التحكيم / التحكيم عند العرب قبل الإسلام / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / المركز القانوني للمحكم في التحكيم التجاري الدولي / شروط المحكم عند العرب قبل الإسلام
هي الصفات التي يجب أن يتمتع بها المحكم حتى يكون ذلك دافعا لأطراف الخصومة لاختياره ليقوم بالفصل في خصوماتهم، والوصول بها إلى حل يرضي الطرفين المتنازعين، والمحكم لم يكن موظفا عاما يتبع سلطة الدولة، وبالتالي فإنه لا يوجد قوانين أو لوائح تحدد شروطه أو صلاحياته، وإنما هو فرد عادي من أفراد المجتمع توافرت لديه صفات وقدرات معينة جعلت منه مؤهلا للفصل في الخصومات التي قد تثور بين الناس، ومن خلال تلك القدرات و الصفات التي تحلى بها ذلك المحكم جعلت من أفراد المجتمع تقتنع به وتعرض علیه نزاعاتهم، نتيجة لرغبتهم في تلك الصفات والخلال التي يتمتع بها ذلك المحكم، وإن هذه الشروط والصفات والخلال التي لا بد من توافرها فيمن يتولى مهمة التحكيم، وقد ورد ذكرها في كتابات المؤرخين، هذا وقد أجمل اليعقوبي تلك الشروط والخلال والصفات في قوله: إن العرب كانوا يحكمون ذا الشرف والصدق والأمانة والرئاسة والمجد والسن والتجربة .
. وتتمثل الشروط الواجب توافرها في المحكم في الآتي: -
الشرط الأول: أن يكون المحكم منصفة ومعروفة بالذكاء والدهاء والفطنة وحسن الفهم والإدراك وسرعة البديهة، وذا قدرة على الاستنباط من الوقائع المعروضة لديه وفهم بواطن الأمور، ومن الضرورة توافرها فيمن يتولى منصب الحكم وإصدار الأحكام، وإن تلك الصفات والخلال التي امتاز بها القرد هي التي جعلت المجتمع يختاره دون سواه ليقوم بالفصل في خصوماتهم، ولذلك كان المحكم عند العرب قبل الإسلام حكيما بصيرا في حكمه، وأن أقواله وأفعاله تعتبر أمثالا يحتذي بها ويتم العمل بها والاستناد إليها في وقائع مماثلة للوقائع التي أصدر فيها أحكامه.
الشرط الثاني: أن يكون المحكم ملما بعادات وأعراف وتقاليد القبائل، ويعتبر هذا الشرط بمثابة شرط العلم الذي تشترطه القوانين الوضعية المعاصرة فيمن يسند إليه عمل القضاء، لأنه لم يكن للعرب قبل الإسلام أنظمة وقوانين يتم الرجوع إليها في حل القضايا والمنازعات التي كانت تجري فيما بين أفراد المجتمع العربي القديم، وإنما كان المرجع لحل قضاياها هي ما جرت عليه التقاليد والأعراف والعادات القبلية والعشائرية التي توارثوها عن أبائهم وأجدادهم وتم العمل بها جيلا بعد جيل، ويعتبر هذا الشرط من أهم الشروط التي لا بد وأن تتوافر في المحكم، ولذلك فكان يتولى منصب المحكم من برزوا في مجتمعاتهم وأظهروا مقدرة فائقة في فهم طبائع قومهم وأعرافهم وتقاليدهم وعاداتهم .
الشرط الثالث: أن يكون المحكم ممن شهد له الكافة بالصدق والأمانة والشرف .
والعدل والإنصاف ومن أهل المجد، وإن هذه الصفات والخلال الطيبة الرائعة التي يجب أن يتحلى به المحكم ويتصف بها كانت عند العرب قبل الإسلام مدعاة للتفاخر والتباهي، وتعتز بها وتعدها من محاسن الرجال، لذلك اشترط توافرها في من يولونه الفصل في خصوماتهم، حتى تكون أحكامه محل ثقة الجميع ولا تكون فيها أدنى شك، ومما يدل على أن العرب قبل الإسلام، كانت : تفتخر بأن بني قومهم إذا حكموا بين الناس كانوا يعدلون.
ومن الشروط الواجب توافرها فيمن يختار حكما لدى عشائر العراق:
1- أن يكون لدى المحكم إحاطة بمختلف الفروض والأحكام العرفية، وأن يتمتع بذكاء وفطنة وحسن الإدراك والفهم، وأن يذيع صيته عند أكثر القبائل المنتشرة بطول الجزيرة العربية وغيرها من القبائل العربية.
2- أن يتمتع بالحياد وعدم التحيز في كل حكم يصدره من الأحكام بين القبائل.
وإن شرط الذكورة عند العرب قبل الإسلام لم يكن شرطا أساسيا في المحكم، فيجوز تحكيم المرأة عندهم رغم أنه في الغالب الأعم يكون المحكم ذكرا، ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية قبل ظهور الإسلام كانوا يتحاكمون إلي النساء، طالما أن حكمهن على أساس من العدالة والحق والإنصاف، فهم يرضون ويقبلون بالحكم الصادر من هؤلاء النسوة، فلا توجد تفرقة في اختيار المحكم فقد يكون المحكمون من الرجال أو من النساء. فالعبرة بتوافر الخصال والصفات التي تدل على حسن الأخلاق والدهاء والذكاء والفطنة والمعرفة بالعادات والأعراف والتقاليد القبلية.
شروط المحكم في النظام القبلي اليمني:
فالمحكم في النظام القبلي هو ذلك الشخص الذي يتم اختياره من قبل الخصوم ليقوم بالفصل في الخلافات الواقعة بين أفراد القبيلة، فهو الذي تقع على عاتقه مسئولية تطبيق وفرض القواعد القبلية والعادات والأعراف والتقاليد المتوارثة، وللمحكم القبلي الحق في استنباط أحكام وقواعد جديدة من خلال القضايا التي تعرض عليه ومن ثم يصدر فيها أحكامه، وعلى أفراد القبيلة أن يقبلوا بتلك القواعد والأحكام ويطبقونها طالما وكانت موافقة المبادئ الأخلاق وكانت في الصالح العام للقبيلة، ولذلك فإنه يشترط في المحكم في النظام القبلي أن تتوافر صفات وخصال معينة فيمن يولى مهمة التحكيم..
ومن أهم تلك الصفات المتعلقة بشخص المحكم:
1- أن يكون نافذ البصيرة وسريع البديهة ذكيا فطنا لما يدور حوله يعرف خفايا وبواطن الأمور بمجرد الاطلاع والسماع لأطراف الخصومة.
2- أن يكون مما اشتهر في قبيلته بحسن السمعة والشرف والمروءة.
3- يجب أن تكون لدى المحكم القبلي الدراية الكاملة بأنساب القبائل وبالتحالفات
التي تحصل فيما بين القبائل وكذلك الإلمام بالاتفاقيات والمعاهدات القبلية، وكذلك العلم بتواريخ وقوع المنازعات، والغارات لذلك لا بد وأن يكون ذات مقدرة عقلية عالية لديه حافظة وذاكرة جيدة، والنظام القبلي لا يجيز تولية المرأة للفصل في الخصومات، لأن المرأة عندهم لا تجوز شهادتها، ولا يشترط فيمن يتولى مهمة التحكيم أن يكون ممن يجيدون القراءة والكتابة، فيجوز أن يكون المحكم في النظام القبلي أمياً. .
لذلك نخلص إلى نتيجة حول الشروط الواجب توافرها في المحكم عند العرب قبل الإسلام أنها تتركز في وجوب أن يتصف المحكم بالصفات التي تدل على مكارم الأخلاق من كرم وشجاعة ومروءة وسرعة النجدة للملهوف والتحلي بالصدق والأمانة والشرف، وأن يكون من ذوي النخوة والعصبية في الحق، وأن يكون ممن يتصفون بالدهاء والذكاء والفطنة وحسن الفهم والإدراك لبواطن وخفايا الأمور، وأن يكون ذا معرفة بأنساب القبائل وأعرافهم وتقاليدهم ومعاهداتهم وأحلافهم ولديه المعرفة بالتواريخ التي حدثت فيها نزاعاتهم، وأن يلم بالأحكام السابقة التي فصلت في خصوماتهم السابقة، وبالتالي من يتحلى بتلك الخصال فإن أحكامه التي يصدرها لابد وأن تكون وفقا لمبادئ العدالة والإنصاف، ولا يمكن أن يجور في أحكامه.