الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم في الشريعة الإسلامية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / التحكيم في الشريعة الإسلامية / مناقشة رأى الخوارج

  • الاسم

    إسماعيل محمد الأسطل
  • تاريخ النشر

    1986-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة القاهرة
  • عدد الصفحات

    320
  • رقم الصفحة

    71

التفاصيل طباعة نسخ

مناقشة رأى الخوارج

أولا - موقف الفرق الاسلامية من التحكيم بين علي ومعاوية رأي أهل السنة

يرى أهل السنة أن ما وقع من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يجب أن يحمل على محمل حسن ، وألا يساء الظن بهم ، وأن ما وقع منهم من قول أو فعل انما صدر عن اجتهاد ، كل مجتهد مصيب عند القائلين بأن حكم الله في موضع الاجتهاد هو ما توصل اليه المجتهد ، ومصیب فيما كلف به يبذل الجهد لمعرفة الحكم عند القائلين بأن الحق عند الله واحد والمصيب واحد دون تعيين ، وكلاهما مأجور على اجتهاد ، والمصيب زيادة على أصابته ، وأن عليا رضي الله عنه تعين تصويبة للآثار الواردة في حقه .

 

ويقول ابن حزم : « ما حكم علي رضي الله عنه رجلا في الدين ، وحاشاه من ذلك - وإنما حكم كلام الله عز وجل كما افترضه عليه ، وإنما اتفقت القوم كانهم اذ رفعت المصاحف على أسنة الرماح ، وتدعوا الى ما فيها على الحكم بما أنزل الله عز وجل في القرآن ، وهذا هو الحق الذي لا يحل غيره .

رأي المعتزلة 

ذهب المعتزلة الى تصويب علي رضي الله عنه في قتاله مع معاوية وتحكيمه الحكمين ، ووجه ذلك ، أن عليا رضي الله عنه قد ثبتت صحة ولايته بالاجماع ، وأن عليه باعتباره خليفة المؤمنين حراسة الدين وسياسة الدنيا ، وأن ترك معاوية فيه ضرر على كلا الأمرين معا ، فان تركه يورث وهنا في الدين ، ويؤدي إلى ذهاب الأمامة ، وما يتعلق بها من السياسة ، فوجب عليه دفع هذا الضرر بالنصح والإرشاد ان أمكن والا فبالقتال .

ولما لم يجب معاوية الى ما دعاه اليه أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من الدخول تحت امرته ، وجب عليه قتاله فكان مصيبا فيما ذهب اليه .

وكلما أصاب علي رضي الله عنه في قتال معاوية ، أصاب في تحكيمه الحكمين ، لأن أهل الشام ، رفعوا المصاحف طالبين الاحتكام اليها ، وقع النزاع والاختلاف بين أهل العراق ، بين مطالب باجابة القوم وهم يومئذ قليل ، وبين مطالب بمناجزة القتال وهم قلة ، وهذا أورث فرقة وضعفاً وفساداً بين اتباعه رضي الله عنه فكان عليه أن يبذل جهده في ازالة هذا الضرر .

 رأي الشيعة :

منصب الامامة عند الشيعة منصب الهي كالنبوة الا أن الأمام لا يوحى اليه , فكما أن الله سبحانه وتعالى يختار من عباده ما يشاء النبوة ويؤيده بالمعجزات ، كذا يختار لمنصب الامامة من يشاء ، ويأمر نبيه بأن ينص

عليه ، ومن كانت هذه منزلته فقد ثبتت عصمته من الخطأ۰

فالشيعة على اختلاف فرقهم يجمعهم ثبوت عصمة الأنبياء والأئمة وجوبا عن الكبائر والصغائر . 

فالشيعة لايصوبون عليا فقط بل يصوبون جميع الأئمة ولا يجوبون عليا في التحكيم فقط بل في سائر الأفعال ، وان عصمته وتنزيهه عن الخطأ واجب ، شأنه شأن الأنبياء والمرسلين ، فهو مصيب في قتاله معاوية وتحكيمه الحكمين .

 

ورأى الخوارج في انكارهم التحكيم على علي رضي الله عنه لا يخرج عن أحد احتمالين : أما أنهم لا يرون التحكيم أصلا ، أي أن مطعنهم في أصل التحكيم ، وعليه فإن مجرد قبول على رضي الله عنه التحكيم يعتبر خطأ منه يبيح لهم الخروج عليه والتحلل من بيعته . والثاني أنهم يجيزون التحكيم ولكنه لم يقع على وجهه المطلوب شرعا ، بأن يكون قد وقع فيما لا يصح فيه التحكيم ، أو لعدم صلاحية الحكمين أي لعدم تحقق صفته .

مدى جواز التحكيم عند الخوارج وأثره على الخلافة :

قلنا أن الاحتمال الأول لأنكار الخوارج التحكيم على أمير المؤمنين أنهم لا يرون التحكيم أصلا، وأن عليا قد أذنب بارتكابه المحظور مما جعلهم في حل من بيعته ، فهل هذا الاحتمال قائم ؟

الذي يظهر من مناقشة الخوارج لعلي وابن عباس رضي الله عنهما أنهم لا ينكرون التحكيم أصلا ، وأنهم يعتبرونه وسيلة وطريفا جائزا لفض الخصومات ، وانما قصروه على ما ورد به النص.

يظهر من مناقشاتهم هذه وبوضوح، أن التحكيم قد وقع في غير محله أي أنه وقع فيما لا يجوز فيه التحكيم ، فلا يجوز التحكيم في أمر معاوية وحزبه فقد قضى الله فيهم بأمر ما كان لأحد أن ينخر فيه - بأن يقاتلوا حتى يفيئوا الى أمر الله ويدخلوا تحت ولاية أمير المؤمنين على رضي الله عنه . 

وهذا القول منقوض من وجهين : أن حكم الله الذي لا يجب التوقف فيه كحد الزنا وحد السرقة ، لا يحكم الوقائع بنفسه ، بل لا بد للرجال من النطق به ، وان كان عملهم لا يتعدى التثبت من حدوث واقعة السرقة أو الزنا ومدى توافر شروط تطبيق الحد على الجاني ،

والوجه الثاني : أن رسول الله ان بعد أن نزل عليه الروح الأمين مشيرا الى وجوب قنال بني قريظة ، وبعد أن نزلت على حكمه جان ، جعل الحكم فيهم لسعد م فحكم وأصاب حكم الله فيهم ، ولقد حكم أهل الشورى عبد الرحمن بن عوف في أعظم الولايات وأعلاها ، في الامامة ، بمحضر من الصحابة ولم يعرف له مخالف ، اذن فلا سبيل إلى قصر التحكيم على ما ورد به النص كما في الشقاق بين الزوجين وجزاء الصيد ، ثم انه لا أثر للتحكيم اذا ما وقع في غير محله على الخلافة اذا ما انعقدت صحيحة فقضاء القاضى خارج نطاق ولايته ، لا يبطل ولايته اذا انعقدت صحيحة وانما يبطل قضاؤه ، والوكيل اذا تصرف خارج نطاق وكالته لا أثر لفعله هذا على أصل الوكالة . 

صلاحية الحكمين وأثرها على خلافة علي رضي الله عنه :

يرى الخوارج أن بيعة على رضى الله عنه قد انعقدت بيعة صحيحة وكل من امتنع عن بيعته فقد ارتكب جريمة العصيان والبغي ، وهذه كبيرة ومرتكبها كافر ، وعلى رضي الله عنه حكم عمرو بن العاص وهو على هذه الصفة و الحق سبحانه وتعالى يقول : ( ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا » . وعلى بتحكيمه عمرو قد جعل لهم سبيلا ، فيكون ذلك منه مخالفة الحكم الله وكبيرة توجب كفره والتحلل من بيعته .

وهذا القول مردود من وجوه : الأول : أن الحق سبحانه وتعالى سماهم بغاة ولم يسمهم كفاراً فقال جل شأنه :- فان بغت أحدهما على الأخرى )) ، والثاني أن رسول الله جل قد أخبرنا بأنهم مسلمون وليسوا كافرين و فقد ورد عنه حين انه قال عن الحسن بن على رضي الله عنهما : « ان ابني هذا سيد ولعل الله يصلح به بين طائفتين مسلمتين » .

 

ثم ان انكارهم التحكيم لعدم صلاحية الحكمين ، يقتضي أنهم يرون جواز التحكيم أصلا ، ولكن الخطأ قد وقع في صفة من صفاته ، هذا بالاضافة إلى أن ما قالوه من تكفيرهم أهل الشام لا يستند على دليل وانما هو قول رجال واذا ردوا قول الرجال واجتهاداتهم فأولى أن يرد قولهم ، فشتان بين رجال لهم قدم صدق في الاسلام ، وبين رجال أولهم ذو الخويصرة وشارتهم ذو الثدية .