الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم في الشريعة الإسلامية / المجلات العلمية / المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 29 /  التحكيم في القانون الاسلامي

  • الاسم

    المجلة اللبنانية للتحكيم العربي والدولي العدد 29
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    32

التفاصيل طباعة نسخ

 التحكيم في القانون الاسلامي

مقدمة

و كان التحكيم ولا يزال وسيلة مقبولة لتسوية المنازعات التجارية المحلية والدولية. وازدادت أهميته في الوقت الحاضر وخاصة في إطار العلاقات التجارية الدولية، بحيث يندر أن نجد عقدة مالية لا يتضمن شرط الإحالة للتحكيم في حال نشوب خلاف بين طرفي العقد. وما يعنينا هنا التحكيم الاختياري الذي يتم باتفاق الأطراف. ويثور التساؤل في هذا المقام عن موقف الشريعة الإسلامية بما في ذلك الفقه الإسلامي من التحكيم بهذا المفهوم، وهو ما سنحاول الإجابة عليه باختصار في ورقة العمل هذه.

 أولا: القرآن الكريم والتحكيم

وردت عدة آيات قرآنية حول الوفاء بالتعهدات عموما بما في ذلك العقود، وآيات خاصة بالتحكيم بمعنی تسوية المنازعات بين الناس.

فبالنسبة للنوع الأول، هناك آيات كثيرة نستنتج منها ما يلي: 1- وجوب الوفاء بالتعهدات والعقود على

صيغة الأمر، ومن ذلك الآيات التالية:

- يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود..).

 - وأفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا.... 

- وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم…

 - .... وبعهد الله أوفوا... ).

۲- أن عدم الوفاء بالعهد يؤدي إلى المساءلة والجزاء سواء في الدنيا أو الآخرة أو كليهما معا، وهو ما يشير إليه القرآن الكريم في الآية التي سبق ذكرها ... إن العهد كان مسؤولا ). وبالمقابل، فإن من يفي بالعهد، ينال أجره «ومن أوفى بما عاهد الله فسيؤتيه أجرا عظيما، وعلى الأغلب يكون ذلك في الآخرة، وربما في الدنيا أيضا. .

3- إن الوفاء بالعهد واجب حتى مع غير المؤمنين أي المشركين، ما داموا قائمين على العهد لم ينقضوه. وفي ذلك، يقول القرآن الكريم إلا الذين عاهدتهم من المشركين ثم لم ينقصو کم شیئا ولم يظاهروا عليكم أحدة فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ). .

4- إن الوفاء بالعهد هو من الإيمان، إذ من صفات المؤمنين أنهم الأمانتهم وعهدهم راعون )، أي الذين هم ينفذون تعهداتهم. وجاء في موطن آخر من القرآن أن من صفات الأبرار أو المؤمنين والموفون بعهدهم إذا عاهدوا...»، إلى أن تصل الآية إلى القول، أن من تتوفر فيهم هذه الصفات، فإنهم أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون.

وبالنسبة للنوع الثاني، وردت آیات متعددة في الحكم بين الناس بمعنی القضاء في منازعاتهم. ومن مجمل هذه الآيات نستدل ما يلي:

1- إن القرآن الكريم لا يفرق في الحكم بين الناس بين القضاء الرسمي والتحكيم الاختياري بالمفهوم القديم الجديد.

۲- يجوز التحكيم في كافة المنازعات الإنسانية، وبشكل خاص في المنازعات المالية ومنازعات الأحوال الشخصية، وعلى التحديد، بالنسبة الأخيرة، المنازعات بين الأزواج، فبالنسبة للأولى، يقول القرآن الكريم وخصمان بغا بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال اكفلنيها). وبالنسبة للثانية جاء في القرآن الكريم وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها أن يريدا إصلاحأ يوفق الله بينهما....

٣- إن التحكيم يمكن أن يكون إجبارية يفرضه القانون الوضعي بصرف النظر عن نتيجة التحكيم، ويتضح ذلك من الآية المشار إليها في البند السابق حول نزاع الزوجين، أو إختيارية يلجأ إليه المتخاصمون بطوع إرادتهم، كما في تحكيم (الأخوين الخصمين، اللذين ذهبا إلى نبي الله داود ليحكم في النزاع بينهما حول نعاجهما، وفق ما ذكرته الآية المبينة في البند السابق.

٤- إن قرار التحكيم يجب أن يبنى على العدل والحق، دون تفرقة ما بين إنسان وآخر، أو مؤمن و کافر. ويقول القرآن الكريم في هذا الشأن:

- وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»

- وأمرت لأعدل بينكم). 

- اولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا).

 - وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربي ). 

- وإن الله يأمر بالعدل والإحسان .

وتطبيقا للنصوص القرآنية السابقة وغيرها، فقد أجاز الفقهاء المسلمون، عموما، التحكيم مع اختلاف في التفصيلات والاجتهادات الفقهية، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من فقهاء القانون في كل زمان ومكان في تفسير النصوص ومجال تطبيقها). نوجز فيما يلي بعض أحكام التحكيم المستمدة من آراء الفقهاء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، دون تفرقة بين مذهب وآخر.

ثانيا: طبيعة التحكيم الاختياري

يعتبر التحكيم الاختياري اتفاق بين أطراف النزاع من جهة، وبينهم وبين المحكم من جهة أخرى، ففي المقام الأول، يجب أن يتفق المتخاصمون مع بعضهم على اللجوء إلى التحكيم مع تسمية المحكم. وبعد ذلك، يجب عليهم أن يعرضوا اتفاقهم على المحكم الذي اختاروه لقبول هذه المهمة.

وتطبق الأحكام الفقهية العامة على عقد (اتفاق) التحكيم شأنه في ذلك شأن أي عقد، ومن هذه الأحكام ما يلي):

 1- إن انعقاده بحاجة لإيجاب من أحد طرفيه وقبول من المطرف الآخر، بتطبيق هذا المبدأ على التحكيم، لا بد من إحاب من أحد المتخاصمين للجوء إلى التحكيم وقبول من المتخاصم الأحد. وبعد اتفاقهما على هذا النحو، لا بد من إيجاب آخر منهما معا وقول من المحكم الذي اختاراه للتحكيم في منازعاتهما، ويستوي في ذلك أن يكون الاتفاق الأول في شرط التحكيم وارد في العقد الأصلي قبل نشوب النزاع، أو في صيغة اتفاقية لاحقة على النزاع، وهو ما يطلق عليه في الاصطلاح الحديث بمشاطرة التحكيم). كما يستوي في الاتفاق الثاني أن يكون مباشرة بين المتخاصمين من جهة والمحكم من جهة أخرى، أو يتم ذلك بطريق غير مباشر، بأن يعهد المتخاصمان لطرف ثالث لتعيين محكم يرتضيانه أي غير مطعون فيه من أحدهما أو كليهما. وفي التطبيق الحديث، أكثر ما تتم الحالة الثانية والتحكيم المؤسسی، (institutional) مثل قواعد غرفة التجارة الدولية، أو في التحكيم الفردي أو المطلق أو الحر (ad hoc)، حيث يتفق الطرفان على سلطة ثالثة لتعيين المحكم في حال عدم اتفاقهما، كما هو الحال في قواعد اليونسترال للتحكيم لسنة 1976.

وتطبق القواعد العامة على عقد (اتفاق) التحكيم الخاصة بالإيجاب والقبول من حيث صور التعبير عن الإرادة، وضرورة مطابقة القبول بالإيجاب، والأحكام المشتركة لكل من الإيجاب والقبول وغير ذلك.

ثالثا: موضوع (محل) الاتفاق

يجب أن يكون محل الاتفاق التحكيمي قابلا للتعاقد شرعة أي، باختصار، أن يكون مالا بالمعنى الواسع. ويشمل ذلك المنقولات والعقارات والخدمات عمومأ بما في ذلك الحقوق المعنوية مثل الملكية الفكرية. وبناء عليه، إذا كان الشيء المتنازع عليه لا يعتبر مالا بالمفهوم الشرعي، فلا يجوز أن يكون محلا للتعاقد، مثل الميتة ولحم الخنزير ودین القمار، وعلى التحديد حيث يكون المتخاصمان من المسلمين، وهذا هو الرأي الفقهي التقليدي.

ومع ذلك، نرى أنه من غير المحظور شرعا أن يلجأ المتخاصمان للتحكيم التقرير طبيعة المعاملة بينهما وأثار ذلك حسب القانون الإسلامي. فعلى سبيل المثال قد يطلب من المسلم من (ب) المسلم مبلغا من المال ثمنا الخمرة باعها الأول للثاني ويرفض (ب) ذلك مما أدى إلى نشوب نزاع بينهما، في هذه الحالة، سيكون من حق (أ) أن يلجأ للقضاء بصرف النظر عن رأي القاضي في هذه الصفقة. فلا مانع إذن من الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم بدلا من القضاء. وعندئذ، فإن المحكم، مثله مثل القاضي، قد يقرر تطبيقا للقانون .

 

خواطر حول قرار محكمة التميز، الغرفة الخامسة رقم ۲۰۰۳/۱۱ ، تاريخ ۲۰۰۳/۱/۲۱ الإحالة بعد النقض؟

بقرارها رقم ۲۰۰۳/۱۱ الصادر في ۲۰۰۳/۱/۲۱ والمنشور في هذه المجلة، أبطلت الغرفة الخامسة لمحكمة التمييز القرار الصادر بتاريخ ۲۰۰۲/۱/۳۱ عن الغرفة الثالثة لمحكمة استئناف بيروت الناظرة في قضايا التحكيم والقاضي برد طلب ابطال قرار تحكيمي اوتبعا لذلك احالة الأوراق إلى محكمة الاستئناف للنظر في موضوع المنازعة وفي حدود المهمة المعينة للمحكم..

في الوقائع المعروضة في قرار محكمة التمييز، كان مصرف لبناني قد تقدم أمام محكمة استئناف بیروت بطلب ابطال قرار تحكيمي صادر عن محكم مطلق، بانية طلبه على عدد من الأسباب منها مخالفة أحكام المادتين ۳۶۸ و ۳۷۳ من قانون أصول المحاكمات المدنية (أ.م.م.)، آخذة على المحكم أنه أثار من تلقاء نفسه أسبابة واقعية وقانونية لم يدل بها الخصوم و بی قراره عليها دون طرحها على الخصوم. وبقرارها الصادر بتاريخ ۲۰۰۲/۱/۳۱، ردت محكمة الاستئناف طلب ابطال القرار التحكيمي، ما | حدا بالمصرف إلى تقديم طعن بالقرار الاستئنافي بطريق التمييز. وعشرة أيام قبل الذكرى الأولى لصدور القرار الاستئنافي المطعون فيه، أصدرت محكمة التمييز قرارة قضى بإبطال القرار الاستئنافي لمخالفة المحكم مبدأ الوجاهية بعد أن تأكدت أن الأخير لم يضع قيد المناقشة ما أدخله من تعديل على الوقائع المعروضة عليه من الخصمين وما استنتجه من خلال ذلك من وصف جديد للعلاقة القانونية. فتكون محكمة الاستئناف حسب ما جاء في القرار التمييزي قد خالفت أحكام المادتين ۳۹۷ و ۳۷۳ أ.م.م. وفسرتها تفسيرة خاطئة.

وبدلا من أن تفصل مباشرة في موضوع القضية إذا كانت جاهزة للحكم، كما تنص عليه المادة ۷34 أ.م.م. قررت محكمة التمييز إحالة الأوراق إلى محكمة الاستئناف للنظر في موضوع المنازعة.

پستوقفنا هذا الجزء الأخير من قرار محكمة التمييز الذي يدخل في صميم آلية طرق الطعن وما لها من خصوصيات في القانون اللبناني قياسا للقانون الفرنسي الذي استقى منه المشترع اللبناني معظم أحكام قانون أصول المحاكمات. أما باقي النقاط القانونية التي تناولها القرار فقد تم التعليق عليها من قبل الدكتور عبدو غصوب في هذه المجلة؟).

سنبحث في مدى توافق قرار الإحالة والقانون الوضعي اللبناني (أولا)، سنتوقف من ثم عند تعليله (ثانيا)، وعند إمكانية الانطلاق منه لإعادة النظر في بعض أوجه الطعن بطريق التمييز (ثالثة).

أولا: مدى توافق قرار الإحالة والقانون الوضعي اللبناني

من ناحية قواعد أصول المحاكمات المدنية العامة (غير المتعلقة بالتحكيم)، إن المبدأ المكرس في المادة ۷۳4 أ.م.م. واضح جدا ويفرض على محكمة التمييز، في حال نقض القرار الأستئنافي المطعون فيه، أن تفعل مباشرة في موضوع القضية إذا كانت جاهزة للحكم، وإلا أن تعين موعدا لسماع المرافعات أو لاجراء ما تراه ضرورية من تحقيق. تحول عندها محكمة التمييز من المحكمة علياء، كما وصفتها صراحة المادة ۷۰۳ أ.م. م.، تنظر فقط في مخالفة القواعد القانونية، إلى محكمة درجة ثالثة، إذ لها أن تطبق الأصول المتبعة لدى محكمة الاستئناف التي وصفتها المادة ۹۳۸ أ.م.م. بمحكمة الدرجة الثانية. وفي المحاكمة اللاحقة للنقض، تحكم محكمة التمييز في القضية من جديد في الوقائع والقانون، (مادة ۷۳۶ أ.م.م.).

فهل لهذا المبدأ العام استثناءات في مادة التحكيم؟ وبأكثر دقة، السؤال المطروح هو التالي: هل أن قرار محكمة الاستئناف الذي يرد طلب ابطال قرار تحكيمي قابل للطعن بطريق التمييز، ومن ثم هل يعود لمحكمة التمييز البت في موضوع القضية التحكيمية في حال نقضت القرار الاستئنافي؟

لقد أجابت محكمة التمييز في القرار موضوع هذه الخواطر بالايجاب على القسم الأول من السؤال (قرار محكمة الاستئناف قابل للطعن بطريق التمييز)، وبالنفي على القسم الثاني منه (لا يسع لمحكمة التمييز النظر في القضية بعد قرار النقض).

من الواضح أن الجواب الأول متوافق تماما وأحكام الفقرة الثالثة من المادة 804 أ.م.م. التي تنص على أن القرار الصادر عن محكمة الاستئناف في الطعن بطريق الابطال بقرار تحكيمي (وأيضا في الاستئناف) يقبل التمييز. وكانت الهيئة العامة لمحكمة التمييز قد وصلت إلى نفس النتيجة حتى قبل التعديل الذي ادخل على نص الفقرة الثالثة من المادة 804 أ.م.م. والذي الحط صراحة إمكانية العلين بطرق التمييز، إلا أن الجواب الثاني الذي ادى بمحكمة التمييز إلى إحالة الأوراق إلى محكمة الاستئناف لا يتماشى والقسم الأخير من الفقرة الثالثة عينها من المادة 804 التي تخضع التمييز للقواعد العامة.

ففي ظل الاشارة الصريحة إلى القواعد العامة للتمييز التي تضمنتها الفقرة الثالثة من المادة 804 ا.م.م.، وفي غياب أي نص خاص بالتمييز في قضايا التحكيم، يصعب على المحكمة العليا التمييز على هذا الصعيد بين القضايا التحكيمية والقضايا القضائية العادية. فالقرار الصادر عن محكمة الاستئناف برفض الطعن بالأبطال هر قابل للطلعن طبقا للقواعد العامة دون أي استثناء. فلم يميز المشترع في أي نص، عام أو خاص، بین القواعد العامة الواجب تطبيقها من قبل محكمة التمييز، ولم يفرق بين «الاستئناف العادية واستئناف من نوع أخر، عكس ما جاء في الحيثية ما قبل الأخيرة من القرار موضوع هذه الخواطر. ندخل إذا أحكام المادة ۷34 أ.م.م. في إطار هذه القواعد العامة، وصراحة أحكام الفقرة الثالثة من المادة 4 ۸۰ أ.م.م. لا تسمح بالتمييز حيث المشترع لا يميز، كما ولا نسمح بتفسير هذه الأحكام إذ لا تفسير حيث لا غموض في النص وفق أحكام المادة 4 أ.م.م. وعملا بنظرية النص الواضح) interpretatio Cessat in claris

فإذا كان التفسير غير ممكن في حالتنا هذه، فبشكل أولى لا مجال الخلق آلية جديدة في طرق الطعن لن يلحظها القانون، سيما وأن هذه الآلية معروفة في القانون اللبناني في بعض الحالات الخاصة ولم يأخذ بها المشترع في التمييز مبتعدة بذلك عنوة عن التشريع الفرنسي. 

قانون أصول المحاكمات المدنية اللبنانية الإحالة (Renvoi) في أحكام خاصة، أهمها المادة ۹۱ أ.م.م. : في حال أقيمت الدعوى أمام الغرفة الابتدائية و كان اختصاص النظر فيها يعود إلى القسم، نحال الدعوى ادارية إلى القسم. ويسري الحل نفسه في الاتجاه المعاكس، من القسم إلى الغرفة الابتدائية، إلا أنه يشترط لتصح الاحالة أن يتبع القسم والغرفة الابتدائية المحكمة الدرجة الأولى نفسها.

 فالاحالة ممكنة هنا بأمر من المشترع وفقط لأن الأقسام والغرف الابتدائية يؤلفون معة محكمة الدرجة الأولى عملا بأحكام المادة ۸۰ أ.م.م. فما كانت الاحالة ممكنة بين محاكم من أصناف ودرجات مختلفة لأن ذلك يناقض قواعد الاختصاص النوع بالتنظيم القضائي وإذا بالانتظام العام. والاحالة ملحوظة أيضا ز مثل سبق الادعاء والتلازم عملا بأحكام المادة 56 أ.م.م

أما على صعيد محكمة التمييز، فإن الاحالة غير ملحوظة في القان اللبناني)، لا بل ان المشترع اللبناني اختار عن سابق على عدم الأخذ الآلية. فالقانون الفرنسي يفرض مبدئية على محكمة التمييز بعد نقض المسلمون فيه الأحالة أمام محكمة استئناف مختلفة عن تلك التي أحد القرار المطعون فيه، أو أمام نفس المحكمة ولكن مكونة من قنا مختلفين. وقد اقترب التشريع الفرنسي من نظيره اللبناني في عام ۱۹۷۹ عندما أعطى محكمة التمييز في بعض الحالات حق النقض دون الاحالة. ففي فرنسا إذأ الاحالة الزامية، وقد وضع لها المشرع ألية دقيقة الجهة المحكمة التي تقدم إليها، وكيفية وضع يد هذه الأخيرة على القضية ومدي اختصاصها). فلا يكفي اقرار الإحالة، بل يجب تنظيم سيرها وتأمين قبولها من قبل المحكمة المحال إليها بحيث تعود المحاكمة السابقة ونسي أمامها بين الخصوم الذين يعودون إلى الحالة التي كانوا عليها قبل النطق بالقرار المطعون فيه). فالعبارات الطقسية التي تختم بها القرارات الصادرة عن المحكمة العليا الفرنسية الجهة الاحالة ترتكز على آلية قانونية واضحة. أما عبارة واحالة الأوراق التي استعملتها محكمة التمييز في القرار موضوع هذه الخواطر، فلا ترتكز إلى أية آلية وسوف نعود إلى ذلك لاحقا. بالرغم من قرابة نصوص قانون أصول المحاكمات المدنية في لبنان وفرنسا، فإن مسألة الاحالة نشكل فارقة جذرية بينهم ولا يمكن ازالته بقرار قضائي إذ لا يمكن تعديل قانون أصول المحاكمات المدنية سوى بنص قانوني، عملا بأحكام المادة ۱۰۲ أ.م.م.

وصعوبة تطبيق قرار الإحالة هذا كبيرة: كيف تتم هذه الاحالة في حين تكون محكمة الاستئناف قد رفعت يدها نهائيا عن القرار المطعون فيه ويمتنع عليها أن تعود إلى نظر هذه القضية والحكم فيها من جديد، وذلك تحت طائلة ابطال هذا الحكم (۴۱۱ فلا يسع للخصوم اعادة طرح القضية على محكمة الاستئناف، كما ولا يسع المحكمة التمييز أن تفرض عليها اعادة النظر فيها، إذ أن المشترع لم يعطيها هذه السلطة. فإذا كانت محكمة التمييز تقف على رأس هرم القضاء العدلي، وإذا كان القضاء العدلي يخضع المبدأ التراتبية، فذلك لا يعني أنه يسع لمحكمة الدرجة الأعلى فرض موجبات على المحاكم الأدنى درجة خارج الأطر المحددة في القانون. فالتراتبية تتعلق بطرق الطعن) وليس بسلطات المحاكم تجاه بعضها البعض.

فكيف يمكن إذا لمحكمة الاستئناف اعادة النظر بقضية أصدرت فيها قرارة نهائية مما يخرج القضية من يدها عملا بأحكام الفقرة الأولى من المادة ۵۳ه أ.م.م.؟ وكيف يمكن لها أن تنظر في قضية لن يدخلها المشرع في مدي اختصاصها، إذ أن الأحكام القابلة للاستئناف محددة في القانون، خاصة في المادتين 13 و134 أ.م.م.؟ فمحكمة الاستئناف نظر مبدئية في جميع الأحكام النهائية الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى، ولم يشذ المشرع عن هذا المبدأ الا في حالات استثنائية؟). وأخيرا كيف يمكن احالة الملف إلى نفس المحكمة التي أصدرت القرار المطعون فيه، في حين أن الإحالة في النظام الفرنسي لا تصح إلى نفس المحكمة إلا في حالات استثنائية وشرط أن تتشكل من قضاة مختلفين؟

ثانيا: مناقشة تعليل قرار الإحالة:

عللت محكمة التمييز قرار الإحالة بأنه لا يجوز لها أن تبت في موضوع النزاع التحكيمي في مرحلة ما بعد النقض... لأن هذه المحكمة تستمد ولاينتها في ذلك من ولاية محكمة الاستئناف التي أصدرت القرار المنقوض ومحكمة الاستئناف لم تكن قد وضعت يدها على النزاع التحكيمي لا بفعل المفعول الناشر ولا عن طريق التصدي. إلى ذلك، أضافت المحكمة العليا أن حقوق الخصوم محفوظة في أن هذا الحل، يحفظ حقوق الفريقين إذ يجعل القرار التحكيمي (كذا) الجديد الذي سيصدر عن المحكمة خاضعة للطعن.

إن المبادئ الأساسية للمحاكمة تضمن للخصوم حق التقاضي على درجتين وليس على ثلاث درجات، وأن هذه الضمانة كانت محفوظة لو نظرت محكمة التمييز في القضية بعد النقض، فلا داعي إذا لحفظ حقوق الخصوم بثلاث درجات محاكمة (تحکیم، استئناف، وتمییز). إلى ذلك، فإن المفعول الساحب (Evocation)، الملحوظ في المادة 164 أ.م.م. والذي ينطبق أصلا على محكمة الاستئناف وأيضا على محكمة التمييز عملا بأحكام المادتين ۷۳4 و ۸۰، فقرة ۳ أ.م.م.، يفرض على المحكمة التي تنظر في حكم نهائي قضى برد الدعوى لسبب لا يتعلق بالموضوع أن ننظر في الموضوع. فإن لن تنظر محكمة استئناف بيروت في النزاع التحكيمي عن طريق التصدي (أو المفعول الساحب) كما ذكره القرار التمييزي موضوع هذه الخواطر، فذلك مرده إلى أن المحكمة ردت طلب إبطال القرار التحكيمي العدم توافر أي من الحالات المنصوص عليها في المادة ۸۰۰ أ. م. م. فكان الطعن غير جائزه. فلا داعي إذا المحكمة الاستئناف أن تضع يدها على النزاع التحكيمي إذا اعتبرت أن الطعن بطريق الأبطال كان في غير محله، إذ أن الحل المعاكس يؤدي إلى نسف كل ألية طرق الطعن في المواد التحكيمية بحيث يكفي للفريق الذي خسر المحاكمة التحكيمية والذي لا يحق له استئناف القرار التحكيمي أن يتقدم بطعن عن طريق الأبطال دون أي وجه حق ليحصل من محكمة الاستئناف على اعادة النظر في القضية التحكيمية بر منها. وهذا غير مقبول بالطبع إذ أن سلوك طريق الأبطال ممكن فقط في حالات محددة حصرة، ولو اعتبرنا جدلا أنه كان يتوجب على محكمة الاستئناف أن تضع يدها على النزاع التحكيمي عن طريق التصدي بالرغم من اعتبارها أن الطعن مردود أصلا، فامتناعها عن ذلك بشكل مخالفة لنص المادة 164 أ.م.م. مما يسمح بسلوك الطرق الطعن المعينة في القانون»، أي التمييز وفق القواعد العامة، عملا بأحكام المادة 113 أ.م.م.

في غياب أي تمييز بين المحاكمة القضائية والمحاكمة التحكيمية على هذا الصعيد، كان يسع للمحكمة العليا (بل يتوجب عليها أن تنظر في القضية التي صدر فيها القرار التحكيمي. فكما كتبه الدكتور عبدو غصوب في تعليقه ولا يوجد أي مبرر يحول دون لجوء محكمة التمييز إلى الفصل مباشرة في موضوع النزاع بعد ابطال القرار المطعون فيه استنادا إلى المادة ۷۳۶ أ.م. م. فتبت في مرحلة أولى في صحة القرار التحكيمي أو عدمها عبر ابطال القرار الاستئنافي الفاصل بالأبطال أو الإبقاء عليه، ثم تنتقل في مرحلة لاحقة، إذا اختارت ابطال القرار الاستثنائي، إلى النظر في موضوع المنازعة التحكيمية ).

إلا أن قرار محكمة التمييز هذا يسمح لنا بطرح مسألة أوسع تتعلق بمشكلة كثرة عدد الملفات العالقة أمام المحكمة العليا، وتدخل الاحالة ضمن الحلول المقترحة.

ثالثا: ادخال الإحالة في اطار حل شامل لسير العمل أمام محكمة التميز

يمكن البحث عن حل لمشكلة ارتفاع عدد القضايا المطروحة على المحكمة العليا من خلال العودة إلى مبدأ أساسي من الضروري أن يقی الطعن عن طريق التمييز طريقة إستثنائية بالمعنى الدقيق للعبارة، وأن تبقى محكمة التمييز حقأ المحكمة العليا، بشكل لا يكون فيه التمييز درجة ثالثة للتقاضي، ومن هذا المنطلق، يمكن قبول نكرة حصر الطعن عن طريق التمييز ليس فقط بأسباب محددة حصرأ (Cas d'ouvertured cassation) منصوص عليها في المادة ۷۰۸ أ.م.م.، ولكن أيضا (de lege ferenda ضمن حدود عملية أخرى، فبالاضافة إلى أسباب التمييز، يمكن الحد من عدد الطعون بالحد من عدد المحامين المخولين بتقديم الطعون، وبانشاء غرفة متخصصة في فرز الطعون المقدمة، وأخيرة بالاحالة إلى محاكم الاستئناف بعد قرار النقض.

من الواضح أن المشكلة الحالية تكمن في نظرة المتقاضين والمحامين إلى التمييز كدرجة ثالثة للتقاضي وفي إمكانية كل محام بتقديم الطعن بطريق التمييز. فإذا تم الحد من عدد المحامين المخولين بتقديم الطعن، كما هو الحال مع المحامين المتخصصين (Avocats aux conseils) المحدد عددهم بأقل من مئة محام في كل فرنسا، تكون النتيجة إيجابية على صعيد المسألة التي تهمنا: فالعدد الصغير للمحامين المتخصصين يؤدي حتما إلى الحد من عدد الطعون، مما يؤثر مباشرة على نوعية الطعون، إذ أن هؤلاء المحامين لن يتقدموا سوى بالطعون التي يعتبرونها جدية وجديرة بالانتباه انتباههم وإنتباه محكمة التمييز.

إلى ذلك، يجوز التفكير بإنشاء غرفة متخصصة بفرز الطعون على غرار الغرفة التي كانت موجودة في محكمة التمييز الفرنسية قبل عام ۱۹۹۷ (Chambre des requetes) نكون مخولة برد گل طعن تعثرون دون عرضه على الغرف. من شأن إنشاء هذه الغرفة وضع مرحلة ثانية بعد الفرز الذي يقوم به المحامون المتخصصون)، وإذا تقليم عددا المطروحة على المحكمة العليا.

وأخيرة، وهذا يعيدنا إلى القرار موضوع هذه الخواطر، من شأن اول الإحالة على نظام المحكمة العليا اللبنانية أن يعطي هذه المحكمة بوردا الحقيقي وهو حراسة القانون («Sentinelle du droit»)) بعد تحريرها موجب البت في القضية برمتها. فيكون القرار الصادر عن محكمة التمييز جاء على شكل تحريض (Armet de provocation)" لبحث المشرء على ادخال تعديل جذري على آلية التمييز وهنا لا يسعنا إلا أن نشاطر المحك موقفها.