مشروعاً والشرط متناسباً). في القضية الحاضرة، أشارت المحكمة العليـا إلـى أن هـذه الشروط هي مستوفاة خاصة بالنظر إلى رواج التحكيم ضمن الطائفة الإسماعيلية وإلـى الإرادة التي أعرب عنها الأطراف بوضوح والتي يجب احترامها طبقاً لقـانون التحكـيم لعـام 1996. للأطراف الحق في إسناد النزاع القائم بينهم إلى أعضاء من طائفتهم يحوزون على ثقتهم .

    إذا كان ما من شيء يمنع الأطراف من اختيار محكم وفق معيار ديني، يمكن أن نتساءل ما إذا كان القاضي الوطني، وبالأخص القاضي المساند، يجب أن يحترم المعيار الديني في اختيـار المحكمين. إن مبادئ العلمانية وعدم التمييز بسبب الدين التي تشكل جزءاً من النظام العام الدولي في فرنسا، يمكن أن تجعل المعيار الديني غير فعال .

  طرحت المشكلة أمام محاكم تكــساس فـي الولايات المتحـدة الأميركيـة فـي قـضية Re Aramco Services Co45. نص شرط التحكيم على وجوب تسوية النزاع من قبـل ثلاثـة محكمين يحملون الجنسية السعودية أو ينتمون إلى الديانة الإسلامية. سمى القاضي فـي تكـسـاس محكماً مسلماً ومحكمين غير مسلمين. في مرحلة الإستئناف، لم تبحث محكمة الإستئناف الطـابع التمييزي للشرط الديني، مشيرة إلى أن الأطراف أولوا المحاكم السعودية الإختـصاص لتعيـين المحكمين. أكد الفقه أن مثل هذا الشرط يصطدم بالتعديل الأول للدستور الأميركي حـول حريـة ممارسة المعتقد الديني ومبدأ عدم التمييز46. علاوة على ذك، لا يعود للقاضي تحديد من هو مسلم ومن هو غير مسلم. وعليه، قضت محكمة في نيويورك أن القاضي لم يكن مخولاً التعرف إلـى يهودي أرثوذكسي لتأليف محكمة التحكيم. مثل هذه المهمة تخالف الدستور الأميركي الذي يمنع القضاة من التدخل في الأمور الدينية. إلا أن القاضي نفسه أعطى الأطراف الحق في أن يكونـوا أحراراً باختيار محكم وفقاً لمعيار ديني. قضى في حكمه أنه "على الرغم من أن الـنـص الـذي يشترط محكمين أرثوذكس هو نص غير قابل للتطبيق، إن الأطراف هـم أحـرار ف أحـرار فـي اختيـار محكمين يتوافر فيهم، بحسب رأيهم، الشرط الديني".