الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / المرحلة الثالثة: التحكيم الدولي في عهد منظمة الأمم المتحدة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / إجراءات التحكيم – الشهود

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    549

التفاصيل طباعة نسخ

    قبل تأسيس منظمة الامم المتحدة اثر انتهاء الحرب العالميـة الثانيـة، كانـت الامبراطوريـات الاستعمارية تستأثر بمعظم عمليات التجارة الخارجية، وهذا ما حملها على وضع انظمتهـا الخاصـة لقواعد التجارة الخارجية بما فيها اللجوء الى التحكيم لحل النزاعات الناشئة بين التجـار. فـصدرت أولاً القواعد الفرنسية ثم تلتها القواعد البريطانية. إلا أنه، بعد إنشاء منظمـة الامـم المتحـدة عـام 1945، تمكنت دول عديدة وأكثرها من العالم الثالث، من تحقيق استقلالها. عندها، وجدت نفسها أمـام علاقات اقتصادية متنامية ومبادلات تجارية مع الدول الكبرى، مما حملها علـى الاستعانة بمنظمـة الامم المتحدة لايجاد نظام اقتصادي يؤمن عدالة التعامل بين الدول الكبرى ودول العالم الثالث.

    وكان أن أنشئت لجنة الامم المتحدة لقانون التجارة الـدولي UNCITRAL أو CNUDCI التي وضعت مشروع قواعد التحكيم الذي أقرته الجمعية العامة للامم المتحدة يـوم 15 دسمبر 1976 بالقرار رقم 31/98 ثم أردفته بالقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بصيغته التـي اعتمدتها اليونسترال في 21 حزيران 1985.

    يتبين أن الغاية من وضع هذين النصين (القواعد والقانون النموذجي) هـو التوصـل الـى موافقة البلدان ذات النظم القانونية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة على القبول بقواعد موحـدة للتحكيم الخاص بغية تأمين أفضل الوسائل لتسوية المنازعات الناشئة في إطار العلاقات التجارية الدولية .

     إن أحكام اليونسترال جاءت بشكل توجيهات Directives لمساعدة فرقاء النـزاع وهيئـة التحكيم على حسن سير الاصول التحكيمية .

    قبل اليونسترال كانت الهيئة التحكيمية تضع حلاً للتساؤلات التي تعترض مراحل المحاكمـة التحكيمية، فور بروز تلك التساؤلات، وكانت الهيئة تصدر قرارات اجرائيـة يتـولى الطرفـان المتنازعان تطبيقها في مراحل المحاكمة .

    إن ندوتنا اليوم منصبة على موضوع الاجراءات الشفوية والكتابية المنصوص عنهـا المادة 24 من قانون اليونسترال النموذجي ضمن الفصل الخامس المعنـون: "ســر اجـراءات التحكيم".

   لم يطرأ على هذه المادة أي تعديل منذ عام 1985 حتى اليوم بما في ذلك التعديلات المعتمدة عام 2006.

    وترتكز اجراءات التحكيم على مبدأ المساواة بين الطرفين المتنازعين، وعلى حريتهما فـي الاتفاق على الاجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم اتباعها، وإلا فإن هيئة التحكيم تقوم بوضع الاجراءات المناسبة بما فيها بت في مقبولية الادلة المقدمة وصلتها بالموضوع وجدواها وأهميتها. وتشتمل هذه الاجراءات: مكان التحكيم، مكان سماع الشهود أو الخبـراء أو طرفـي النـزاع، والمعاينة المادية او فحص المستندات أو لغة التحكيم او ترجمة المستندات الى اللغة المعتمدة. كما تشمل الاجراءات مدة تقديم الطلبات ونقاط النزاع والجواب عليها.

   إننا نحصر كلامنا في هذه المداخلة بموضوع الشهادة كوسيلة اثبات الدعوى او الدفاع.

   ونشير الى المادة 20 فقرة 2 من قانون اليونسترال النموذجي التي تجيز لهيئة التحكـيم أن تجتمع في أي مكان تراه مناسباً لسماع الشاهد ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك.

    أما لجهة قواعد التحكيم في اليونسترال فإن المـادتين 24 و 25 تتنــاولان أدلـة الاثبـات والمرافعات الشفوية انطلاقاً من أن عبء اثبات الوقائع يقع على اي من الطرفين بطلب الإسـتناد اليها في تأييد دعواه او دفاعه. ولهيئة التحكيم ان تطلب خلال المدة التي تحـددهـا تقـديم ووسائل الاثبات المبينة في الدعوى او الدفاع.

     أما المادة 25 – فقرة 2 – فإنها تنص على أنه إذا تقرر سماع شهود يقوم كل طرف بابلاغ هيئة التحكيم والطرف الآخر، قبل انعقاد جلسة أداء الشهود بخمسة عشر يوماً على الاقل، بأسماء الشهود الذين يعتبر تقديمهم وغايتهم والمسائل التي سيدلي هؤلاء الشهود بشهاداتهم فيها واللغـات التي سيستخدمونها في أداء الشهادة.

   أما الفقرة /4/ من المادة 25 تنص على أن جلسات سماع الشهود تكون مغلقـة مـا لـم يتفـق الطرفان على خلاف ذلك، ولهيئة التحكيم ان تطلب من اي شاهد او عدد من الشهود الخـروج مـن قاعة الجلسة أثناء إدلاء شهود آخرين بشهاداتهم ولها حرية تحديد الطريقة التي يستجوب بها الشهود.

    كما تجيز الفقرة /5/ من المادة 25 من قواعد اليونسترال تقديم الشهادة في صورة بيانــات مكتوبة تحمل توقيعات الشهود.

    لم يتطرق قانون اليونسترال الى شروط قبول شهادة الشهود أو أهليتهم والتمانع في سماع شهادة الإجراء أو الأقرباء أو المحامين كيفية استدعائهم أو تحليفهم اليمين تحت طائلة البطلان أو الاستماع إليهم على سبيل المعلومات مع أنه اكتفى بقبول الشهادات الخطية الموقعة. كما أنه لم يتطرق الى الاستغناء عن سماعهم أو تغريم من لم يحضر منهم، أو انتداب أحد أفراد الهيئة التحكيمية لسماعهم أو تعيين نفقاتهم، أو اجراء مقابلة فيما بينهم أو تأمين حرية أداء الشهادة، وهي الامور التي ترعاها مثلاً المواد 254 الى 298 من قانون أصـول المحاكمـات المدنيـة اللبناني.

    والسؤال المطروح هل أن غياب هذه الأحكام والإجراءات المعتمدة في القوانين الداخلية عن القانون النموذجي وعن قواعد التحكيم في اليونسترال يعني عدم إمكانية تطبيق هذه الاحكام مـن قبل هيئة التحكيم أو أنه يعود لهذه الهيئة أن تقرر ما يناسب منها أو ما يتفق عليه الطرفان بشأنها.

    يبدو أن الجواب على هذا السؤال مبني على مبدأين:

- حرية قرار الهيئة التحكيمية في اللجوء الى الشهادة كوسيلة اثبات ضرورية.

- تقدير ملاءمة دعوة الشهود أو الاكتفاء بأن الهيئة أصبحت ملمة بالوقائع دون الحاجة الى سماع الشهود.

   اما عند الحاجة الى سماع الشهود فإن الامر يعود الى قرار الهيئة التحكيمية لإكمال الإثباتات المقدمة في الملف أو بناء لطلب اي من الفريقين.

    وهنا يدخل عامل الثقافة القانونية لدى المحكم حول التعويل على سماع الشهود او إمكانيـة الاكتفاء بأوراق الدعوى دون تعزيزها بالشهادة.

    ومن الرجوع الى نظام التحكيم المتبع في غرفة التجارة الدولية، نرى أن المادة 20 من هذا النظام التي تتناول "تحقيق القضية" تجيز لهيئة التحكيم، أن تستمع الى شهود أو خبراء عيـــــنهم الاطراف أو لأي شخص، وذلك بحضور الأطراف، أو بغيابهم اذا ما كانوا قـد أعلنـوا إعلانـاً صحيحاً دون التطرق أيضاً الى نظام الشهادة المفصل المعتمد في القوانين الداخلية مثل أصـول المحاكمات.

    يتبين من هذه النصوص المقتضبة في اليونسترال أو في غرفة التجارة الدوليـة أن منطلـق وأساس الإجراءات الواجب اعتمادها في التحكيم تنبع من اتفاق الفرقاء عليها ومن استنساب هيئة التحكيم لها، دون التقيد بأصول قانونية آمرة، وذلك بغية الوصول الى الحلول الأكثـر ملاءمـة وتقصير أمد المحاكمة التحكيمية التي هي الحافز الاساسي للجوء الى التحكيم الى جانب اختيـار المحكمين ونظام التحكيم ومكانه ولغته وغيرها من الأمور المرتكزة فقط الى اتفاق الفرقاء وهـو الركن الأساسي الفعال في التحكيم.

    وعليه نرى من المستحسن الإبقاء على نص المادة 24 من قانون اليونسترال مـع إضـافة بعض النقاط الواجب التذكير بها مثل:

    أهلية الشهود، وشروط قبول شهادتهم، ومبدأ التمانع فيما يعـود الـى الأهـل والـوكلاء والمستخدمين، وتحليف اليمين، وتعيين النفقات.

     وطالما أن هذه الامور تدخل في خانة الإجراءات التي يحق للفريقين الإتفاق عليها او يحـق للهيئة التحكيمية اتخاذ القرار المناسب بإعتمادها، فإننا نكتفي بوجوب إضافة نص يذكـر بها دون الإكتفاء فقط بحق استماع الشهود وتحديد المكان لهذه الغاية المنصوص عنها فـي المـادتين 20 و24 من قانون اليونسترال النموذجي ومن المادتين 24 و 25 من القواعد.

     ولا بد من التذكير بأنه لدى مناقشة نظام اليونسترال في فيينـا دعت الأمانة العامـة الـى دراسة امكانية تعديل المادة 24 على نحو ما هو منصوص عليه في قواعد بعـض المؤسـسات التحكيمية مثل LCIA (مادة 22) والـ SIAC (مادة 25) والـ WIPO (مـادة 48 ب)، إلا أن ممثل السويد أشار بأن التحكيم في الأصل نظام خصوصی adversarial وليس نظاماً تحقيقياً أو استقصائيا inquisitorial وبالتالي يجب ترك هذا النص على حاله دون تعديل وهو الامر الـذي أيده ممثل الولايات المتحدة الأميركية. ولذلك انتهت المناقشة الى ضرورة ترك هذا الـنص دون تعديل.

    اما على الصعيد التطبيقي فإن حرية المتنازعين وحق التقدير للهيئة التحكيميـة هـو الـذي يتحكم بالأصول المنصوص عنها في المادة 24 من القانون النموذجي والمادتين 24 و 25 مـن قواعد التحكيم التي حتى اليوم دون إدخال أي تعديل عليها.

    وبما أن التحكيم هو نظام قضائي يبحث عن الحق والعدل، وليس مقيداً بقيود تحد من سلطة المحكمين في الوصول الى الحقيقة والحق والعدل، فإننا نرى تعديل المادة 24 من العقد النموذجي بما يجيز للمحكمة التحكيمية حرية طلب تقديم أدلة يمكن أن تستخدمها المحكمة من تلقاء نفسها، وهذا ما يؤمن مزيداً من المرونة لكي تتوصل المحكمة الى المزيد من الحق والعدل والحقيقة. ولا بد أيضاً من إضافة الى الفقرة /4/ من المادة 25 من قواعد اليونسترال ما يحدد أهليـة الـشهود وشروط قبول شهادتهم ومبدأ التمانع لإداء الشهادة من الأهل والوكلاء والمـستخدمين وتحليـف اليمين وتعيين نفقات الشهود، علناً بذلك نكون قد قمنا بتوفير مزيد من الدقة في وسيلة هامة مـن وسائل الاثبات وهي شهادة الشهود.